الفصل الرابع – انقضاء الالتزام الثابت في الشيك

المعارضة في الوفاء

تنص المادة 249 بخصوص الشيك على أنه :

  1. ولا تقبل معارضة الساحب على وفائه (أي الشيك) إلا في حالة ضياعه أو تفليس حامله .
  2. فإذا عارض الساحب على الرغم من هذا الحظر لأسباب أخرى وجب على المحكمة بناء على طلب الحامل أن تأمر برفع المعارضة ولو في حالة قيام دعوى أصلية “.

ويهدف هذا الحكم إلى تدعيم الثقة في الشيك بتأكيد حق الحامل في الحصول على مبلغ الشيك مما يسهل تداوله كأداة وفاء وائتمان ويحمي الحامل من المفاجآت التي يتعرض لها في حالة حصول المعارضة في الوفاء لدى المدين والتي تحول بينه وبين قبض قيمة الشيك . وبالتالي يطمئن الحامل إلى أنه سيتسلم قيمة الورقة في ميعاد استحقاقها دون معارضة .

غير أن منع المعارضة في الوفاء ليس مطلقاً ، بل تجوز المعارضة في حالتين نصت عليهما المادة 249 هما :

1-ضياع السند

فإذا ضاع الشيك وجب على حامله أن يخطر المسحوب عليه بواقعة الضياع ويعارض في الوفاء بقيمته لمن يتقدم به في ميعاد الاستحقاق حتى تظهر حقيقة من يملكه ، ويفصل القضاء في هذه المسألة.

ومع أن القانون نص على حالة ضياع الشيك ، والمعارضة في هذه الحالة تعد استثناء من المبدأ القاضي بوجوب الوفاء في ميعاد الاستحقاق ، والاستثناء لا يقاس عليه ، فقد استقر الرأي في الفقه على جواز الاعتراض في كل حالة يتجرد فيها حامل الشيك عن حيازته دون إرادته ، كسرقة الشيك أو تلفه، لأن الحكمة من المعارضة في الوفاء متوفرة وهي منع الوفاء إلى غير ذي صفة في تلقي الوفاء .

2-إفلاس الحامل

يترتب على إفلاس حامل الشيك رفع يده عن إدارة أمواله والتصرف فيها ، وتولي وكيل التفليسة استيفاء حقوق المفلس . لذلك يجب على وكيل التفليسة أن يبادر إلى المعارضة في الوفاء للحامل المفلس فإذا لم يفعل ووفى المدين لذلك الحامل في موعد الاستحقاق كان وفاؤه صحيحاً ومبرئاً ما لم يثبت أنه كان يعلم بحالة الإفلاس.

ويقيس الفقه الراجح على إفلاس الحامل حالة نقص أهلية الحامل أو انعدامها، فتتم المعارضة من الولي أو الوصي، وذلك لتوفر العلة نفسها التي أجيزت من أجلها المعارضة في الوفاء في حالة إفلاس الحامل .

ويجب أن تتم المعارضة في كل من الحالتين قبل أن يتقدم الحامل للمسحوب عليه، أما إذا وقعت متأخرة بعد أن كان المسحوب عليه قد دفع للحامل فيقع الوفاء صحيحاً ولا مسؤولية عليه .

ولم يبين المشرع الشكل الذي يجب أن تحصل فيه المعارضة في هاتين الحالتين، فيجوز أن تكون شفاهة ، أو بالتلفون ، أو بخطاب عادي ، أو مسجل ، أو بإخطار بواسطة الكاتب العدل ، أو بأية طريقة أخرى . وعند إنكار المسحوب عليه تبلغه المعارضة ، يقع عبء إثبات هذه الواقعة على المعارض ، لذلك من الأسلم أن تتم المعارضة بوساطة الكاتب العدل .

فإذا وقعت المعارضة في الفرضين السابقين ، وجب على المسحوب عليه الامتناع عن دفع قيمة الشيك للحامل وتجميد قيمته لديه حتى يفصل في المعارضة .

أما في غير هاتين الحالتين فإنه يكون للمسحوب عليه رفض المعارضة ودفع القيمة للحامل . وإذا امتنع عن ذلك ، كان للحامل أن يتقدم إلى المحكمة بطلب رفع الاعتراض والأمر بالوفاء بقيمة الشيك للحامل .

وقد جرت عادة البنوك بالنسبة للشيكات على تجميد الرصيد ، حتى لو كانت المعارضة في غير هاتين الحالتين السابقتين ، إلى أن يتم الفصل بأمر المعارضة بحكم، أو يسوي أصحاب الشأن النزاع القائم بينهم ودياً ، تفادياً للدخول في منازعات قضائية مع عملائهم .

