استحدث المشرع في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد رقم 2 لسنة 2001 نظام الطلبات المستعجلة الذي يهدف إلى حماية الحق مؤقتا باتخاذ إجراءات كفيلة بإيجاد حلول سريعة تستقر بها الأوضاع مؤقتا إلى أن يفصل في النزاع من محكمة الموضوع، وأفرد له قضاء خاصا يسمى بالقضاء المستعجل، وقد كان هذا النظام معروفا في ظل قانون أصول المحاكمات الحقوقية الملغى، ولكنه لم يكن بالتنظيم الوارد في القانون الجديد .
ضرورة القضاء المستعجل
يسير القضاء الموضوعي بروية وأناة في تحقيق ادعاءات الخصوم وإصدار الأحكام، ويتيح للخصوم فرصة تقديم بيناتهم وإعداد وسائل دفاعهم، ولذلك فإن إجراءات التقاضي تتسم بالبطء وقد تطول ويتأخر الفصل في الدعوى . وقد يؤدي هذا التأخير إلى الإضرار بمصالح الخصوم ضررا لا يمكن تلافيه، بحيث تصبح الحماية القضائية عديمة الجدوى ما لم يتدخل القضاء بسرعة لحماية الحق . فهلاك المال في يد الغاصب لا يجدي معه الحكم بملكية المال بعد ذلك، وقيام المدين بتهريب أمواله يؤدي إلى أن لا يجد الدائن مالا في ذمته ينفذ عليه . لذلك ينبغي التدخل بسرعة قبل وقوع الضرر النهائي لمنع وقوعه وإلا صارت حماية الحق غير مجدية .
لذلك أنشأ المشرع القضاء المستعجل إلى جانب القضاء العادي، ومنحه صلاحية اتخاذ إجراءات وقتية سريعة لتأمين الحق ضد الخطر الذي يتهدده، دون التعرض لأصل الحق المتنازع عليه، والذي يلزم عرضه على المحكمة المختصة للفصل فيه بالطريق العادي وفقا لمقتضيات العدل . فيقرر مثلا وضع المال المتنازع على ملكيته تحت الحراسة القضائية حتى يمكن المحافظة عليه قبل الفصل في الملكية، أو الحجز التحفظي على أموال معينة للمدين بهدف منعه من التصرف فيها أو تهريبها قبل صدور حكم بالدين وتنفيذه .
خصائص القضاء المستعجل
يعد القضاء المستعجل صورة من صور الحماية القضائية ، إلا أنه يتميز عن القضاء العادي (الموضوعي) بعدة خصائص هي :
- ضرورة توافر الاستعجال في الأمر المطروح على المحكمة، يواجه القضاء المستعجل عارضا قانونيا هو خطر التأخير أو الاستعجال، وهو عبارة عن احتمال فوات فرصة الحماية القانونية عند تأخيرها .
- وظيفة القضاء المستعجل هي وظيفة مستعجلة، فالطلب المستعجل هو وسيلة للتحفظ والاحتياط يرمي إلى تحقيق غاية قانونية بحتة ، هي حماية الحقوق من خطر التأخير ، ولا يتخذ إلا عندما يطرأ خطر التأخير . ويرمي هذا الطلب إلى أن تحقق الدعوى الموضوعية هدفها، لذلك يكفي فيه رجحان وجود الحق واحتمال صدور قضاء موضوعي في المستقبل سواء كانت الدعوى قد رفعت بالفعل أم ينتظر رفعها .
- قرار القضاء المستعجل مؤقت لا يمس الموضوع ولا يؤثر على أصل الحق، وهو يرتب أثره إلى حين الفصل في الدعوى الموضوعية، فالقرار بمنع المدعى عليه من السفر مثلا ينتهي أثره بصدور الحكم برد الدعوى .
الفرق بين الطلبات المستعجلة وما يشتبه بها
يتعين أن نفرق بين الطلبات المستعجلة وبين كل من الدعاوى التي تنظر على وجه السرعة من جهة، وبينها وبين الطلبات الوقتية من جهة أخرى.
أولا:الفرق بين الطلبات المستعجلة وبين الدعاوى التي تنظر على وجه السرعة:
تختلف الطلبات المستعجلة التي تدخل في اختصاص قاضي الأمور المستعجلة عن المسائل التي يوجب القانون الفصل فيها على وجه السرعة، مثل الدعاوى العمالية وقضايا ضريبة الدخل المستأنفة وقضايا الاعتداءات على أراضي وأملاك الدولة، فهذه الدعاوى هي دعاوى عادية رأى المشرع لاعتبارات خاصة نظرها على وجه السرعة وحث القاضي على التعجيل بالفصل فيها ، وهي تختلف عن الطلبات المستعجلة من عدة وجوه منها:
- طبيعة كل منها، فالطلبات المستعجلة ذات طبيعة وقتية بينما الدعوى التي يفصل فيها على وجه السرعة ذات طبيعة موضوعية .
