المبحث الثالث
سقوط الخصومة
تنص المادة (132) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه ” لكل ذي مصلحة من الخصوم في حالة عدم السير في الدعوى بفعل المدعي أو امتناعه أن يطلب الحكم بسقوط الخصومة إذا انقضت ستة أشهر اعتبارا من آخر إجراء اتخذ فيها “.
يتبين من هذا النص أن المقصود بسقوط الخصومة هو زوالها وإلغاء جميع إجراءاتها بناء على طلب أحد الخصوم بسبب عدم السير فيها بفعل المدعي أو امتناعه لمدة ستة أشهر دون انقطاع من آخر إجراء صحيح فيها . وبذلك تعتبر كأن لم تكن ويعود الخصوم إلى مراكزهم القانونية التي كانت لهم قبل رفع الدعوى، فإذا كان تقادم الحق موضوع الدعوى قد انقطع يعود كأنه مستمر دون توقف، وإذا كانت هناك مدة محددة لرفع الدعوى وانقضت بسقوط الخصومة فيها – كما في الشفعة- يمتد ذلك إلى ذات الحق في رفع الدعوى وهو ما يحول دون رفعها من جديد.
ويقوم سقوط الخصومة على اعتبار رعاية المدعى عليه حتى لا يبقى في حالة من القلق وعدم الاستقرار لتهديده بدعوى خصمه ، لذلك فإنه يعد جزاء إجرائيا يرتبه القانون على إهمال المدعي في السير في الخصومة ويرمي إلى حثه على السير فيها حتى لا تبقى وسيلة تهديدية بغرض الكيد لخصمه .
شروط سقوط الخصومة
يشترط لسقوط الخصومة ما يلي :
أولا : عدم السير في الخصومة بفعل المدعي أو امتناعه
ويفترض هذا الشرط أن الخصومة قد بدأت ولم يصدر بعد حكم في موضوعها ، مع ذلك لا تسير إجراءاتها، كما لو كانت في حالة وقف أو انقطاع، أو لأي سبب آخر. كما إذا قضت المحكمة في بعض الطلبات دون تحديد جلسة لنظر باقي الطلبات حيث تظل الخصومة قائمة بالنسبة للطلبات التي لم تفصل فيها ولكنها تعتبر في حالة عدم سير ، أو قضت محكمة النقض بنقض الحكم وإعادة ملف الدعوى إلى محكمة الاستئناف ولم يتخذ إجراء للسير فيها أمام محكمة الاستئناف .
ثانيا : إهمال المدعي
يجب أن يكون عدم السير في الخصومة راجعا لفعل المدعي أو امتناعه ، فإذا كان النشاط اللازم لسير الخصومة يتم من قبل المحكمة ولا يملك المدعي أية سلطة لتحريكه فإن الخصومة لا تسقط مهما طالت مدة ركودها، كما لو قررت المحكمة تبليغ المدعى عليه أو الشاهد ولم يتم هذا التبليغ من قبل مأمور التبليغ.(1)
وكذلك إذا كان ركود الخصومة راجعا إلى أمر لا علاقة له بالمدعي، فلا تسقط الخصومة إذا كان عدم سير المدعي فيها ناتجا عن مانع مادي كالقوة القاهرة لقيام حرب أو فيضان ، أو مانع قانوني مثل تأخير الفصل في المسألة الأولية أمام المحكمة المختصة في حالة الوقف القضائي ، إذ يجب أن تقف مدة السقوط خلال ذلك الحدث لأن عدم السير في الدعوى في هذه الأحوال لا يكون بفعل المدعي أو امتناعه، ويقع على عاتق المدعي – أو المستأنف- إثبات أن عدم السير في الخصومة لم يكن بفعله أو امتناعه، أي إثبات العذر المادي أو القانوني الذي يعفيه من أحكام السقوط. . وفي هذه الحالة تحتسب مدة الوقف السابقة على قيام المانع ، وتضاف إليها مدة تبدأ من تاريخ زواله ، بحيث يتكون من مجموعهما مدة السقوط . وتقدير هذا الشرط باعتباره عنصرا واقعيا يرجع لظروف كل مسألة على حدة ، وهو متروك لسلطة قاضي الموضوع ، ويجب التمسك به أمام قاضي الموضوع ولا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض باعتباره دفاعا قانونيا يخالطه واقع.
