تمهيد
عندما يتقدم شخص لعطاء يطلب منه تقديم تأمين نقدي بنسبة معينة من قيمة العطاء لضمان جديّته، وعندما يرسو العطاء على شخص لتنفيذ مشروع أو توريد بضاعة؛ يطلب منه صاحب العمل أو المشتري دفع تأمين نقدي لضمان حسن التنفيذ. وكثيرا ما يكون هذا التأمين مرهقا للمقاول أو المورد، فقد يعجز في العطاءات الكبيرة عن تدبيره. وإذا كان قادرا على دفعه، قد يكون في أشد الحاجة إليه لتنفيذ ما تعهد به.
لذلك ابتدع العمل المصرفي خطابات الضمان كأحد عمليات المصارف الائتمانية باعتبارها نوعا من التسهيلات غير المباشرة التي تمنحها المصارف لعملائها لتكون بديلا عن التأمينات النقدية، التي يشترط المستفيد إيداعها سواء لمجرد إبداء الرغبة في التعاقد لضمان جدية هذه الرغبة، أو عند التعاقد لضمان حسن التنفيذ. فهي تنشأ بمجرد توقيع المصرف؛ وتحقق للمستفيد ذات المزايا التي يحققها التأمين النقدي، دون أن تؤدي إلى خروج النقود من خزينة المصرف، استنادا إلى مركزه وسمعته المالية.
ويستعمل خطاب الضمان غالبا بمناسبة العطاءات، كما قد يقترن بخطاب الاعتماد بمناسبة توريد بضاعة، لأن البائع –كما بينا سابقا-يستلم الثمن بمجرد تسليم مستندات البضاعة للمصرف وقبل أن يستلمها المشتري، وقد يرسل البائع بضاعة غير موافقة للمواصفات المتفق عليها، لذلك قد يطلب المشتري من البائع خطاب ضمان وينص فيه عادة على أن يبدأ من تاريخ فتح الاعتماد المستندي لصالح البائع.
وقد جرى العمل على قبول خطابات الضمان في جميع الحالات التي يكون فيها الضمان النقدي مطلوبا من الجهة المتعاقدة بناء على نص قانوني أو لائحة إدارية، لأنه يحقق لهذه الجهة ذات الغرض الذي يحققه إيداع النقود لديها. ولذلك توسعت المصارف في إصدار خطابات الضمان وأصبحت تلعب دورا هاما في الحياة الاقتصادية والمالية، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، حيث تحل محل التأمين النقدي الذي يطلب تقديمه في مجال عقود الأشغال العامة والتوريد وغيرها من المجالات التي يطلب فيها أن يقدم مع العطاء تأمين نقدي يوازي نسبة معينة من قيمة العطاء لضمان جديّته، وكذلك في حالة رسو المزاد لضمان حسن تنفيذ التزاماته.
ورغم أهميته، إلا أن قانون التجارة الأردني رقم 12 لسنة 1966 لم يتضمن قواعد تحكم خطاب الضمان المصرفي، لذلك فإنه يخضع لأحكام العرف المصرفي. بينما نظمه مشروع قانون التجارة الفلسطيني في الفصل التاسع من الباب الثالث في المواد 387-392. (1)
وفي دراستنا لخطاب الضمان، نبين تعريفه وأهميته وخصائصه في مبحث أول، وأنواعه في مبحث ثان، والالتزامات الناشئة عنه في مبحث ثالث.
المبحث الأول
تعريف خطاب الضمان وأهميته وخصائصه
أولا: تعريف خطاب الضمان
نصت المادة 387 من مشروع قانون التجارة الفلسطيني على أن (خطاب الضمان تعهد مكتوب يصدر من المصرف بناء على طلب شخص يسمى الآمر، بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين لشخص آخر يسمى المستفيد، إذا طلب منه ذلك خلال المدة المعينة في الخطاب، دون اعتداد بأي معارضة).
وعرفته محكمة التمييز الأردنية بأنه (تعهد نهائي غير معلق على شرط، يصدره البنك بناء على طلب عميله (الآمر) بدفع مبلغ نقدي إلى المستفيد فور طلبه خلال مدة محددة). (2)
وهذا التعريف يحدد النظام القانوني لخطاب الضمان، ويوضح طبيعة التزام المصرف تجاه المستفيد بدفع مبلغ معين خلال مدة محددة، وهو عملية مصرفية يتعهد المصرف بتنفيذها وفق الشروط المحددة في الخطاب الذي يصدره لمصلحة المستفيد، بناء على طلب عميله.
