المطلب الأول
مرحلة ما قبل الجلسة الأولى
يتعين على القاضي قبل الجلسة الأولى أن يطلع على ملف الدعوى بما يحويه من لائحة الدعوى واللائحة الجوابية ومرفقاتهما ، وأن يتحقق مما يأتي :
أولا : الرسوم المدفوعة : ذلك أنه وفق المادة 3 من قانون رسوم المحاكم رقم 1 لسنة 2003 لا تقبل دعوى دون دفع الرسوم كاملة ما لم تكن الرسوم مؤجلة أو الدعوى معفاة من الرسوم مثل الدعاوى العمالية . فعلى القاضي في غير الدعاوى المعفاة من الرسوم ، أن يتحقق – من نوع الدعوى – ما إذا كان تقدير قيمتها صحيحا وأن الرسوم عنها مدفوعة بالكامل ، وتكليف المدعي بإكمال الرسوم في حال نقصها قبل بدء السير في الدعوى .
وقد حددت المواد 31 – 38 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية قواعد تقدير قيمة الدعوى ؛ التي يفترض أن يلم القاضي بها حتى يمكنه التحقق من صحة التقدير وبالتالي أن الرسوم المدفوعة صحيحة وكاملة أم لا .
فتقدير قيمة الدعوى تقديرا صحيحا لا يتوقف عليه مقدار الرسوم المستحقة عليها وهي حق للخزينة فقط ، بل إن ذلك يتوقف عليه أيضا تحديد الاختصاص القيمي للمحكمة ، سواء بالنسبة لاختصاص محاكم الصلح والبداية ، أم بالنسبة للهيئة التي كانت تنظر الدعوى في محكمة البداية وما إذا كانت من قاض فرد أم هيئة ثلاثية، حيث كان نصاب القاضي الفرد هو 100 ألف دينار وما زاد على ذلك من اختصاص هيئة ثلاثية؛ إلى أن ألغيت الهيئة الثلاثية في الدعاوى المدنية بموجب المادة 2 من القرار بقانون رقم 15 لسنة 2014 المنشور في العدد رقم 108 من الوقائع الفلسطينية بتاريخ 15/7/2014 التي عدلت المادة 14 من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 5 لسنة 2001 والتي نصت في الفقرة 2/ب منها على أنه ” تنعقد محكمة البداية من قاض فرد – للنظر في كافة الدعاوى المدنية الخارجة عن اختصاص محاكم الصلح مهما بلغت قيمتها”. وهذه المسائل كلها تتعلق بالنظام العام وإغفالها قد يترتب عليه بطلان الإجراءات ونقض الحكم بعد أن تكون قد استغرقت سنوات طويلة . وعلى الرغم من أن تقدير المدعي لقيمة الدعوى يكون صحيحا في كثير من القضايا ولا مشكلة في ذلك بالنسبة للمطالبات المالية ، إلا أن هذا التقدير يحتاج إلى وقفة تدقيق وتحقق في بعض الدعاوى ؛ وبخاصة تلك التي يكون موضوعها عقارا ، فغالبا ما يقدرها المدعي لغايات الرسوم بقيمة أقل من حقيقتها ؛ إما لتنظر من محكمة الصلح ؛ أو لتوفير الرسوم ؛ أو لتنظر من قاض فرد في محكمة البداية. لذلك على القاضي في هذه الدعاوى أن يتحقق من القيمة الحقيقية للعقار وقت إقامة الدعوى عملا بالمادة 31 أصول مدنية .
وكذلك يلزم التدقيق في رسوم الدعوى عندما يكون موضوع الدعوى المطالبة بأكثر من شيء ، كما في الدعوى رقم 691/2003 صلح نابلس المسجلة لدى قلم المحكمة بتاريخ 11/10/2003 ، حيث كان موضوع الدعوى : تخلية مأجور ومطالبة بمبلغ 2250 دينار أردني ، غير أن الرسم المدفوع عنها كان مبلغ 22.5 دينار فقط ، أي رسم المبلغ المطالب به ولم يلتفت القاضي أن المدعي لم يدفع رسما عن دعوى إخلاء المأجور ، وكذلك محكمة البداية بصفتها الاستئنافية التي قررت الحكم بتخلية المستأنف عليه من المأجور بتاريخ 3/5/2011 ، مما أدى إلى نقض الحكم لعدم دفع الرسم عن دعوى التخلية بعد هذه المدة الطويلة من الزمن .