وكذلك لا تسقط الخصومة إذا انقطعت بسبب وفاة المدعي أو فقده أهليته أو زوال صفة من يمثله ، ولم يبلغ الخصم الآخر من يقوم مقامه بوجود الخصومة ، إذ يعد من يقوم مقام المدعي في هذه الحالة معذورا لاحتمال جهله بوجود الدعوى ، ولذا تنص المادة (133) على أنه ” تبدأ مدة سقوط الخصومة في حالات الانقطاع من اليوم الذي قام فيه من يطلب الحكم بسقوط الخصومة بتبليغ ورثة خصمه الذي توفي أو من قام مقام من فقد أهليته للخصومة ، أو مقام من زالت صفته “. وفي هذه الحالة لا تقف مدة السقوط لانقطاع الخصومة ، بل تحسب مدة جديدة للسقوط تبدأ من تاريخ التبليغ ، ولا تحسب مدة الوقف السابقة على الانقطاع وإذا لم يقم المدعى عليه بالتبليغ المطلوب، فإن الخصومة لا تسقط ، وإن تعرضت للانقضاء بمضي المدة كما سنرى .
أما وفاة المدعى عليه أو فقد أهليته أو زوال صفة من يمثله فإنها لا تعفي المدعي من وجوب السير في الدعوى وتبليغ من يقوم مقام المدعى عليه فإذا لم يقم بذلك خلال مدة ستة أشهر من تاريخ الحكم بانقطاع الخصومة جاز إسقاطها .
ثالثا: انقضاء ستة أشهر على آخر إجراء صحيح في الخصومة ، دون اتخاذ أي إجراء بقصد موالاة السير فيها .
تبدأ مدة سقوط الخصومة في حالات الانقطاع من اليوم التالي لتبليغ من قام مقام من تحقق فيه سبب الانقطاع باعتباره الشكل الذي تطلبه القانون في هذه الحالة، ومن ثم لا يغني عنه العلم اليقيني للورثة ومن في حكمهم بوجود الخصومة بين طالب السقوط وبين خصمه الأصلي، ويجب أن يكون التبليغ صحيحا فإن كان باطلا لا تبدأ مدة السقوط.
وحتى تنقطع مدة السقوط يجب اتخاذ إجراء صحيح في الخصومة قبل انقضاء مدة الستة أشهر ، ويشترط في هذا الإجراء ما يلي :
- أن يكون صادرا من أحد طرفي الخصومة في مواجهة الطرف الآخر ، سواء قام به المدعي أو المدعى عليه فلا يعد قاطعا لمدة السقوط أي إجراء يتخذه قلم كتاب المحكمة من تلقاء نفسه، أو يتخذه مدعى عليه في مواجهة مدعى عليه آخر أو في مواجهة المتدخل انضماميا إلى جانب المدعي لأن المتدخل لا يمثل المدعي ولا يحل محله ولا يصح أن يضر بمصلحته . فلا يقطع مدة السقوط التعجيل الذي يبلغه قلم المحكمة للخصوم لكي يستأنفوا السير في الدعوى الموقوفة لأنه مجرد عمل إداري لا قيمة له في حق الخصوم ولا يرتب نتيجة ملزمة لهم إلا إذا حضر المدعي بناء على هذا التبليغ وأبدى طلباته في حضور خصمه، إيداع الخبير تقريره أو مطالبته بأتعابه، صدور قرار من المحكمة من تلقاء نفسها بتأجيل الدعوى إلى جلسة أخرى، قيام قلم الكتاب بتبليغ الخصوم بتاريخ الجلسة المحددة لنظر الدعوى . (1)
- أن يكون متعلقا بالخصومة ، أما الأعمال غير القضائية كالإخطار أو مفاوضات الصلح أو الوفاء الجزئي فإنها لا تصلح لقطع مدة السقوط كما لا يقطع مدة السقوط تقديم طلب لقاضي الأمور المستعجلة لتعيين حارس قضائي على العين المتنازع على ملكيتها ، لأن هذا الطلب لا يعد من إجراءات الدعوى الأصلية ولا يقصد به السير نحو الفصل فيها . ولا إجراءات المرافعة المتخذة في خصومة أخرى غير المطلوب فيها سقوط الخصومة ما لم يكن بين الدعويين ارتباط.
- أن يكون مقصودا منه السير نحو الفصل في الخصومة ، كالطعن بالاستئناف ، فلا يقطع مدة السقوط طلب الإعفاء من الرسوم ، وطلب إسقاط الخصومة الذي يرفع قبل انقضاء مدة السقوط لأنه لا يقصد به السير نحو الفصل فيها ، وتقديم طلب لقاضي الأمور المستعجلة بتعيين حارس قضائي على العين المتنازع على ملكيتها، وترك الخصومة والطلب الذي يقدمه المدعى عليه ويتمسك فيه بسقوط الخصومة لأنه يقصد به انتهاء الخصومة لا المضي فيها.