وعندما يصدر المصرف خطاب الضمان لصالح المستفيد، فإنه لا يضمن به حسن تنفيذ العميل لالتزامه في مواجهة المستفيد، لأنه ليس معنيا بهذا الالتزام، بل يكون التزامه أمام المستفيد مجردا من ظروف التزام العميل، بحيث يلتزم المصرف بدفع المبلغ المحدد في خطاب الضمان وفي خلال المدة المحددة فيه، بغض النظر عن العلاقة القانونية التي تربط العميل بالمستفيد، أو تلك التي تربط المصرف بعميله.(3)
لذلك حتى يمكن اعتبار الضمان المكتوب الصادر من المصرف خطاب ضمان بالمعنى القانوني، لا بد من توافر الشروط الآتية:
- أن ينشئ خطاب الضمان في ذمة المصرف التزاما أصليا ومباشرا، وأن يكون هذا الالتزام مستقلا عن علاقة المصرف بكل من العميل الآمر والمستفيد.
- أن يكون خطاب الضمان كافيا بذاته لتحديد طبيعة الحق الثابت فيه، فلا يحتاج لتحديده الرجوع لأمر خارج عنه.
- أن يكون مستحق الأداء فور صدوره ووصوله إلى علم المستفيد. (4)
ثانيا: أهمية خطاب الضمان.
يترتب على قبول خطاب الضمان بديلا عن التأمين النقدي فائدة لجميع الأطراف فيه وهم: العميل، والمصرف، والمستفيد.
فالعميل لا يضطر إلى تجميد قيمة التأمين لدى المستفيد لفترة من الزمن، بل يستطيع استثماره في مجالات أخرى قد تعود عليه بفائدة أعلى من العمولة التي يدفعها للمصرف مقابل خطاب الضمان.
والمصرف يتقاضى عمولة من عميله مقابل إصدار خطاب الضمان، كما قد يتقاضى غطاء نقديا لخطاب الضمان يزيد من ودائعه ويستثمره في عمليات الائتمان، علما بأنه لا يسدد قيمة خطابات الضمان في أغلب الأحوال ولا تكلفه في إصدارها إلا نفقات إدارية بسيطة. وأنه في حالة طالبه المستفيد بقيمة خطاب الضمان إذا اضطر إلى تسديده، لا يتحمل خسارة؛ إذ أنه غالبا ما يحتفظ بغطاء يمثل قيمة الضمان أو جزء منه، أو يحصل من العميل على ضمانات كافية تضمن له استيفاء قيمة خطاب الضمان.
كما أنه بالنسبة للمستفيد يعد صدور خطاب الضمان من مصرف معتمد ضمانا كافيا من وجهة نظره، إذ يحقق ذات الهدف الذي يحققه الضمان النقدي لديه.
ثالثا: خصائص خطاب الضمان.
- يعتبر إصدار خطاب الضمان عملا مصرفيا، لذلك فهو يعد بالنسبة للمصرف عملا تجاريا بحكم ماهيته الذاتية. كما أنه بالنسبة للعميل الآمر على الأغلب عمل تجاري بالتبعية، كونه تاجرا، سواء كان مقاولا أو موردا، يطلب من المصرف إصداره لضمان عمله التجاري.
- يقوم خطاب الضمان على الاعتبار الشخصي بالنسبة لكل من المصرف المستفيد والعميل الآمر، لذلك نصت المادة 389 من المشروع على أنه (لا يجوز للمستفيد التنازل عن حقه الوارد بخطاب الضمان إلا بموافقة المصرف، وبشرط أن يكون المصرف مأذونا من قبل الآمر بإعطاء هذه الموافقة).
