المبحث الثاني
انقطاع السير في الدعوى
تنص المادة (128) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه:
- ينقطع السير في الدعوى بحكم القانون بوفاة أحد الخصوم أو فقدان أهليته أو بزوال صفة من كان يمثله إلا إذا كانت الدعوى مهيأة للحكم في موضوعها .
- إذا طلب أحد الخصوم أجلا لتبليغ من يقوم مقام الخصم الذي تحقق في شأنه سبب الانقطاع ، وجب على المحكمة قبل أن تقضي بانقطاع سير الخصومة أن تكلفه بالتبليغ خلال أجل تحدده له ، فإذا لم يقم بالتبليغ خلال الأجل دون عذر قضت المحكمة بانقطاع سير الخصومة منذ تحقق سببه .
- لا ينقطع السير في الدعوى بوفاة محامي أحد الخصمين ، أو بتنحيه أو بعزله ، على أن يبلغ الموكل في حالتي الوفاة والتنحي .
وانقطاع السير في الدعوى هو وقف السير فيها بقوة القانون لقيام سبب من أسباب الانقطاع التي نص عليها القانون ، فهو صورة من صور الوقف اصطلح على تسميته انقطاعا تمييزا له عن وقف الدعوى لأسباب أخرى، وهو يهدف إلى كفالة حق الدفاع للخصوم ، إذ تؤدي وفاة الخصم أو زوال أهليته إلى عجزه عن مباشرة حق الدفاع ، ولذا ينقطع سير الدعوى حتى يحل محله فيها من يمكنه مباشرته .
فالانقطاع يتميز بأن الخصومة تقف لسبب يرجع إلى المركز القانوني لأحد طرفيها مما يعطل إعمال مبدأ المواجهة ، حيث تتوقف الخصومة لضرورة واقعية تقع دون أن يكون للخصم يد في وقوعها أو قدرة على دفعها. أما حالات وقف الخصومة فتقوم على إرادة الخصم الذي يثير المسألة الأولية أو يطلب رد القاضي أو تعيين المحكمة المختصة ، فهي نتيجة وقائع أثارها الخصم رتبت بالتبعية الوقف وتخص العناصر الموضوعية في الدعوى.(1)
والأصل الذي يقوم عليه الانقطاع هو حماية ورثة المتوفى أو من حل محل من قام به سبب الانقطاع حتى لا تتخذ الإجراءات بغير علمهم ويصدر الحكم ضدهم في غفلة منهم دون أن يتمكنوا من استعمال حقهم في الدفاع تأكيدا لمبدأ المواجهة بين الخصوم، فقد افترض القانون جهلهم بالدعوى المرفوعة على مورثهم ومن في حكمه فأوجب إيقافها بمجرد وفاته أو فقده لأهليته أو صفته. ولا يقصد به أن يكون جزاء على الطرف الآخر لاستمراره في إجراءات الخصومة رغم علمه بقيام السبب الموجب لانقطاعها، لذلك تقرر المحكمة الانقطاع متى تحقق سببه رغم عدم علم الخصم الآخر بهذا السبب.
شروط انقطاع الخصومة
يتبين من نص المادة (128) أنه يشترط لانقطاع السير في الدعوى توافر الشروط الآتية :
أولا : أن يتحقق سبب من أسباب الانقطاع ، وقد حصر المشرع هذه الأسباب في ثلاثة :
- وفاة أحد الخصوم، سواء كان الخصم مدعيا أم مدعى عليه، أم أحد المدعى عليهم أو المدعين إذا تعددوا . وسواء كان خصما أصليا أم متدخلا أم مختصما في الدعوى . وللمحكمة أن تتحقق من صحة الادعاء بوفاة أحد الخصوم بكل الطرق، وعلى محامي الخصم أن يعلم المحكمة بوفاة خصمه أو أحد ممن هو موكل عنهم، وإن لم يفعل ليس له أن يتمسك ببطلان الإجراءات أو بطلان الحكم لصدوره رغم انقطاع الخصومة بسبب وفاة الخصم.
وإذا لم يطرح سبب الانقطاع على المحكمة واستمرت في نظر الدعوى وأصدرت حكمها فيها، وتعلق هذا السبب بالمدعي دون أن يعلم الحاضر عنه المحكمة بذلك، فلا يجوز النعي على حكمها بالبطلان لصدوره بعد انقطاع سير الخصومة إذ لا تنقطع الخصومة في هذه الحالة. أما إذا تعلق السبب بالمدعى عليه ولم يطرح على المحكمة انقطع سير الخصومة حتما وبحكم القانون، لما هو مقرر من التزام المدعي بمراقبة ما يطرأ على خصومة الغائبين من زوال صفة أو أهلية أو وفاة، بحيث إذا قصر في ذلك وتحقق أحد هذه الأسباب انقطع سير الخصومة ولو لم يكن المدعي عالما بسبب الانقطاع وبالتالي لم يعلم المحكمة به مما يؤدي إلى بطلان الحكم .
