المبحث الثاني
الطبيعة القانونية لعلاقة المحامي مع عميله
نبين في هذا المبحث رأي الفقه في طبيعة علاقة المحامي مع عميله، ثم نعرض لرأينا الخص في هذه المسألة.
المطلب الأول
رأي الفقه في طبيعة علاقة المحامي بعميله
رأينا سابقا أن المحامي وفق ما نص عليه قانون تنظيم مهنة المحاماة، يقوم أحيانا بتصرفات قانونية تتمثل في تمثيل العميل لدى المحاكم والمحكمين والنيابة العامة؛ وذلك بموجب وكالة خاصة أو عامة بالخصومة. بينما يقوم أحيانا أخرى بأعمال تتمثل في تنظيم العقود وتقديم الاستشارات القانونية، وهي أعمال يختلط فيها التصرف القانوني بالعمل المادي.
وقد أدت النظرة الشاملة لعلاقة المحامي بعميله؛ وعدم الالتفات إلى أن المحامي يقوم بأعمال مختلفة، إلى الاختلاف في الفقه حول طبيعة هذه العلاقة؛ وهل هي تستند إلى عقد وكالة أم عقد عمل أم عقد مقاولة، كما ذهب جانب من الفقه إلى أن مصدر التزام المحامي هو عقد وكالة يختلط فيه عقد العمل؛ كما يختلط فيه عقد المقاولة؛ كما في عقود أصحاب المهن الحرة الأخرى كالأطباء والمهندسين. (5)
أولا: عقد عمل.
ذهب رأي في الفقه إلى أن علاقة المحامي بعميله تستند إلى عقد عمل. غير أن هذا الرأي ينطبق على المحامي الذي يعمل متفرغا في الدائرة القانونية التابعة لمؤسسة أو شركة؛ تحت إشراف وإدارة مدير الدائرة؛ ويتقاضى أجرا ثابتا؛ بحيث يتوافر فيه عنصر التبعية.
أما المحامي الذي يعمل في مكتب مستقل أو في شركة محاماة مدنية ، فإنه لا يخضع بأي شكل للمؤسسة أو الشركة التي يتعاقد معها كمستشار قانوني؛ أو وكيلا في الدعاوى، وبالتالي فإن عنصر التبعية القانونية ينتفي في هذه الحالة ، والتبعية هي الأساس الذي يقوم عليه عقد العمل.
كما أن ما يتقاضاه المحامي ليس أجرا وإنما يسمى أتعاب، والأجر يتميز بالثبات، بينما الأتعاب تتغير بحسب الظروف وقيمة كل قضية.
ثانيا: عقد مقاولة.
ذهب رأي في الفقه إلى أن علاقة المحامي بعميله تستند إلى عقد مقاولة؛ لأن المحامي يقوم بعمله لصالح عميله دون أن يكون خاضعا له. غير أن عقد المقاولة لا ينطبق على علاقة المحامي بعميله للأسباب الآتية:
- عقد المقاولة محله عمل مادي، بينما عمل المحامي في الوكالة بالخصومة محله تصرف قانوني.
- التزام المحامي هو بذل عناية وليس تحقيق غاية/ نتيجة على خلاف عقد المقاولة.
- عقد المحامي مع عميله عقد غير لازم فيجوز إنهاء هذا العقد بإرادة أي منهما المنفردة، بينما عقد المقاولة عقد لازم لا يجوز إنهاءه بالإرادة المنفردة.
- عقد المحامي مع عميله قائم على الاعتبار الشخصي ينتهي بوفاة المحامي، بينما عقد المقاولة لا ينتهي بوفاة المقاول دائما ولكن في حالات استثنائية فقط وضمن شروط محددة.
- المحامي يقوم بالأعمال القانونية نيابة عن عميله وتنصرف آثار هذا التصرف إلى العميل وليس إلى المحامي، بينما المقاول يتعاقد باسمه الشخصي ولحسابه.