- يقوم خطاب الضمان على مبدأ استقلال التعهد الصادر من المصرف بموجبه، عن كل من العقد الذي صدر الخطاب من أجله؛ والعقد المبرم بين العميل والمصرف لإصداره. فهو ينشئ بذاته في ذمة المصرف؛ التزاما أصليا ومباشرا بأداء مبلغ معين متى تحققت الشروط الواردة فيه، بغض النظر عن العلاقات السابقة، وبغض النظر عن معارضة العميل. وقد نصت على ذلك صراحة المادة 390 من المشروع بقولها (لا يجوز للمصرف أن يمتنع عن الوفاء للمستفيد لسبب يرجع إلى علاقة المصرف بالآمر أو إلى علاقة الآمر بالمستفيد). (5)
المبحث الثاني
أنواع خطابات الضمان
تتعدد خطابات الضمان بحسب الغرض الذي صدر الضمان من أجله، فمنها ما يتعلق بالنشاطات الاقتصادية المختلفة كالتعهدات والمقاولات وأعمال توريد الآلات والمعدات وأعمال الصيانة، وبعضها يصدر لأغراض عمليات التصدير، أو لتسهيل مصالح الأفراد والمؤسسات مثل خطاب ضمان وكلاء السياحة والسفر.
وسيركز بحثنا على خطابات الضمان الأكثر استخداما في التعامل وهي:
أولا: خطاب الضمان الابتدائي أو المؤقت.
يصدر المصرف هذا الخطاب بناء على طلب عميله الذي يرغب في تقديم عطاء معين، لمصلحة الجهة التي أعلنت عن هذا العطاء. لأن من شروط قبول العطاء أن يكون مرفقا به خطاب ضمان يصدر بنسبة مئوية تتراوح عادة ما بين 5% إلى 10% من قيمة العطاء، أو مبلغ مقطوع لضمان جديّة المشترك. ومدة صلاحية هذا الضمان قصيرة لا تتجاوز عدّة أشهر، وينتهي مفعوله إذا لم يرسو العطاء على مقدم خطاب الضمان.
ثانيا: خطاب الضمان النهائي أو خطاب ضمان حسن التنفيذ.
وهذا الخطاب يصدر بناء على طلب العميل الذي رسا عليه المزاد لمصلحة الجهة التي أعلنت عن العطاء، تنفيذا للعقد الذي بين المستفيد وعميل المصرف؛ والذي يلزم العميل بتقديم خطاب ضمان وفق الشروط والمواصفات المحددة في هذا العقد لضمان حسن تنفيذ العطاء من قبل عميل المصرف. وهو يصدر بقيمة مساوية لقيمة العطاء، ليحل محل خطاب الضمان الابتدائي، وتستمر صلاحيته لمدة محددة غالبا ما تكون لحين الانتهاء من التنفيذ مع فترة بعد التسليم النهائي تسمح بالتأكد من حسن التنفيذ.
ثالثا: خطاب ضمان الدفعة المقدمة (السلفة)
يحدث عملا في عقود المقاولات أو المشاريع الكبيرة التي يتطلب تنفيذها مبالغ طائلة لشراء الآلات والمعدات أو المواد اللازمة للتنفيذ، أن يطلب المتعاقد من الجهة صاحبة المشروع أو طالبة التوريد، دفعة كسلفة على الحساب. وغالبا ما توافق تلك الجهة على تقديم هذه السلفة، وتطلب منه مقابل ذلك خطاب ضمان مصرفي لضمان حقها في استرداد قيمة تلك السلفة عند تقصيره أو توقفه عن العمل. وقد جرت العادة على أن يتم تسديد قيمة السلفة بصورة تدريجية بخصمها من مستحقات المقاول لدى المستفيد حسب سير العمل.
رابعا: خطابات الضمان المهنية
قد تتطلب بعض القوانين والأنظمة ممن يزاولون مهنا معينة تقديم خطاب ضمان لصالح جهة حكومية بمبلغ يحدد من قبلها ولمدة غير محددة لمزاولة المهنة، لضمان حسن القيام بمهنهم أو لضمان ما قد يستحق عليهم من تعويض للغير. ومن ذلك خطابات الضمان التي تصدر لصالح دائرة الجمارك من شركات التخليص الجمركي، والتي تصدر لصالح سوق الأوراق المالية من سماسرة الأوراق المالية، والتي تصدر لصالح وزارة النقل من وكلاء السياحة والسفر. (6)
المبحث الثالث
الالتزامات الناشئة عن خطاب الضمان
أطراف خطاب الضمان ثلاثة: العميل طالب إصدار الخطاب، والمصرف مصدر الخطاب، والمستفيد من الخطاب. وتنشأ عن خطاب الضمان علاقة بين العميل والمصرف، وعلاقة أخرى بين المصرف والمستفيد. أما علاقة العميل بالمستفيد فإنها علاقة سابقة على إصدار الخطاب؛ ويصدر الخطاب بمناسبتها.
