المبحث الثالث
الإيداع في الخزائن الحديدية (30)
(تأجير الخزائن)
مضمون العملية:
يعد المصرف في مكان خاص به، غالبا ما يكون في الطابق الأرضي من العقار الذي يشغله، خزائن يؤجرها لعملائه لإيداع الأشياء الثمينة أو السرية التي لا يرغبون في الاحتفاظ بها في منازلهم أو مكاتبهم؛ خوفا من سرقتها أو إفشاء أسرارها، كالمجوهرات الثمينة وسندات الملكية والخطابات السرية وغير ذلك. ويتقاضى المصرف من العميل أجرا مقابل تأجيره الخزانة ويسلمه مفتاحها.
وقد أشارت إلى هذه العملية المادة 117 من قانون التجارة التي نصت على أنه:
- تسري قواعد إجارة الأشياء على الودائع التي تودع في الصناديق الحديدية أو في خانات منها.
- ويكون المصرف مسئولا عن سلامة الصناديق المأجورة.
ونبين أولا تعريف العقد وخصائصه، ثم آثاره في مطلبين على التوالي. ثم نتبع ذلك بالحجز على محتويات الخزانة في مطلب ثالث.
المطلب الأول
تعريف العقد وانعقاده وخصائصه
الفرع الأول
تعريف عقد الإيداع في الخزائن
عرفت المادة 346 من مشروع قانون التجارة الفلسطيني تأجير الخزانة بأنه (تأجير الخزائن عقد يتعهد بمقتضاه المصرف – مقابل أجرة -بوضع خزانة معينة تحت تصرف المستأجر للانتفاع بها مدة محددة).
كما بينت المادة 347 من المشروع أنه يكون للخزانة قفلان لكل منهما مفتاح مغاير للآخر يسلم المصرف أحدهما للمستأجر ويحتفظ بالآخر، وأنه فيما عدا المصرف والمستأجر لا يجوز تسليم مفتاح الخزنة لآخر، كما أن للمصرف أن يستخدم وسائل أخرى كنظام التحكم الآلي أو البطاقات البلاستيكية. وأن المفتاح الذي يسلم للمستأجر يبقى ملكا للمصرف؛ ويجب رده إليه عند انتهاء الإجارة. كما أنه لا يجوز للمصرف أن يأذن لغير المستأجر –أو وكيله الخاص-باستعمال الخزانة.
الفرع الثاني
انعقاد العقد وخصائصه
عقد تأجير الخزائن هو من العقود الرضائية؛ وإن كان المصرف يستقل بوضع شروطه في نموذج مطبوع ويقتصر دور العميل على مجرد التوقيع عليه، لأنه ليس من ضرورات الحياة حتى يمكن اعتباره من عقود الإذعان، ولا يعد العميل طرفا ضعيفا تضطره الحاجة إلى إبرام العقد مع المصرف؛ ومن حقه اختيار المصرف الذي يستأجر منه خزانة.
ويراعي المصرف في هذا العقد بعض الاعتبارات الشخصية، إذ يحرص على عدم تأجير خزانة إلى أشخاص قد ينجم عن دخولهم إلى قاعة الخزائن أضرار؛ سواء للمصرف أو لبقية العملاء، لذلك يتحقق من شخصية المستأجر؛ ويمتنع عن تأجيرها لأشخاص تحوم حولهم الشبهات. كما جرى العمل المصرفي على اشتراط منع إجارة الخزانة من الباطن أو التنازل عن الحق في إجارتها للغير.
ويجوز تأجير الخزانة إلى شخصين أو أكثر؛ على أن يحضروا جميعا ويوقعوا على المستندات المطلوبة بصورة مشتركة، كما لهم أن يخولوا أحدهم أو بعضهم صراحة حق استئجار الخزانة وفتحها بصورة منفردة نيابة عنهم بموجب وكالة أصولية مصدقة لدى الكاتب العدل.
كما يجوز للأشخاص المعنوية كالشركات والجمعيات وغيرها استئجار الخزانة بموجب تفويض صريح صادر عن الشخص المعنوي لقيام شخص معين بتوقيع عقد الإيجار وبفتح الخزانة.
