أ.د. عثمان التكروري
إذا قام مالك العقار بتنظيم وكالة دورية لمشتري هذا العقار، ثم بعد ذلك قام ببيعه لمشتر آخر ونظم له وكالة دورية ثانية، يثور السؤال حول ما هي الوكالة الدورية الأولى بالتنفيذ؟
ولا خلاف في الحكم في حالة تنفيذ الوكالة الدورية الأولى لدى دائرة الأراضي ونقل ملكيتها للمشتري بموجب هذه الوكالة، لأن الوكالة الدورية الثانية تكون قد وردت على غير محل. وكذلك الحال إذا لم تكن أي من الوكالتين قد تم تنفيذها بالفعل؛ ثم تقدم المستفيدان لدائرة التسجيل بطلبين يطلب كل منهما في طلبه تنفيذ وكالته، فالأولوية في هذه الحالة للوكالة الدورية الأولى، ولا يملك المستفيد في الوكالة الثانية سوى الرجوع على البائع بالفسخ والتعويض إن كان له محل.
بينما ثار الخلاف في الحكم في حال تنفيذ الوكالة الدورية الثانية وتسجيل العقار باسم المستفيد في هذه الوكالة في سجل دائرة الأراضي، ثم قيام المستفيد في الوكالة الدورية الأولى بتقديم طلب لتنفيذ وكالته ورفض طلبه، ولجوئه لإقامة دعوى لدى المحكمة المختصة يطلب فيها إلغاء الوكالة الدورية الثانية وإبطال تسجيل العقار باسم المشتري، أي إلغاء معاملة البيع والتسجيل التي تمت لدى دائرة التسجيل بموجب هذه الوكالة.
وللفصل في هذا الخلاف والوصول إلى حكم القانون فيه يلزم الأخذ في عين الاعتبار القواعد القانونية الآتية:
- إن الملكية في العقارات لا تثبت إلا بالتسجيل في السجل الرسمي لدى دائرة الأراضي.
- إن الوكالة الدورية غير القابلة للعزل هي وسيلة لنقل الملكية وليست سندا للملكية.
- إن العقد شريعة المتعاقدين وآثاره نسبية بين طرفيه ولا تسري في حق الغير حسن النية.
وفي ضوء هذه القواعد الثلاثة نعود لبحث مدى أثر تنفيذ الوكالة الدورية الثانية على حق المستفيد في الوكالة الدورية الأولى، ولبيان حكم ذلك نفرق بين فرضين:
الفرض الأول: كون العقار المباع مسجلا في السجل الرسمي لدى دائرة الأراضي.
وفي هذا الفرض يكون على المستفيد في الوكالة الدورية في حال عدم رغبته في تنفيذها مباشرة لدى الدائرة الرسمية لأي سبب من الأسباب، أن يؤشر بوجودها وبحصوله على تلك الوكالة في صفحة السجل الخاصة بالعقار موضوع وكالته الدورية؛ حتى يتمكن كل من يرغب بشراء هذا العقار لدى مراجعة دائرة الأراضي للاستفسار عن العقار قبل إقدامه على شرائه؛ من العلم بوجود تلك الوكالة وسبق بيعه؛ فيعدل عن الشراء. فإذا لم يقم المشتري المستفيد في الوكالة الدورية الأولى بالتأشير بذلك في السجل؛ وأقدم مشتر آخر على شراء العقار بعد أن اطمئن إلى أنه خال من أي حق للغير، ونفذ عملية الشراء بنقل الملكية وتسجيل العقار باسمه، فإنه يكون حسن النية؛ ولا يملك المستفيد في الوكالة الدورية الأولى الاحتجاج في مواجهته بسبق حصوله على وكالته الدورية لأنه يكون قد قصر في حق نفسه، ولا يبقى له سوى الرجوع على البائع بالفسخ والتعويض إن كان له محل.
