ومرة أخرى نجد أن المحكمة الدستورية قد عالجت حالة ووقائع معينة في طعن محدد، ولم تفسر نصوصا مجردة، فهي والحالة هذه قد خرجت عن مفهوم التفسير إلى مفهوم الفصل في خلاف قضائي.
كما أن ما جاء في قرارها هو وصف غير دقيق للواقع؛ فلم يكن القاضي سامي صرصور هو النائب الأقدم لرئيس المحكمة العليا/ رئيس مجلس القضاء الأعلى؛ بل كان هناك نائب آخر من غزة ولكنه أحيل إلى التقاعد قبل فترة وجيزة؛ وقبل رفع التنسيب، فأصبح القاضي سامي صرصور هو النائب الوحيد وبالتالي فليس دقيقا وصفه بأنه الأول أو الأقدم، ولا يصلح ما ورد في كتاب مجلس القضاء الأعلى بهذا الخصوص للاسترشاد به من قبل المحكمة الدستورية . وعلى فرض أن كان القاضي سامي صرصور بحكم درجته ومنصبه؛ هو النائب الأقدم لرئيس المحكمة العليا/ رئيس مجلس القضاء الأعلى، فإن هذا الوصف لا يصلح في الحالة محل البحث، لأنه بعد إحالة النائب الآخر في غزة على التقاعد، وتعيينه رئيسا للمحكمة العليا/ رئيسا لمجلس القضاء الأعلى؛ لم يعد هناك من يشغل منصب نائب رئيس المحكمة العليا/ نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى، ، ولذلك قرر رئيس الدولة شغل هذا المنصب بتعيين القاضي عماد سليم سعد نائبا لرئيس المحكمة العليا/ نائبا لرئيس مجلس القضاء الأعلى؛ بناء على التنسيب المشار إليه سابقا، وبذلك يكون هو نائب الرئيس الوحيد وليس الأول أو الأقدم. ومن ناحية أخرى فإنه لا يشترط في من ينسب ويعين رئيسا المحكمة العليا/ رئيس مجلس القضاء الأعلى أن يكون أقدم النواب وبذلك فإن كل من كلمة النائب الأول وكلمة أقدم النواب لا تؤدي نفس المعنى قانونا ولا لغة .
ويلاحظ أخيرا أن المحكمة الدستورية قد أقحمت في قرار التفسير الذي أصدرته جملة لا علاقة لها بموضوع تفسير المادتين محل البحث؛ عندما ذكرت أنه ( أما الاستشهاد بالحكم الصادر من المحكمة العليا رقم 130/2015 ، لا يعني أنه حكما يجب الاستئناس به، أو اعتباره مبدأ أو الأخذ به كحكم يجب الاقتداء به، بل يجب إعدامه وعدم الاستشهاد به).
فهذا الحكم من ناحية، لا علاقة له بموضوع التفسير المطروح على المحكمة، لأنه يتعلق بقرار صادر عن رئيس الدولة بتعيين رئيس للمحكمة العليا/ رئيس لمجلس القضاء الأعلى؛ دون أن يستند إلى تنسيب من مجلس القضاء الأعلى، وبالتالي فإنه يكون قرارا باطلا لأنه صدر خلافا لحكم المادة 18/1 من قانون السلطة القضائية، بينما طلب التفسير يتعلق بمسألة مغايرة كما هو واضح من السؤال الأول المطروح على المحكمة، والذي تناولناه سابقا.
كما أنه من ناحية أخرى ، فإن المحكمة الدستورية – كما سبق وذكرنا – في تفسيرها لنصوص القانون عليها أن تفسر النص بشكل مجرد ؛ وتبين إرادة المشرع العادي من خلال النص القانوني المراد تفسيره والأعمال التحضيرية والمذكرات التفسيرية إن وجدت، دون التفات لما قررته المحاكم العادية في الطعون المقدمة لها؛ أو الاستئناس أو الاسترشاد بهذه الأحكام باعتبارها تقرر مبدأ يجب الأخذ أو الاقتداء به، لأنها غير ملزمة بما تقرره هذه المحاكم .
كما أن المحكمة الدستورية من ناحية ثالثة، وهي بصدد تفسير نص قانوني لا تملك أن تحاكم الأحكام القطعية الصادرة عن المحاكم العادية ؛ وتقرر صحتها أو عدم صحتها. وإنما تقتصر على بيان وتفسير النص القانوني وفق الشروط الواردة فيه.
بالإضافة إلى أن صياغة هذه الجملة لم تكن موفقة، ويبدو أن عبارة ( بل يجب إعدامه وعدم الاستشهاد به ) الواردة في هذه العبارة غير مقصودة وربما كانت تقصد ( بل يجب استبعاده وعدم الاستشهاد به)، لأن هذه العبارة هي التي تنسجم مع سياق قرارها. وهذه العبارة ليست هي الوحيدة التي فيها ضعف في الصياغة لغة واصطلاحا.
وعلى كل حال، فإن هذه العبارة لا تجعل من قرار التفسير الصادر عن المحكمة الدستورية، حكما واجب التنفيذ مناقضا لحكم المحكمة العليا الصادر في الدعوى رقم 130/2015، لما سبق بياته من اختلاف في الوقائع والشروط من ناحية، ولأن سبق تفسير المحكمة العليا في حكمها المذكور ؛ لنص المادة 18 من قانون السلطة القضائية ؛ تفسيرا مغايرا لما قررته المحكمة الدستورية – على فرض صحة ذلك – يعد مجرد خطأ في تفسير وتطبيق القانون ، وبالتالي لا يعد سببا للطعن في هذا الحكم الذي اكتسب الدرجة القطعية؛ وطلب إعادة النظر فيه وإلغائه بزعم أنه يتناقض مع قرار المحكمة الدستورية، فالقرار الصادر عن المحكمة الدستورية بتفسير نص قانوني معين؛ يعد بمثابة نص قانوني واجب التطبيق ويعبر عن إرادة المشرع، بحيث تلزم المحاكم بتطبيقه في الدعاوى المنظورة أمامها ولم يتم الفصل فيها بحكم قطعي؛ منذ لحظة صدوره ونشره ، وليس حكما قضائيا في نزاع أو دعوى قضائية بين خصوم؛ واجب التنفيذ كما تنفذ الأحكام القضائية.