المطلب الأول
العلاقة بين العميل والمصرف
نبين في هذا المطلب التزامات العميل في فرع أول، ثم التزامات المصرف في فرع ثان.
الفرع الأول
التزامات العميل
يرتب عقد الاعتماد بالضمان في ذمة العميل الالتزامات التالية:
أولا: تقديم غطاء خطاب الضمان الذي يطلبه المصرف.
نصت المادة 388 من مشروع قانون التجارة الفلسطيني على أنه (يجوز للمصرف أن يطلب تأمينا مقابل إصدار خطاب الضمان، ويكون هذا الضمان نقدا؛ أو صكوكا، أو بضائع، أو تنازلا من الآمر عن حقه قبل المستفيد). وتسمى هذه الضمانات بغطاء خطاب الضمان.
فالمصرف قد يطلب من العميل أن يقدم ضمانات كافية لتغطية التعهدات التي يلتزم بها في خطاب الضمان بناء على طلب ذلك العميل، ويتوقف مقدار الغطاء على سمعة العميل وثقة المصرف، حيث يقوم المصرف بتحريات عن مدى قدرة العميل وإمكانياته بتنفيذ تعهداته تجاه المستفيد. وغالبا ما يكون الغطاء نسبة تصل إلى 30% من قيمة الضمان، وفي بعض أنواع خطابات الضمان قد تصل إلى نسبة 100% إذا لم يكن المصرف يعرف العميل معرفة جيدة، كما قد يصدر خطاب الضمان دون غطاء إذا كان العميل يتمتع بثقة خاصة لدى المصرف.
وقد يكون الغطاء نقدا يدفعه العميل للمصرف أو يقوم المصرف بخصمه من حساب العميل الجاري لديه، ويودع المصرف هذا المبلغ في حساب يحمل اسم (احتياطي خطاب الضمان)، ولا يجوز للعميل التصرف فيه حتى ينتهي التزام المصرف الناشئ عن خطاب الضمان.
أما الغطاء العيني، فقد يكون أوراقا مالية كالأسهم والسندات، تودع في ملف خاص تحت اسم (إيداعات بضمان)، ويحصل المصرف على توقيع العميل مقدما على رهن هذه الأوراق المالية له وبيعها دون الرجوع إليه في حالة تنفيذ تعهده الناشئ عن خطاب الضمان إذا لم يسدد العميل قيمة ما دفعه المصرف.
وقد يكون الغطاء العيني أوراقا تجارية بأن يقدم العميل سندا لأمر (كمبيالة) أو شيكا مؤخر التاريخ يكون هو المستفيد فيها، ويقوم بتظهيرها للمصرف تظهيرا تأمينا، أو يوقع العميل سندا لأمر لصالح المصرف بما يعادل قيمة الغطاء المطلوب منه.
وقد يكون الغطاء العيني عبارة عن أموال عينية قدمها العميل على سبيل الرهن لصالح المصرف، سواء كانت عقارا أو منقولا ماديا أو معنويا، وفي هذه الحالة يقوم المصرف بالاتفاق بينه وبين العميل، بتقدير قيمة هذه الأموال حسب القيمة السوقية لها؛ مع مراعاة تقلب الأسعار المحتمل، ويكون من حقه بيعها باتباع الإجراءات القانونية إذا لم يسدد العميل ما يدفعه المصرف للمستفيد عند الطلب.
كما يجوز أن يكون الغطاء تنازل العميل للمصرف عن الحقوق الناشئة عن العملية المطلوب عنها الضمان، وتتبع هذه الصورة من الضمان الخاص إذا ارتبط خطاب الضمان بفتح اعتماد للعميل، كما يمكن أن يكون وثيقة تأمين لصالح المصرف تعد بمثابة كفالة تضمن للمصرف اقتضاء حقه من شركة التأمين في حالة اضطراره إلى أداء قيمة خطاب الضمان.
ولا يفرج المصرف عن الغطاء إلا بعد انتهاء التزامه الخاص بخطاب الضمان.
