المبحث الرابع
انقضاء الخصومة بمضي المدة
تنص المادة (137) على أنه
- في جميع الأحوال تنقضي الخصومة بمضي سنتين على آخر إجراء صحيح تم فيها .
- لا يسري حكم الفقرة (1) أعلاه على الطعن بطريق النقض .
وضع المشرع في هذه المادة حدا أقصى لبقاء الخصومة في حالة عدم السير فيها ، للحد من تراكم القضايا وتعليقها في المحاكم ، وذلك لأن عدم السير في الدعوى حالة شاذة لا يمكن أن تبقى إلى ما لا نهاية .
ومن نص هذه المادة يمكن تعريف انقضاء الخصومة بمضي المدة، بأنه انقضاؤها وإلغاء جميع إجراءاتها في جميع الأحوال ، بناء على طلب أحد الخصوم بسبب عدم السير فيها سنتين دون انقطاع .
وقد وردت هذه المادة ضمن المواد المنظمة لسقوط الخصومة ، مما يعني أن قواعد الانقضاء تكمل قواعد السقوط ، وتحقق على الوجه الأكمل الغاية المقصودة من القواعد الأخيرة .وتختلف قواعد انقضاء الخصومة بمضي المدة عن قواعد سقوطها من ناحية مدة السقوط ، فضلا عن أن المدة في الانقضاء لا تقبل الوقف ، وفيما عدا ذلك تتشابه قواعدهما ، وأحكامهما ، وآثارهما .
شروط انقضاء الخصومة
يتضح من نص المادة (137) أنه يشترط لانقضاء الخصومة بمضي المدة شرطان :
الشرط الأول : عدم السير في الخصومة لأي سبب من الأسباب، ومهما تكن الظروف والأسباب التي تبرر وقف الخصومة أو انقطاعها ، فعبارة في جميع الأحوال الواردة في المادة (137) تشير إلى جميع أحوال الوقف والانقطاع ، ولو كان الحق المدعى به من الحقوق التي لا تنقضي بالتقادم أو من الحقوق التي لا تنقضي بعدم الاستعمال كحق الملكية ، أو كان من الحقوق التي تنقضي بفوات مدة تقل عن سنتين ، وعلى ذلك إذا رفعت دعوى للمطالبة بحق يسقط بمضي ستة أشهر أو سنة ، وقام بالمدعي سبب من أسباب انقطاع الخصومة ، فتكون في حماية من السقوط ويكون الحق أيضا بمأمن من السقوط بالتقادم ، ولا يسقط إلا إذا انقضت الخصومة بمضي المدة .
ولا يشترط أن يكون عدم السير في الدعوى راجعا لإهمال المدعي كما هو الحال في سقوط الخصومة ، لذا تنقضي الخصومة لو انقطعت بسبب وفاة المدعي أو فقده الأهلية أو الصفة ، ولم يقم المدعى عليه بتبليغ ورثة المدعي أو من قام مقامه بوجود الخصومة ، فلا يعد جهل الورثة ومن في حكمهم بالخصومة عذرا مانعا من انقضائها بمضي المدة ، لأن مدة الانقضاء تكفي في الغالب لأن يصل إلى علمهم شؤون المدعي الذي حلوا محله بما في ذلك وجود الخصومة ، وإلا اعتبروا مقصرين.
ويستثنى من انقضاء الخصومة بمضي المدة الوقف القضائي أي التعليقي، فطالما أن المحكمة أصدرت قرارا بوقف الدعوى لحين الفصل في المسألة الأولية أو صدور الحكم الجنائي ، فإن هذا القرار يعني وجود مانع قانوني يعد عذرا يحول دون المدعي واستئناف السير في الدعوى ، مما يترتب عليه وقف سريان مدة انقضاء الخصومة ويظل هذا الوقف ساريا حتى الفصل في المسألة الأولية أو صدور الحكم الجنائي النهائي، ومن هذا الوقت تبدأ مدة السقوط أو الانقضاء .
فعبارة في جميع الأحوال الواردة في المادة 137 تنصرف إلى عدم موالاة السير في الخصومة الذي يرجع إلى مطلق إرادة الخصوم أو إلى قلم كتاب المحكمة ولا يشمل الوقف القضائي لأن تعجيل الدعوى في هذه الحالة غير منتج ولا جدوى منه حيث تعيد المحكمة الدعوى إلى الوقف من جديد . (1)
الشرط الثاني : انقضاء سنتين من تاريخ آخر إجراء صحيح فيها :
إذ تبدأ مدة انقضاء الخصومة بمضي المدة من تاريخ آخر إجراء صحيح تم فيها، ولا يقطعها إلا إجراء صحيح يتعلق بالخصومة، مقصودا به السير نحو الفصل فيها، وصادرا من أحد الخصوم في مواجهة الخصم الآخر، على نحو ما ذكرناه في سقوط الخصومة .
كيف يحصل الانقضاء بمضي المدة
تنقضي الخصومة بمضي المدة بقوة القانون، فإذا حاول الخصم تعجيلها بعد ذلك يجوز للخصم الآخر أن يدفع بانقضائها بمضي المدة . كما يجوز أن يقدم طلبا أصليا بذلك أمام المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى قياسا على حالة السقوط .
وانقضاء الخصومة بمضي المدة هو جزاء مطلق لعدم السير في الخصومة، لذلك يجوز أن يتمسك به الخصم في مواجهة خصمه سواء كان المدعي أو المدعى عليه، وقد ذهب رأي إلى أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء ذاتها لأنه لا يتعلق بالنظام العام ، ولكننا نرى أن إهمال المدعي ليس سببا لبقاء الدعوى وإشغال القضاء بها، وأن المشرع قصد بهذا النص وضع حد نهائي لتراكم القضايا وتعليقها بالمحاكم ، وهو أمر يتعلق بحسن سير القضاء ، لذلك فإن للمحكمة أن تقضي بانقضاء الدعوى بمضي المدة من تلقاء ذاتها لتعلق ذلك بالنظام العام.
آثار الانقضاء بمضي المدة
يترتب على انقضاء الخصومة بمضي المدة ذات الآثار التي تترتب على سقوطها والتي أوردتها المادة (135) ، فتزول الخصومة بكل إجراءاتها وآثار هذه الإجراءات، دون أن يؤثر ذلك على أصل الحق ، ولا يمنع من رفع الدعوى من جديد ما لم يكن الحق ذاته قد انقضى بالتقادم .
ولكن لا تسقط الأحكام القطعية الصادرة في الخصومة ولا الإجراءات السابقة على هذه الأحكام ، كما لا تسقط الإقرارات الصادرة من الخصوم أو الأيمان التي حلفوها ، كما يجوز للخصوم أن يتمسكوا بإجراءات التحقيق وأعمال الخبرة التي تمت فيها ما لم تكن باطلة في ذاتها .
(1) د. أحمد هندي ص 812.