وقد اختلف الفقه في مسألة تعاقد العميل تحت اسم مستعار؛ بدافع الرغبة في التهرب من الضرائب مثلا أو إشرافه على الإفلاس؛ أو لإخفاء ما سرقه؛ وغير ذلك من الأسباب.
ونؤيد الرأي الذي ميز بين حالتين: الأولى يتم فيها تأجير الخزانة تحت اسم مستعار بمعرفة الطرفين، وفي هذه الحالة ينظر إلى الدافع لذلك؛ فإن كان غير مشروع فإن الاتفاق يقع باطلا لأنه ينطوي على التحايل. والثانية التستر تحت اسم مستعار دون معرفة المصرف؛ كما لو استخدم العميل هوية مزورة، فإذا اكتشف المصرف ذلك يكون له حق فسخ العقد لإدلاء العميل بمعلومات غير حقيقية الأمر الذي يشوب صحة التراضي بعقد لا يخلو من الاعتبار الشخصي.
وبالنسبة لمحل إيجار الخزائن المصرفية، فهو الخزانة المطلوب تأجيرها، حيث يضع المصرف خزانة خاصة تحت تصرف العميل ويتم تحديد حجم الخزانة في العقد. ولهذه الغاية يعد المصرف بطاقة خاصة بكل خزانة مؤجرة تحمل رقمها ورقم مفتاحها، ويرفق بهذه البطاقة عقد الإيجار وما يتعلق بها.
أما سبب عقد إيجار الخزائن فهو بالنسبة للعميل المستأجر الرغبة في حفظ موجوداته بأمان وسرية خشية الضياع أو التلف وهو سبب مشروع. أما إذا كان قصد العميل المستأجر مثلا إخفاء أموال مسروقة أو وثائق ممنوعة في الخزانة، فإن السبب يكون غير مشروع ولا ينشأ العقد لعدم مشروعية السبب.
وبالنسبة للمصرف هو فضلا عن الحصول على العمولة؛ الرغبة في تقديم خدمات مصرفية للعميل بقصد جذبه للتعامل بشأن عمليات مصرفية أخرى.
ويعتبر عقد تأجير الخزانة أحد العمليات المصرفي، وهو عقد رضائي، من عقود المعاوضة، ويعتبر بالنسبة للمصرف عملا تجاريا. أما بالنسبة للعميل المستأجر إن كان تاجرا، والتأجير لحاجاته التجارية كان تجاريا بالنسبة له، أما إذا كان غير تاجر أو لم يكن لغرض تجاري؛ كان العمل بالنسبة له مدنيا.
وبالنسبة لطبيعة عقد تأجير الخزانة فإن الفقه قد اختلف في ذلك، ولكن يبدو أنه عقد مختلط حيث (يبدو أن الجمع بين صفتي الإيجار والحراسة تكييف لازم بهذا الشأن: فالإيجار صفة لا تنكر على عقد إجارة الخزائن الذي يخول المستأجر الانتفاع بالخزانة، كما أن الحراسة صفة أثر لا ينكر على هذا العقد الذي يلزم المصرف بالاعتناء بالخزانة للمحافظة عليها وعلى محتوياتها. فضلا عن أن فكرة الإيداع هي الأخرى ليست بمستبعدة كليا عن هذا العقد).(31)
وما دام العقد يتم وفقا لنموذج يعده المصرف؛ ويتضمن شروط العقد، ويوقع من قبل العميل، فإن العقد يستخدم كأداة للإثبات بين الطرفين، كما تعد حيازة العميل لمفتاح الخزانة دليلا لإثبات العقد.
المطلب الثاني
آثار العقد
يعد عقد تأجير الخزائن الحديدية من عقود المعاوضة الملزمة للجانبين، لذلك يترتب على العقد التزامات متبادلة في ذمة طرفيه؛ وهما المصرف والعميل. والتزامات أحدهما تعد حقوقا للآخر. وعلى ذلك نبحث أولا التزامات المصرف، ثم نبحث ثانيا التزامات العميل.