إثبات الوفاء

تنص المادة 251 من قانون التجارة على أنه :

  1. إذا أوفى المسحوب عليه قيمة الشيك جاز له أن يطلب تسلمه من الحامل موقعاً عليه منه بالتخالص .
  2. ولا يجوز للحامل الامتناع عن قبول الوفاء الجزئي … الخ .
  3. وإذا كان الوفاء جزئياً جاز للمسحوب عليه أن يطلب إثبات هذا الوفاء في الشيك وأن يطلب مخالصة بذلك .

ويتضح من هذين النصين أن من حق المدين الذي يوفي بقيمة الشيك أن يطلب من حامله رده إليه موقعا عليه بما يفيد الوفاء ، إذا كان الوفاء بكامل قيمة الشيك . أما إذا اقتصر الوفاء على جزء من مبلغ الشيك، فإنه يجوز للمدين أن يطلب إثبات هذا الوفاء في الشيك ذاته وأن يطلب مخالصة بذلك .

فإذا امتنع الحامل عن رد الشيك للمدين مشروحا عليه ما يفيد الوفاء ، أو امتنع عن إعطائه وصلاً في حالة الوفاء الجزئي يستطيع المدين أن يرفض الوفاء .

ويتضح من النصين أن استرداد الشيك موقعا عليه جوازي للمدين ، لذلك إذا قام المدين بالوفاء وتسلم الشيك من الحامل دون أن يوقع عليه بما يفيد حصول الوفاء ، فإن ذلك يعد قرينة على الوفاء ، لأن الحامل لا يتخلى عن الشيك في العادة ويسلمه للمدين إلا إذا استلم قيمته . ولكن هذه القرينة بسيطة يستطيع الحامل إثبات عكسها ، كأن يثبت أنه سلم الشيك للمدين قبل الوفاء ليراجع حساباته ويتأكد من أنه مدين للساحب بمبلغ يساوي قيمة الشيك وأن مقابل الوفاء موجود لديه .

كما أنه إذا أوفى المدين بقيمة الشيك للحامل دون أن يسترده موقعاً عليه بالمخالصة ، يستطيع في مواجهة الحامل أن يثبت بالطرق كافة أن الوفاء قد تم للحامل عملاً بمبدأ حرية الإثبات في المسائل التجارية . غير أنه إذا قام الحامل الذي استوفى قيمة الشيك من المدين دون أن يرده إليه ، بتظهير هذا الشيك إلى حامل حسن النية ، فإن المدين لا يستطيع أن يدفع في مواجهة الحامل الجديد بانقضاء التزامه بالوفاء ، حتى لو أبرز مخالصة على ورقة مستقلة بالوفاء موقعة من الحامل ، لأن التظهير كما تقدم ، يطهر الشيك من هذا الدفع ، فيقتصر أثر المخالصة على العلاقة بين الحامل والمدين الموفي ولا يسري في مواجهة الغير. لذلك يلتزم المدين بالوفاء للحامل الجديد، ويكون له الرجوع بما أوفاه على الحامل السابق بدعوى استرداد ما دفع بغير حق .

آثار الوفاء

إذا قام المسحوب عليه في الشيك بوفاء قيمته في ميعاد الاستحقاق للحامل الشرعي، برئت ذمة جميع الملتزمين قبل الحامل من ضمان الوفاء، وتنتهي بهذا الوفاء حياة الشيك . ومع ذلك إذا قام المسحوب عليه بالوفاء دون أن يتلقى مقابل الوفاء من الساحب، كان من حقه الرجوع على الساحب .

أما إذا رفض المسحوب عليه الوفاء ورجع الحامل على أحد الملتزمين الذي قام بالوفاء ، فإن من حق هذا الموفي أن يرجع بما أوفاه على الملتزمين الذين يضمنونه ، وهم الملتزمون السابقون عليه ، أي أن الوفاء من أحد الملتزمين لا ينهي حياة الشيك ، بل يبقى الالتزام قائماً طالما كان من حق الموفي الرجوع على الملتزمين السابقين عليه، إذ يستند هذا الرجوع إلى أحكام الالتزام الصرفي كما سنبين تفصيلاً عند بحث أحكام الرجوع.

الامتناع عن الوفاء

إذا لم يتم الوفاء بقيمة الشيك في ميعاد الاستحقاق يكون أمام الحامل أن يسلك إحدى الطرق التالية :

  1. التنفيذ المباشر بتسليم الورقة إلى دائرة الإجراء طالباً تحصيل قيمتها وفق أحكام المادة 2/أ من قانون ذيل قانون الإجراء رقم 25 لسنة 1965 .
  2. إقامة دعوى مباشرة على الساحب مطالبا إياه بالمبلغ وتنفيذ الحكم بعد الحصول عليه في دائرة الإجراء .
  3. الرجوع على باقي الموقعين على الورقة التجارية بعد أن يكون قد سحب احتجاج عدم الوفاء في المواعيد التي حددها القانون وقام بعمل الإشعار اللازم للمظهر الذي ظهر له الورقة .

