قدمت بلدية بيت لحم اعتراضا على مخطط التسوية طالبة تعديل مساحة القطعتين 90 و 91 من الجدول لأن القطعتين المذكورتين جاءتا متجاوزتين للحد الصحيح ومعتديتين على الشارع المعبد الذي يحدهما خلافا للحقيقة والواقع ولمخطط التنظيم الهيكلي المصادق عليه أصولا، وأن ذلك واضح على المخطط المرفق بجدول الحقوق، حيث يظهر الضيق الشديد للشارع المعبد المذكور عند مروره بالقطعة رقم 90، وأن هذا الشارع عام وحيوي ويخدم عموم الأهالي في مدينة بيت لحم.
أصدرت محكمة التسوية قرارها برد الاعتراض بالقول إن الاعتراض غير مقبول لأن الطريق التي تفتح وتخطط أثناء عمليات التسوية بالاستناد إلى حكم المادة التاسعة من قانون التسوية سواء أكانت طريقا قديمة أو جديدة، يكون القرار بشأنها نهائيا غير قابل للاعتراض.
تم استئناف القرار، وقررت محكمة الاستئناف رد الاستئناف لأن وجود مخطط تنظيم هيكلي مصدق أو غير مصدق لا علاقة له بهذا الاعتراض، إذ العبرة لمخطط التسوية.
تم الطعن لدى محكمة النقض التي قررت أنه:
بعطف النظر على أحكام المادة 9 من قانون تسوية الأراضي والمياه رقم 40 لسنة 1952 فقد نصت يجوز للمدير أو الشخص المفوض من قبله بإجراء عمليات التسوية أن يقوم بما يأتي:
- أن يرسم حدا جديدا عوضا عن الحد القديم الفاصل بين أحواض أو قطع أراضي مختلفة إذا كان الحد ملتويا أو معوجا وله أن يسوي أي حد يراه مناسبا لطبيعة الأرض بقصد تحسين الأعمال فيها إما بمبادلتها بأرض مساوية لها من حيث القيمة أو بإعطاء التعويض اللازم للمتضرر من جراء عمل كهذا ويكون قراره قطعيا.
- أن يفتح ويخطط أية طريق جديدة أو قديمة سواء أكانت الطريق عامة أو خاصة وأن يخطط أي حق مرور من أجل توصيل أية قطعة أرض بالطريق العام وله أن يقرر مقدار التعويض الواجب دفعه للمتضرر من جراء أعمال كهذه ويكون قراره بذلك قطعيا.
- جميع الطرق العامة والخاصة التي تخطط أثناء أعمال التسوية تمسح وتثبت على خرائط المساحة وتعتبر هذه الخرائط الوثيقة الوحيدة التي يرجع إليها في حالة حدوث أي نزاع أو تعد يقع على تلك الطريق.
وفي هذا الذي نصت عليه المادة (9) سالفة الإشارة وعلى الأخص الفقرة (3) منها تفصح بأن ما خلص إليه الحكم المطعون فيه وحمل عليه جاء متفقا وصحيح القانون، وأن أسباب الطعن لا تنال منه ولا تجرحه، ولا يرد القول بأن على محكمة التسوية مراعاة المخططات الهيكلية التنظيمية ذلك أن مخططات التسوية هي الوثيقة الوحيدة التي يتم اعتمادها لا سيما وأن اعتراض البلدية جاء منصبا على مخطط التسوية، لذلك قررت المحكمة رد الطعن.
وفي التعليق على هذا الحكم، نجد أن محكمة النقض غفلت عن أن نص المادة 9 من قانون تسوية الأراضي والمياه الذي بنت حكمها عليه، جاء مخالفا للمادة 30/2 من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 التي نصت على أنه (يحظر النص في القوانين على تحصين أي قرار أو عمل إداري من رقابة القضاء).