الفرع الأول
التزامات المصرف
يلتزم المصرف بوضع خزانة تحت تصرف العميل، وبالمحافظة على سلامة الخزانة ومحتوياتها، والمحافظة على سرية تعامل المستأجر بالخزانة.
أولا: الالتزام بوضع خزانة تحت تصرف العميل.
يلتزم المصرف بأن يضع الخزانة المستأجرة تحت تصرف العميل، فيسلمه مفتاحها ويسمح له بالدخول دائما إلى مكانها؛ في الأوقات التي يحددها المصرف، وباتباع التعليمات التي يضعها، فلا يمنعه من ذلك إلا لمبرر مقبول قانونا.
ويجب أن تكون الخزانة متينة وصلبة وخالية من العيوب، بحيث تكون قادرة على مواجهة الأخطار التي قد تتعرض لها؛ كالحريق والسرقة؛ والخلع؛ والرطوبة، وتسرب المياه. وأن توضع في مكان آمن بعيد عن التعرض للمخاطر المذكورة، مثل مكان محصن أسفل مبنى المصرف أو داخل الجدران.
وقد جرى العمل على أن يكون للخزانة مفتاحين يسلم أحدهما للعميل؛ ويحتفظ المصرف بالآخر، بحيث لا يتم فتح الخزانة إلا بالمفتاحين معا. ولكن قد يشترط المستأجر أن يحتفظ بالمفتاحين، حتى لا تكون لدى المصرف أدنى فرصة لرؤية محتويات الخزانة، كما قد يرضى بأن يحتفظ المصرف بمفتاح يمكن له أن يستعمله منفردا لفتح الخزانة؛ شرط ألا يستعمله إلا في حالة الضرورة كما لو أراد إنقاذ محتويات الخزانة من حريق أو غيره.
ولا يقتصر لفظ مفتاح في الوقت الحاضر على الأداة المعدنية المعروفة، بل يمكن لفتح الخزانة -مع التطور التقني-استعمال مجموعة من أرقام أو رموز، أو بطاقة ممغنطة أو غير ذلك من الوسائل الحديثة.
وهذا الالتزام يفرض على المصرف أن يسمح للعميل إيداع وسحب ما يرغب إيداعه أو سحبه من أشياء بحرية تامة، ويستثنى من ذلك الأشياء التي يمنع من إيداعها بحكم العقد أو القانون دون تدخل من موظفيه، أو محاولة معرفة ما أودع أو سحب من الخزانة، إلا في حالة الشك حول وضع أشياء محرمة؛ كالمتفجرات مثلا.
ولا يحق للمصرف أن يفتح الخزانة إلا لضرورة قصوى؛ كما لو شب حريق في المصرف وأراد سحب ما في الخزانة لإنقاذ محتوياتها، أو إذا ثبت لديه أن الخزانة تحتوي متفجرات ورفض العميل إفراغ محتوياتها.
وفيما عدا هذه الحالات لا يجوز للمصرف فتح الخزانة أو إفراغ محتوياتها إلا بإذن المستأجر؛ أو بحضوره؛ أو تنفيذا لحكم نهائي؛ أو أمر من القاضي.(32)
وحق استخدام الخزانة مقصور على العميل ذاته أو وكيله، لذا يجب على المصرف أن يتحقق من شخصية العميل أو وكيله عند كل دخول إلى غرفة الخزائن، منعا لدخول الغرباء.
ثانيا: الالتزام بالمحافظة على سلامة الخزانة ومحتوياتها.
كما يلتزم المصرف وفق المادة 348/1 من المشروع، باتخاذ التدابير اللازمة لضمان سلامة الخزانة والمحافظة على محتوياتها، وهو وفق المادة 117 من قانون التجارة، التزام بتحقيق نتيجة، فلا يجوز له أن ينفي مسئوليته إلا بإثبات السبب الأجنبي؛ كأن يكون الضرر ناجما عن قوة قاهرة أو خطأ العميل. لذلك يكون المصرف مسئولا عن تعويض العميل عما أصابه من ضرر من جراء تلف محتوياتها بسبب هلاك الخزانة أو تلفها؛ كما لو احترقت، أو سرقت، ولذا تقوم المصارف باتخاذ تدابير معينة وتنظيم حراسة مشددة على غرفة الخزائن دفعا لمخاطر السرقة أو الحريق.
