ثانيا : قانون البينات في المواد المدنية والتجارية
- سلطة القاضي في تقدير قيمة الأدلة المقدمة إليه
اهتم هذا القانون بإظهار الدور الإيجابي للقاضي ، فقرر له سلطة واسعة في تقدير قيمة ما يقدم له من أدلة دون انتظار دفاع الخصوم بشأنها ، ويظهر ذلك في الأحوال الآتية :
- سلطة القاضي في تقدير قيمة العيوب المادية التي تلحق بالسند من كشط أو محو أو تحشير أو غير ذلك من العيوب المادية سواء بإسقاط أو إنقاص قيمته في الإثبات والأخذ ببعض أو كل ما تضمنه السند ( المادة 38 / 1 ) .
- سلطة القاضي إذا كانت صحة السند محل شك في نظره أن يدعو الموظف الذي صدر عنه أو الشخص الذي حرره ليبدي ما يوضح حقيقة الأمر فيه (المادة 38/2 ) .
- سلطة القاضي في حالة إنكار التوقيع على السند أن يرد على المنكر إنكاره إذا كان في وقائع الدعوى ومستنداتها ما يكفي لاقتناعه بأن التوقيع صحيح دون حاجة لإجراء التحقيق بالمضاهاة أو بسماع الشهود أو بكليهما ( المادة 40 ) .
- سلطة القاضي في أن يحكم برد أي سند وبطلانه إذا ظهر له بجلاء من حالته أو من ظروف الدعوى أنه مزور ولو لم يدعى أمامه بالتزوير ( المادة 67) وذلك تأكيدا لدور القاضي في محاربة الفساد والغش في إجراءات الإثبات .
- سلطة القاضي في أن يقضي بمجموعة من الجزاءات المدنية والمالية على من يتسبب في تعطيل الفصل في الدعاوى بسبب يرجع إلى ادعاء التزوير في سند لم يثبت صحته أو توانى في إثباته أو أهمل في متابعته منها :
- سلطة القاضي في أن يحكم على الخصم الذي أنكر توقيعه على السند و تخلف عن الحضور للاستكتاب بغير عذر مقبول بغرامة لا تتجاوز مائة دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونا ، وأن يحكم بصحة نسبة السند إليه إذا تكرر عدم حضوره ( المادة 44 ) .
- سلطة القاضي في الحكم بسقوط ادعاء مدعي التزوير إذا لم يعلن خصمه بمذكرة يبين فيها مواضع التزوير وإجراءات التحقيق التي يطلب إثبات التزوير بها خلال المدة التي يحددها القاضي ( المادة 59/2 ) .
- سلطة المحكمة في أن تكلف الخصم بتسليم السند الذي تحت يده المدعى بتزويره وأن تأمر بضبطه إذا لم يقم بذلك ( المادة 61/1 ) .
- سلطة القاضي عند عدم حضور المدعى عليه في دعوى تحقيق الخطوط الأصلية بغير عذر مقبول أن يحكم في غيبته بصحة الخط أو الإمضاء أو الختم أو البصمة ( المادة 56 ) .
- سلطة القاضي في أن يأمر بضبط السند الذي تنازل المطعون ضده بالتزوير عن التمسك به متى طلب الطاعن ذلك لمصلحة مشروعة (المادة 66/2 ) .
- سلطة القاضي إذا حكم بصحة السند في أن يحكم على من أنكره بغرامة لا تتجاوز مائتي دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونا ( المادة 52).
2– سلطة القاضي في اتخاذ إحدى وسائل الإثبات من تلقاء نفسه
أجاز القانون للقاضي اتخاذ ما يراه مناسبا من وسائل الإثبات من تلقاء نفسه للوصول إلى الحقيقة دون طلب من الخصوم على التفصيل التالي :
- سلطة القاضي في تكليف الخصم أو الغير بتقديم ورقة أو سند تحت يده ( المادة 34).
- سلطة القاضي في أن يطلب أوراقا أو سندات من الدوائر الرسمية (المادة 35).
- سلطة القاضي في أن يأمر من تلقاء نفسه بالإثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي يجيز القانون فيها ذلك متى رأى في ذلك فائدة للحقيقة (المادة 80/1) .
