تسير الدعوى في خطوات متتابعة سيرا طبيعيا حتى تنتهي بالحكم في موضوعها. وتعد الدعوى سائرة في حالة تأجيل النظر فيها حيث تحدد جلسة تالية لنظرها .
غير أنه قد يعترض الدعوى من الحوادث ما يؤدي إلى عدم السير فيها أو انقضائها دون الحكم في موضوعها ، وهذا ما يسمى بعوارض أو طوارئ الخصومة ، وقد ذكرنا من هذه العوارض حالة شطب الدعوى ، وهي ما تقرره المحكمة في حالة غياب الخصمين في أي جلسة دون أن تكون الدعوى صالحة للحكم فيها ، أما الحالات الأخرى التي نص عليها قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد فهي وقف السير في الدعوى ، وانقطاع السير في الدعوى ، وسقوط الخصومة وانقضاء الخصومة بمضي المدة ، وترك الخصومة . ونتناول هذه الحالات ثم نعرض لمسألة إيداع المال صندوق المحكمة في المباحث التالية .
المبحث الأول
وقف السير في الدعوى
وقف السير في الدعوى هو عدم السير فيها خلال مدة معينة لسبب من أسباب الوقف ، وذلك حتى يزول هذا السبب باتخاذ الإجراء الذي يتطلبه القانون ، أو انقضاء المهلة التي حددها قرار الوقف .
وإذا تقرر الوقف فإن الخصومة – وإن ظلت قائمة – تدخل في حالة ركود تستبعد أي نشاط فيها حتى ينتهي الوقف . وأسباب الوقف متعددة ، فقد تكون بنص القانون ، أو بحكم المحكمة ، أو باتفاق الخصوم .
أولا : الوقف بنص القانون
يوجب القانون في حالات معينة وقف السير في الدعوى بسبب تقديم طلب معين. ومثال ذلك ما تنص عليه المادة (51) من أنه يترتب على تقديم طلب لمحكمة النقض بتعيين المحكمة المختصة في حالة قررت محكمتان اختصاصهما بنظر دعوى ، وقف السير في الدعويين لحين البت في الاختصاص . وكذلك ما تنص عليه المادة (150) من أنه يترتب على تقديم طلب رد القاضي إلى رئيس المحكمة المختصة وقف السير في الدعوى الأصلية إلى أن يحكم فيه نهائيا .
وتقف الدعوى في هذه الحالات بقوة القانون ، بمعنى أن الدعوى تعد موقوفة قانونا من يوم حدوث سبب الوقف دون حاجة إلى صدور حكم من المحكمة بالوقف ، فإذا صدر فيها حكم قبل زوال سبب الوقف كان باطلا. ويزول سبب الوقف بأن تفصل المحكمة في طلب فض التنازع الإيجابي على الاختصاص أو طلب رد القاضي، أو تنتدب قاضيا آخر بدل القاضي المطلوب رده، أو تفصل المحكمة في الطعن المرفوع ضد الحكم الصادر بعدم الاختصاص والإحالة. وإذا زال سبب الوقف عادت الخصومة إلى السير ويتم تحديد تاريخ للجلسة يبلغ للخصوم.
ومن ذلك أيضا ما تنص عليه المادتان 195/1 و203 من قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001 م، أنه إذا رفعت الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية يجب وقف الفصل فيها حتى يحكم نهائيا في الدعوى الجزائية المقامة من قبل رافعها أو أثناء السير فيها ما لم يكن قد أوقف السير في الدعوى الجزائية لجنون المتهم.
ثانيا : الوقف بحكم المحكمة
إذا عرضت في أثناء نظر الدعوى مسألة فرعية ليست من اختصاص المحكمة المعروض عليها النزاع اختصاصا نوعيا أو وظيفيا يتوقف عليها الحكم في الدعوى ، تجد المحكمة نفسها مضطرة إلى وقف السير في الدعوى الأصلية إلى أن يتم الفصل في تلك المسألة . لذلك سمي هذا الوقف بالوقف التعليقي لأن الفصل في الدعوى معلق على الفصل في المسألة الأولية. وقد نصت على هذه الحالة المادة (126) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد بقولها :
- للمحكمة أن تقرر من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم وقف السير في الدعوى إذا رأت أن الحكم في موضوعها يتوقف على الفصل في مسألة أولية .