كما يلتزم المصرف بإجراء الإصلاحات الضرورية التي تتطلبها حالة الخزانة لكي تكون صالحة للاستعمال. وإذا كانت الخزانة مليئة بالأشياء واضطر المصرف إلى إجراء إصلاحات ضرورية، فعليه أن يضع خزانة أخرى تحت تصرف المستأجر طوال مدة التصليحات.
ويلزم العميل بإثبات ما أصابه من ضرر فقط، ولا يستطيع المصرف دفع مسئوليته إلا إذا أثبت أن الهلاك كان بسبب أجنبي كقوة قاهرة أو فعل الغير.
على أن إثبات مقدار الضرر الذي أصاب العميل يتطلب أن يثبت قيمة الأشياء التي تحتويها الخزانة، وهو إثبات عسير لأن هذه المحتويات تبقى سرا يحتفظ به العميل وحده؛ ولا يعلم المصرف به.
وإذا صارت الخزانة مهددة بخطر؛ أو تبين أنها تحتوي على أشياء خطرة، فيجب على المصرف وفق المادة 348/2 من المشروع، أن يخطر المستأجر فورا بالحضور لإفراغها أو لسحب الأشياء الخطرة منها.
فإذا لم يحضر المستأجر في الميعاد؛ جاز للمصرف أن يتقدم بطلب مستعجل لقاضي المحكمة المختصة للإذن له بفتح الخزانة وإفراغها؛ أو سحب الأشياء الخطرة منها، وذلك بحضور من يعينه القاضي لذلك، ويحرر محضر بالواقعة تذكر فيه محتويات الخزانة.
أما إذا كان الخطر حالا جاز للمصرف وعلى مسئوليته؛ فتح الخزانة وإفراغها أو سحب الأشياء الخطرة منها دون إخطار أو إذن من القاضي.
ثالثا: الالتزام بالمحافظة على السرية.
يلتزم المصرف المؤجر للخزانة أن يحافظ على سرية تعامل المستأجر بالخزانة، فلا يجوز أن يكشف عن وجود إجارة للخزانة إلا استثناء، ويجب أن يظل محتفظا بسرية أـسماء أصحاب الخزائن، كما أن عليه واجب المحافظة على سرية الأشياء المودعة في الخزانة حتى في حالة علمه بها. وقد نص قانون المصارف الفلسطيني رقم 9 لسنة 2010 في المادة 32/2 منه على أن على جميع أعضاء مجلس إدارة المصرف الحاليين والسابقين والمسئولين الرئيسيين؛ والموظفين والمدققين والمستشارين … الحفاظ على سرية المعلومات والمستندات المتعلقة بالعملاء والتي تصل إليهم بحكم أدائهم لمهامهم، ولا يجوز لأي منهم إفشاء أي من هذه المعلومات أو السماح للغير من خارج المصرف… بالاطلاع عليها … ما لم يكن هذا الاطلاع بموجب ما يلي: أ-موافقة العميل الخطية. ب-حكم قضائي صادر عن محكمة فلسطينية.
رابعا: الاستثناءات الواردة على التزامات المصرف المؤجر للخزانة.
يخضع التزام المصرف بالمحافظة على سرية التعامل بالخزانة المؤجرة للاستثناء حيث يجوز الاطلاع على محتويات الخزانة في حالات ثلاث هي:
الحالة الأولى: حق المصرف المؤجر في مراقبة الأشياء المراد وضعها في الخزانة المؤجرة والتثبت من ماهيتها في حال الشبهات، كما لو قام الشك بأن هذه الأشياء ذات صفة خطرة أو ضارة. حيث تشترط المصارف في تعليماتها أو صيغة العقد بأنه يحق للمصرف أن يعاين محتويات أي رزمة أو علبة مقفلة يريد المستأجر إيداعها في الصندوق بحضور المستأجر.