- سلطة القاضي في استدعاء من يرى لزوما لسماع شهادته إظهارا للحقيقة ( المادة 80/2 ) .
- سلطة القاضي في الحكم على الشاهد الذي لم يحضر في المرة الأولى بغرامة لا تتجاوز مائة دينار ، وإذا تخلف عن الحضور بعد تكليفه بذلك للمرة الثانية إصدار أمر بإحضاره ، وسلطته بإعفاء الشاهد من الغرامة إذا حضر وأبدى عذرا مقبولا (المادة 87 ) .
- سلطة القاضي في الحكم على الشاهد الذي امتنع بغير عذر قانوني عن أداء اليمين أو عن الإجابة عن الأسئلة التي توجه إليه بغرامة لا تجاوز مائة دينار … ( المادة 94).
- سلطة القاضي في استجواب الخصوم إظهارا للحقيقة في الدعوى ( المادة 122 وما بعدها ) . وقبول الإثبات بشهادة الشهود والقرائن إذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب بغير عذر مقبول أو امتنع عن الإجابة بغير مبرر قانوني ( المادة 130).
- سلطة القاضي في استنباط القرائن من ظروف ووقائع الدعوى ومستنداتها بما له من سلطة تقديرية ( المادة 108 ) .
- سلطة القاضي في تعديل صيغة اليمين الحاسمة بحيث توجه بوضوح ودقة على الواقعة المطلوب الحلف عليها ( المادة 137/1) ، كما أن له أن يرفض توجيه اليمين إذا كان الخصم متعسفا في توجيهها ( المادة 132/2 ) .
10-سلطة القاضي في توجيه اليمين المتممة من تلقاء نفسه لأي من الخصمين( المادة 146/1) . وكذلك يمين التقويم لتحديد قيمة المدعى به الذي استحال تحديد قيمته بطريقة أخرى ( المادة 148/1) . كما في حالة استرداد الشيء المسروق أو المودع الذي تعذر رده عينا .
11- سلطة القاضي في الانتقال للمعاينة كأحد أدلة الدعوى المطلوب تحقيقها ( المادة 151) .
12- سلطة القاضي في ندب خبير للاستنارة برأيه في المسائل التي يستلزمها الفصل في الدعوى ( المادة 156) ، وفي تكليف خبير ليقدم له شفاهة استشارة في مسألة فنية أو تقديم استشارة خطية ( المادة 159) . وفي الحكم على الخبير الذي لم يؤد مهمته ولم يكن قد أعفي من أدائها بكل المصروفات التي تسبب في إنفاقها وبالتعويضات وبالجزاءات التأديبية ( المادة 164) . وفي الحكم عليه بالغرامة إذا تأخر في إيداع تقريره في الأجل المحدد دون مبرر ( المادة 182/2) أما إذا كان التأخير ناشئا عن خطأ الخصم كان له أن يحكم عليه بغرامة لا تزيد على مائة دينار مع جواز الحكم بسقوط حقه في التمسك بالحكم الصادر بتعيين الخبير ( المادة 182/3).
13- سلطة القاضي في استدعاء الخبير لمناقشته في تقريره إن رأى حاجة لذلك ( المادة183) .
14- سلطة القاضي في أن يحكم على الخصم الذي تخلف عن تقديم مستنداته للخبير أو عن تنفيذ أي إجراء من إجراءات الخبرة في المواعيد المحددة بما تعذر معه على الخبير مباشرة عمله بغرامة لا تتجاوز مائة دينار أو إنذاره بسقوط حقه في التمسك بالحكم الصادر بتعيين الخبير ( المادة 176/1) .
15- سلطة القاضي في الحكم على من يتخلف ممن يرى الخبير سماع أقوالهم عن الحضور أمامه بغير عذر مقبول بغرامة لا تتجاوز مائة دينار ، وفي إعفائه من الغرامة إذا حضر وأبدى عذرا مقبولا ( المادة 176/3) .