- ويحق لأي من الخصوم طلب تعجيل السير في الدعوى بمجرد زوال سبب الوقف.
والمسألة الأولية قد تكون من اختصاص المحكمة الدستورية، كما لو طعن الخصم في عدم دستورية نص في قانون أو نظام من المحتمل تطبيقه على النزاع المعروض على المحكمة. وقد تكون من اختصاص القضاء الإداري، كما لو أثار أحد الخصوم نزاعا حول جنسية خصم آخر بأن يدعي شخص أنه فلسطيني ويزعم خصمه بأنه أجنبي أو العكس، ورأت المحكمة أن النزاع حول جنسية هذا الخصم مسألة أولية يتوقف عليها الفصل في الدعوى. وقد تكون من اختصاص المحاكم الدينية، كما لو دفع الخصم بعدم صحة حجة حصر إرث قدمها خصمه. كما قد تدخل في اختصاص القضاء الجنائي، كما لو رفع المدعي دعوى تعويض نتيجة اعتداء عليه بجنحة الضرب، فتوقف الدعوى لحين ثبوت التهمة الجزائية على المعتدي
كما قد تكون هذه المسألة من اختصاص محكمة أخرى تختص بها نوعيا، ومثال ذلك أن يرفع المدعي دعوى قسمة لدى محكمة الصلح، فينازع المدعى عليه في ملكية المدعي لجزء من المدعى به يدخل في اختصاص محكمة البداية ، لذلك توقف المحكمة دعوى القسمة إلى أن يفصل في النزاع القائم حول الملكية ، وذلك لأن القسمة لا يجوز أن تشمل أموالا غير مملوكة للمتقاسمين . أو من اختصاص ذات المحكمة كأن ترفع دعوى بصحة ونفاذ عقد، فيتدخل خصم فيها يطالب بردها استنادا إلى ملكيته هو للعقار محل الدعوى، فيكون طلب المتدخل مسألة أولية يجب على المحكمة الفصل فيها أولا، فإن ثبت لديها أن المتدخل هو المالك قضت برد الدعوى، أما إن لم يثبت المتدخل ملكيته قضت بصحة ونفاذ العقد.
ويشترط لوقف السير في الدعوى في هذه الحالة ما يأتي :
- أن تثار مسألة أولية في الدعوى ، وهي المسألة التي يتوقف على حلها الفصل في الدعوى الأصلية ، كمسألة الملكية في دعوى القسمة . فيجب على الأقل أن يكون هناك ارتباط بين المسألة الأولية والدعوى الأصلية على نحو يجعل الفصل في الأولى أمرا ضروريا للفصل في الثانية، فبغير هذا الارتباط لا نكون بصدد مسألة أولية بالمعنى الصحيح.
- ب- أن تكون هذه المسألة الأولية من اختصاص محكمة أخرى ، كأن تكون الدعوى الأصلية أمام محكمة الصلح (كدعوى القسمة)، بينما تختص محكمة البداية بالمسألة الأولية (أي الملكية)، أو الطعن في صحة حجة حصر إرث فيرجع للمحكمة الشرعية أو الكنسية
أما إذا كانت المسألة الأولية من اختصاص المحكمة المرفوعة إليها الدعوى الأصلية ، فإنها تفصل في هذه المسألة دون حاجة إلى وقف السير في الدعوى .