وهو ما أكده قرار المحكمة الدستورية في الطعن الدستوري رقم 2/2019 المنشور في العدد 152 من الوقائع الفلسطينية بتاريخ 19/2/2019. الذي جاء فيه (…… إن ما ورد في المادة (9) من قانون تسوية الأراضي والمياه رقم (40) لسنة 1952 وتعديلاته، وما اشتملت عليه من أحكام يمثل أعمالا وقرارات إدارية تنطبق عليه أحكام المادة (30) فقرة (2) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته، التي أكد النص عدم جواز تحصينها من رقابة القضاء، علما أن النص المذكور أعطاها صفة القطعية، وبالتالي تخرج عن الرقابة القضائية أو أي رقابة أخرى.
ولما كانت الرقابة القضائية حصنا وملاذا للأفراد لتحقيق العدالة، وحقا مكفولا بموجب القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته، وكذلك حق من الحقوق الأساسية مصون بموجب الشرعية الدولية لحقوق الإنسان وفلسطين طرف في هذه الاتفاقيات والإعلانات الدولية بموجب انضمامها إليها وفقا لأحكام المادة (10) من القانون الأساسي، حيث تنص المادة الثامنة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على: ” لكل شخص الحق أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه من أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون”. ونصت المادة الرابعة عشر من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على:” جميع الأشخاص متساوين أمام القضاء، ولكل فرد الحق عند النظر في أية تهمة جنائية ضده أو في حقوقه والتزاماته في إحدى القضايا القانونية، في محاكمة عادلة وعلنية بواسطة محكمة مختصة ومستقلة وحيادية وقائمة استنادا إلى القانون”. ومن ثم لا يجوز تحصين أي قرار أو عمل إداري من رقابة القضاء، سواء من تلك القوانين الصادرة قبل العمل بالقانون الأساسي أو اللاحقة لسريانه).
لهذه الأسباب قررت المحكمة عدم دستورية تحصين القرارات الصادرة من مدير التسوية أو الشخص المفوض من قبله من رقابة القضاء الواردة في الفقرتين (1و2) من المادة (9) من قانون تسوية الأراضي والمياه رقم (40) لسنة 1952م وتعديلاته.
ولكن يبقى السؤال: ما هو نطاق وحدود الرقابة القضائية على القرارات الصادرة وفق نص المادة (9) من قانون التسوية؟
وللإجابة على هذا السؤال، نرى أن على المحكمة المختصة وهي تنظر الطعن في قرار صادر بموجب المادة (9) المذكورة أن تأخذ في الاعتبار غاية المشرع من تخويل الصلاحيات الواردة في هذه المادة لمدير التسوية أو الشخص الذي يفوضه، وأن تفرق بين أمرين:
الأمر الأول أن تعديل الحد المعوج أو الملتوي الفاصل بين أحواض أو قطع مختلفة بما يناسب طبيعة الأرض بقصد تحسين الأعمال فيها، وكذلك تخطيط الطرق العامة والخاصة، الهدف منه مصلحة عامة، لذلك فإن الطعن في القرار ذاته غير وارد، لأن المصلحة العامة دائما أولى بالرعاية.
والأمر الثاني: طريقة تنفيذ القرار على أرض الواقع، فإذا ترتب على تنفيذ القرار ضرر، يجوز لمن تضرر الطعن في طريقة التنفيذ، كما لو كان يمكن رسم الحد أو فتح الطريق بطريقة أفضل وأقل ضررا مما تم تنفيذه، فالقابل للطعن هو مسار الخط أو مسار الطريق، أو مقدار التعويض، حتى لا يتم محاباة أحد الأشخاص على حساب المصلحة العامة أو على حساب جاره.
وبهذا التفسير للمادة (9) المذكورة يتحقق التوازن بين المصلحة العامة والمصالح الخاصة للأفراد وتزول المخالفة الدستورية التي أشارت إليها المحكمة الدستورية في قرارها في الطعن الدستوري رقم 2 لسنة 2019. وبذلك يمكن صون الحقوق وتحقيق العدالة.