كما يلزم في حالة تعدد المدعين التحقق مما إذا كانوا يطلبون حقا واحدا أم حقوق متعددة ، كما في الدعوى رقم 96/2006 بداية جنين التي سجلت لدى قلم المحكمة بتاريخ 26/6/2006 ، حيث كانت المدعيتان تطالبان بحقوق عمالية من المدعى عليها مبلغ ( 71146 شيكل يعادل 11116.5 دينار أردني ) ولم تلحظ المحكمة أن هذا المبلغ هو مجموع التعويض للمدعيتين ، وأن حق كل منهما ناشئ عن عقد عمل مستقل عن الأخرى ، وأن الاختصاص بنظر الدعوى من حيث قيمة حق كل منهما يعود لمحكمة الصلح لاختلاف سبب المطالبة عملا بالمادة 37/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية ، ولذلك سمعت الدعوى وأصدرت حكمها فيها بتاريخ 6/9/2009 ، ولم تلتفت محكمة الاستئناف لمسألة الاختصاص من حيث قيمة الدعوى أيضا وأصدرت حكمها في الاستئناف بتاريخ 7/2/2010 ، مما أدى إلى نقض الحكم وإعادة الدعوى لنظرها من جديد من قبل محكمة الصلح .
ومن الدعاوى التي تحتاج إلى تقدير قيمتها دعوى تنفيذ وكالة دورية ، فقد جرت عادة المحامين على اعتبارها غير مقدرة القيمة ، في حين أن الغاية منها هي نقل ملكية العقار المحدد فيها إلى المدعي، بمعنى أنها تعد دعوى عقارية وتقدر قيمتها وفق المادة 34 بقيمة العقار .
كما أن من المسائل التي يلزم الانتباه إليها بدل ساعات العمل الإضافي في الدعاوى العمالية ، فهي وفق أحكام محكمة النقض الحديثة لا تخضع للإعفاء من الرسوم (9)
ثانيا : الاختصاص ، سواء بالنسبة
- الاختصاص القيمي ، وهو يتوقف على قيمة الدعوى التي تحقق القاضي من صحة تقديرها وقد سبق الإشارة إليه عند الكلام في تقدير قيمة الدعوى .
- النوعي ، حيث إن اختصاص قاضي الصلح النوعي محدد في المادة 39 على سبيل الحصر . ومن المسائل التي تحتاج إلى وقفة ما ورد في الفقرة (ه) من تلك المادة ؛ حيث درج المحامون على إقامة دعوى إثبات ملكية ومنع المعارضة في منفعة عقار لدى محاكم البداية ؛ ولم يتنبه القضاة إلى الفرق بين إثبات الملكية في العقار وبين ملكية المنفعة فقط ، فالأولى تخضع لتقدير قيمتها ، بينما الثانية من اختصاص محاكم الصلح نوعيا ؛ وهي تكون كذلك في الأراضي الوقفية ، حيث لا يكون للمدعي سوى حق المنفعة ؛ بينما تكون ملكية الرقبة للوقف كما سنبين عند الكلام في تكييف الدعوى .
