ثالثا : الوقف الاتفاقي
تنص المادة 127 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه:
- يجوز للمحكمة تأجيل الدعوى تأجيلا عاما بناء على اتفاق الخصوم مدة لا تزيد على ستة أشهر من تاريخ قرار المحكمة بذلك .
- لا تتأثر المواعيد الحتمية التي ينص عليها القانون بسبب هذا التأجيل .
- لا يجوز لأي من الخصوم تعجيل الدعوى خلال المدة المذكورة إلا باتفاقهم .
- إذا لم يتقدم أحد الخصوم بطلب إعادة السير في الدعوى خلال أسبوعين من تاريخ انتهاء مدة الستة أشهر اعتبر المدعي تاركا لدعواه والمستأنف تاركا لاستئنافه .
- لا يجوز طلب التأجيل العام إلا مرة واحدة فقط .
ويتبين من هذا النص أنه يشترط للوقف الاتفاقي ما يأتي :
- اتفاق الخصوم أو وكلائهم في الخصومة على عدم السير فيها، ويمكن أن يكون هذا الاتفاق كتابة أو شفاها يسجل في محضر المحاكمة. ويلزم لذلك اتفاق أطراف الدعوى جميعا الأصليين والمتدخلين والمختصمين، أما الخصم المنضم فليس له طلبات مستقلة ومن ثم تنفذ في حقه طلبات الخصم الذي انضم إليه ومنها طلب وقف الدعوى بما يحول دونه والاعتراض على طلب الوقف.
ويجوز للوكيل بالخصومة الاتفاق على وقف الدعوى باعتباره إجراء من إجراءات التقاضي ، ويكفي فيه التوكيل العام شأنه شأن سائر إجراءات التقاضي، حتى لو ترتب عليه اعتبار المدعي تاركا دعواه والمستأنف تاركا استئنافه، إذ يترتب هذا الأثر على نص في القانون وليس على اتفاق الوكيل بالخصومة.(1)
وقد يكون باعث هذا الاتفاق رغبة الخصوم في إجراء مفاوضات للصلح أو إحالة النزاع للتحكيم ، أو أي سبب آخر مشترك . ولم يشترط القانون في طلب الوقف تحديد سبب رغبة الخصوم في وقف الخصومة ، فلهم الاتفاق على الوقف أيا كان السبب ، ولكن القواعد العامة تقضي أن يكون هذا السبب مشروعا . ويخضع هذا الاتفاق للقواعد العامة من حيث شروط صحته، لذلك يجوز لأحد طرفيه الادعاء بوجود عيب في إرادته كالغش أو الغلط، وفي هذه الحالة لا تقر المحكمة الاتفاق على الوقف.
ويجب على الخصوم الإصرار على الاتفاق حتى صدور القرار بالوقف، فيجوز العدول عنه قبل صدور القرار. وإذا طلب أحد الخصوم الوقف وسكت الباقون يعد سكوته رفضا للوقف.
- ألا تزيد مدة الوقف على ستة أشهر من تاريخ إقرار المحكمة للاتفاق . والحكمة من تحديد المدة هي تفادي أن تؤدي هذه الرخصة إلى إتاحة المشرع للخصوم إلى إطالة أمد النزاع وتراكم القضايا أمام المحاكم. ولذلك يجوز أن تكون مدة الوقف أقل من ذلك كثلاثة أشهر مثلا وإذا اتفق الخصوم على مدة تزيد على ستة أشهر وجب على المحكمة من تلقاء نفسها أن تنقصها إلى هذا القدر . ولا يجوز طلب التأجيل العام إلا مرة واحدة فقط .
- إقرار المحكمة للاتفاق ، فلم يجعل المشرع اتفاق الخصوم على وقف السير في الدعوى ملزما للمحكمة كما هو الحال في قانون المرافعات المصري(1) بل جعل وقف السير في الدعوى جوازيا للمحكمة لما لها من سلطة تقديرية على الرغم من اتفاق الخصوم ، ويكون الرفض صريحا أو ضمنيا بالإلتفات عنه والاستمرار في نظر الدعوى، ولكن عادة ما تستجيب المحكمة للخصوم .