الحالة الثانية: ما تنص عليه بعض التشريعات من استثناء من مبدأ السرية المصرفية، من ذلك ما نصت عليه المادة 32/3 من قانون المصارف الفلسطيني رقم 9 لسنة 2010 بأنه: تستثنى الحالات التالية من أحكام متطلبات السرية الواردة في الفقرة (2) من هذه المادة مع التزام هذه الجهات بمتطلبات السرية للمعلومات التي تحصل عليها.
- الإفصاح لأداء الواجبات القانونية المحددة للمدقق الخارجي بموجب هذا القانون.
- الإفصاح عن المعلومات والوثائق التي تطلبها سلطة النقد أو موظفيها المكلفين للقيام بمهامهم.
- ….
- الإفصاح المحدد عن المعلومات بموجب أحكام قانون مكافحة غسل الأموال والتعليمات الصادرة بموجبه.
- الإفصاح وتبادل المعلومات التي تتعلق بالعملاء … لاستخدامات مكتب معلومات الائتمان في سلطة النقد مع المصارف وأية شركات أو جهات أخرى توافق عليها سلطة النقد لتسهيل تبادل المعلومات.
- الإفصاح عن المعلومات التي تتعلق بالعميل لمؤسسة ضمان الودائع والمؤسسات ذات العلاقة والمرتبطة بمهامها وفقا لتعليمات تصدرها سلطة النقد.
الحالة الثالثة: ما نصت عليه الفقرة (3/ز) من المادة المذكورة وهو: إفصاح المصرف عن بعض أو جميع المعلومات المتعلقة بتعاملات العميل لتوفير الأدلة القضائية في الادعاء القائم بينهما حول هذه التعاملات.
فهذا الاستثناء يهدف إلى تمكين المصرف من ممارسة حقه في الدفاع، ويندرج تحت هذه الحالة نشوء نزاع بين المصرف والمستأجر، يستلزم لدفاع المصرف أن يكشف عن بعض أو كل محتويات الخزانة. وفي هذه الحالة يحق للمصرف فتح الخزانة بشروط ثلاثة:
- أن يكون هناك نزاع قضائي بين المصرف والعميل. فلا يحق للبنك كشف السرية لخزانة العميل لمجرد شكوى إدارية أو بمناسبة التحقيق أمام النيابة العامة.
- أن يكون الكشف لسرية الخزانة بالقدر اللازم لإثبات المصرف لحقه قبل عميله، فلا يتجاوز ذلك لكشف عمليات أو حسابات ليس فيها نزاع بينه وبين عميله؛ وإلا اعتبر متخطيا حق الدفاع ومتعديا على قانون سرية الحسابات المصرفية، الأمر الذي يترتب عليه مساءلة البنك قانونا.
- أن يقتصر الكشف عن سرية عميله المصرفية على العميل الذي يوجد نزاع قضائي بينه وبين المصرف، ولا يمتد للنيل من سرية بيانات عميل آخر ليس طرفا في النزاع.
خامسا: فتح الخزانة المؤجرة.
أجاز القانون استثناءات أخرى تتجاوز الاطلاع على محتويات الخزانة المؤجرة إلى فتح الخزانة وإفراغ محتوياتها لحفظها في مكان آخر لمجابهة حالة الضرورة، أو لبيع هذه المحتويات واستيفاء حقوق دائن العميل المستأجر من ثمنها، وهي كما يأتي:
الحالة الأولى: الفتح الاضطراري للخزانة المؤجرة.
الهدف من عدم السماح بفتح الخزانة من غير المستأجر هو المحافظة على المحتويات وسريتها، ومن ناحية أخرى فإن واجب المصرف حراسة الخزانة والحفاظ على محتوياتها. لذلك إذا تعرضت الخزانة المؤجرة إلى خطر يهدد سلامتها وسلامة محتوياتها، وتعذر نقلها من مكانها، لا يكون أمام المصرف سوى فتحها وإفراغ محتوياتها للحفاظ عليها؛ تنفيذا لالتزامه بالحفظ؛ على أن يكون تدخله محددا بحالة الضرورة لمنع وقوع الضرر.