- أن يكون الإجراء صحيحا أو يصبح صحيحا لعدم التمسك ببطلانه في الوقت المناسب ، أما الإجراء الباطل فإنه لا يحول دون سقوط الخصومة .
رابعا : أن يطلب السقوط المدعى عليه ومن في حكمه ، وإذا تعدد المدعى عليهم جاز لكل منهم أن يطلبه ، ويجوز ذلك أيضا لورثة المدعى عليه ، ولمن قام مقامه كوكيل التفليسة نيابة عن المدعى عليه المفلس ، وكذلك كل من تدخل في الدعوى منضما إلى المدعى عليه ، وكل من يختصم فيها بناء على طلب المدعى عليه باعتباره ضامنا له ، وكل من تدخله المحكمة في الدعوى من تلقاء نفسها بشرط أن تكون له صفة المدعى عليه ، وكل من تدخل في الدعوى تدخلا اختصاميا للمطالبة بذات الحق المدعى به لأنه في حكم المدعى عليه بالنسبة للمدعي الأصلي . ويجوز للمتدخل في جميع هذه الصور أن يطلب إسقاط الخصومة ولو لم يتمسك به المدعى عليه نفسه فإذا تمسك المدعى عليه بالسقوط وتوافرت شروطه وجب على المحكمة أن تقضي به وليس لها سلطة تقديرية في هذا الصدد.
قاعدة عدم تجزئة الخصومة فيما يتعلق بسقوطها :
تنص المادة (134) على أنه ” يقدم طلب الحكم بسقوط الخصومة ضد جميع المدعين في الدعوى أو المستأنفين في الاستئناف وإلا كان غير مقبول “.
هذا النص من مظاهر وحدة الخصومة في حالة تعدد المدعين ، فلا تتجزأ عند سقوطها ولو كان موضوعها قابلا للتجزئة بطبيعته . لذلك في حالة تعدد المدعين ، لا يجوز أن يطلب المدعى عليه سقوط الدعوى بالنسبة لبعضهم دون بعضهم الآخر ، وإذا طلب ذلك يكون طلبه غير مقبول وتستمر الخصومة بالنسبة للجميع .
وكذلك إذا لم يتمكن المدعى عليه من التمسك بالسقوط في مواجهة جميع المدعين بما فيهم المتدخلين اختصاميا ، كما لو قام بأحدهم سبب من أسباب انقطاع الخصومة ، امتنع عليه تقديم هذا الطلب . كما أن الإجراء الذي يقوم به أحد المدعين لقطع مدة السقوط في مواجهة المدعى عليه ، يؤدي إلى إنقاذ الخصومة كلها بالنسبة للجميع ، فلا يقبل من المدعى عليه التمسك بالسقوط ضد المدعي أو المدعين الذين لم يتخذوا مثل هذا الإجراء .
أما إذا تعدد المدعى عليهم فلم يأخذ المشرع بقاعدة عدم تجزئة الخصومة ، لذلك تسري القواعد العامة في هذا الشأن .
وفي هذا الصدد نفرق بين حالتين :
الحالة الأولى : إذا كان موضوع الخصومة يقبل التجزئة، وفي هذه الحالة يجوز الحكم بسقوط الخصومة بالنسبة للمدعى عليه الذي تمسك به، وبقائها بالنسبة للآخرين. فإذا عجل المدعي الخصومة في مواجهة أحد المدعى عليهم قبل انقضاء مدة السقوط ، فإنه يجوز للمدعى عليه الذي لم يتخذ الإجراء في مواجهته أن يتمسك بسقوط الخصومة وفي هذه الحالة تسقط الخصومة بالنسبة له فقط، بينما تستمر بالنسبة للمدعى عليه الموجه له الإجراء ، وذلك لأنه لا يجوز أن يضار خصم من إجراء لم يتخذ في مواجهته وإنما اتخذ في مواجهة خصم آخر .
الحالة الثانية : إذا كان موضوع الخصومة لا يقبل التجزئة ، أو كان تعدد المدعى عليهم إجباريا مثل دعوى الشفعة ، وفي هذه الحالة لا مفر من تطبيق قاعدة عدم التجزئة ، بحيث تحكم المحكمة بسقوط الخصومة بكاملها إذا تمسك أحد المدعى عليهم بذلك .