- د- أن لا يكون موضوع الدعوى متعلقا بالنظام العام، كما في دعوى إشهار إفلاس تاجر، إذ لا يجوز للمدعى عليه الاتفاق مع المدعي في هذه الحالة على وقف الدعوى لأن دعاوى الإفلاس تتعلق بالنظام العام .
وقرار وقف الدعوى لا يعد حكما، إنما تصديق المحكمة على ما اتفق عليه الخصوم، ومن ثم لا يكتسب قرارها الحجية التي تكتسبها الأحكام القضائية سواء بالنسبة للمحكمة أو بالنسبة للخصوم، وهو ما يجيز لها العدول عن قرارها. كما يجوز للخصوم الاتفاق على إنهاء الوقف، ولكن لا يجوز الإنهاء بإرادة الخصم المنفردة لأنه يعتبر تعديلا لاتفاق تم بين الخصوم لا يجوز نقضه بإرادة منفردة من أحدهم.
ولا يجوز للخصوم الطعن في قرار الوقف بأي طريق من طرق الطعن، ما لم يكن هذا القرار قد شابه خطأ في تطبيق القانون، كأن لم يحصل اتفاق بين الخصوم، أو زادت المدة عن ستة أشهر ، ويكون عندئذ للخصم أن يطعن في القرار فور صدوره عملا بالمادة 192/2 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية.
ويجوز الوقف الاتفاقي أمام محكمة أول درجة وأمام محكمة الاستئناف، ولكن لا يجوز وقف الخصومة أمام محكمة النقض لاختلاف الإجراءات أمام هذه المحكمة. كما لا يجوز الاتفاق على وقف الطلبات المستعجلة لأنها بطبيعتها تتناقض مع التأخير.
آثار الوقف ومصير الدعوى الموقوفة
1- آثار الوقف
- قيام الخصومة: تعتبر الخصومة قائمة رغم وقفها ، ولذا تظل المطالبة القضائية منتجة لكل آثارها فلا يجوز رفع نفس الدعوى بخصومة جديدة ، كما تظل كافة الإجراءات التي اتخذت في الدعوى قبل قرار التأجيل ، فإذا تم تعجيل الدعوى تعود المحكمة للسير فيها من النقطة التي وقفت عندها .
- ركود الخصومة: بمعنى وقف جميع إجراءات التقاضي في الدعوى من أي شخص كان خلال فترة وقفها، وأي إجراء يتخذ فيها قبل انقضاء مدة الوقف يكون باطلا سواء تمثل في طلب قدم للمحكمة بما في ذلك الطلبات العارضة التي تقدم بالطريق المعتاد لرفع الدعوى أيا كان موضوعها بما في ذلك التدخل والإدخال ورفع دعوى تزوير أصلية عن محرر مقدم في الدعوى الموقوفة إذ يجب الطعن فيه بدعوى التزوير الفرعية بعد تعجيل الدعوى الأصلية، أو شخص سمعت شهادته، أو تحقيق أجري خلال هذه المدة. ولكن هذا البطلان يخضع لمعيار الغاية وفقا للمادة 23/2 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، فلا يقضى به إذا لم تؤد المخالفة إلى فوات الغاية من الوقف. على أن الوقف لا يحول دون اتخاذ إجراءات وقتية مستعجلة في الخصومة طالما كان وقفا قضائيا أو اتفاقيا كإثبات حالة أو بيع الأشياء التي يخشى عليها من التلف أو سماع شاهد. وهذا هو مظهر عدم سير الخصومة ، عدا الاستثناء المتعلق بالمواعيد الحتمية .