- أن تقرر المحكمة وقف السير في الدعوى الأصلية لحين الفصل في المسألة الأولية من المحكمة المختصة . وللمحكمة سلطة تقديرية في مدى الارتباط ومدى حاجة الفصل في هذه الدعوى إلى الفصل في المسألة الأولية ، فيجوز لها أن لا تقرر وقف السير في الدعوى إذا قدرت عدم جدية النزاع حول المسألة الأولية . أما إذا قررت وقف السير في الدعوى ، فإن الدعوى تظل موقوفة إلى أن يتم الفصل في المسألة الأولية مهما بلغت المدة التي تستغرقها ، ومتى تم الفصل في المسألة الأولية فإن لأي من الخصوم طلب تعجيل السير في الدعوى ، حيث يتم تحديد جلسة لها وتبليغ الخصوم بها .
وإذا قررت المحكمة عدم اختصاصها ببحث المسألة الأولية المثارة ووقف الدعوى ، فعليها وفق نظام الإحالة الذي أخذ به المشرع في القانون الجديد ، أن تحيل هذه المسألة من تلقاء نفسها إلى المحكمة المختصة .
والقرار الصادر بوقف الدعوى هو قرار فرعي يقبل الطعن على استقلال مباشرة فور صدوره عملا بالمادة 192/2 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية. أما إذا قررت المحكمة رفض طلب الوقف فإن هذا القرار لا يقبل الطعن على استقلال .
وقرار وقف الدعوى لحين الفصل في المسألة الأولية هو شهادة على عدم صلاحية الدعوى للفصل فيها قبل الفصل في المسألة الأولية، لذلك فإنه يتضمن قرارا قطعيا بعدم جواز الفصل في الدعوى قبل الفصل في المسألة الأولية وبأن الفصل في هذه المسألة لا يدخل في اختصاصها بل في اختصاص محكمة أخرى، لذلك ليس للمحكمة أن تعدل عن قرارها بالوقف وتفصل في المسألة الأولية أو تنظر موضوع الدعوى قبل أن يقدم لها ما يدل على الفصل في المسألة الأولية من المحكمة المختصة، لأن هذا العدول يعد إهدارا لحجية قرار الوقف. فإذا أوقفت المحكمة الدعوى لتقديم حكم يثبت صحة حجة الوراثة يمتنع عليها بعد ذلك أن تقبل تعجيل الدعوى قبل أن يقدم لها حكم الوراثة الذي أوجبت تقديمه.
وإذا كانت الدعوى بالمسألة الأولية مرفوعة أمام المحكمة المختصة بها قبل الحكم بالوقف ، وجب وقف الدعوى الأصلية حتى يتم الفصل في تلك المسألة. وإذا زال سبب الوقف وصدر حكم نهائي في المسألة الأولية تعاود الخصومة سيرها، ويكون لأي من الخصوم – المدعي أو المدعى عليه- تعجيلها وذلك بتحديد جلسة جديدة وتبليغ الخصم الآخر بها.
أما إذا لم تكن المسألة قد رفعت بعد إلى المحكمة المختصة، يجب على المحكمة التي تنظر الدعوى الأصلية أن تحدد أجلا للخصم لرفع الدعوى بالمسألة الأولية أمام تلك المحكمة، وتبقى الدعوى الأصلية موقوفة إلى أن تفصل المحكمة في المسألة الأولية.
وإذا لم ينفذ الخصم قرار المحكمة بأن لم يقم برفع الدعوى إلى المحكمة المختصة خلال الأجل المحدد له، أو تراخى في رفعها ثم سلك فيها مسلكا من شأنه أن يؤدي إلى إطالة أمد التقاضي بإبداء دفوع أو طلبات أو أوجه دفاع غير جدية، أو امتنع دون مبرر عن تنفيذ قرارات المحكمة، كان لخصمه تعجيل الدعوى من الوقف طالبا الفصل فيها بحالتها، على أن يقدم الدليل على هذا التقصير. فإذا تحققت المحكمة من ذلك لها أن تقرر التعجيل ونظر الدعوى بحالتها ، أي أن تفصل في موضوع الدعوى دون نظر إلى الدفع الذي أثار المسألة الأولية أمامها، دون معقب عليها طالما استندت لأسباب مبررة.