ثانيا: رد قيمة خطاب الضمان للمصرف إذا ألزم المصرف بدفعها للمستفيد.
وفي ذلك نصت المادة 392 من المشروع على أنه (إذا دفع المصرف للمستفيد المبلغ المتفق عليه في خطاب الضمان جاز له الرجوع على الآمر بمقدار المبلغ المدفوع وعائده من تاريخ دفعه).
وهذا الالتزام بالرد ناشئ عن عقد الاعتماد بالضمان؛ وليس عن خطاب الضمان، لذلك فإنه يتحدد وفقا للشروط الواردة في هذا العقد، وبالتالي على المصرف الالتزام بهذه الشروط، فإذا قام بالوفاء للمستفيد دون مراعاة هذه الشروط يكون مسئولا عن هذا الوفاء المخالف لشروط العقد، ولا يكون له الرجوع على عميله بما دفعه للمستفيد، بل يقتصر حقه على الرجوع على المستفيد إذا كان هذا الرجوع ممكنا. (7)
ثالثا: دفع العمولة والمصاريف التي أنفقها المصرف لقاء إصدار خطاب الضمان، كثمن الطوابع وأجور البريد. وتحسب العمولة وفق ما جرى عليه العرف المصرفي، وتتراوح نسبتها من 1% إلى 2% سنويا حسب قيمة الضمان ومركز العميل المالي وعلاقته بالمصرف؛ ونوع غطاء خطاب الضمان من العميل ومقداره.
الفرع الثاني
التزامات المصرف
يلتزم المصرف بناء على العقد المبرم بينه وبين العميل بما يأتي:
أولا: إصدار خطاب الضمان وفقا للبيانات التي يحددها العميل، فهو يتعهد في مواجهة المستفيد الذي يعينه العميل، وبمقدار المبلغ وشروط الدفع، وفي المدة التي يحددها العميل. ولا يحق للمصرف الرجوع في التزامه الوارد في خطاب الضمان أو تعديله بإرادته المنفردة حتى قبل وصول الخطاب إلى علم المستفيد، وإلا كان مخلا بالتزامه تجاه العميل.
ثانيا: رد الغطاء إذا انتهت مدة خطاب الضمان دون أن يطلب المستفيد صرف قيمته. وفي ذلك نصت المادة 391/2 من المشروع على أنه (2-يلتزم المصرف بأن يرد للآمر في نهاية مدة سريان خطاب الضمان ما قدمه من تأمين للحصول على هذا الخطاب).
ثالثا: المصرف غير ملزم بإخطار العميل بمطالبة المستفيد قبل أن يدفع للمستفيد قيمة خطاب الضمان، غير أنه يفضل ذلك لكي يتيح للعميل فرصة تنفيذ التزاماته تجاه المستفيد من جهة، وليمكن المستفيد من اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحفظ حقوقه في حالة كان المستفيد قد طلب الوفاء رغم عدم تنفيذه التزاماته تجاه العميل، ومن ذلك –كما سيأتي-الحجز على مبلغ الضمان تحت يد المصرف حجز ما للمدين لدى الغير.
المطلب الثاني
العلاقة بين المصرف والمستفيد
تنشأ هذه العلاقة من خطاب الضمان الذي يصدره المصرف ويوجهه إلى المستفيد، فإذا قام المصرف بإخطار المستفيد بخطاب الضمان ووصل إلى علمه، نشأ للمستفيد حق شخصي مباشر تجاه المصرف ترتب عليه التزام في ذمة المصرف بدفع قيمة خطاب الضمان للمستفيد متى طلب منه ذلك خلال المدة المحددة.
الفرع الأول
بالنسبة للمصرف
يلتزم المصرف تجاه المستفيد بصفته أصيلا وليس نائبا عن العميل؛ أو متعهدا في عقد اشتراط لمصلحة الغير، وبالتالي فإنه التزام مجرد أي مستقل عن العلاقات الأخرى التي قد تثور بمناسبة الخطاب، كعلاقة المصرف بالعميل، أو علاقة العميل بالمستفيد.