- وقف جميع المواعيد الإجرائية: فلا تبدأ المواعيد الإجرائية أثناء مدة وقف الدعوى، وإذا كان الميعاد قد بدأ قبل الوقف ولم ينته فإن هذا الميعاد يقف ويستأنف سريانه بعد الوقف سواء كان الميعاد حتميا أم تنظيميا، كاملا أم ناقصا . غير أنه إذا كان الوقف اتفاقيا لا يكون له أثر في أي ميعاد حتمي يكون القانون حدده لإجراء ما عملا بالمادة 127/2 السابق ذكرها ، فيتعين اتخاذ الإجراء في ميعاده . والمقصود بالميعاد الحتمي ذلك الذي يترتب على مخالفته سقوط الحق في اتخاذ الإجراء فمثلا إذا صدر حكم في شق من موضوع الدعوى ، وتم تبليغه ، ثم وقفت الدعوى بناء على طلب الخصوم ، فلا تأثير لهذا الوقف على سريان ميعاد الطعن في ذلك الحكم . فالقانون يقصر أثر الوقف الاتفاقي فقط على الإجراءات التي لم يحدد لها القانون ميعادا حتميا ، أما الإجراءات التي يحدد لها القانون ميعادا حتميا مثل تبليغ لائحة الدعوى (ميعاد التكليف) فإنه يجب القيام بها رغم الوقف الاتفاقي .
- إذا قررت المحكمة تأجيل الدعوى تأجيلا عاما تحذف مؤقتا من جدول القضايا (م 123).
2- مصير الدعوى الموقوفة
لا تظل الدعوى موقوفة إلى ما لا نهاية ، وإنما ينتهي مصيرها إلى أحد أمرين ، إما السير فيها من جديد ، وإما انقضاؤها دون الحكم في موضوعها .
أ- تعجيل الدعوى :
إذا زال سبب الوقف في حالتي الوقف القانوني والقضائي أو انتهت مدة الوقف الاتفاقي يمكن لأي من الخصوم تعجيل الدعوى بأن يتقدم أحد الخصوم بطلب إعادة السير في الدعوى حيث تحدد جلسة لنظر الدعوى يبلغ بها الخصوم . وغالبا ما يقوم المدعي بذلك باعتباره الحريص على سير الدعوى ، ولكن يجوز أن يقوم بذلك المدعى عليه . ومتى عجلت الدعوى استأنفت سيرها من حيث توقفت .
ويشترط في الوقف الاتفاقي أن يتم تقديم الطلب بعد انتهاء مدة التأجيل العام ، وخلال أسبوعين من تاريخ انتهاء مدة التأجيل. على أنه يجوز للخصوم الاتفاق على إنهاء التأجيل (الوقف الاتفاقي) أثناء مدة الوقف لفشلهم في تحقيق الصلح مثلا ، ويعد الاتفاق الجديد معدلا للاتفاق السابق .
التعجيل في حالة ضم الدعاوى
إذا ضمت دعوى لأخرى للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد ، ولم يترتب على الضم فقد كل منها لذاتيتها بل ظلت مستقلة عن الأخرى، ثم اتفق الخصوم فيهما على وقفهما ، ثم تم تعجيل إحداها فقط اقتصر التعجيل عليها دون إن يمتد إلى الأخرى ولو كانت الدعوى التي عجلت هي المنضمة، فتستأنف وحدها سيرها أمام المحكمة. فإذا اعتبر المدعي في الدعوى الأخرى تاركا دعواه، وكانت هذه الدعوى تمثل دفاعا له في الدعوى الأولى ولم تخضع لميعاد معين لرفعها، جاز له رفعها من جديد أو طرحها على المحكمة في الدعوى المنظورة بموجب طلب عارض، لأن أثر الترك هو إلغاء إجراءات الخصومة بما فيها رفع الدعوى دون أن يمتد للحق محل الدعوى.
أما إذا ترتب على الضم زوال ذاتية كل من الدعويين فإنهما يصبحان دعوى واحدة لا انفصام بينهما، ويترتب على تعجيل إحداهما تعجيل الأخرى بطريق اللزوم.(1)
ب- انقضاء الخصومة
إذا كان الوقف قانونيا أو قضائيا يجب تعجيل الخصومة فور الفصل في المسألة التي وقفت الدعوى بقوة القانون أو المسألة الأولية التي وقفت بسببها، فإذا لم يتم التعجيل خلال ستة أشهر من هذا التاريخ فإن الخصومة تسقط عملا بالمادة 132 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية.