16- سلطة القاضي في أن يعدل عما أمر به من إجراءات الإثبات إذا طرأت ظروف تبرر هذا العدول ( المادة 6/1) فللقاضي مثلا أن يعدل عن إلزام خصم بتقديم ورقة تحت يده، أو عن سماع الشهود أو استجواب الخصوم .
17- سلطة القاضي في عدم الأخذ بنتيجة إجراء الإثبات الذي أمر به
(المادة 6/2) ، فله عدم الأخذ بتقرير الخبير ( المادة 185)، أو بما
ورد في شهادة الشهود ، على أن يبين أسباب ذلك في حكمه.
3– معاونة الخصوم في إظهار وجه الحق المطالب به
- سلطة القاضي أثناء سير الدعوى بتكليف الغير بتقديم ورقة أو سند تحت يده في الأحوال والأوضاع المنصوص عليها في المادة 28 من القانون ( المادة 34) .
- سلطة القاضي في أن يكلف شخصا من غير الخصوم بعرض شيء يحوزه أو يحرزه يدعي أحدهم حقا متعلقا به متى كان فحص الشيء ضروريا للبت في الحق المدعى به من حيث وجوده ومداه ( المادة 36/1) . وكذلك إذا تعلق الأمر بأوراق أو سندات أخرى ( المادة 36/2).
- سلطة القاضي في الحيلولة دون تعطيل سير الدعوى بتقييد الحق في سحب ورقة أو سند قدم من أحد الخصوم إلا بإذن من القاضي بعد أن تحفظ صورة منه في ملف الدعوى ويؤشر عليها رئيس كتاب المحكمة بمطابقتها للأصل ( المادة 33 ) .
- سلطة القاضي في إلزام خصم بتقديم سندات أو أوراق تحت يده ( المواد 28-32 ) وذلك على النحو التالي :
- الأمر بإلزام الخصم بتقديم الورقة أو السند في الحال أو في أقرب موعد يحدده إذا أقر بأن الورقة أو السند في حيازته أو سكت ( المادة 31/1) .
- الأمر باعتبار صورة الورقة أو السند المقدم من الخصم مطابقة لأصلها أو الأخذ بقوله فيما يتعلق بشكله وموضوعه إذا لم يكن قد قدم الصورة وذلك إذا لم يقم الخصم الذي بيده الورقة أو السند بتقديمه في الموعد الذي حددته المحكمة أو امتنع من أنكر وجود السند لديه عن حلف اليمين الواردة في المادة 31/2) ( المادة 32 ) .
يتبين مما سبق أن المشرع منح القاضي دورا إيجابيا كبيرا وصلاحيات واسعة في إدارة الدعوى وتسيير إجراءاتها بما يحقق حسم المنازعات بسرعة ويحول دون الخصوم ومحاولة المماطلة والتسويف .
وغني عن القول إن من المسلم به في الفقه والقضاء أن نصوص القانون لا توضع إلا لكي تطبق ، وأن النص الذي لا تعمل المحاكم حكمه لا جدوى منه ، وأن محاسن أي قانون وأوجه القصور فيه لا تبدو جلية واضحة إلا بتطبيق أحكامه ، حيث يعين ذلك في أن يتلمس المشرع أوجه النقص والقصور ويعالجها .
ومع أن الدور الإيجابي للقاضي في الخصومة المدنية سواء بالنسبة لإجراءات نظرها أو إثباتها أصبح أمرا واقعا ونافذا في التشريع الفلسطيني منذ عام 2001 بصدور ونفاذ كل من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية وقانون البينات ، إلا أن الملاحظ أن بعض القضاة ما زالوا متأثرين بما اعتادوا عليه في ظل قانون أصول المحاكمات الحقوقية الملغى من دور سلبي ، وأن تطبيقهم لما ورد في هذين القانونين من أحكام متعلقة بالدور الإيجابي للقاضي يكاد يكون منعدما رغم مرور ما يزيد على سبع سنوات ، الأمر الذي أبقى على بطء الفصل في الدعاوى وزاد من تراكم القضايا أمام المحاكم ، وأتاح الفرصة للمماطلين وآكلي حقوق الناس بالباطل للاستمرار في تحقيق مآربهم .