قرار التقسيم وأثره على تحديد السكان الذين تكمن فيهم السيادة في فلسطين:
بعد حل عصبة الأمم انتقلت سلطة الإشراف على المناطق الخاضعة للانتداب إلى الأمم المتحدة بموجب الفصل الثاني عشر من ميثاقها والخاص بنظام الوصاية الدولية، واستمرت الدول التي انتدبتها عصبة الأمم المتحدة ومن تلك الدول بريطانيا كدولة منتدبة على فلسطين حيث كانت تقدم تقارير عن الوضع فيها إلى السكرتير العام للأمم المتحدة، لذلك عندما ازداد التوتر في فلسطين طلبت بريطانيا عقد دورة غير عادية للجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث قضية فلسطين، وقد عقدت هذه الدورة في المدة من 28 أبريل – نيسان إلى 15 مايو – أيار 1947، حيث قررت تأليف لجنة خاصة بفلسطين مكونة من إحدى عشرة دولة وأوصت هذه اللجنة بالإجماع، إنهاء الانتداب البريطاني وبالأكثرية تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية، ودولة عربية وإلى إنشاء منطقة دولية في القدس.
وفي 29 نوفمبر – تشرين ثاني سنة 1947 وافقت الجمعية العامة على التوصية بتقسيم فلسطين، فما مدى تأثير قرار التقسيم على موضوع السيادة في فلسطين؟
ومرة أخرى فنحن هنا لسنا بصدد بيان مدى انسجام قرار التقسيم مع صلاحيات الجمعية العامة وفقا لنظام الوصاية، أو مع فكرة العدالة من حيث توزيع الأراضي بين الدولتين المقترحتين، بل يقتصر بحثنا على آثار هذا القرار على فكرة السيادة، ومن هم السكان الذين تكمن فيهم سواء في الدولة اليهودية أو الدولة العربية اللتين تقرر إقامتهما.
إذا أخذنا بالمعيار الأول وهو أن السيادة تكمن في مجلس عصبة الأمم ومن بعده في الأمم المتحدة، يمكن القول إن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد عبرت عن ممارستها للسيادة في فلسطين بموجب قرار التقسيم الصادر في 29 نوفمبر – تشرين ثاني سنة 1947، وقد عبرت فيه الجمعية العامة عن تنازلها عن السيادة على فلسطين ونقلها إلى السكان المحليين في دولتين، الأولى أطلق عليها الدولة اليهودية وتشمل السكان المقيمين في داخل الحدود المخصصة لهذه الدولة وهم يشملون السكان الأصليين من عرب يدينون باليهودية والمسيحية والإسلام، بالإضافة إلى المهاجرين اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين بطريق شرعي، أي بموجب شهادات هجرة صادرة عن سلطة الانتداب وحصلوا على الجنسية الفلسطينية، وفقا لقانون الجنسية الفلسطينية الساري المفعول، وسكنوا داخل الحدود المخصصة لهذه الدولة.
ويلاحظ أن نصف سكان الدولة اليهودية المقترحة كانوا من العرب المسلمين والمسيحيين الذين يمتلكون حوالي ثلثي ما في تلك الدولة من عقارات وأراض.
أما الدولة الثانية وسميت بالدولة العربية وتشمل السكان المقيمين داخل الحدود المخصصة لهذه الدولة وهم يشملون السكان الأصليين من عرب يدينون بالمسيحية والإسلام واليهودية، بالإضافة إلى المهاجرين الذين هاجروا إليها بطريق شرعي أي بموجب شهادات هجرة صادرة عن سلطة الانتداب وحصلوا على الجنسية الفلسطينية وفقا لقانون الجنسية الفلسطينية الساري المفعول.
ولما كان إنشاء دولة ما لا يعني حرمان السكان الذين لا ينتمون إلى جنس أو دين غالبية السكان من حقوقهم ومنها الاشتراك في ممارسة حق السيادة، فإن ذلك يعني حق السكان الفلسطينيين من المسلمين والمسيحيين الذين كانوا يقيمون ضمن حدود الدولة اليهودية في التمتع بكامل الحقوق السياسية والمدنية والدينية في تلك الدولة، وبالتالي عدم جواز إرغامهم على مغادرة أملاكهم وأماكن سكناهم بالقوة ولذلك وبعد أن قامت الحركة الصهيونية ومنظماتها المسلحة بإرهاب السكان غير اليهود واضطرارهم إلى الهرب خلال الأحداث التي مرت بها فلسطين، قررت الجمعية العامة بتاريخ 11 ديسمبر – كانون الأول سنة 1948 ضرورة عودة اللاجئين إلى أماكن سكناهم وممتلكاتهم والتعويض على من لا يرغب منهم في العودة.
