المبحث الثاني
المسائل المستعجلة
لا تدخل المسائل المستعجلة تحت حصر، فهي جميع المسائل التي يخشى عليها من فوات الوقت بغض النظر عن طبيعة أصل الحق أو نوعه، فلقاضي الأمور المستعجلة الاختصاص ولو تعلقت هذه المسائل بعقار أو بمنازعات تجارية أو بحرية كمنع سفينة من الإبحار .
ولا يشترط المشرع بشأن هذه المسائل سوى الاستعجال، وقد ترك تقدير ذلك لقاضي الأمور المستعجلة دون رقابة عليه من محكمة النقض .
ومن أمثلة هذه المسائل ما يأتي :
1- طلبات إثبات الحالة :
وهي طلبات يطلب فيها المدعي إثبات وقائع معينة يستند إليها في إثبات حق ترفع بشأنه دعوى في المستقبل، وتتوافر حالة الاستعجال متى كانت الحالة المراد إثباتها قابلة للتغيير مع مرور الوقت، سواء بالزيادة أو بالنقص، وسواء أكان ذلك يرجع إلى عوامل طبيعية أو بسبب فعل الخصم.
وقد نصت على هذه الحالة المادة (113) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد بقولها ” يجوز لمن يخشى ضياع معالم واقعة أو إحداث تغييرات من شأنها أن تمس مركزه القانوني سواء قبل إقامة الدعوى أم أثناء نظرها أن يطلب من قاضي الأمور المستعجلة إثبات الحالة بمعرفة مندوب المحكمة ومنع المستدعى ضده من إجراء التغييرات لحين البت في الدعوى“.
ويتبين من هذا النص أنه يشترط لاختصاص قاضي الأمور المستعجلة بدعاوى إثبات الحالة شرطان :
الأول: أن تكون الواقعة المطلوب إثباتها محل نزاع أمام القضاء أو مما يحتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء.
الثاني : أن يخشى ضياع معالم هذه الواقعة إذا انتظر الخصم حتى يعرض النزاع على الحق أمام القضاء. ومثال هذه الدعوى طلب إثبات حالة بضاعة (مواد غذائية) قام المورد بتوريدها، وذلك لإثبات إخلاله بالتزامه، تمهيدا لرفع دعوى تعويض أو فسخ لعقد التوريد. أو أن يوجد ضرر يتفاقم ويزداد بمرور الوقت كما في الطلب الذي يقدمه رب العمل عند توقف مقاول مثلا عن البناء لإثبات حالة البناء وقت توقف المقاول، حتى يتمكن من إتمام البناء وعدم الانتظار حتى تفصل المحكمة في الدعوى، لما يترتب على ذلك من ضرر يزداد مع مرور الوقت. وإثبات حالة المأجور لرفع دعوى إخلاء مأجور للضرر.
2- طلب سماع شاهد :
يجوز لمن يخشى ضياع فرصة الاستشهاد بشاهد في موضوع لم يعرض على القضاء بعد ويحتمل عرضه عليه ، أن يطلب سماع ذلك في مواجهة الخصوم ، وقد نصت على ذلك المادة (104) من قانون البينات في المواد المدنية والتجارية الفلسطيني رقم 4 لسنة 2001 بقولها ” يجوز لمن يخشى فوات فرصة الاستشهاد بشاهد أمام القضاء أن يطلب في مواجهة ذوي الشأن سماع ذلك الشاهد ” .
يشترط لقبول هذا الطلب ما يأتي :
- أن تكون الواقعة مما يجوز إثباته بشهادة الشهود .
- أن تكون الواقعة موضوع الشهادة لم تعرض بعد أمام القضاء ويحتمل عرضها عليه .
- أن يخشى فوات فرصة الاستشهاد بالشاهد عند نظر دعوى الموضوع ، كما لو كان الشاهد مريضا مرضا خطيرا يخشى وفاته في أي وقت ، أو كان مقبلا على سفر لمدة طويلة .
وتقوم المحكمة بسماع الشاهد بحضور الطرفين حتى تتم مناقشته حسب أصول ، ولا يشترط في هذه الحالة إقامة الدعوى خلال ثمانية أيام .
- طلب إعادة خدمة ضرورية ، وقد نصت على هذه الحالة المادة (112) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية بقولها ” يجوز لمن قطعت عنه المياه أو تيار الكهرباء أو غيرها من المرافق الخدماتية الضرورية أن يطلب من قاضي الأمور المستعجلة إعادتها وفقا لأحكام هذا الفصل .
ويشترط للحصول على قرار بإعادة الخدمة أن يكون قطعها لا يستند إلى مبرر أو سند قانوني، بمعنى أن لا يكون المستفيد من الخدمة مخالفا لأي شرط من الشروط القانونية التي ينظمها القانون من أجل الاستفادة من هذه الخدمات. فإذا خالف أي شرط من هذه الشروط، كأن يقوم بالبناء بدون ترخيص ثم يطلب من البلدية تزويده بالكهرباء والمياه أو لا يلتزم بدفع قيمة بدل ما يتلقاه من خدمة، لا يكون حقه محميا قانونا من أجل توفير الحماية القانونية المؤقتة أو الاستمرار في تقديم الخدمات الضرورية له.
وللمستفيد من الخدمة الضرورية اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة سواء كانت الخدمة موصولة له وقطعت، أم أن مزود الخدمة المكلف بتوصيلها ممتنع أصلا عن إيصال هذه الخدمة من الأساس.
ونرى أنه ليس لمزود الخدمة أن يقوم بقطع هذه الخدمة كإجراء عقابي على مخالفة المستفيد منها لبعض الأمور القانونية التي يجب الالتزام بها، فلو قام شخص ببناء بيت وفق شروط رخصة البناء الممنوحة له وحصل على خدمة الكهرباء والمياه، ثم بعد ذلك أضاف ملحقا للبناء دون الحصول على رخصة بذلك، لا يجوز لمزود الخدمة- في حال كان هو البلدية- أن يقوم بقطع التيار الكهربائي أو المياه بسبب هذه المخالفة ، لأن القانون حدد الجزاء على فعل البناء بدون ترخيص وليس منه قطع المياه والكهرباء ، لذلك يحق للمستفيد اللجوء إلى المحكمة لإعادة الخدمة .
أما إذا كان مزود الخدمة شخصا آخر غير البلدية كشركة كهرباء أو هاتف، فلا يجوز له أن يمتنع عن تزويد الخدمة لطالبها أو قطعها بادعاء أن البناء غير مرخص لأن ذلك لا يدخل في اختصاصه.