الفرع الثالث
الارتباط مناط قبول الطلبات الإضافية
يمكن تلافي العيوب الناشئة عن تقديم الطلبات الإضافية؛ بتطلب وجود صلة ارتباط بين هذه الطلبات والطلب الأصلي، بحيث تسمح باتساع الخصومة في النطاق المعقول؛ وتحفظ للمدعى عليه حقه في الدفاع.
فالارتباط هو الأداة الفنية اللازمة لتحقيق التوازن والمساواة بين أطراف الخصومة المدنية، فهو يسمح للمدعي بتعديل طلباته أو تصحيحها بما يتفق مع التطورات التي طرأت على علاقته بالمدعى عليه بعد إقامة الدعوى؛ بما لا يضر بحق الأخير في الدفاع ، وفي نطاق الحفاظ على وحدة الخصومة.
مـعـيـار الارتباط بين الطلب الإضافي والطلب الأصلي:
اختلف الفقه والقضاء حول معيار الارتباط، فذهب اتجاه أول إلى التماس ذلك المعيار من خلال استناد الطلب الإضافي على ذات الطلب الأصلي؛ أو بمعنى آخر اعتماده على الواقعة القانونية التي اتخذها الطلب الأول أساسا له. وهذا المعيار متشدد ولا يعطي المدعي الفرصة بتعديل طلباته إلا في حدود ضيقة لا تتجاوز محل الدعوى.
وذهب اتجاه ثان إلى أن الطلب الإضافي المرتبط هو الذي له صفة التبعية والخضوع بالطلب الأصلي، ويكون له هذه الخاصية إذا كان الغرض من تقديمه تعديل محل الطلب الأصلي دون المساس بسببه. مثال ذلك الطلب الإضافي المقدم من المؤجر بالمطالبة بالأجرة التي استحقت بعد إقامة الدعوى.
وذهب اتجاه ثالث إلى أنه يكفي اشتراك الطلب الإضافي مع الطلب الأصلي من ناحية المحل أو السبب. وهذا الاتجاه خفف من قيود قبول الطلب الإضافي، غير أنه لم يحدد مدى هذا الاشتراك ونطاقه، فإذا توسعنا في مفهوم الاشتراك فإن ذلك يؤدي إلى تشجيع المدعي على الإفراط في تقديم الطلبات الإضافية إضرارا بحقوق المدعى عليه؛ وإذا ضيقنا مفهوم الاشتراك فإن ذلك يضر بحقوق المدعي.
وذهب اتجاه رابع إلى التفريق بين الطلب الإضافي بالزيادة؛ والطلب الإضافي بالتعديل. فالطلب الإضافي بالزيادة هو الذي يؤدي إلى اتساع محل الطلب الأول؛ لذلك يكفي لقبوله أن يشترك مع الطلب الأصلي بصلة ارتباط من ناحية السبب. أما الطلب الإضافي بالتعديل فهو يرمي إلى تعديل سبب الطلب الأصلي؛ لذلك يقبل إذا اشترك مع الطلب الأصلي في وحدة الغاية؛ حتى لو اختلف الأساس القانوني للطلبين. وهذا الاتجاه يؤدي إلى تعقيد الموضوع والدخول في مسائل فرعية تتعلق بمسألة تكييف الطلب الإضافي قبل تطبيق المعيار.
أما الاتجاه الأخير فذهب إلى أن الطلب الإضافي المرتبط هو ” الطلب المؤسس على تصرف أو واقعة واردة في لائحة الدعوى”. وهذا الاتجاه له سند في بعض التشريعات ومنها قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 ، في المادة 97 منه .
الفرع الرابع
الـطـلـبات الإضافية المرتبطة قانونا بالطلب الأصلي
أوردت المادة (97) ثلاث فقرات لبيان الطلبات الإضافية الخاصة الجائزة قبل أن تورد القاعدة العامة ، وهي واردة على سبيل المثال لا الحصر . وهي تختلف عن قاعدة الارتباط في أن المحكمة ليس لها سلطة تقديرية بشأن قبولها ، لأن المشرع تولى عنها هذا التقدير، وعلى المحكمة قبول الطلب متى تحققت إحدى هذه الحالات ، وهذه الحالات هي :
- ما يتضمن تصحيح لائحة الدعوى أو تعديل موضوعها لمواجهة ظروف طرأت أو تبينت بعد إقامتها.