والفرض الثاني: كون العقار المباع غير مسجل لدى دائرة التسجيل.
وفي هذا الفرض فإن تنفيذ الوكالة الدورية الثانية يتم من خلال تقديم طلب تسجيل جديد، وهو بالإضافة إلى إجراءات ومعاملات أخرى ، يستوجب النشر في الصحف المحلية لفترة محددة في القانون لغاية إعلام الغير وإتاحة الفرصة لكل صاحب حق في العقار موضوع طلب التسجيل للاعتراض وإثبات حقه ، ولذلك يكون على المستفيد في الوكالة الدورية الأولى أن يبادر إلى الاعتراض خلال المدة القانونية ، فإن لم يعترض وتم تسجيل العقار باسم المستفيد في الوكالة الدورية الثانية ، لا يملك بعد ذلك التمسك بوكالته الأولى في مواجهة المالك الجديد ، ولا يبقى له أيضا سوى الرجوع على البائع بالفسخ والتعويض إن كان له محل .
ذلك أنه من المسلم به أن نقل ملكية العقارات موضوع الوكالة الدورية لا يتم إلا في حالة تنفيذ هذه الوكالة لدى دائرة تسجيل الأراضي خلال المدة القانونية ، وبالتالي فإن الوكالة الدورية الأولى التي لم تنفذ لا تنقل ملكية العقار الوارد فيها من اسم المالك إلى اسم المستفيد ، بل تبقى للمالك الأصلي ، وبما أن هذا المالك قد باع العقار إلى مشتر حسن النية هو المستفيد في الوكالة الدورية الثانية ، بموجب وكالة تم تنفيذها بموجب عقد بيع رسمي نظم ووقع أمام الموظف المختص في دائرة تسجيل الأراضي ، وسجل في سجلاتها حسب أحكام القانون ، وبما أن عقد البيع هذا عقد صحيح في ذاته بين مالك لم يفقد ملكيته للعقار وبين مشتر حسن النية ، ومحله عقار خلت صحيفته في السجل العقاري من أي قيود تحول دون العقد وتسجيله . فإن تقديم الوكالة الدورية الأولى إلى دائرة الأراضي لتنفيذها بعد أن كانت الملكية قد انتقلت للمالك الجديد (المستفيد في الوكالة الدورية الثانية )، يعني أنها وردت على عقار لم يعد ملكا للبائع في تلك الوكالة، وبالتالي فقد أصبح تنفيذ هذه الوكالة مستحيلا لهلاك العقار المباع هلاكا قانونيا بخروجه من ملك البائع الموكل، فلا يبقى أمام المستفيد في هذه الوكالة سوى الرجوع على من باعه بطلب الفسخ والتعويض إن كان له محل، ذلك أن هذه الوكالة الأولى تبقى آثارها نسبية بين البائع والمشتري ولا تسري في حق الغير حسن النية الذي انتقلت إليه الملكية بالتسجيل في دائرة التسجيل بعد أن اطمئن إلى أن العقار مسجل باسم من باعه وفقا للقانون. والقول بغير ذلك يتناقض مع غاية المشرع من تنظيم عملية تسجيل العقارات، ويفتح الباب من جديد للخلاف والمنازعات التي سعى المشرع لوضع حد لها، بالنص في المادة 8/ج من قانون تسجيل الأموال غير المنقولة التي لم يسبق تسجيلها رقم 6 لسنة 1964 على أنه (إذا تم التسجيل في قيود دائرة التسجيل فيعتبر السند الصادر عنها وثيقة غير قابلة للطعن بها أمام المحاكم من قبل المعترض أو المعترضين إنما يحق للغائب والمجنون والمعتوه والقاصر حق إقامة الدعوى على من سجلت الأرض باسمه أو على أصوله أو فروعه وعلى الزوج والزوجة وذلك في حالة انتقال ملكية الأرض إلى أي من هؤلاء بأية صورة من الصور).