وتفرق بعض التشريعات ومنها التشريعين العراقي والمصري في هذه الحالة بين فرضين:(33)
الفرض الأول: حالة ما إذا كان الخطر في ظروف تسمح بإخطار العميل، أو الحصول على إذن المحكمة، وفي هذه الحالة يجب على المصرف أن يخطر العميل المستأجر فورا بالحضور لإفراغها، فإن لم يحضر جاز للمصرف الطلب من المحكمة الإذن له بفتح الخزانة وإفراغها؛ وذلك بحضور من تعينه المحكمة لذلك ويحرر محضر بالواقعة تذكر فيه محتويات الخزانة.
الفرض الثاني: حالة ما إذا كان الخطر حالا لا يسمح بإخطار العميل؛ أو الحصول على إذن المحكمة، وفي هذه الحالة جاز للمصرف وعلى مسئوليته فتح الخزانة وإفراغها دون إخطار أو إذن من المحكمة. ويلزم في هذا الفرض أن يتم ذلك عن طريق لجنة من مسئولي المصرف وتحرير محضر بذلك تبلغ صورة منه للعميل وذلك لحماية المصرف نفسه من المساءلة.
الحالة الثانية: الفتح الإجباري للخزانة المؤجرة بناء على قرار المحكمة.
وفي هذه الحالة لا يشترط أن يكون قرار المحكمة صادرا بناء على طلب المصرف، بل قد يكون القرار صادرا بشأن نزاع نشب بين المستأجر وأشخاص آخرين، وقد يكون فتح الخزانة لاطلاع المحكمة على محتوياتها أو لاطلاع الغير الذي صدر القرار لصالحه.
الحالة الثالثة: فتح الخزانة المؤجرة لعدم دفع الأجرة.
أجازت بعض التشريعات للمصرف إذا تخلف العميل المستأجر عن دفع الأجرة، فتح الخزانة وإفراغ محتوياتها وفق إجراءات حددتها. منها ما أجاز للمصرف إخطار المستأجر للحضور وإفراغ الخزانة، وإن لم يحضر طلب الإذن من المحكمة بفتح الخزانة وإفراغها بحضور من تعينه لذلك، حيث يحرر محضر تذكر فيه محتويات الخزانة وللمحكمة أن تأمر بإيداع المحتويات لدى المصرف أو لدى أمين إلى أن يتم التنفيذ عليها. (34)
ومنها من أعطى المصرف حق حبس الخزانة وقرر له حق امتياز على الثمن الناتج عن بيع محتوياتها لاستيفاء الأجرة والمصاريف المستحقة. (35)
أما بالنسبة لقانون التجارة الأردني الساري المفعول في الضفة الغربية، فإنه جاء خاليا من نص خاص بهذا الشأن، ولذلك تطبق القواعد العامة في القانون وخاصة قواعد قانون التنفيذ رقم 23 لسنة 2005 بحيث يكون للمصرف سلوك طريق التنفيذ الجبري.
الفرع الثاني
التزامات العميل
يرتب عقد إيجار الخزانة المصرفية على عاتق العميل المستأجر التزامات ثلاثة هي: الالتزام باستعمال الخزانة استعمالا ملائما، والالتزام بدفع الأجرة، والالتزام برد الخزانة عند انقضاء الإجارة.
أولا: الالتزام باستعمال الخزانة المؤجرة استعمالا ملائما.
يلتزم العميل بسلوك الرجل المعتاد في استخدامه للخزانة؛ وتنفيذ العقد بحسن نية، فهي معدة لأن تحوي الوثائق الهامة والأشياء الثمينة، لذلك لا يجوز له أن يضع فيها أشياء تهدد سلامتها أو سلامة المكان الذي توجد فيه. (36) وإلا كان مسئولا عن الأضرار التي تلحق المصرف أو عملائه. كما لا يجوز أن يضع فيها أشياء حيازتها ممنوعة، كالمسروقات والمخدرات أو الآثار المسروقة وغيرها من الأشياء المخالفة للقانون.