تحقق الانقطاع خلال فترة وقف الدعوى
قد تتحقق حالة من حالات الانقطاع خلال فترة وقف الدعوى ، وحينئذ تظل الدعوى موقوفة حتى ينتهي الوقف، فالانقطاع لا يرد على خصومة موقوفة ولا تسري مواعيد المرافعات عليها، ويقع باطلا كل إجراء يتخذ قبل تعجيل السير فيها وفق القانون. فإذا قام طالب السقوط بتوجيه تبليغ خلال فترة الوقف إلى الورثة أو من في حكمهم كان عديم الجدوى، إذ يمتنع عليهم تعجيل الدعوى قبل انتهاء حالة الوقف وبالتالي لا يرتب الأثر الذي قررته المادة 133 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية.
كيف يحصل السقوط
يتحقق سقوط الخصومة بقوة القانون بمجرد انقضاء الأجل ، بمعنى أنه يصبح من حق الخصم المستفيد منه ولا يحتاج إلى حكم من القاضي بالسقوط ولا إلى تمسك الخصم به ، ولذا فإن الإجراء الذي يتخذ بعد انقضاء مدة الستة شهور يكون باطلا ، ولو اتخذ قبل الحكم بالسقوط، فالحكم بالسقوط يكون حكما مقررا وليس حكما منشئا.
ويعد سقوط الخصومة جزاء مقررا لمصلحة المدعى عليه الخاصة ولا يتعلق بالنظام العام، وهو دفع شكلي يجب التمسك به قبل التعرض للموضوع، ولمن تقرر السقوط لمصلحته التنازل عن التمسك به صراحة أو ضمنا باتخاذ إي إجراء يدل على قصد استمرار السير في الدعوى. واستخلاص التنازل الضمني من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع دون رقابة محكمة النقض طالما كان استخلاصها سائغا وله أساس في الأوراق. لذلك لا يجوز للمدعي أن يتمسك بالسقوط حتى لا يستفيد من إهماله وله أن يتخلص من الخصومة بطريق الترك(1) ، كما لا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها . غير أن مدة السقوط وشروطه من النظام العام فيقع باطلا كل اتفاق على مدة أقل ، أو منع الخصم من التمسك بالسقوط عند تحقق شروطه.
ويجوز للمدعى عليه أن يتمسك بسقوط الخصومة بإحدى وسيلتين :
الوسيلة الأولى هي التمسك بالسقوط عن طريق الدفع ، فإذا عجل المدعي الخصومة بعد انقضاء الستة أشهر فإن المدعى عليه يدفع بسقوط الخصومة أمام المحكمة ، ويعد هذا الدفع من الدفوع الشكلية لذا يجب إبداؤه قبل الكلام في الموضوع وإلا سقط الحق فيه .
الوسيلة الثانية تقديم طلب أصلي إلى المحكمة المقام أمامها الدعوى بالإجراءات المعتادة ، يطلب فيه الحكم بسقوط الخصومة ، فإذا كانت الخصومة أمام محكمة الاسئتناف يقدم طلب السقوط أمامها .
آثار الحكم بسقوط الخصومة
تنص المادة (135) على أنه :
- يترتب على الحكم بسقوط الخصومة سقوط القرارات التمهيدية الصادرة فيها ، ولا يسقط الحق في أصل الدعوى ولا في الأحكام القطعية الصادرة فيها ولا في الإجراءات السابقة لتلك الأحكام أو القرارات الصادرة من الخصوم أو الأيمان التي حلفوها “(1).
- لا يمنع الحكم بالسقوط من التمسك بإجراءات التحقيق وأعمال الخبرة التي تمت ما لم تكن باطلة في ذاتها .
ويتبين من هذا النص أنه يترتب على سقوط الخصومة زوالها بأثر رجعي ، وإلغاء جميع إجراءاتها بما في ذلك لائحة الدعوى واعتبارها كأن لم تكن بحيث تزول كافة الآثار التي نشأت عن تبليغها ، بما في ذلك الإجراءات التي قام بها الخصوم أو صدرت عن المحكمة في صورة أحكام تمهيدية ، وسقوط جميع الطلبات العارضة التي تقدم بها الخصوم أثناء نظر الدعوى ، بحيث تعود العلاقة بين الخصوم إلى ما كانت عليه قبل رفع الدعوى ، فيعتبر التقادم كأنه لم ينقطع والفوائد كأنها لم تجر….. الخ .
آثار سقوط الخصومة في الاستئناف
تنص المادة 136 على أنه ” متى حكم بسقوط الخصومة في الاستئناف اعتبر الحكم المستأنف نهائيا في جميع الأحوال “. وبذلك يمتنع على المستأنف رفع استئناف جديد عن ذات الحكم حتى لو كان ميعاد الاستئناف ما زال مفتوحا أمامه بأن كان هذا الميعاد يبدأ من تاريخ تبليغ الحكم وكان المستأنف قد رفع الاستئناف قبل أن يبلغ به، وهو ما عبر عنه المشرع بعبارة ( في جميع الأحوال) . ومن البديهي في حالة سقوط الخصومة أن يلزم المدعي الأصلي أو المستأنف حسب الحال بمصاريف الدعوى.