احتجاج عدم الوفاء

يمكن إثبات الامتناع عن الوفاء بالشيك بإحدى الطرق التالية :

  1. بورقة احتجاج رسمية .
  2. بيان صادر عن المسحوب عليه مؤرخ مكتوب على ذات الشيك مع ذكر يوم تقديمه.
  3. بيان مؤرخ صادر من غرفة المقاصة يذكر فيه أن الشيك قدم في الوقت المحدد ولم تدفع قيمته .

وقد اعتادت البنوك أن تعطي للحامل ورقة مطبوعة تبين فيها سبب امتناعها عن الوفاء ، أو تتضمن عبارة ” راجع الساحب “، وهذه الورقة لا تقوم مقام البيان الذي اشترط القانون وضعه على الشيك . لذلك أصبحت تضع خاتما يفيد عدم كفاية الرصيد.

وإذا طلب الحامل وضع البيان الخاص بعدم الدفع على الشيك وامتنع المسحوب عليه عن إجراء ذلك ، تتحقق مسؤولية المصرف تجاه الحامل ، ولا يبقى للحامل سوى أن يلجأ إلى سحب احتجاج عدم الوفاء .

ميعاد تقديم الاحتجاج

يجب تقديم الاحتجاج بعدم الوفاء في الميعاد المعين لعرض الشيك للوفاء . فإذا وقع عرضه في اليوم الأخير من الميعاد المحدد لهذا الغرض ، جاز أيضاً تقديم الاحتجاج في اليوم التالي .

الإشعار

يجب على حامل الشيك أن يرسل لمن ظهر له الشيك وللساحب إشعارا بعدم الوفاء خلال أربعة أيام العمل التالية ليوم الاحتجاج ، أو ليوم تقديمه للوفاء فيما لو اشتمل على شرط الرجوع بلا مصاريف .

ويجب على كل مظهر في خلال يومي العمل التاليين ليوم تسلمه الإشعار أن يحيط مظهره علما بالإشعار الذي تلقاه مبينا له أسماء وعناوين من قاموا بالإشعارات السابقة وهكذا من مظهر إلى آخر حتى تبلغ ساحب الشيك . وإذا لم يبين أحد المظهرين عنوانه أو بينه بصورة لا يتيسر قراءتها اكتفي بإشعار المظهر السابق له .

ولكن من لا يرسل الإشعار لا يسقط حقه ولكنه يكون مسؤولا عن تعويض الضرر الذي ترتب على إهماله أو تخلفه ، بشرط أن لا يتجاوز التعويض قيمة السند .

الرجوع

أولا : رجوع الحامل على الملتزمين :

بعد أن يثبت حامل الشيك امتناع المسحوب عليه عن الوفاء باحتجاج عدم الوفاء، يستطيع أن يرجع على جميع الملتزمين بالشيك كالساحب والمظهرين والضامنين الاحتياطيين . ويحق للحامل مطالبتهم مجتمعين أو منفردين دون مراعاة ترتيب معين بينهم ، ويطالبهم بالمبلغ والفوائد والمصاريف.

ثانيا : رجوع الملتزمين بعضهم على بعض :

إذا قام أحد الملتزمين في الشيك بالوفاء للحامل ، سواء تم ذلك وديا أم قضائيا أم عن طريق التنفيذ المباشر ، تبرأ ذمة الملتزمين اللاحقين عليه وضامنيهم الاحتياطيين ، ويكون من حق الموفي أن يرجع على ضامنيه ، أي الملتزمين السابقين عليه بما يأتي :

  1. جميع ما أوفاه .
  2. فوائد المبلغ الذي أوفاه محسوبة بالسعر القانوني ابتداء من يوم الوفاء .
  3. المصاريف التي تحملها .

أما إذا قام المسحوب عليه بدفع قيمة الشيك فليس له الرجوع على الساحب إلا إذا كان قد دفع على المكشوف ، أي إذا لم يكن الساحب قد قدم له مقابل الوفاء .

وكذلك إذا قام الساحب بالوفاء فإنه يستطيع الرجوع على المسحوب عليه لاسترجاع مقابل الوفاء الذي كان قد قدمه له .

ولكن الرجوع في هاتين الحالتين الأخيرتين لا يكون بالاستناد إلى الشيك ، بل تكون دعوى الرجوع ذات صفة مدنية أو تجارية تبعا لصفة الدين الذي يتكون منه مقابل الوفاء.