الباب الثاني
ارتباط الدعاوى والطعن في الأحكام
سنعرض في هذا الموضوع إلى ثلاث مسائل :
الأولى: بعض القواعد العامة التي تسري على خصومة الطعن؛ ولها صلة بالارتباط؛ وتعمل على الحفاظ على وحدة الخصومة المدنية، وهي:
- قاعدة عدم جواز الطعن على استقلال في القرارات التي تسبق صدور الحكم المنهي للخصومة.
- قاعدة تتناول أطراف خصومة الطعن.
- قاعدة نسبية إجراءات الطعن – أهم القواعد العامة للارتباط في خصومة الطعن.
الثانية: أحكام الارتباط في خصومة الاستئناف باعتباره أكثر طرق الطعن العادية شيوعا.
الثالثة: ارتباط الدعاوى ومحكمة النقض، من خلال مدى جواز التدخل أمام محكمة النقض.
الفصل الأول
القواعد العامة للارتباط في خصومة الطعن
هناك قواعد عامة لخصومة الطعن تصلح للتطبيق على كافة طرق الطعن؛ بصرف النظر عما إذا كان هذا الطريق عاديا؛ أو غير عادي، وهي قواعد تتميز بالعمومية؛ والشمول؛ والتعدد؛ والتنوع. وسوف نركز على بعض هذه القواعد من خلال الاحتكام إلى معيارين:
المعيار الأول: وحدة الخصومة، بدراسة القواعد التي تعمل على الحفاظ على تلك الوحدة، وإعمال هذا المعيار يؤدي إلى تناول قاعدتين:
الأولى، التي تنهى عن الطعن في القرارات التي تسبق صدور الحكم المنهي للخصومة كلها.
والثانية، أطراف خصومة الطعن لبيان أثر اختلاف الخصوم في الطعن عن الخصوم في الحكم محل الطعن، على قبول الطعن.
المعيار الثاني: فكرة الارتباط، وطبقا لهذا المعيار؛ نعرض للقاعدة التي تقر مبدأ نسبية أثر الطعن، واستثناء الارتباط غير القابل للتجزئة من هذه القاعدة.
المطلب الأول
قاعدة عدم جواز الطعن في القرارات الصادرة قبل الحكم المنهي للخصومة
وازن المشرع بين الفوائد التي تجنى من حظر الطعن على استقلال في القرارات غير المنهية للخصومة، والأضرار المترتبة على هذا التأجيل، سعيا للحصول على أكبر قدر من الفوائد؛ وأقل ضرر ممكن. فجعل القاعدة العامة هي عدم جواز الطعن على استقلال في القرارات غير المنهية للخصومة، ونص على استثناء بعض المسائل التي لا يحتمل موضوعها تأجيل الطعن في القرار لحين صدور الحكم المنهي للخصومة كلها، مثل القرارات الوقتية والمستعجلة؛ والقرارات الصادرة بوقف الدعوى؛ والقرارات القابلة للتنفيذ الجبري؛ والأحكام الصادرة بعدم الاختصاص والإحالة.
وهدف المشرع من ذلك هو الحفاظ على وحدة الخصومة؛ فضلا عن أن الطعن في القرار غير المنهي للخصومة قد يصبح غير مجد؛ إذا صدر الحكم المنهي للخصومة كلها لصالح المحكوم عليه في القرار غير المنهي.
الفرع الأول
مفهوم القرارات غير المنهية للخصومة:
يقصد بالقرارات غير المنهية للخصومة، القرارات التي تصدر قبل الفصل في الدعوى؛ ولا تنتهي بها الخصومة كلها أو بعضها. سواء تعلقت بإجراءات الخصومة؛ أو بموضوع الدعوى؛ أو بطريقة إثباتها، وهي تشمل القرارات الصادرة برفض الدفوع الشكلية ، كالدفع بعدم الاختصاص؛ والدفع ببطلان إجراءات الخصومة أو بسقوط الخصومة، وكذلك القرار الصادر برفض الدفع بعدم قبول الدعوى. فالقرارات غير المنهية للخصومة لا يجوز الطعن فيها على استقلال؛ وإنما يطعن فيها مع الحكم المنهي للخصومة؛ أو بعد الطعن إذا كان ميعاد الطعن في الحكم المنهي مفتوحا.
فإذا طعن في هذه القرارات على استقلال؛ ودون انتظار صدور الحكم المنهي للخصومة كلها، فإن محكمة الطعن تحكم من تلقاء نفسها بعدم جواز الطعن لتعلقه بالنظام العام.
وتسري هذه القاعدة ولو تعدد أطراف الخصومة؛ إذا حصل التعدد بعد بدء الخصومة. وفي هذه الحالة لا ينظر إلى ما يتعلق بكل خصم على حدة؛ أو إلى الخصومة عند بدئها، وإنما ينظر إلى الخصومة برمتها.
الفرع الثاني
المقصود بالحكم المنهي للخصومة
يقصد بالحكم المنهي للخصومة، الحكم الذي يرفع يد المحكمة عن ملف الدعوى سواء كان صادرا في موضوع الدعوى برمته، أي الحكم الختامي المنهي للنزاع في كل الطلبات التي أقيمت بها الدعوى. ولا يعد الحكم منهيا للخصومة كلما استبقى جزءا من الدعوى لم يفصل فيه. والخصومة هي التي تنشأ بمقتضى الطلب الأصلي وما تبعه من طلبات عارضة مقدمة من الخصوم؛ أو من الغير في حالات التدخل واختصام الغير.
ويعد كذلك حكما منهيا للخصومة؛ ولو انتهت الخصومة بغير حكم في موضوعها، الحكم الصادر بعدم اختصاص المحكمة، أو ببطلان لائحة الدعوى؛ أو باعتبارها كأن لم تكن، أو بعدم قبولها، فكل هذه الأحكام تقبل الطعن الفوري لأنها تنهي الخصومة كلها وترفع يد المحكمة عنها.
أما في حالة ضم الدعاوى، فإذا كان موضوع الطلب في إحدى الدعويين هو ذات الطلب في الدعوى الأخرى، واتحدا خصوما وسببا؛ أو كان الفصل في أحد الطلبين يعد أساس الفصل في الطلب الآخر، فإن الأمر يتعلق بدعوى واحدة، والقرار الصادر في إحدى الدعويين بعد الضم يعد قرارا صادرا قبل الفصل في الموضوع؛ ويعد غير منه للخصومة، ولا يجوز الطعن فيه على استقلال. وفي غير هذه الحالة، فإن صدور حكم في إحدى الدعويين ينهي الخصومة المتعلقة بها؛ ويجيز الطعن فيه؛دون حاجة لانتظار صدور الحكم في الدعوى الأخرى، لأن الضم لا يمحو استقلال كل دعوى عن الأخرى.