وتسري هذه الآثار سواء سقطت الخصومة في الاستئناف بعد النقض والإحالة أم قبل ذلك ، وأيضا إذا لم يعجل الاستئناف خلال ستة أشهر من صدور حكم النقض، فيصبح نهائيا ما دام أنه بقي على حاله ولم تتناوله محكمة الاستئناف بأي تعديل أو إلغاء قبل سقوط الخصومة.
أما الحق الموضوعي للمدعي الذي رفعت به الدعوى وهو ما عبر عنه المشرع الحق في أصل الدعوى ، فإنه لا يسقط بسقوط الخصومة ولا يترتب على سقوط الخصومة أي مساس به، فيجوز للمدعي رفع الدعوى من جديد للمطالبة به بإجراءات جديدة ، ما لم يكن هذا الحق قد انقضى بالتقادم .
كما استثنى المشرع بعض الإجراءات التي تمت في الخصومة ، فقرر بقاءها رغم سقوط الخصومة ، لما لهذه الإجراءات من كيان ذاتي ، وتوفيرا لوقت القضاء ، وهذه الإجراءات هي :
- الأحكام القطعية الصادرة في الخصومة والإجراءات السابقة عليها : ويقصد بالأحكام القطعية ، الأحكام الحاسمة التي تستنفذ سلطة المحكمة فيما فصلت فيه ، وتشمل الأحكام الصادرة في شق من موضوع الدعوى . ويترتب على صدور حكم قطعي في الخصومة ، بقاء الإجراءات السابقة عليه والتي بني عليها هذا الحكم ، وعلى ذلك تكون لائحة الدعوى بمنجى من السقوط ، حيث لا يتصور بقاء الحكم وسقوط المفترضات القانونية له ، بل يعد الحكم في هذه الحالة بمثابة جدار يحمي الإجراءات التي بني عليها من السقوط .
- الإقرارات الصادرة من الخصوم والأيمان التي حلفوها ، فهذه الإقرارات والأيمان لها أثر حاسم بالنسبة للحقوق المتنازع عليها ، وتعد بمثابة تصرف فيها ، ولذلك يجوز التمسك بها في أي خصومة جديدة بشأن هذه الحقوق .
- إجراءات التحقيق وأعمال الخبرة التي تمت ، فيجوز التمسك في خصومة جديدة بشهادة الشهود وتقارير الخبراء التي تمت أمام المحكمة في الخصومة الساقطة ، طالما كانت هذه الإجراءات صحيحة في ذاتها . وعلة ذلك تفادي ما قد يعود على الخصوم من ضرر ، فقد يستحيل إعادة التحقيق بسبب وفاة الشهود الذين سمعوا أو هجرتهم للخارج، أو زوال المعالم التي أثبتها الخبراء ، كما أنه يجوز الالتجاء للقضاء للمحافظة على الدليل قبل رفع الدعوى الموضوعية للمحكمة .
- من البديهي أنه لا تسقط الإجراءات التي لا تتعلق بالخصومة كالإخطارات التي يكون الخصوم قد تبادلوها فيما بينهم .
(1) نقض مدني 173/2005 تاريخ 17/4/2007 ج 3 ص 123 .
(1) د. أحمد هندي ص 797.
(1) يذهب رأي في الفقه المصري إلى أن للمدعي أيضا أن يتمسك بالسقوط على أساس عمومية نص المادة ( لكل ذي مصلحة من الخصوم أن يطلب الحكم بسقوط الخصومة) فالنص صريح بأن لأي من الخصوم التمسك بالسقوط طالما كانت له مصلحة في ذلك، وقد يكون للمدعي تلك المصلحة في بعض الحالات من ذلك حالة عدم تمكنه من التخلص من الخصومة عن طريق الترك لتطلب القانون قبول المدعى عليه ورفض المدعى عليه ذلك. ففي هذه الحالة يكون للمدعي مصلحة في التخلص من الخصومة عن طريق التمسك بسقوطها.د. أحمد هندي ص 803. ولكن يذكر أنور طلبه أن محكمة النقض المصرية عدلت عن هذا المبدأ . جزء 2 ص 559.
(1) ورد في النص لفظ ” القرارات ” والصحيح هو الإقرارات لذا يلزم تصويب ذلك .