ويترتب على استقلال التزام المصرف الثابت في خطاب الضمان النتائج التالية:
- يصبح التزام المصرف باتا أو نهائيا، أي أن المصرف لا يملك الرجوع فيه أو تعديله متى وصل إلى علم المستفيد. كما أن المستفيد لا يملك طلب تعديل الخطاب من المصرف، لأنه يستمد حقه من هذا الخطاب بالحدود المبينة فيه.(8)
- لا يحتاج المصرف إلى إخطار عميله الآمر قبل أن يدفع قيمة الخطاب للمستفيد.
- لا يملك المصرف أن يحتج على المستفيد بدفوع مستمدة من العلاقة بين المستفيد وعميل المصرف الآمر. فلا يملك أن يمتنع عن الوفاء بسبب بطلان أو انقضاء التزام العميل الآمر نحو المستفيد. أو أن يتمسك نحو المستفيد بحق التجريد أي مطالبة العميل أولا وتجريده من أمواله قبل مطالبة المصرف بقيمة خطاب الضمان، وإنما يلتزم المصرف بدفع قيمة خطاب الضمان للمستفيد بمجرد المطالبة.
- لا يملك المصرف التمسك في مواجهة المستفيد بدفوع بينه وبين العميل الآمر، كما لو فرض أن العميل لم يقدم الغطاء المتفق عليه وفسخ العقد، أو المقاصة بين مبلغ خطاب الضمان ودين في ذمة العميل للمصرف.
- لا يملك عميل المصرف الآمر أن يعارض في الوفاء للمستفيد لسبب مستمد من علاقته هو بهذا المستفيد. كما لو كانت إرادة العميل مشوبة بعيب من عيوب الإرادة، أو أن سبب العلاقة غير مشروع أو كان صوريا، بل للعميل مقاضاة المستفيد فيما قبضه دون وجه حق بناء على العلاقة الأصلية بينهما.
- يتحدد التزام المصرف بمضمون خطاب الضمان الذي يرسله إلى المستفيد. لذلك على المصرف أن يقوم بالوفاء دون مناقشة المستفيد في مدى قيامه بتنفيذ التزاماته تجاه العميل، إلا إذا كان خطاب الضمان مشروطا أي ينص فيه على عدم دفع قيمته إلا عند تحقق شرط معين، وهو فرض نادر من الناحية العملية، إذ تعزف المصارف عن إقحام نفسها في النزاع بين العميل والمستفيد.
- للمصرف أن يتمسك في مواجهة المستفيد بالدفوع الناشئة عن العلاقة المباشرة المترتبة على إصدار خطاب الضمان، فإذا وقع المصرف في غلط في شخصية المستفيد؛ أو انعدمت إرادته بأن صدر خطاب الضمان بتوقيع مزور، له أن يتمسك في مواجهة المستفيد بما وقع فيه من غلط أو انعدام إرادة.
- يلتزم المصرف بالدفع خلال المدة المحددة في الخطاب، فإذا انتهى مفعول سريان الخطاب لا التزام على المصرف تجاه المستفيد بدفع قيمة الخطاب، إلا إذا كان الخطاب غير محدد المدة. وقد تحدد المدة على أساس تنفيذ عملية معينة، فتبقى صلاحية الخطاب طيلة مدة تنفيذ هذه العملية.
الفرع الثاني
بالنسبة للمستفيد
يعتبر خطاب الضمان ذا طابع شخصي، لذلك نصت المادة 389 من مشروع قانون التجارة الفلسطيني على أنه (لا يجوز للمستفيد التنازل عن حقه الوارد في خطاب الضمان إلا بموافقة المصرف، ويشترط أن يكون المصرف مأذونا من قبل الآمر بإعطاء هذه الموافقة).
لذلك ليس للمستفيد أن يتنازل عن حقه في خطاب الضمان إلا بموافقة المصرف، لأن المبالغ التي يمثلها الخطاب خلال سريانه وقبل أدائها إلى المستفيد ليست مملوكة للمستفيد، بل هي ملك للمصرف، وهو الذي يتحمل نتيجة وفائه للمستفيد أو غيره في مواجهة العميل الآمر. فالتزام المصرف يمثل في الواقع مديونية المصرف المباشرة تجاه المستفيد، بمعنى أن المبالغ الملتزم بدفعها للمستفيد هو مدين بها شخصيا، وإذا قام بالوفاء بها فهو إنما يقوم بدفع مبالغ مملوكة له، ولا علاقة لها بأموال أخرى تكون مودعة لحساب العميل أو المستفيد.