- الطلبات المستعجلة تستمد صفة الاستعجال من طبيعة الطلب ووقائعه فهي لا تدخل تحت حصر، بينما الدعاوى التي يفصل فيها على وجه السرعة ينص القانون عليها صراحة .
- القرار الصادر في الطلب المستعجل هو قرار يصدر بإجراء وقتي لا يمس أصل الحق ولا يقيد محكمة الموضوع، وإذا تغيرت المراكز القانونية أو الوقائع والظروف يجوز لقاضي الأمور المستعجلة الرجوع عنه أو إلغائه أو تعديله، بينما الحكم الصادر في الدعوى التي ينص القانون على أنها تفصل على وجه السرعة هو حكم نهائي يحسم المنازعة وبصدوره تستنفذ المحكمة ولايتها عليه، ولا يكون أمام الخصم سوى مباشرة حقه في الطعن فيه إذا توافرت شروط ذلك.
- الطلبات المستعجلة تقدم إلى قاضي الأمور المستعجلة وإلى محكمة الموضوع التي تنظر الطلبات المستعجلة كطلبات متفرعة عن الدعوى الموضوعية، أما الدعوى التي نص المشرع على أنها تفصل على وجه السرعة فترفع أمام محكمة الموضوع وفقا لقواعد الاختصاص النوعي باعتبارها قضية موضوعية ويجري السير في إجراءاتها والطعن فيها طبقا لقواعد القضاء الموضوعي.
ثانيا: الفرق بين الطلب المستعجل والطلب الوقتي
جرى استعمال تعبيري ( المستعجل والوقتي) كتعبيرين مترادفين فيقال طلب مستعجل أو طلب وقتي، ويعود ذلك إلى أن الإجراء المطلوب في كلا الطلبين هو إجراء وقتي لا يتعرض لأصل الحق ولا يمسه، ولأن الأثر المترتب على كل منهما هو الحل المؤقت وليس الحل النهائي، ومع ذلك هناك فرق جوهري بين الاستعجال ووقتية الإجراء بوجه عام، أي بين الطلب المستعجل والطلب الوقتي يتمثل في :
- كل من الطلب المستعجل والطلب الوقتي هو مجرد طلب بإجراء وقتي، ولكن الطلب المستعجل يزيد عن الطلب الوقتي بتوافر صفة الاستعجال، أي الخطر المحدق بالحق المراد حمايته والذي يتطلب الحصول على حماية قضائية مؤقتة وعاجلة .
- الطلب الوقتي قد يحتاج الفصل فيه بحثا موضوعيا كونه غير واضح من ظاهر المستندات، وبالتالي يخرج من اختصاص قاضي الأمور المستعجلة الذي يجب أن لا يمس أصل الحق.
- هناك فرق بين اختصاص قاضي الموضوع بنظر الطلب الوقتي واختصاص قاضي الأمور المستعجلة بنظر هذا الطلب، فيشترط لاختصاص قاضي الأمور المستعجلة أن تتوافر صفة الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق. أما عند نظر قاضي الموضوع الطلب الوقتي فإنه لا يشترط سوى أن يكون المطلوب إجراء وقتيا حتى وإن لم يكن هناك استعجال، وله أن يتحرى الحقيقة من خلال بحثها بحثا موضوعيا.
ويتبين من ذلك أن القرار الوقتي لا يكون مستعجلا بينما القرار المستعجل هو بطبيعته قرار وقتي ، فكل قرار مستعجل هو قرار وقتي بينما ليس كل قرار وقتي هو قرار مستعجل. مثال ذلك قرار المحكمة بتحديد تاريخ توقف المفلس عن الدفع سندا للمادة 322/2 من قانون التجارة رقم 12 لسنة1966، إذ يجوز للمحكمة أن ترجع وقت التوقف عن الدفع إلى تاريخ أسبق بقرار أو عدة قرارات بتبديل التاريخ المذكور، تصدرها بناء على تقرير القاضي المنتدب أو من تلقاء نفسها أو بناء على طلب كل ذي مصلحة لا سيما طلب الدائنين.
وسنتكلم عن الطلبات المستعجلة في خمسة مباحث على النحو التالي .
المبحث الأول : شروط الطلبات المستعجلة .
المبحث الثاني : المسائل المستعجلة .
المبحث الثالث : المحكمة المختصة بنظر الأمور المستعجلة .
المبحث الرابع : إجراءات الطلبات المستعجلة .
المبحث الخامس : الطعن في القرارات الصادرة في الأمور المستعجلة .
المبحث السادس : طلبات مستعجلة خاصة .