ويأخذ حكم الوفاة زوال الشخص الاعتباري الذي يكون طرفا في الخصومة أثناء سيرها ، كما لو حلت الشركة أو أدمجت في غيرها واستمر ممثلها القانوني في مباشرة الدعوى بالرغم من انقضائها، سواء كان الشخص المعنوي مدعيا أو مدعى عليه.
- فقد أحد الخصوم أهليته ، كما إذا حجر على أحد الخصوم بسبب جنون أو سفه أو عته أو غفلة ، وكذلك الحكم بشهر إفلاسه إذا كان تاجرا . وعلى المحكمة أن تمحص الأمر للتوصل إلى معرفة ما إذا كان الخصم قد فقد أهليته أم لا .
- زوال صفة من كان يمثل أحد الخصوم في الدعوى ، كعزل الوصي أو القيم أو مأمور التفليسة أو وفاته ، أو انتهاء صفة الولي أو الوصي ببلوغ القاصر سن الرشد ، وصفة القيم برفع الحجر عن المحجور عليه . فإذا بلغ الخصم القاصر سن الرشد أثناء سير الخصومة تزول صفة الولي أو الوصي ولا يكون له صلاحية القيام بأي عمل في الخصومة نيابة عنه، لذلك تنقطع الخصومة إلى أن يتم تبليغ الخصم ليتولى مباشرة الدعوى بنفسه أو بوكيل عنه. غير أن بلوغ سن الرشد لا يؤدي بذاته إلى انقطاع سير الخصومة إنما يحصل هذا الانقطاع بسبب ما يترتب على البلوغ من زوال صفة من كان يباشر الخصومة عن القاصر، لذلك إذا بلغ القاصر سن الرشد أثناء سير الخصومة وترك نائبه القانوني يستمر في تمثيله في الخصومة ، فإن سكوته يعد قبولا منه لحضور الولي أو الوصي في الخصومة فلا يحدث انقطاع إذ أن النيابة القانونية تتغير في هذه الحالة إلى نيابة اتفاقية وتبقى للنائب صفة تمثيل الخصم ، وذلك حماية للغير حسن النية الذي لا يعلم شيئا عن التطور الذي طرأ على أهلية خصمه. أما إذا كان الشخص بالغا قبل رفع الدعوى فإن الخصومة في هذه الحالة تكون مرفوعة من غير ذي صفة أو على غير ذي صفة ، وبالتالي فإنها تكون غير مقبولة ولا يجوز تصحيحها باختصامه فيها بعد ذلك.
وإذا حضر الأصيل بعد بلوغه سن الرشد أو بعد رفع الحجر عنه أو بعد عودته من غيبته، وتمسك بزوال صفة من كان ينوب عنه وقدم دليل ذلك ، استمرت المحكمة في نظر الدعوى في مواجهته دون القضاء بانقطاع سير الخصومة .
أما الوكيل بالخصومة فلا يعد خصما في الدعوى ، لذلك لا ينقطع السير في الدعوى بوفاة محامي أحد الخصمين أو بعزله أو بتنحيه ، ولكن إذا توفي المحامي أو تنحى فإن المحكمة تؤجل الدعوى إلى جلسة تالية ويتم تبليغ الموكل بها حتى يحضر أو يوكل محاميا آخر ، وحتى يتمكن الوكيل الجديد من دراسة أوراق الدعوى وإعداد دفاعه فيها .
كما لا ينقطع السير في الدعوى بتغيير ممثل الشخص الاعتباري ، مثل رئيس مجلس إدارة الشركة لأنه لا يعد خصما وإنما مجرد ممثل للشخص الاعتباري الذي يعد وحده خصما .