وهذا النص تضمن حالتين :
الحالة الأولى: ما يتضمن تصحيح لائحة الدعوى؛ وذلك بما يتضمن إضافة أو تغيير في سبب الدعوى مع بقاء موضوعها على حاله. فقد يتبين للمدعي بعد إقامة الدعوى أنه أخطأ في تأسيسها؛ أو أنه اعتمد لها أساسا ضعيفا، لذلك أجاز له المشرع تدارك ذلك الخطأ بتغيير السبب أو بالإضافة إليه ولكن مع ثبات موضوع الدعوى. فالمدعي مخير بين تعديل السبب أو تعديل الموضوع، ولكن لا يمكنه أن يتناول السبب والموضوع معا بالتغيير، لأن مناط قبول الطلبات العارضة – بصفة عامة – وجود صلة تربطها بالطلب الأصلي؛ وتقديم طلب إضافي يشتمل على تعديل الطلب الأصلي من ناحية السبب والموضوع معا يجعله طلبا أجنبيا منقطع الصلة بالطلب الأصلي.
ومثال إضافة سبب جديد، أن تكون الدعوى الأصلية ملكية عين بناء على عقد شراء؛ فيمكن إضافة طلب ملكية العين بناء على الميراث أو التقادم المكسب. ومثال تغيير سبب الدعوى؛ أن يطالب بالتعويض عن فقد الشيء المعار، ثم يؤسس حقه في التعويض على تلف الشيء المعار أو هلاكه.
والحالة الثانية: ما يتضمن تعديل موضوع الدعوى، فقد يتبين للمدعي بعد إقامة الدعوى وبعد مراجعته لمستنداته ووسائل إثباته أنه أخطأ في تحديد طلباته، كما قد يرجع الخطأ إلى تطور العلاقة القانونية التي تستند إليها الدعوى، لذلك أجاز له المشرع أن يعدل موضوع الدعوى من حيث مقداره؛ أو حدوده؛ أو بدايته؛ أو نهايته، فينزل به إلى طلب أقل؛ أو يرتفع به إلى طلب أكثر، ما دامت عناصر الطلبات متداخلة؛ وكانت مستندة على ذات السبب وبين نفس الخصوم.
ولم يشترط المشرع أن يكون الطلب الإضافي قد أسس على ظروف جديدة طرأت بعد إقامة الدعوى، وإنما يمكن أن تكون هذه الظروف موجودة قبل إقامة الدعوى؛ ولكن المدعي لم يعرفها إلا بعد إقامتها. وإذا عدل المدعي طلباته في الدعوى ، فإن العبرة عند الحكم بالطلبات الختامية لا بالطلبات السابقة عليها .
ومن أمثلة ذلك أن يطلب المدعي ملكية عين معينة ، ثم يتبين له هلاك العين فيمكن تعديله فيطلب قيمتها ، أو أن يطلب وقف الأعمال الجديدة ؛ثم يطلب منع التعرض ، أو أن يطالب بدين معين ؛ ثم يتبين له غلط في الحساب فيطلب مبلغا أكبر، أو يطلب تنفيذ عقد ثم يعدل عنه إلى طلب فسخه، أو أن يرفع المدعي دعوى بإلزام وكيله بتقديم حساب عن أعمال الوكالة وتندب المحكمة خبيرا لبحث هذه الأعمال ينتهي إلى حصرها وإلى المبلغ المستحق للمدعي في ذمة المدعى عليه؛ فيقدم المدعي طلبا عارضا بإلزامه بأن يدفع له هذا المبلغ.
ويجب أن يقتصر المدعي في طلبه العارض على تعديل موضوع الدعوى مع بقاء السبب على حاله، أو إضافة أو تعديل في سبب الدعوى مع بقاء موضوع الطلب الأصلي على حاله، كالمؤجر يرفع دعوى إخلاء مأجور لعدم دفع الأجرة، ثم يتقدم بطلب عارض يغير بموجبه هذا السبب أو يضيف إليه سببا آخر بأن يستند إلى الإضرار بالمأجور . أما إذا تناول بالتعديل الموضوع والسبب معا خرج بذلك عن نطاق الطلب العارض وتعين عدم قبول طلبه باعتباره ينطوي على دعوى جديدة مغايرة للدعوى القائمة، فإذا أقام دعوى للمطالبة بحصته في عقار بصفته وارثا؛ لا يجوز له أن يطلب بعد ذلك بزيادة حصته استنادا على عقد شراء أو بناء على وصية.
