ويختلف كل من الارتباط؛ وعدم التجزئة عن مسألة قيام ذات النزاع، مما يستوجب التفريق بينهم؛ وبيان المقصود بكل من هذه المصطلحات الثلاثة فيما يأتي:
أولا: قيام ذات النزاع
توجد حالة قيام ذات النزاع، إذا أقيم النزاع ذاته بذات عناصره الثلاثة أمام محكمتين مختلفتين، وكانت كل منهما مختصة في آن واحد.
وقد يكون تكرار إقامة النزاع أمام أكثر من محكمة مقصودا من الخصوم؛ أو يتم عن جهل وغفلة منهم. ويستوي أن تقام الدعوى الأولى أو الثانية كطلب أصلي؛ أو كطلب عارض.
ويترتب على إقامة الدعوى ذاتها أمام أكثر من محكمة أضرار عديدة منها:
- زيادة عدد القضايا أمام المحاكم.
- مضاعفة النفقات والمصاريف.
- احتمال صدور أحكام متعارضة أو متناقضة في الدعوى الواحدة؛ مما يمس هيبة القضاء؛ ويخل بوحدة النظام القانوني.,
ولتلافي هذه العيوب؛ وضع المشرع وسيلة فنية في يد المدعى عليه لضم الدعويين معا؛ هي الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمتين. ويشترط للتمسك بهذا الدفع توفر الشروط الآتية:
- أن تكون القضيتان دعوى واحدة فعلا؛ باتحاد الخصوم؛ والموضوع؛ والسبب.
- أن تكون الدعوى قائمة بالفعل أمام محكمتين.
- أن تكون المحكمتان تابعتين لجهة قضائية واحدة، فلا يقبل الدفع حتى لو أقيمت الدعوى أمام دائرتين مختلفتين في ذات المحكمة.
- أن تكون المحكمة المطلوب الإحالة إليها مختصة بالدعوى من كل الوجوه، لأنه لا معنى للإحالة إلى محكمة غير مختصة؛ ولو كان عدم الاختصاص محليا.
ثانيا: عدم قابلية موضوع الخصومة للتجزئة أو الانقسام
عدم قابلية موضوع الخصومة للتجزئة يعني أن عناصر الخصومة قد وصلت درجة عالية من التداخل؛ بحيث تشكل كلا واحدا لا ينقسم. وفي هذه الحالة يصبح ضم الدعاوى غير القابلة للتجزئة أمر واجبا حتما، لأن طبيعة الموضوع غير القابل للتجزئة تحتم اختصام جميع الخصوم في ذات الخصومة؛ حتى يصدر حكم واحد يحوز الحجية بالنسبة للجميع، لتفادي صدور أحكام متعارضة ويستحيل تنفيذها، لذلك تحكم به المحكمة من تلقاء ذاتها؛ ولو سكت الخصوم عن طلبه أو تعمدوا عدم إثارته.
وعدم القابلية للتجزئة أو الانقسام، إما أن تكون بحسب طبيعة موضوع النزاع؛ أو بحسب قصد المتعاقدين؛ أي عدم قابلية للانقسام اتفاقية.
ومثال عدم القابلية للتجزئة العائد إلى طبيعة النزاع، حق الارتفاق؛ وحق الرهن؛ والقيام بعمل كتسليم حيوان حي؛ والامتناع عن عمل؛ وصحة أو تزوير سند؛ وحالة الشخص التي تحدد وضعه القانوني في المجتمع؛ مثل مركز المفلس؛ والزوج.
معيار عدم قابلية موضوع الخصومة التجزئة: استحالة التنفيذ المتزامن.
لم يضع المشرع الفلسطيني معيارا لعدم قابلية موضوع الخصومة للتجزئة، غير أنه يمكن القول بأن موضوع الخصومة يكون غير قابل للتجزئة؛ في حالة وجود استحالة مطلقة للتنفيذ المتزامن أو المتعاصر لحكمين متعارضين. وإعمال هذا المعيار يقتضي توفر شرطين:
الشرط الأول: احتمال وجود حكمين متعارضين.