ثانيا : أن يتحقق سبب الانقطاع بعد بدء الخصومة ، أي بعد المطالبة القضائية ، فالخصومة لا تقوم إلا بين أحياء ولا تنعقد أصلا إلا بين أشخاص موجودين على قيد الحياة ، وإذا رفعت الدعوى على ميت فإنها تكون معدومة ولا ترتب أثرا ولا يصححها إجراء لاحق كتبليغ الورثة ، ولا تطبق أحكام الانقطاع في هذه الحال . وكذلك فإن المطالبة من خصم أو في مواجهة خصم فاقد الأهلية أو الصفة يؤدي إلى بطلانها ، وبالتالي إلى زوال الخصومة لا انقطاعها . أما إذا انعقدت الخصومة في البداية بين أشخاص أحياء، ثم توفي المدعي أو المدعى عليه بعد تقديم لائحة الدعوى إلى قلم الكتاب ودفع الرسم كاملا فإن الخصومة تنقطع ، وكذلك إذا فقد أهليته أو صفته بعد رفع الدعوى.
وإذا توفي المدعي بعد بدء الخصومة مما أدى إلى تغيبه عن الجلسة وبالتالي شطبت الدعوى، فإن قرار الشطب في هذه الحالة يكون باطلا لصدوره في فترة الانقطاع ولا يترتب عليه الأثر الذي قررته المادة 88 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، بحيث إذا قام الورثة بتعجيل الدعوى من الشطب امتنع على المدعى عليه الدفع باعتبارها كأن لم تكن إذا تم التعجيل بعد ستين يوما من صدور قرار الشطب. كما يمتنع على المدعى عليه الدفع بسقوط الخصومة متى انقضت ستة أشهر من آخر إجراء صحيح من إجراءات التقاضي وهو قرار الشطب إلا إذا قام بتبليغ الورثة بوجود الدعوى ، سواء كان قد بلغ بلائحة الدعوى أو لم يكن قد بلغ بها، لورود نص المادة 128 عاما مطلقا، لكن يجوز له التمسك بانقضاء الخصومة بمضي سنتين على آخر إجراء صحيح تم فيها.
ثالثا : أن يتحقق سبب الانقطاع قبل أن تصبح الدعوى مهيأة للحكم في موضوعها . وقد بينت المادة (129) أن الدعوى تعتبر مهيأة للحكم في موضوعها متى كان الخصوم قد أبدوا مرافعاتهم وطلباتهم الختامية في جلسة المرافعة قبل الوفاة أو فقدان أهلية الخصومة أو زوال الصفة . فالانقطاع في هذه الحالة يكون غير مجد لانتفاء مصلحة الخصوم فيه ، بل من مصلحتهم حسم النزاع قضاء، لذلك أجاز القانون للمحكمة إصدار حكمها في الدعوى. ولا تعتبر الدعوى مهيأة للحكم في موضوعها إذا كانت مؤجلة لغايات إصدار قرار في مسألة شكلية . (1)
ومعنى ذلك أن يكون قد أقفل باب المرافعة وحجزت الدعوى للحكم إذ لا تؤثر وفاة الخصم أو فقد أهليته أو زوال صفته في هذه المرحلة في حقه في الدفاع ، حيث لا يبقى في الخصومة بعد ذلك غير الحكم في موضوعها . ولكن تنقطع الخصومة إذا قررت المحكمة فتح باب المرافعة من جديد بعد تحقق سبب الانقطاع ، لذلك إذا خلصت المحكمة إلى أن الدعوى لم تكن مهيأة للحكم في موضوعها ، كما لو رأت إصدار قرار تمهيدي أو تمكين الخصم من إبداء أوجه دفاع أو طلبات جديدة ، فإنها تقضي بانقطاع الخصومة.
وإذا كانت الدعوى مهيأة للحكم في موضوعها، فإن الحكم يصدر في مواجهة من زالت صفته، ومع ذلك يعتبر هذا الحكم قد صدر في مواجهة صاحب الصفة ويحتج به عليه وفقا لقواعد انقطاع سير الخصومة، وحينئذ يباشر إجراءات تنفيذه إن كان لصالحه، أو تباشر هذه الإجراءات ضده ، وله الطعن فيه دون من فقد صفته.
واعتبار الدعوى مهيأة للحكم فيها أو أنها غير مهيأة لذلك هو من مسائل القانون التي تخضع فيها محكمة الموضوع لرقابة محكمة النقض، ومن ثم يتعين على محكمة الموضوع أن تبين الأسس التي استندت إليها في اعتبار الدعوى قد تهيأت للحكم في موضوعها وإلا كان قرارها مشوبا بالقصور المبطل.
(1) د. أحمد هندي ص 769.
(1) نقض مدني 6/2003 تاريخ 25/5/2003 ج 1 ص 455 ، نقض مدني 180/2004 تاريخ 11/1/2005 ج 1 ص 440.