كما يلتزم العميل باحترام تعليمات المصرف بشأن مواعيد الدخول إلى غرفة الخزانة والخروج منها، والتوقيع في دفتر الزيارات عند الدخول. كما يلتزم وفق المادة 347/2 من المشروع بالاحتفاظ بمفتاح الخزانة ورده عند نهاية العقد،
وإذا فقد العميل المفتاح وجب عليه إخطار المصرف بذلك فورا ليتخذ التدابير الكفيلة بمنع من حصل على المفتاح من الدخول إلى غرفة الخزائن؛ ومحاولة فتح الخزانة. ويكون العميل في هذه الحالة ملزما بتعويض المصرف عن قيمة المفتاح المفقود، وغالبا يحصل المصرف مقدما على تأمينات من العميل يستقطع منها قيمة المفتاح في حالة فقده؛ أو في حالة عدم إعادته في نهاية مدة العقد.
ثانيا: الالتزام بدفع الأجرة.
يلتزم العميل بدفع الأجرة المتفق عليها في العقد، في الميعاد المتفق عليه، فإذا لم يدفع الأجرة المعجلة بعد إبرام العقد وقبل استخدام الخزانة، جاز للمصرف أن يمتنع عن تسليمه الخزانة عملا بالمادة 468 من مجلة الأحكام العدلية.
كما جرى التطبيق على أن يشترط المصرف في العقد أنه إذا تخلف المستأجر عن دفع أجرة الخزانة بعد استخدامها في مواعيد استحقاقها، جاز للمصرف بعد انقضاء مدة معينة (كثلاثين يوما مثلا) من تاريخ إخطاره بالدفع، أن يعتبر العقد مفسوخا من تلقاء ذاته دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار، ويسترد المصرف الخزانة بعد إخطاره المستأجر بالحضور وإفراغ محتوياتها. وإذا لم يحضر جاز للمصرف أن يتقدم بطلب مستعجل لقاضي المحكمة المختصة للإذن له بفتح الخزانة وإفراغ محتوياتها بحضور من يعينه القاضي، ويحرر محضر بالواقعة تذكر فيه محتويات الخزانة، وللقاضي أن يأمر بإيداع المحتويات عند المصرف أو عند أمين يعينه لذلك على نفقة المستأجر. (37)
والأصل أن يتم تحديد الأجرة في العقد على أساس مدة الإجارة وحجم الخزانة المؤجرة، ولا يجوز تعديل الأجرة المتفق عليها إلا بتراضي الطرفين. وإذا قرر المصرف زيادة الأجرة بموجب تعليمات جديدة بعد إبرام العقد، فإن الزيادة لا تسري على العميل المستأجر إلا إذا اتفق على تجديد العقد بعد انتهاء مدته لمدة جديدة لاحقة.
وغالبا ما يطلب المصرف دفع الأجرة سلفا، كما يشترط دفع تأمين آخر بالإضافة للأجرة مقابل تسليم المفتاح للمستأجر، ولا يرد هذا التأمين إلا بعد انتهاء مدة الإجارة وتسليم الخزانة للمصرف في حالة جيدة صالحة للاستعمال.
كما أن للمصرف وفق المادة 350 من مشروع قانون التجارة حق حبس محتويات الخزانة، وله حق امتياز على الثمن الناتج عن بيعها لاستيفاء الأجرة والمصاريف المستحقة له.
ثالثا: الالتزام بالتخلي عن الخزانة عند انقضاء مدة الإجارة.
يلتزم العميل المستأجر عند انقضاء عقد إجارة الخزانة لانتهاء المدة المحددة في العقد أو لأي سبب آخر يؤدي لانحلال هذا العقد طبقا للقواعد العامة؛ كالفسخ والإقالة، بتفريغ الخزانة من محتوياتها، وردها للمصرف المؤجر بالحالة التي استلمها صالحة للاستعمال، ورد المفتاح المستلم إلى المصرف المؤجر.