وهذا الشرط يفترض أن يحتمل الفصل في النزاع صدور أكثر من حكم، وهذا الفرض يمكن أن يتوافر أمام محاكم أول درجة؛ أو أمام محكمة واحدة في دائرتين مختلفتين، إذا وجدت صلة قوية بين الدعويين. ويقع عبء تقدير هذا الشرط على فطنة القاضي وحسن تقديره، الذي عليه أن يقدر سلفا ما إذا كان الحكم الذي سيصدره يحتمل أن يتعارض مع حكم آخر سيصدر أو سبق صدوره بين نفس الخصوم، بما له من سلطات كبيرة في إدارة الخصومة المدنية.
والشرط الثاني: استحالة التنفيذ المتزامن للحكمين المتعارضين.
ويقصد باستحالة التنفيذ؛ وجود عقبة مادية منيعة لا يمكن التغلب عليها وتحول دون إمكانية تنفيذ الحكمين.
ويفترض هذا الشرط أن يكون كلا الحكمين قابلا للتنفيذ، بأن يكون حكما حائزا لحجية الأمر المقضي به، وأن يكونا قابلين للتنفيذ المتزامن. فقد حكم بأنه يتوافر شرط التزامن في الحكم الصادر بمنح حضانة الصغير إلى الأب؛ والحكم الآخر القاضي بمنحها إلى الأم.
فإذا كان أحد الحكمين سيتوقف تنفيذه مؤقتا لوجود الحكم الآخر الذي منع هذا التنفيذ الفوري؛ نكون بصدد وقف مؤقت للتنفيذ وليس استحالة تنفيذ متزامن.
ولا فرق بين أنواع الاستحالة، فإذا تحقق القاضي من استحالة تنفيذ الحكمين، لا أهمية بعد ذلك لنوع أو درجة هذه الاستحالة، فيستوي أن تكون الاستحالة بسيطة؛ أو مطلقة، واقعية؛ أو مادية.
أما إذا كان يمكن تنفيذ الحكمين معا رغم تعارضهما؛ لا نكون أمام موضوع غير قابل للتجزئة؛ حتى لو كان هناك صعوبة في التنفيذ. فوجود التعارض بين الأحكام يعني فقط أننا أمام حالة ارتباط تبرر تطبيق القواعد الخاصة بالارتباط، وهي تختلف على الأقل في الدرجة عن القواعد التي تنطبق في حالة عدم التجزئة، فالتعارض شرط ضروري لمعيار عدم التجزئة؛ ولكنه غير كاف.
مقارنة بين عدم قابلية الموضوع للتجزئة وقيام ذات النزاع:
يكون النزاع واحدا إذا أقيمت الدعوى ذاتها دون أن يختلف أي عنصر من عناصرها الثلاثة أمام محكمتين مختلفتين، ويحق للمدعى عليه في هذه الحالة الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع تفاديا لصدور أحكام متناقضة في القضية الواحدة. فالدفع بقيام ذات النزاع لا شأن له بموضوع الدعوى وما إذا كان قابلا أو غير قابل للتجزئة.
أما عدم قابلية الموضوع للتجزئة فهو بحث في موضوع الدعوى ؛ وتحليل له لمعرفة ما إذا كان يقبل تعدد الحلول؛ أو أنه لا يقبل إلا حلا واحدا.
كما أن عدم القابلية للتجزئة لا تقتضي وحدة الدعويين إلا من حيث الموضوع، فقد يختلف الخصوم في الدعويين؛ ومع ذلك تكون هناك عدم قابلية للتجزئة إذا كان الموضوع واحدا؛ ولا يقبل إلا حلا واحدا بعينه بالنسبة لجميع أطرافه. مثال ذلك الدعوى التي يقيمها دائن على أحد المدينين بالتزام غير قابل للتجزئة لمطالبته بالدين، والدعوى التي يقيمها دائن آخر على مدين آخر للمطالبة بذات الدين، فالموضوع واحد في الدعويين؛ وهو غير قابل للتجزئة، بالرغم من اختلاف الخصوم في الدعويين.
تقسيم:
نتناول الموضوع في بابين:
الباب الأول يتناول الارتباط ويشمل تعريف الارتباط ، وصور الطلبات المرتبطة، ووسائل جمعها في خصومة واحدة، وأثر الارتباط على قواعد الاختصاص، في فصول أربعة.
الباب الثاني ويتناول ارتباط الدعاوى والطعن في الأحكام