- ما يكون مكملا لائحة الدعوى أو مترتبا عليها أو متصلا بها اتصالا لا يقبل التجزئة. (6)
ومثال الطلب الإضافي المكمل للطلب الأصلي، أن يطلب تقديم حساب، ثم يطلب بعد ذلك إلزام المدعى عليه بدفع المبلغ المترصد بنتيجة الحساب، أو أن يطالب بتسليم أرض؛ ثم يتقدم بطلب إضافي لإزالة البناء المقام عليها.
ومثال الطلب الإضافي المترتب على الطلب الأصلي، أن يكون الطلب الأصلي المطالبة بالملكية، والطلب الإضافي طلب الإزالة والتعويض، أو أن يطلب الفوائد القانونية على المبلغ المدعى به ، أو يطلب الثمار تبعا لطلب الملكية أو طلب الحيازة .
ومثال الطلب الإضافي المتصل بالطلب الأصلي اتصالا لا يقبل التجزئة، أن يكون الطلب الأصلي هو إلزام المؤجر بتسليم العين المؤجرة ، ثم يقدم المستأجر طلبا بتقرير صحة عقد الإيجار . أو أن يطلب المؤجر إلزام المستأجر بدفع أجرة دورية مستحقة ، ثم يتقدم بطلب إضافي لتقرير صحة عقد الإيجار .
- طلب الأمر بإجراء تحفظي أو وقتي
على الرغم من أن المشرع قد نص على اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بالفصل في الطلبات الوقتية أو التحفظية ، إلا أنه أجاز تقديم هذه الطلبات لمحكمة الموضوع تبعا للدعوى الأصلية ، نظرا لما بين الطلب العارض والطلب الأصلي من ارتباط ، الأمر الذي يجعل محكمة الموضوع أكثر قدرة من غيرها على تقدير لزوم الإجراء الوقتي ، ومثال ذلك طلب إجراء الحجز التحفظي أو تعيين حارس قضائي على العين المتنازع على ملكيتها ، أو تحديد نفقة مؤقتة حتى يفصل في أصل الدين .
- ما تأذن المحكمة بتقديمه مما يكون مرتبطا بالطلبات الواردة في لائحة الدعوى.
وهذه الحالة أجاز فيها المشرع للمدعي أن يقدم أي طلب إضافي مرتبط بالطلب الأصلي الوارد في لائحة الدعوى والمقصود بالارتباط وجود صلة أو علاقة بين الطلب الأصلي والطلب العارض من حيث سببه أو محله ، ولو لم يصل إلى حد عدم القابلية للتجزئة . وهذا الارتباط هو الذي يبرر جمعهما في خصومة واحدة .
مثال ذلك ، أن يطالب المؤجر بأجرة متأخرة ، ثم يقدم طلبا عارضا (إضافيا) يطلب فسخ عقد الإيجار؛ أو بأن يدفع المستأجر مبلغا آخر مقابل الانتفاع بالعين المؤجرة بعد انتهاء عقد الإيجار ، فعلى الرغم من اختلاف سبب الطلبين ، إلا أن هناك صلة بينهما تبدو في وحدة العين محل الانتفاع في الطلبين .
ويجوز كذلك أن يقدم المدعي طلبا أصليا بطلب تعويض عن غصب عين معينة، ثم يقدم طلبا إضافيا (عارضا) بطرد الغاصب وإزالة البناء الذي أقامه عليها ، لأنها جميعا تقوم على سبب واحد .
وقد اشترط القانون أن تأذن المحكمة بتقديم الطلب ، فلم يكتف بشرط الارتباط ، بل ترك للمحكمة سلطة تقديرية في قبول الطلب أو رفضه . فللمحكمة أن ترفض قبول الطلب العارض ولو توافر الارتباط، متى تبين لها أن القصد من إبدائه إعنات الخصم، وسلطة المحكمة هنا لا تخضع لرقابة محكمة النقض .
(6)(6) لم يكن المشرع موفقا في صياغة هذا البند ، فالطلب الإضافي (العارض) لا يكمل لائحة الدعوى ، بل يكون مكملا للطلب الأصلي الوارد في اللائحة .