اعتراض الغير هو طعن غير عادي يوجهه شخص خارج عن الخصومة إلى الحكم الصادر فيها منعا للضرر الذي يمكن أن يصيبه(1). وهو طريق اختياري للطعن بالحكم بالنسبة للغير، إذ يحق له سلوكه كما يحق له الاستغناء عنه وإنكار وجود الحكم الماس بحقوقه مستندا إلى المبدأ القائل بالأثر النسبي للأحكام(2).
فأمام الغير الذي لم يكن خصما في المحاكمة طريقان للتخلص من نتائج الحكم. الأول سلبي يتمثل في الاكتفاء بالدفع بقاعدة نسبية القضية المقضية، والثاني إيجابي ويتمثل في الطعن في الحكم ذاته عن طريق اعتراض الغير.
ويسلك الغير الطريق الثاني أي اعتراض الغير، إذا اقتضت مصلحته أن يتخذ خطة الهجوم، ويوجه الطعن إلى المحكوم له، كما في حال عدم تمثيله بسبب تجاوز وكيله حدود صلاحياته، أو تواطؤ مدينه مع الغير لهضم حقوقه مما يؤدي إلى صدور الحكم. ومثال ذلك أيضا أن يصدر حكم في مواجهة أحد الشركاء في ملكية عقار يقضي بوجود ارتفاق على هذا العقار لمصلحة عقار آخر، فلا يجدي بقية الشركاء التمسك بنسبية القضية المقضية للتخلص من نتائج هذا الحكم بل لا بد لهم من الطعن فيه عن طريق اعتراض الغير لإزالة الارتفاق المقضي به(3).
ونتناول اعتراض الغير في خمسة مباحث على النحو الآتي:
المبحث الأول: الأشخاص الذين يحق لهم اعتراض الغير.
المبحث الثاني: الأحكام القابلة للطعن بطريق اعتراض الغير.
المبحث الثالث: أنواع اعتراض الغير.
المبحث الرابع: ميعاد تقديم الاعتراض.
المبحث الخامس: كيفية تقديم الاعتراض وأثره.
المبحث الأول
الأشخاص الذين يحق لهم اعتراض الغير
تنص المادة 244 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية على أنه:
- لكل شخص لم يكن خصما ولا ممثلا ولا متدخلا في دعوى صدر فيها حكم يعتبر حجة عليه أن يعترض على هذا الحكم اعتراض الغير، ويستثنى من ذلك أحكام محكمة النقض.
- يحق للدائنين والمدينين المتضامنين أو بالتزام غير قابل للتجزئة أن يعترضوا على الحكم الصادر على دائن أو مدين آخر إذا كان مبنيا على غش أو حيلة تمس حقوقهم بشرط إثبات الغش أو الحيلة.
- يحق للوارث أن يستعمل هذا الحق إذا مثله أحد الورثة في الدعوى التي لمورثه أو عليه إذا صدر الحكم مشوبا بغش أو بحيلة.
يتبين من هذا النص أنه يشترط فيمن يتقدم باعتراض الغير على الحكم الصادر توافر شرطان هما
الشرط الأول: أن لا يكون المعترض خصما في الدعوى ولا ممثلا ولا متدخلا فيها ، فالشخص الذي تكون له صفة الخصم في الدعوى ولو تخلف عن حضور جلسات المحكمة، سواء كمدع أو مدعى عليه ام متدخلا، لا يحق له أن يطعن في الحكم الصادر فيها عن طريق اعتراض الغير.
ويعتبر الشخص ممثلا في الدعوى بواسطة وكيله القانوني أو الاتفاقي، أو بواسطة سلفه. فالوارث أو الدائن أو أي خلف آخر يعتبر ممثلا بواسطة السلف أو المدين، ولا يحق لهم بالتالي التقدم باعتراض الغير ضد الحكم الصادر تجاه سلفهم.