ومن ناحية أخرى، لا يملك المصرف الموافقة على التنازل عن خطاب الضمان لغير المستفيد؛ دون أن يكون مأذونا من قبل العميل الآمر، لأن الخطاب يتعلق بتنفيذ عملية لصالح العميل الآمر، وحق المستفيد في قيمة الخطاب مرتبط بتنفيذ أو عدم تنفيذ هذه العملية، فلا يجوز للمستفيد التنازل عن هذا الحق قبل تنفيذ التزامه دون إذن من العميل الآمر. أما بعد تنفيذ المستفيد لالتزامه، فلا يبقى حاجة لإذن العميل الآمر ويكفي موافقة المصرف على التنازل.
ويترتب على كون حق المستفيد على خطاب الضمان حق مباشر وشخصي تجاه المصرف، ما يأتي:
لا ينشأ للعميل حق على مبلغ الخطاب، فلا يجوز لدائني العميل توقيع الحجز تحت يد المصرف على مبلغ الخطاب لأنه ليس مملوكا لذلك العميل بل للمصرف.
لا يجوز لدائني المستفيد توقيع الحجز تحت يد المصرف على مبلغ الخطاب، لأن حق مدينهم (المستفيد) لا يتعلق بهذا المبلغ إلا إذا قرر طلبه من المصرف، وتقرير ذلك مرتبط بإرادة المستفيد ويخضع لتقديره وحده.
لا يجوز للمصرف مصدر الخطاب أن يتمسك بالمقاصة بين مقدار الخطاب ودين له في ذمة المستفيد إلا بعد أن تتحقق ملكية هذا المبلغ للمستفيد، فالخطاب يمثل حقا للمستفيد؛ وهذا الحق لا يدخل في ذمة المستفيد إلا بعد طلبه من المصرف خلال المدة المعينة، وقبل ذلك يعتبر المبلغ مملوكا للمصرف والتزاما عليه بدفعه عند الطلب.
ثار خلاف حول حق العميل في توقيع الحجز تحت يد المصرف على مبلغ الضمان إذا ثار خلاف بينه وبين المستفيد حول تنفيذ العقد المبرم بينهما.
فذهب رأي إلى عدم جواز الاعتراف للعميل بهذا الحق تدعيما للثقة في خطاب الضمان وتمكينا له من أداء دوره.
وذهب رأي آخر – نؤيده -إلى جواز هذا الحجز على ألا يصدر القاضي الأمر بتوقيع الحجز إلا بعد أن يتحقق من أن حق العميل مؤكد؛ وأنه لا يلحق المستفيد ضرر كبير من جراء هذا الحجز، لا سيما وأن أثر الحجز هو مجرد تجميد المبلغ لدى المصرف حتى يفصل القضاء في النزاع بين العميل والمستفيد. (9)
الفرع الثالث
انقضاء التزام المصرف
ينقضي التزام المصرف الناشئ عن خطاب الضمان بأحد الأسباب الآتية:
- إذا انقضى الأجل المحدد بخطاب الضمان دون أن يستعمل المستفيد حقه في المطالبة بالمبلغ المحدد بالضمان. وفي ذلك نصت المادة 391/1 من المشروع على أنه (تبرأ ذمة المصرف قبل المستفيد إذا لم يصله خلال مدة سريان خطاب الضمان طلب من المستفيد بالدفع، إلا إذا اتفق صراحة على تجديد تلك المدة تلقائيا، أو وافق المصرف على مدها). ويتم تمديد مدة خطاب الضمان عادة بطلب العميل من المصرف مدّ أجله فترة أخرى، إذا كان العميل لم ينه التزامه تجاه المستفيد بعد، ووافق المستفيد على منحه مهلة أخرى لإتمام تنفيذ هذا الالتزام مع استمرار التأمين المقدم من العميل في صورة خطاب ضمان.
- إذا أعاد المستفيد خطاب الضمان للمصرف قبل انتهاء الأجل المحدد فيه، سواء لقيام العميل الآمر بتنفيذ التزامه تجاه المستفيد، أو لاتفاق العميل والمستفيد على رد خطاب الضمان دون الإفادة منه واستبداله بضمان آخر.
- إذا استعمل المستفيد حقه في المطالبة بقيمة مبلغ الضمان خلال المدة المحددة، وقام المصرف بالوفاء له بها.
