المبحث السادس
إيداع المال صندوق المحكمة
نظم قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد موضوع إيداع المال صندوق المحكمة الذي يقوم به أحد الخصوم لحساب الخصم الآخر في أية دعوى رفعت إلى المحكمة سواء كانت دعوى أصلية أم دعوى مقابلة فقد نصت المادة (279) على أنه :
- يجوز لأي من الخصوم أن يودع إلى صندوق المحكمة مبلغا من المال على ذمة الدعوى تسديدا للادعاء أو لأي سبب من أسبابه .
- يرفق مع طلب الإيداع إشعار يتضمن المبلغ المودع والسبب أو الأسباب التي أودع من أجلها وتقوم المحكمة بتبليغ الخصم الآخر .
ويتبين من هذا النص أن إيداع المال صندوق المحكمة يكون بناء على طلب يقدم من الخصم ، ويرفق بهذا الطلب إشعار يبين :
- المبلغ المودع .
- السبب أو الأسباب التي أودع من أجلها .
ولم يحدد القانون وقتا لقيام الخصم بتقديم هذا الطلب والدفع ، فيجوز ذلك في أي وقت بعد رفع الدعوى ولو في فترة حجز الدعوى للحكم ، ويكون الإيداع في صندوق المحكمة التي تنظر الدعوى .
وقد يكون المبلغ المودع هو كامل المدعى به ، كما قد يكون جزءا منه تسديدا لسبب أو أسباب معينة من أسباب الدعوى فقط ، ويكون الإيداع بموجب قرار من المحكمة (م 280/2) .
وبعد تقديم الطلب وإيداع المبلغ في صندوق المحكمة ، تقوم المحكمة بتبليغ الخصم الآخر ، حتى يكون في مقدوره التقدم إلى المحكمة لسحب المبلغ المدفوع .
ويحق للخصم الذي دفع المال لصالحه قبول المبلغ المودع وفي هذه الحالة يتقدم بطلب لسحب المبلغ المدفوع ، ويكون السحب بموجب قرار من المحكمة . أما إذا رفض المبلغ المودع فعليه خلال سبعة أيام من تاريخ إشعاره بالدفع أن يبين للمحكمة أسباب الرفض (م 280/1). ونرى أنه لا يحق للخصم رفض المبلغ المودع إذا كان هو كامل المبلغ المدعى به ، وأن جواز الرفض قاصر على إيداع جزء من المبلغ المطالب به في الدعوى .
الآثار المترتبة على إيداع المال صندوق المحكمة
إذا قام الخصم (المدعى عليه في الدعوى الأصلية أو في الدعوى المقابلة) بإيداع المبلغ المطالب به في الدعوى في صندوق المحكمة وقام الخصم الآخر (المدعي) باستلام هذا المبلغ ، وكان المبلغ المدفوع هو كامل المطالب به في الدعوى ، تقضي المحكمة بإنهاء الخصومة في الدعوى كلها .
أما إذا كان المبلغ المودع هو بعض المطالب به ولسبب أو أسباب معينة في الدعوى فقط ، فإن المحكمة تقضي بإنهاء الخصومة في الدعوى بالنسبة للسبب أو الأسباب المعينة في طلب وإشعار الإيداع فقط ، وتستمر في نظر الدعوى بالنسبة للأسباب الأخرى .
ولكن يلاحظ أن المشرع لم يعالج عدة مسائل منها :
المسألة الأولى : هي حالة رفض الخصم المبلغ المودع وإشعاره للمحكمة بأسباب الرفض ، إذا تبين للمحكمة أن هذه الأسباب غير مقنعة .
ونرى أن للمحكمة صلاحية رفض الأسباب التي أبداها الخصم إذا لم تقتنع بها ، ولها في هذه الحالة إعمال نص المادة (281) والحكم بإنهاء الخصومة في الدعوى حسب مقتضى الحال ، وإلزام الخصم بقبول المال المودع .
والمسألة الثانية : موضوع الرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة ، وأي الخصمين يتوجب عليه دفعها . ولكن ما دام المدعى عليه لم يستجب لطلب المدعي ويدفع إلا بعد رفع الدعوى وتكبيد المدعي الرسوم والمصاريف والأتعاب فإن على المدعى عليه دفع هذه المبالغ للمدعي .
ومع ذلك فإننا نقترح على المشرع تشجيعا للمدعى عليه على أن يبادر لإيداع المطلوب منه والوفاء بالتزاماته ، أن يعفيه من الرسوم القضائية أو جزء منها إذا أودع المال خلال فترة محددة من تاريخ إقامة الدعوى ، للتخفيف عن القضاء وتقصير أمد الخصومة القضائية ما أمكن .
والمسألة الثالثة : مصير المبلغ المودع في حالة رفض الخصم قبوله ، وهل يحق لمن أودعه إعادة سحبه بعد الرفض أم لا ، وعلى ذلك فإن الأمر متروك لقناعة المحكمة تقرر فيه وفق ما تراه مناسبا ، حيث إن سحب المال من الصندوق يتم فقط بموجب قرار من المحكمة . بينما نجد المادة (130) من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني تنص على أنه ” إذا لم يسحب المبلغ المدفوع في المحكمة بكامله فلا يجوز دفع ما تبقى منه إلا تسديدا للادعاء أو لسبب من أسباب الدعوى المعينة التي دفع المبلغ من أجلها وبموجب قرار تصدره المحكمة بهذا الشأن في أي وقت قبل المحاكمة أو خلالها أو بعدها “.
وهذا النص يفيد أن المبلغ المودع يخصص لتسديد المبلغ المحكوم به في الدعوى التي أودع بخصوصها ويبقى موقوفا على ذمتها ولا يجوز التصرف فيه لأمر آخر بل ولا يجوز الحجز عليه من قبل دائني المدعى عليه الذي دفعه ، لذلك نأمل أن يأخذ مشرعنا بمثل هذا النص .