نطاق الدراسة:
تتناول هذه الدراسة مسئولية المحامي الذي يعمل في مكتب مستقل أو في شركة محاماة مدنية، عن الخطأ المهني أثناء ممارسته لمهنته، وبذلك يخرج منها المحامي غير المزاول، والمحامي الذي يعمل في مقر شركة أو مؤسسة؛ ويتقيد بنظامها فيما يتعلق بمواعيد العمل والإجازات؛ ويلتزم بتقديم تقارير دورية عن عمله إلى المشرفين على إدارة الشركة أو المؤسسة، ويتقيد بالملاحظات والتوجيهات التي تصدرها الإدارة إليه، لأنه يرتبط مع تلك الشركة أو المؤسسة بعقد عمل استنادا إلى معيار التبعية.
الأعمال الداخلة في مهنة المحاماة:
نصت المادة الثانية من قانون تنظيم مهنة المحاماة على أن أعمال مهنة المحاماة تشمل:
- التوكل عن الغير للادعاء بالحقوق والدفاع عنها لدى:
- المحاكم كافة على اختلاف أنواعها ودرجاتها.
- المحكمين ودوائر النيابة العامة.
- الجهات الرسمية والمؤسسات العامة والخاصة.
- تنظيم العقود والقيام بالإجراءات التي يستلزمها ذلك.
- تقديم الاستشارات القانونية.
الخطأ المهني :
نصت المادة الأولى من لائحة آداب مهنة المحاماة على أن الخطأ المهني والمسلكي يشمل:
- كل مخالفة للقوانين والأنظمة و / أو الجهل بها إذا لحق بالموكل نتيجة لذلك ضرر مادي أو معنوي.
- كل خرق لواجبات وآداب المهنة وتقاليدها، وقواعد السلوك الملزمة.
- كل إخلال بالمروءة والشرف والنزاهة والاستقامة واللياقة، ولو تعلق الأمر بأعمال خارجة عن المهنة.
القواعد القانونية التي تحكم مسئولية المحامي المدنية عن الخطأ المهني:
رغم أن قانون تنظيم مهنة المحاماة نظم شروط اكتساب الشخص صفة المحامي؛ وقواعد السلوك المهني؛ وحقوق وواجبات والتزامات المحامين، والعقوبات التأديبية التي قد يتعرض لها المحامي، إلا أنه لا يوجد نصوص خاصة تنظم مسئولية المحامي المدنية عن الخطأ المهني. لذلك فإن المحامي يخضع في ذلك للقواعد العامة في المسئولية الواردة في القانون المدني (مجلة الأحكام العدلية، وقانون المخالفات المدنية)، وهي قواعد غير كافية في هذا المجال؛ حيث إن هذه القواعد تعتبر الأخطاء متكافئة من حيث المسئولية ولا تأخذ بعين الاعتبار طبيعة عمل المحامي الذي يساعد في تحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون وحماية الحقوق والحريات العامة. فليس من المعقول أن يحاسب المحامي وفق ذات المعيار الذي يحاسب به الشخص العادي، بل لا بد من وجود معيار تقاس عليه مسئولية المحامي؛ ومقدار الضرر الذي لحق بمن تعاملوا معه أو قاموا بتوكيله، يأخذ في الاعتبار خصوصية مهنة المحاماة – والمهن الحرة الأخرى كالطبيب والمهندس والصيدلي – وما يتمتع به المحامون من حقوق وصلاحيات لا يتمتع بها غيرهم من الأشخاص العاديين أو المهنيين.
لذلك أقر الفقه والقضاء فكرة الخطأ المهني، فمن ناحية فإن أرباب المهن الحرة – ومنها المحامون- جديرون برعاية خاصة في محاسبتهم عن الأخطاء التي تقع منهم أثناء مزاولتهم لمهنهم، فما ينتظر من الشخص المهني من حرص أكثر مما ينتظر من الشخص العادي. ومن ناحية أخرى؛ فإن المحامي يستمد سلطته من الاتفاق مع عميله؛ إلا أنه أيضا – كما سنرى لاحقا- يستمد سلطته حينا من القانون؛ حيث وضع المشرع بعض القيود في أغلب الحالات التي لا تجيز للشخص المثول أو التقاضي أمام القضاء دون محام، وحينا آخر من القضاء.
ورغم أن مهنة المحاماة هي من المهن الحرة كالطب والصيدلة وغيرها، إلا أنها تختلف عن المهن الحرة الأخرى في أن المنتسبين لتلك المهن يقومون بأعمال مادية؛ في حين أن أعمال المحامي في غالبها تصرفات قانونية، وإن كان بعضها يختلط به أعمال مادية. لذلك كان لا بد من البحث عن معيار يحدد كيفية أو إمكانية التعويض وجبر الضرر بسبب الخطأ الذي يرتكبه المحامي، خصوصا وأن أغلب الأشخاص إذا تعلق الأمر بمحام؛ يكتفون برفع شكاواهم لنقابة المحامين التي لا تفرض على المحامي سوى عقوبة تأديبية لا علاقة لها بتعويض الضرر الذي لحق بموكله، وذلك لجهلهم بالقانون؛ أو تقديرا منهم لصعوبة إثبات خطأ المحامي المهني؛ ولقدرة المحامين على الإفلات من المسئولية في وضعها الحالي.
خطة الدراسة:
ندرس مسئولية المحامي المدنية عن خطئه المهني، في فصلين، نخصص الفصل الأول للمحامي وعلاقته بعميله؛ من حيث تعريف المحامي وتحديد حقوقه وواجباته، ثم تحديد الطبيعة القانونية لعلاقة المحامي مع عميله، ، ثم التكييف القانوني لمسئولية المحامي المدنية وما إذا كانت مسئولية عقدية أم تقصيرية ( الفعل الضار)، وطبيعة التزام المحامي تجاه عميله وهل هي التزام ببذل عناية أم بتحقيق غاية ( نتيجة). وفي الفصل الثاني نبحث في نطاق مسئولية المحامي المدنية عن أخطائه المهنية؛ فنبين أركان مسئولية المحامي، ومسئولية المحامي عن أعمال غيره، ودعوى المسئولية.