تنص المادة (91) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه
- الدفع بعدم الاختصاص المحلي ، والدفع بإحالة الدعوى إلى محكمة أخرى لقيام ذات النزاع أمامها أو للارتباط ، والدفع بالبطلان ، وسائر الدفوع المتعلقة بالإجراءات ، يجب إبداؤها معا قبل إبداء أي طلب أو دفاع في الدعوى أو دفع بعدم القبول وإلا سقط الحق فيما لم يبد منها .
كما تنص المادة (92) على أن ” الدفع بعدم الاختصاص لانتفاء ولايتها أو بسبب نوع الدعوى أو قيمتها أو لسبق الفصل فيها تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها ، ويجوز الدفع به في أية حالة كانت عليها الدعوى “.
ويتبين من هذين النصين أن المشرع فرق بين الاختصاص المحلي من جهة ، وبين كل من الاختصاص الوظيفي والاختصاص القيمي والاختصاص النوعي من جهة أخرى ، لذلك نتناول كلا منهما في مبحث على التوالي .
المبحث الأول
الاختصاص المحلي والنظام العام
رأينا أن المشرع يهدف من التوزيع الجغرافي للمحاكم العادية إلى تيسير التقاضي بحيث تكون المحكمة بقدر الإمكان قريبة من موطن الخصوم أو مكان النزاع، وأنه يراعي في الغالب مصلحة المدعى عليه . لذلك وفق نص المادة (91) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد فإن الاختصاص المحلي لا يتعلق بالنظام العام ،(1) ويترتب على ذلك النتائج الآتية :
- يجوز للخصوم التنازل عن تطبيق قواعد الاختصاص المحلي أو الاتفاق على مخالفة هذه القواعد ، ويكون هذا الاتفاق صحيحا وملزما لهم نظرا لأنه لا ينطوي على مساس بالنظام العام مع مراعاة ما ورد في المادة 43/2 من القانون السابق الإشارة إليه .
- لا يجوز للمحكمة أن تثير مسألة عدم الاختصاص المحلي من تلقاء نفسها ، ولو فعلت ذلك كانت مخطئة لتعلق هذا الدفع بمصلحة الخصوم وليس بالمصلحة العامة.
- يجب أن يبدي المدعى عليه الدفع بعدم الاختصاص المحلي – باعتباره دفعا شكليا – قبل الإجابة على موضوع الدعوى ، وأمام محكمة أول درجة. فإذا أجاب على الدعوى أو تعرض لموضوعها، اعتبر ذلك قبولا منه باختصاص المحكمة ويسقط حقه في التمسك بالدفع بعد ذلك .(2)
- لا يجوز للنيابة العامة إذا كانت ممثلة في الدعوى كطرف منضم أن تتمسك بعدم الاختصاص المحلي .
المبحث الثاني
الاختصاص الوظيفي والقيمي والنوعي والنظام العام
يعد الاختصاص الوظيفي للمحاكم من الأسس التي يقوم عليها التنظيم القضائي في المجتمع ويهدف المشرع منه تحقيق مصلحة عامة لأنه يترتب عليه حسن سير القضاء وسلامة أدائه لوظيفته ، لذلك فإن الإخلال بالقواعد المنظمة له يؤدي إلى الفوضى أو إلى فوات الغاية المقصودة من تقسيم العمل بين جهات القضاء المختلفة ، أو يخلخل هذا التنظيم الذي قرره المشرع .
كما أن الاختصاص القيمي والاختصاص النوعي يتعلقان بالنظام العام ، لأن تخصيص محاكم للفصل في الدعاوى بصفة ابتدائية ومحاكم لنظر الدعاوى بصفة استئنافية ، عملا بمبدأ التقاضي على درجتين الذي أخذ به القانون الفلسطيني ، يعد من أسس النظام القضائي لأن ذلك يقوم على مصلحة عامة لا مصالح خاصة بأشخاص المتقاضين ، لذلك لا يجوز استئناف حكم صادر من محكمة صلح إلى محكمة صلح أخرى ، أو حكم محكمة بداية إلى محكمة بداية أخرى أو رفع دعوى مبتدأة أمام محكمة الاستئناف .