أما إذا كان الوقف اتفاقيا فقد نصت المادة (127) على أنه إذا لم يتم تقديم طلب إعادة السير في الدعوى خلال أسبوعين من تاريخ انتهاء مدة التأجيل (الستة أشهر) اعتبر المدعي تاركا لدعواه والمستأنف تاركا لاستئنافه ، وهو ما يعني انقضاء الخصومة انقضاء مبتسرا ، بحكم القانون دون حاجة لتبليغ الخصوم والطلب منهم تجديد الدعوى كما كانت عليه الحال في ظل قانون أصول المحاكمات الحقوقية الملغى.
وقد عبر المشرع عن سبب الانقضاء باعتبار المدعي تاركا لدعواه ، أي بافتراض تنازله عن الخصومة ، وهو في حقيقته جزاء لعدم تعجيل الخصومة في الميعاد المحدد . وتترتب آثار الترك بحكم القانون بإلغاء جميع إجراءات الخصومة بما في ذلك رفع الدعوى، وإذا قام أحد الخصوم بتعجيل الدعوى بعد ذلك لا يكون ثمة محل يرد عليه التعجيل.
وقد حدد المشرع هذا الميعاد وهو أسبوعين ، حتى لا يفتح الباب أمام الخصوم للتحايل على الحد الأقصى لمدة الوقف ، وذلك بإبقاء الخصومة موقوفة دون تعجيل بعد انقضاء مدة التأجيل العام، كما لم يشأ المشرع أن يترك المدعى عليه مهددا بدعوى خصمه بعد انقضاء مدة الوقف ، فلا يقبل تعجيل الخصومة من المدعي أو المدعى عليه بعد انقضاء الأسبوعين، فإذا حدث ذلك كان للطرف الآخر الدفع بانتهاء الخصومة ، وهذا الدفع لا يعد من النظام العام فعلى الخصم التمسك به قبل التكلم في الموضوع وإلا سقط الحق فيه ، فإذا تمسك به الخصم التزمت المحكمة بالقضاء به دون أن تكون لها سلطة تقديرية في هذا الصدد لأن الأثر يقع بقوة القانون. أما إذا قبل التعجيل صراحة أو ضمنا لا يجوز للمحكمة إثارته من تلقاء نفسها .
وبانقضاء الخصومة تزول كافة الآثار القانونية المترتبة على قيامها إذا كانت الدعوى أمام محكمة الدرجة الأولى ، أما أمام محكمة الاستئناف فيصير الحكم الابتدائي انتهائيا إذا كان قد تم تبليغه ، لأن ميعاد الطعن يكون قد انقضى في هذه الحالة ، وإلا جاز تجديد استئنافه إذا كان ميعاد الطعن لا زال قائما لم ينقض .
وإذا تعدد المدعون وعجل بعضهم الدعوى دون البعض الآخر ، فالخصومة تنقضي بالنسبة للآخرين لأنها تقبل التجزئة عملا بقواعد ترك الخصومة .
وإذا عجل المدعى عليه الدعوى ، سواء في خلال الأسبوعين التاليين لانقضاء مدة الوقف أو بعد هذا الميعاد واعترض المدعي على التعجيل طبقت قواعد ترك الخصومة لأن اعتراضه يفصح عن نزوله عنها (1).
(1) أنور طلبه ج2 ص 32.
(1) د. وجدي راغب ص 410 . حيث نصت المادة 128 مرافعات مصري على أنه( يجوز وقف الدعوى بناء على اتفاق الخصوم على عدم السير فيها مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر من تاريخ إقرار المحكمة لاتفاقهم …) لذلك ذهب الرأي الراجح في الفقه إلى أن المحكمة لا تملك رفض وقف الخصومة وأن إقرار المحكمة لهذا الاتفاق يكون للتحقق من صحة الاتفاق ومدته. د. أحمد هندي ص 723.
(1) أنور طلبة ج2 ص 433و434.
(1) د. أحمد أبو الوفا ص 613 .