(1)(1) وهي مطابقة للمواد 355-360 من قانون التجارة المصري رقم 17 لسنة 1999. وقد جرى استعمال المصارف اسم الكفالة المصرفية لهذا النوع من العمليات المصرفية، وهو استعمال غير سليم وينطوي على كثير من الإشكالات القانونية، خصوصا وأن قانون التجارة لسنة 1966 لم ينظم هذا النوع من الكفالات، الأمر الذي قد يؤدي إلى الخلط بين أحكامه وبين الكفالة العادية التي نظمها القانون المدني، على الرغم من الاختلاف الكبير في الطبيعة القانونية لكل منهما. ففي الكفالة يجوز للكفيل أن يحتج على المستفيد من الكفالة بجميع الدفوع التي يكون للمدين المكفول الاحتجاج بها في مواجهته استنادا إلى العقد الأساسي القائم بينهما، كما أن له حق المطالبة بتجريد المدين، أي الامتناع عن دفع مبلغ الكفالة إذا طولب به قبل مطالبة المدين المكفول. الأمر غير الوارد في هذا الضمان، لأن المصارف تفضل عدم إشغال نفسها في العلاقة بين عميلها والمستفيد من الضمان، لذلك الصواب استعمال اسم خطاب الضمان.
(2)(2) تمييز حقوق رقم 1522/96 مجلة نقابة المحامين لسنة 1997 صفحة 3516.
(3)(3) يرجع إلى تمييز حقوق رقم 1522/96 السابق ذكره، وتمييز حقوق 2077/98 مجلة النقابة لسنة 1999 صفحة 3795.
(4)(4) عزيز العكيلي، صفحة 458.
(5)(5) يقترب خطاب الضمان بهذه الخاصية من الاعتماد المستندي، غير أنه يختلف عنه من نواح عدة وخاصة من حيث كون أن الواقعة التي تؤدي إلى استحقاق خطاب الضمان هي واقعة سلبية تتمثل في إخلال العميل الآمر بالتزامه تجاه المستفيد. بينما الواقعة التي تؤدي إلى استحقاق الاعتماد المستندي هي واقعة إيجابية تتمثل في تقديم المستفيد المستندات المطلوبة والمطابقة ظاهريا لشروط الاعتماد.
أحمد زيادات وإبراهيم العموش، الوجيز في التشريعات التجارية الأردنية، عمان، 1995، صفحة 364 و365. أكرم ياملكي، المرجع السابق صفحة 327 و328.
(6)(6) عزيز العكيلي، المرجع السابق، صفحة 456. وهو يورد أيضا خطاب ضمان الدفعة النهائية وخطاب ضمان الصيانة، وخطاب ضمان تخليص بضاعة. صفحة 455.
(7)(7) سميحة القليوبي، صفحة 306، عزيز العكيلي صفحة 460 و461.
(8)(8) يذهب رأي في الفقه إلى أن المصرف يصدر خطاب الضمان بإرادته المنفردة لأنه لا علاقة تعاقدية بينه وبين المستفيد، لذلك فإنه يملك الرجوع في التزامه الوارد في خطاب الضمان أو تعديله قبل اتصاله بعلم المستفيد. فله أن يحبسه ما دام في حيازته، أو يسترده من البريد إن أمكن، أو يؤسل برقية تصل قبل وصول خطاب الضمان أو معه، وفي هذه الحالة لا تلزم إرادة المصرف لعدم اتصالها بعلم من وجهت إليه لأنه عندما يصل بعلمه كان قد نقضه بتعبير آخر، وكل ذلك وفقا للقواعد العامة في التعبير عن الإرادة. سميحة القليوبي، صفحة 299 و300. غير أننا نرى أن المصرف لا يملك الرجوع في التزامه الوارد في خطاب الضمان أو تعديله بإرادته المنفردة بل بالاتفاق مع العميل الآمر، وإلا كان مخلا بالتزامه الوارد في العقد المبرم بينه وبين هذا العميل. لذلك فالأكثر دقّة القول بأن المصرف والعميل الآمر يملكان الرجوع في خطاب الضمان أو تعديله قبل وصوله إلى علم المستفيد.
(9)(9) محمود سمير الشرقاوي، المرجع السابق، صفحة، 572.