ويترتب على اعتبار الاختصاص من النظام العام في هذه الحالة النتائج الآتية :
- لا يجوز للخصوم التنازل عن الدفع بعدم الاختصاص الوظيفي والقيمي والنوعي، أو الاتفاق على اختصاص جهة قضائية معينة بنظر نزاع قائم بينهم لا يدخل في اختصاصها ، ومثل هذا الاتفاق يعد باطلا لمخالفته للنظام العام .
- يجب على القاضي أن يعرض للاختصاص الوظيفي والقيمي والنوعي من تلقاء نفسه ، ولا يحتاج في هذا الشأن إلى طلب من الخصوم ، فالمحكمة لا تتعرض للموضوع لتفصل فيه إلا إذا تحقق لها الاختصاص به ، فإذا خالف القاضي قواعد الاختصاص الوظيفي أو القيمي أو النوعي كان مخطئا في القانون ويكون قراره عرضة للإلغاء ولو كان حكمه في الموضوع صحيحا، بل لا يحتاج الأمر في هذه الحالة إلى البحث في سلامة الحكم بالنسبة للموضوع متى ثبت عدم الاختصاص .
- يجوز للخصوم – سواء المدعي أو المدعى عليه – إثارة مسألة الاختصاص الوظيفي والقيمي والنوعي في أية مرحلة من مراحل التقاضي ، ولا يعتبر سكوتهم عن التمسك به نزولا عنه أو مسقطا لحقهم في إثارته فيما بعد ، لذلك يجوز للخصوم التمسك بعدم الاختصاص أمام محكمة الدرجة الثانية حتى لو لم يحصل التمسك به أمام محكمة أول درجة ، بل يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض باعتباره مسألة قانونية متعلقة بالنظام العام .
- يجب على النيابة العامة إذا تدخلت في الدعوى كطرف منضم أن تطلب الحكم بعدم اختصاص المحكمة وظيفيا أو قيميا أو نوعيا ولو لم يتمسك به الخصوم ، بل ولو كان طرفا الخصومة قد قبلا ذلك الاختصاص ، وذلك لأن النيابة العامة أمينة على مصلحة المجتمع .
إحالة الدعوى لعدم الاختصاص
وفقا لأحكام المادة (16) من قانون أصول المحاكمات الحقوقية الملغى كان على المحكمة عندما تحكم بعدم اختصاصها أن ترد الدعوى بالنسبة للمدعى عليه وتحكم له بالرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة .
غير أن المشرع وجد أن في ذلك إرهاقا للمدعي وتكبيده مشقة إقامة دعوى جديدة أمام المحكمة المختصة مع ما يترتب على ذلك من دفع رسوم جديدة وإجراءات تبليغ وغير ذلك . لذلك قرر في المادتين (60و93) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد أنه “ إذا قضت المحكمة بعدم اختصاصها فعليها أن تأمر بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة ، وتلتزم المحكمة المحال إليها بنظر الدعوى“.
القوانين المعدلة للاختصاص
إذا رفع المدعي دعواه للمحكمة المختصة، ثم صدر قانون جديد بدء سريانه قبل إقفال باب المرافعة سلب المحكمة ولايتها في نظر الدعوى، وجب عليها أن تحيلها بالحالة التي هي عليها إلى المحكمة التي أصبحت مختصة، وتلتزم هذه المحكمة بنظرها من حيث انتهت إجراءاتها، فما تم من إجراءات أمام محكمة الإحالة تبقى نافذة دون حاجة لإعادتها. فإذا قامت المحكمة بالفصل في الدعوى رغم سلب اختصاصها ولم تحلها للمحكمة المختصة يكون حكمها باطلا لصدوره عن محكمة غير مختصة، وفي ذلك تقول محكمة النقض ( ولما كان القرار بقانون رقم 9 لسنة 2006 المعدل لأحكام قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 المنشور في العدد 64 من الوقائع الفلسطينية قد أصبح نافذا بتاريخ 31/5/2006، ولما كانت المادة (9) منه قد ألغت المادة (201) من القانون القديم واستعاضت عنها بالنص التالي ( تستأنف الأحكام والقرارات الصادرة