وهذا القرار يعتبر تأكيدا لما سبق وقلناه بأن إرادة الجمعية العامة قد انصرفت إلى نقل السيادة على ذلك الجزء من فلسطين المخصص للدولة اليهودية إلى جميع السكان المقيمين في هذا الجزء على قدم المساواة بصرف النظر عن جنسهم أو دينهم.
وقد ثار الجدل حول مدى القوة الملزمة لقرار التقسيم، فذهب رأي إلى أن الجمعية العامة بما أنها تسلمت المهام المتعلقة بالإشراف على المناطق الواقعة تحت الانتداب خلفا لعصبة الأمم يكون لها بصفتها هذه سلطة إصدار قرارات ملزمة قانونا وذلك خلافا للقرارات التي تصدرها عادة والتي ليس لها أكثر من قوة الإيصاء فقط. وقد استند هذا الرأي أيضا على القرار الذي أصدرته الجمعية العامة بإنهاء الانتداب الواقع على جنوب غرب إفريقيا، من قبل دولة جنوب إفريقيا. وقد اعتبر هذا الاتجاه الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في هذا الخصوص والقاضي بأن الوضع القانوني للمناطق الواقعة تحت الانتداب يمكن تغييره فقط بموافقة الأمم المتحدة، أنه مؤيد لوجهة نظره في أن قرارات الجمعية العامة في خصوص المناطق الواقعة تحت الانتداب هي قرارات ملزمة قانونا.
أما الرأي الثاني فذهب إلى أن قرارات الجمعية العامة المتعلقة بالوضع القانوني للمناطق الواقعة تحت الانتداب يكون لها قوة ملزمة قانونا إذا اقترنت بموافقة مجلس الأمن، وفي خلال مناقشة قرار التقسيم عام 1947 ظهر أن غالبية الدول المجتمعة تؤيد وجهة النظر هذه وهي أن قرار الجمعية العمومية يعتبر ملزما إذا قام مجلس الأمن بتنفيذه، إلا أن مجلس الأمن رفض أن يتخذ أي إجراء لتنفيذ قرار التقسيم رغم دعوة السكرتير العام مجلس الأمن للقيام بذلك، كما أن هذا الرأي يذهب إلى أن الرأي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية والخاص بجنوب غرب إفريقيا أبعد ما يكون عن الوضوح فيما إذا كان يعتبر قرار الجمعية العامة في هذا الصدد ملزما قانونيا أم مجرد توصية.
فإذا اعتبرنا قرار التقسيم ملزم قانونا وفقا للرأي الأول، فإنه يترتب على ذلك نقل السيادة إلى السكان في حدود الدولتين واعتبار الحدود التي وردت في قرار التقسيم هي الحدود الدولية النهائية لكل من الدولتين وبالتالي ضرورة احترام كل منهما لحدود الدولة الأخرى وسيادتها على إقليمها وفقا للمبادئ الدولية المستقرة والواردة في ميثاق الأمم المتحدة (0)
أما إذا اعتبرنا قرار التقسيم مجرد توصية وفقا للرأي الثاني فإنه يترتب على ذلك أن إعلان بريطانيا إنهاء انتدابها على فلسطين والانسحاب منها لا يؤثر على وضع فلسطين كمنطقة خاضعة للانتداب، لأن بريطانيا كانت تمارس صلاحياتها بتكليف من عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة وإنهاء بريطانيا لممارسة صلاحياتها يعيد تلك الصلاحيات للأصل وهو الأمم المتحدة، وبالتالي فإن إعلان (المجلس الوطني اليهودي) عن إقامة دولة إسرائيل يعتبر تعد على الأمم المتحدة وبالتالي غير شرعي، ولا يترتب عليه اكتساب هذه الدولة السيادة على الجزء الذي قامت عليه من فلسطين.
——————————
(0)(0) يلاحظ أن القول بأن قرار الجمعية العامة بتقسيم فلسطين إلى دولتين هو قرار ملزم، يستوجب تنفيذ هذا القرار بشقيه، أي إقامة الدولة اليهودية والدولة العربية معا، وبالتالي فإن الاقتصار على تنفيذ شق واحد منه يكون موقوفا قانونا على تنفيذ الشق الآخر. ولذا فإن عدم إقامة الدولة العربية يعني عدم شرعية أو قانونية إقامة الدولة اليهودية، لأن القيمة القانونية للقرار واحدة لا تتجزأ.