- عقد المحامي مع عميله هو عقد مدني؛ والمحاماة مهنة حرة تخضع للقواعد الخاصة بها، والمحامي ممنوع من احتراف التجارة. بينما عقد المقاولة هو من الأعمال التجارية وفق المادة 6 من قانون التجارة.
ثالثا: عقد إجارة خدمات.
ذهب فريق من الفقهاء بأن الرابطة بين المحامي وعميله هي إجارة خدمات، فهو وعد بإسداء خدمة مقابل أجر متفق عليه.
وهذا الرأي يمكن أن يصدق في حالة تنظيم عقد أو تقديم استشارة قانونية. غير أنه لا يصلح في حالة تمثيل العميل في خصومة قضائية، لأن مهمة المحامي ليست قاصرة على الدفاع عن موكله؛ بل تتعدى ذلك إلى أنه شريك في تحقيق العدالة وتيسير مهمة القضاء في الوصول إلى الحقيقة بكل صدق وأمانة.
كما أن المحامي يختلف عن أي أجير آخر لأن مهمته ليست تقديم الخدمة لقاء تقاضيه الأتعاب فقط، فالمحامي يمثل عميله؛ بينما من يقدم خدمة لحساب آخر لا يقوم بتمثيله.
رابعا: عقد من عقود القانون العام.
ذهب الفقيه الفرنسي (آبلتون) إلى تكييف العلاقة بين المحامي وعميله بأنها رابطة خدمة عامة هي الإسهام في حسن سير العدالة. فالمحامي عندما يقوم بتقديم الاستشارات ويعد المذكرات أو المرافعات؛ إنما يسهم مع القاضي في خدمة العدالة. وعقد الوكالة الذي يربطه بعميله يختلف عن الوكالة في القانون الخاص؛ بل يخضع لأحكام القانون العام الذي له روابطه وقواعده الخاصة. وإذا كانت بعض الأحكام التي تنظم هذه العلاقة غير منصوص عليها؛ فإن على القضاء الاجتهاد في استنباطها من قواعد العدالة وحاجات المجتمع.
وفي ذلك يقول آبلتون (إن القانون والعرف هما اللذان يجعلان من المحامي القاضي الأول لحسم النزاع الذي يعقبه دور القاضي للفصل فيه، إن نظام المحاماة الكامل الذي أنشئ لينظم علاقات المحامي بموكليه ليس مستلهما من الرغبة في ضمان نتائج العقود المبرمة؛ ولكنها حاجة الضرورة القائمة لضمان حسن سير الخدمة العامة التي يضطلع بها المحامي.
إن المعاونة القضائية إذن وقبل كل شيء؛ هي إحدى مقتضيات الخدمة العامة، وقد ينفذ إليها العنصر التعاقدي ولكنه ليس ضروريا؛ وذلك لانعدامه في حالتي ندب المحامي من قبل المحكمة أو النقابة، وهو غير منفصل عن مقتضى الخدمة العامة ذاتها والتي ينص عليها الاتفاق ذاته، وعلى ذلك فهو عقد من عقود القانون العام الذي يخضع لقواعد خاصة.
إن المعاونة أمام القضاء هي فرع من أعمال القضاء ذاته، والمحامي مجند لأداء خدمة عامة وهي حالة ندبه من قبل المحكمة أو تكليفه من قبل النقابة لا يستطيع أن يطالب بأتعابه ويناقش مداها).
وهذا الرأي يمكن أن ينطبق على حالة ندب المحامي من قبل المحكمة أو النقابة، ولكنه لا يمكن انطباقه على الرابطة بين المحامي وعميله الذي اختاره بإرادته والتي هي رابطة قانون خاص. (6)
(5)(5) أشرف جهاد وحيد الأحمد ، المسئولية المدنية للمحامي عن الخطأ المهني، رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، 2011-2012، صفحة 65.
(6)(6) حسن محمد علوب، استعانة المتهم بمحام في القانون المقارن، دار النشر للجامعات المصرية، القاهرة، 1970، صفحة 84.