عن محاكم البداية ومحاكم الصلح إلى محكمة الاستئناف) فيما نصت المادة (20) منه على جميع الجهات المختصة كل فيما يخصه تنفيذ أحكام هذا القرار بقانون ويعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، ولما كانت محكمة البداية استمرت في نظر الطعن في ظل نفاذ القرار بقانون إلى أن أصدرت حكمها الطعين الصادر بتاريخ 25/2/2007، في حين كان من واجبها أن تمتنع عن الاستمرار بنظرها طالما أنها لم تكن محجوزة للمرافعة أو إصدار الحكم بتاريخ نفاذ القرار بقانون وأن تحيلها إلى محكمة الاستئناف باعتبار أن هذه الأخيرة أصبحت جهة الاختصاص بنظر الطعن، وحيث إنها لم تفعل فإن حكمها يغدو والحالة هذه قد صدر عن محكمة غير مختصة مستوجبا النقض ، ذلك أن المواد المتعلقة بتحديد جهة الاختصاص بنظر الطعن تختلف في طبيعتها وماهيتها عن قواعد الاختصاص الأخرى على اختلاف أنواعها وتتجاوز مصلحة الخصوم لما لها من مساس مباشر مرتبط بالتنظيم القضائي وعلى المحكمة أن تتصدى له من تلقاء ذاتها لتعلقه بالنظام العام بما يستوجب نقض الحكم ، ولا يغير من الأمر شيئا أن أعيد الاختصاص لمحاكم البداية لنظر الطعن بالاستئناف بعد أن تم إلغاء القرار بقانون بتاريخ 11/6/2007 إذ العبرة في تقرير صحة الإجراءات والحكم الصادر بالقانون النافذ الذي يحدد جهة الاختصاص) . (3)
أما إذا بدء سريان القانون الجديد بعد إقفال باب المرافعة فإن المحكمة تكون قد تناولت الدعوى بالبحث والتمحيص والمداولة، مما لا يسوغ معه إلزامها بإحالتها إلى محكمة أخرى والتخلي عن الفصل فيها، ولا ينال من ذلك أن تقرر تأجيل النطق بالحكم غير مرة.
ولكن إذا قررت المحكمة إعادة فتح باب المرافعة من جديد لأي سبب من الأسباب، وجب عليها الالتزام بحكم القانون الجديد الذي سلبها الاختصاص وتضمين قرارها بإعادة فتح باب المرافعة، إحالتها بحالتها إلى المحكمة المختصة.
وإذا كانت المحكمة غير مختصة أصلا بنظر الدعوى، ثم صدر قانون جديد جعلها مختصة بها، تعين عليها التزام أحكامه، فلا تقضي بعدم اختصاصها، ولو كان هناك دفع مثار أمامها، إذ لم يعد لمن أبداه مصلحة فيه.
صدور القانون المعدل للاختصاص خلال فترة الوقف
إذا قررت المحكمة وقف السير في الدعوى لأي سبب من الأسباب، كصدور قرار بانقطاع الخصومة أو شطب الدعوى، وصدر قانون جديد خلال فترة الوقف بتعديل الاختصاص جعل الاختصاص بالدعوى الموقوفة لمحكمة أخرى غير المحكمة التي كانت تنظرها، فإنه يجوز للخصوم تقديم طلب تعجيل الدعوى مباشرة إلى المحكمة التي أصبحت مختصة وفق القانون الجديد لأنها أصبحت بموجبه صاحبة الولاية بنظرها والحكم فيها، بحيث إذا تم تعجيل الدعوى أمامها وتصدت لنظرها والفصل فيها كان حكمها صحيحا وموافقا للقانون. أما إذا تم تعجيل الدعوى أمام المحكمة التي سلب القانون اختصاصها، وجب عليها إحالة الدعوى إلى المحكمة التي أصبحت مختصة بنظرها، فإن خالفت ذلك وفصلت في موضوعها كان حكمها باطلا لصدوره من محكمة غير مختصة.
(1) نقض مدني 13/2007 تاريخ 16/3/2008 ج 3 ص 76.
(2) نقض مدني 23/2007 تاريخ 9/12/2007 ج 3 ص 271.
(3) نقض مدني رقم 27/2007 الصادر بتاريخ 4/2/2008 ج 4،ص 63 ، وكذلك نقض مدني رقم 30/2007 الصادر بتاريخ 7/2/2008،ج 4 ص 74، ونقض مدني رقم 35/2007 الصادر بتاريخ 4/2/2008 ،ج 4 ص 69، ونقض مدني 36/2007 الصادر بتاريخ 4/2/2008 ج 4 ، ص 59.