ولكن إذا كانت للخصم صفة معينة في الدعوى، فيمكنه أن يتقدم باعتراض الغير بصفة أخرى غير التي مثل بها في المحكمة، مثال ذلك أن يصدر الحكم في مواجهة شخص بصفته ممثلا لشخص آخر، فإنه يجوز لهذا الشخص الذي صدر الحكم في مواجهته أن يعترض على الحكم بطريق اعتراض الغير بصفته الشخصية إذا كان الحكم يمس حقوقه(1).
وقد استثنى المشرع من هذا الشرط أشخاصا لا يتمتعون بصفة الغير، بل هم خلفاء للأشخاص الذين صدر الحكم في مواجهتهم، وأجاز لهم سلوك الطعن بطريق اعتراض الغير، وذلك إذا كان الحكم مشوبا بغش أو احتيال ضدهم، لأن الغش يفسد الحكم المبني عليه كما يفسد أي عمل أو عقد. وهؤلاء الأشخاص هم:
- الدائنون، والمدينون المتضامنون، والدائنون والمدينون بالتزام غير قابل للتجزئة.
- الورثة إذا مثلهم أحدهم في الدعوى التي لمورثهم.
وعلى من يتقدم باعتراض الغير من هؤلاء أن يثبت الغش أو الاحتيال، وتقدير ذلك متروك للقاضي الذي يستخلصه من ظروف الحال ووضع الفرقاء(2).
الشرط الثاني :أن يعتبر الحكم الصادر في الدعوى حجة عليه: فإذا كان المدعي لا يملك الاحتجاج بالحكم الصادر في الدعوى ضد الشخص الذي قدم اعتراض الغير، فإن هذا الطلب يكون غير مقبول، وعلى هذا الغير إن كان يدعي بأن له حقا في مواجهة من صدر الحكم لصالحه أن يلجأ إلى القضاء بطريق الدعوى العادية وليس بطريق اعتراض الغير، ولو كان من الأشخاص الذين يجوز اختصامهم في الدعوى التي صدر فيها الحكم ما دام هذا الحكم لا يعتبر حجة عليه .
الشرط الثالث : توافر الصفة والمصلحة لدى المعترض
يعد شرط المصلحة شرطا لقبول أي دعوى أو طلب تطبيقا للقاعدة العامة القائلة أنه لا دعوى بلا مصلحة. وتتوافر المصلحة عندما يصيب المعترض ضرر من الحكم المطعون عليه، أو باحتمال وقوع هذا الضرر.
ويجب على المعترض أن يثبت ما يصيبه من ضرر حال أو محتمل، وأن لا يكون قد قبل الحكم المعترض عليه بعد صدوره، لأن مثل هذا القبول الصريح أو الضمني ينفي المصلحة في الاعتراض.
المبحث الثاني
الأحكام القابلة للطعن بطريق اعتراض الغير
يقبل الطعن باعتراض الغير بالنسبة لجميع الأحكام سواء كانت صادرة من محاكم الدرجة الأولى (الصلح أو البداية) أم محاكم الدرجة الثانية ( محاكم البداية بصفتها الاستئنافية أو محاكم الاستئناف)، وسواء كان حكما بدائيا أم نهائيا، صادرا عن المحاكم العادية أم عن القضاء المستعجل، إذا كان من شأنه المساس بحقوق الغير.
ولكن لا يجوز الطعن بهذا الطريق بالنسبة لأحكام محكمة النقض، لأن هذه الأحكام لا يمكن أن تمس حقوق الغير حيث إنها تقتصر على المسائل القانونية فقط ولا تبحث في موضوع النزاع.
(1) د. أحمد الهندي،1989، ص 409.
(2) د. رزق الله أنطاكي، ص 786.
(3) د. أحمد الهندي،1989، ص410.
(1) د. رزق الله أنطاكي، ص 787.
(2) د. أحمد هندي،1989، ص 411.