- الوظيفي ، للتحقق مما إذا كانت الدعوى من اختصاص القضاء النظامي العادي أم من اختصاص محاكم أخرى سواء العدل العليا أم المحاكم الشرعية مثلا ، كما سنبين عند الكلام في تكييف الدعوى. ولكن يلاحظ هنا أن المحاكم في المحافظات الشمالية – الضفة الغربية – قد جرت على نظر دعاوى إبطال قيود في دائرة ضريبة الأملاك ( المالية)‘ علكا بأن هذه الدعاوى تخرج عن اختصاص المحاكم النظامية، لأن قانون ضريبة الأبنية والأراضي داخل مناطق البلديات رقم 11 لسنة 1954 المعجل بالقانون رقم 26 لسنة 1955 حدد الخطوات والإجراءات التي يجب على لجنة التخمين اتباعها لوضع قائمة التخمين والإعلان بإيداعها… وأجاز لأي شخص ذي علاقة أن يبلغ لجنة التخمين إشعارا خطيا باعتراضه خلال ثلاثين يوما من تاريخ إعلان إيداع قائمة التخمين ( المادة 9) وقرر في المادة 10 منه لأي شخص يعتبر أنه لحقه حيف من جراء القرار الذي تتخذه لجنة التخمين بشأن اعتراض قدم على قائمة التخمين؛ الحق في أن يستأنف ذلك القرار خلال أربعة عشر يوما من تاريخ تبلغه الإشعار بقرار لجنة التخمين؛ إلى لجنة استئناف يعينها وزير – الحكم المحلي حاليا- ، ويكون قرار لجنة الاستئناف نهائيا.ولم يفطن أي من القضاة أو المحامين للاختصاص في هذا النوع من القضايا رغم تعلقه بالنظام العام، غير أنه تم مؤخرا إثارة الدفع بعدم الاختصاص في دعوى لدى محكمة بداية الخليل تحمل الرقم 34/2010، ولم تفصل فيه بعد.
ثالثا ـ تكييف الدعوى ، من حيث ارتباط التكييف بالاختصاص النوعي والوظيفي ، ويقصد بتكييف الدعوى أن يقوم القاضي بوصفها الوصف القانوني الصحيح وفق الوقائع الواردة في لائحة الدعوى، دون التفات إلى ما يصفها به المدعي . وهو يكون ضروريا قبل الجلسة الأولى في بعض الدعاوى، من ذلك مما عرض على القضاء :
- أقيمت دعويان للمطالبة بمصاغ ذهبي ، ولكن وقائع كل منهما تختلف عن الأخرى .
- جاء في لائحة الدعوى الأولى ، أن المدعية تزوجت المدعى عليه كزوجة ثانية ووعدها بأن يعطيها مصاغا ذهبيا بعد الزواج ولكنه بعد أن تزوجا لم يف بوعده .
- أما الدعوى الثانية فورد فيها أن زوجها المدعى عليه اقترض منها مصاغها الذهبي ووعدها بأن يعيده لها بعد سنة ، ولكنه لم يف بوعده .
ورغم أن موضوع الدعويين هو المطالبة بمصاغ ذهبي ، إلا أن وقائع الدعوى الأولى يتبين منها أن الدعوى تتعلق بتوابع مهر وهي من اختصاص المحاكم الشرعية . بينما الدعوى الثانية تتعلق بقرض وهي دعوى مدنية من اختصاص المحاكم النظامية العادية .
- في الدعاوى العقارية ، من المهم معرفة نوع الدعوى وهل هي دعوى ملكية تتعلق برقبة العقار أم مجرد منفعته ، كما سبق بيانه . ومثال ذلك دعوى حقوق رقم 28/2000 بداية أريحا فقد ذكر المدعيان في لائحة الدعوى أن موضوعها منع معارضة في ملكية عقار . ولكن المدعى عليه في لائحته الجوابية أقر بملكية المدعيين للعقار ودفع الدعوى بأنه ( يشغل الغرفتين موضوع الدعوى ويضع يده عليهما بصورة مشروعة بعلم وموافقة وكيل المدعيين )، لذلك فإن الدعوى في حقيقتها تكون منع معارضة في منفعة عقار وليس في ملكيته وتكون من اختصاص محكمة الصلح وفق المادة 39/2/ه من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية .
- ومن ذلك أيضا تحديد دعوى إخلاء المأجور ودعوى منع المعارضة في منفعة العقار . فإذا كان المدعى عليه يشغل العقار محل الدعوى بناء على عقد إيجار يكون موضوع الدعوى إخلاء مأجور حتى لو انتهت مدة العقد ما دام وضع المدعى عليه يده على العقار كان بصورة مشروعة . أما إذا كان لا يستند إلى عقد إيجار صحيح يكون غاصبا ويكون موضوع الدعوى منع معارضة في منفعة عقار . وكذلك إذا كان موضوع الدعوى كما ورد في لائحتها هو منع معارضة في ملكية عقار ، ولكن المدعى عليه في لائحته الجوابية ادعى أنه مستأجر للعقار موضوع الدعوى ، فعلى القاضي في هذه الحالة تكييف الدعوى بأنها منع معارضة في منفعة عقار وليس في ملكيته ، والسير فيها على هذا الأساس ؛ وخاصة بالنسبة لمسالة الاختصاص .
- ومن ذلك أيضا الفرق بين مطالبة المدعي بقيمة الورقة التجارية وبين المطالبة بأصل الحق الذي حررت الورقة للوفاء به . ففي الحالة الأولى يعد المدعى عليه ملزما بأداء قيمة الورقة بمجرد إقراره بأن التوقيع المدون فيها هو توقيعه ، إذ تعد الورقة في مثل هذه الحالة سندا خطيا كافيا لإثبات انشغال ذمة المدعى عليه طالما أن من الثابت صدورها عنه ، ولم يورد دفعا ينفي انشغال ذمته بقيمتها ،وتكون المطالبة بقيمة الورقة التجارية عادة قبل انقضاء مدة التقادم الصرفي ، ولا يلزم أن يبين المدعي سبب حصوله عليها في لائحة الدعوى ، وإن ذكر هذا السبب فإنه لا يطلب منه تقديم أية بينة على سبب الدين في هذه الحالة لأن مثل هذه الوقائع لا يطلب قانونا تقديم البينة عليها إلا حين المطالبة بأصل الحق الذي من أجله أعطيت الورقة التجارية.
أما في الحالة الثانية فيكون تقديم الورقة التجارية كدليل للإثبات في دعوى المطالبة بأصل الحق ، حيث إنه إذا لم يذكر في هذه الورقة سبب المديونية فإنها لا تكفي بذاتها لإثبات أصل الحق ، بل تكون مجرد قرينة أو مبدأ ثبوت يلزم أن يقوم المدعي بإكماله بكافة طرق الإثبات . أما إذا ذكر فيها سبب المديونية فإنها تعد دليلا كافيا لإثبات أصل الحق المذكور فيها . فإذا ذكر في الكمبيالة مثلا أن قيمتها وصلت ثمن بضاعة ، وتقدم المستفيد بدعوى لمطالبة المحرر بثمن البضاعة وقدم الكمبيالة كدليل في هذه الدعوى ، فإن الكمبيالة في هذه الحالة تعد دليلا كافيا لانشغال ذمة المدعى عليه بثمن البضاعة باعتبارها دليلا خطيا صادرا عنه ويحمل توقيعه . وفي ذلك قضت محكمة التمييز ” حيث إن المادة 217 من قانون التجارة قد أجازت للدائن بالرغم من انقضاء مدة التقادم على الورقة التجارية إقامة الدعوى ضمن مدة التقادم العادي بطلب الحق الذي من أجله أعطيت هذه الورقة وتقبل الورقة في معرض البينة . وحيث إن الاجتهاد القضائي استقر على أنه يجب على الدائن الذي يطالب بأصل الحق أن لا يكتفي بالورقة التجارية كبينة بل عليه إثبات أصل الحق بمحله وسببه الذي جعل المدين – المدعى عليه – مدينا للمستفيد إلا إذا تضمنت الورقة التجارية بيانا عن سبب المديونية . وحيث إن ورقة الشيك التي قدمها المدعي إثباتا لدعواه لم تتضمن سبب المديونية ، كما لم يقدم أية بينة لإثبات أصل الحق مما يجعل دعواه مستوجبة الرد”. (10)