المطلب الثالث
الحجز على محتويات الخزانة
لم يعالج قانون التجارة الساري المفعول موضوع الحجز على محتويات الخزانة المؤجرة، لذلك تطبق أحكام الحجز على مال المدين لدى الغير الواردة في قانون التنفيذ رقم 23 لسنة 2005. وفي هذه الحالة يلتزم المصرف بمجرد تلقيه إعلان الحجز، بأن يقر بوجود عقد الإيجار بينه وبين المستأجر وبرقم الخزانة، وأن يمنع المستأجر من الدخول إلى صالة الخزائن حتى لا يتمكن المدين من تفريغ الخزانة وتهريب محتوياتها، وذلك إلى أن يفصل القضاء في مصير الحجز إما برفعه أو بتأييده.
بينما أجازت المادة 351/1 من مشروع قانون التجارة الحجز على الخزانة حجزا تحفظيا أو تنفيذيا، ونظرا لأن المصرف لا يعلم بمحتويات الخزانة، يوقع الحجز بتبليغ المصرف مضمون السند الذي يتم الحجز بموجبه؛ مع تكليفه بالتقرير عما إذا كان يؤجر خزانة للمحجوز عليه. وعلى المصرف بمجرد تسلمه هذا التبليغ أن يخطر المستأجر فورا بتوقيع الحجز؛ وأن يمنعه من استعمال الخزانة. ويكون إخطار مستأجر الخزانة صحيحا وفق المادة 352 من المشروع؛ إذا وجه إليه على آخر موطن عينه للمصرف.
وإذا كان الحجز تحفظيا، جاز للمستأجر أن يتقدم بطلب لقاضي المحكمة المختصة للإذن له بسحب بعض محتويات الخزانة في حضور من يندبه القاضي لذلك.
أما إذا كان الحجز تنفيذيا، فإن المصرف يلتزم بفتح الخزانة وإفراغ محتوياتها في حضور الحاجز أو من ينتدبه القاضي لذلك؛ بعد إخطار المستأجر بالميعاد المحدد لفتح الخزانة وجردها. وتسلم المحتويات للمصرف أو لأمين يعينه القاضي حتى يتم البيع وفقا للأحكام المنصوص عليها في قانون التنفيذ.
وإذا كان في الخزانة أوراق أو وثائق لا يشملها البيع، فيجب تسليمها إلى المستأجر. فإن لم يكن حاضرا وقت فتح الخزانة؛ يجب تسليمها إلى المصرف لحفظها حتى يطلبها المستأجر أو ورثته. وإذا لم يتقدم أحد منهم خلال خمس سنوات من تاريخ فتح الخزانة يكون للمصرف الحق في عرضها على القاضي للأمر بما يراه بشأنها.
(30)(30) وصف قانون التجارة الأردني الخزانة بأنها صناديق حديدية، غير أن وصف حديدية لم يعد لازما في الوقت الحالي، حيث يكتفي الفقه بأن تكون الخزانة من الصلابة والقوة الكافية لكي تؤدي الغرض منها مهما كانت المادة المصنوعة منها. لذلك اقتصرت التشريعات الحديثة على تسمية هذه العملية باسم (إجارة الخزائن) ومنها كل من قانون التجارة الكويتي (م 345) والإماراتي (م 355) والعراقي والمصري الجديد. فائق محمود الشماع، الإيداع المصرفي، الجزء الثاني، المرجع السابق، صفحة 23. وكذلك مشروع قانون التجارة الفلسطيني.
(31)(31) المرجع السابق، صفحة 50 و51.
(32)(32) المادة 353 من المشروع.
(33)(33) المادة 253 من قانون التجارة العراقي، والمادة 318/3 من قانون التجارة المصري الجديد.
(34)(34) منها المادة 254 من قانون التجارة العراقي، والمادة 351 كويتي والمادة 474 إماراتي.
(35)(35) القانون المصري الجديد.
(36)(36) المادة 348/2 من المشروع.
(37)(37) المادة 349 من المشروع.