نظم قانون التنفيذ حبس المدين في المواد (155-164)، وقد أقر نظام الحبس الذي كان معمولا به في الموالد (119-134) من قانون الإجراء رقم 31 لسنة 1952 وقانون ذيل لقانون الإجراء رقم 25 لسنة 1965 الملغي. (1)
بينما لم ينص قانون التنفيذ على منع المدين من السفر، مكتفيا بما ورد في المادة 277 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001، لذلك يجوز للدائن طلب منع المدين المحكوم عليه من السفر إذا توافرت حالة من الحالات الواردة في المادة المذكورة.
لذلك ندرس حبس المدين في مبحث أول، ثم منعه من السفر في مبحث ثان.
المبحث الأول
حبس المدين
دراسة حبس المدين تستلزم بيان ما يأتي:
المطلب الأول: ماهية حبس المدين وطبيعته القانونية.
المطلب الثاني: شروط تطبيق حبس المدين.
المطلب الثالث: مدة الحبس
المطلب الرابع: انقضاء الحبس.
المطلب الأول
ماهية حبس المدين وطبيعته القانونية
الحبس التنفيذي هو وسيلة الهدف منها الضغط على المدين من أجل إكراهه على تنفيذ التزامه والوفاء بما في ذمته من دين؛ وذلك بحرمانه مؤقتا من حريته، وهو وسيلة من وسائل التنفيذ الجبري لقهر المدين على القيام بالوفاء بما التزم به، والسبب فيه هو الدين أما الغاية منه فهي الضغط على شخصه وحمله على الوفاء بدينه.
وهو بذلك يختلف عن الحبس الجزائي من حيث السبب والغاية، فسبب الحبس الجزائي هو جريمة يحرمها القانون، والغاية منه عقاب المجرم وإصلاحه وردع الآخرين.
ويترتب على ذلك عدم جواز استبدال الحبس بغرامة كما في العقوبة الجزائية، وكذلك لو كان قد تم توقيف المدين احتياطيا لجرم جزائي وحكم ببراءته من الجرم، فإن مدة التوقيف لا تحسب من مدة الحبس التنفيذي.
كما أن الحبس التنفيذي يكون بناء على طلب الدائن طالب التنفيذ، ويملك الدائن التنازل عنه، في حين أن الحبس الجزائي هو من حق المجتمع وتطبقه النيابة العامة، ويملك من وقع عليه الضرر التنازل عن حقه مع بقاء الحق العام قائما.
ولما كان الأصل أن يقع التنفيذ على مال المدين؛ والاستثناء هو حبسه تنفيذيا، فإن حالات الحبس التنفيذي قد وردت على سبيل الحصر ولا يجوز التوسع في تفسيرها أو القياس عليها. (2)
المطلب الثاني
شروط تطبيق الحبس
نبين في هذا المطلب الحالات التي يطبق فيها الحبس أولا، ثم الأشخاص الذين يجوز حبسهم ثانيا.
الفرع الأول
الحالات التي يجوز فيها حبس المدين
أجازت المادة 156 من قانون التنفيذ لقاضي التنفيذ بناء على طلب المحكوم له أن يأمر بالقبض على المحكوم عليه وحبسه في حالات وردت على سبيل الحصر، وقد اشترط المشرع في بعض هذه الحالات أن يثبت اقتدار المدين على الدفع حتى يجوز حبسه، بينما لم يشترط ذلك في حالات أخرى.
الغصن الأول
حالات اشتراط إثبات الاقتدار
يشترط لحبس المدين ثبوت قدرته على السداد مع امتناعه عن ذلك، ولا يعتبر المدين مقتدرا على الوفاء إذا قامت ملاءته كلية على أموال لا يجوز الحجز عليها أو بيعها. لذلك لا يجوز حبس المدين كقاعدة عامة إلا في إحدى الحالات التي نص عليها قانون التنفيذ وهي:
أولا: عرض المدين تسوية غير مناسبة خلال المدة المحددة:
بالرجوع إلى المادة (155) نجد أن الفقرة الأولى منها توجب على المدين بعد تبليغه إخطار التنفيذ أن يراجع دائرة التنفيذ ويعرض عليها تسوية تتناسب مع مقدار الدين من جهة ومقدرته المالية لدفع ما هو مستحق في ذمته من المبالغ المحكوم بها عليه من جهة أخرى. أي أن يكون هناك نوع من التوازن، فليس من المعقول أن يعرض المدين نسبة أكبر من قدرته المالية. وقد يكون العرض تأمينات إضافية بالإضافة إلى طلب تقسيط الدين.
وتشتمل ورقة إخطار التنفيذ وفق المادة (9/2) من قانون التنفيذ على تكليف المدين بالوفاء بالتزامه خلال سبعة أيام من تاريخ التبليغ، ما لم يكن الشيء يخشى تلفه أو ضياعه فيكون الميعاد يوما واحد، لذلك عليه خلال هذه المدة مراجعة دائرة التنفيذ وعرض التسوية، فإن لم يفعل كان للدائن طلب حبسه. ومع ذلك يجوز للقاضي إذا اقتنع بأن المدين لم يراجع الدائرة خلال المدة المذكورة لعذر مشروع؛ أن يمنحه مدة أخرى.
ووفق المادة (155) من قانون التنفيذ، إذا لم يعرض المدين تسوية مناسبة، أو طلب تقسيط الدين لمدد لم يوافق عليها المحكوم له، فعلى قاضي التنفيذ أن يأمر بمثول الطرفين لجلسة يحددها لسماع أقولاهما تسمى جلسة اقتدار.
وفي الجلسة المعينة لذلك يباشر قاضي التنفيذ بحضور المحكوم له تحقيقا مع المدين للتأكد من مدى مقدرته على دفع المبالغ المحكوم بها؛ ومعرفة أمواله المنقولة وغير المنقولة ومصادر دخله؛ وطبيعة عمله؛ وعدد أفراد أسرته التي ينفق عليها؛ وما إذا كان مدينا بديون أخرى. واكتشاف تصرفاته التي قام أو التي ينوي القيام بها بغرض تهريب أمواله من وجه الدائن للحيلولة دون تمكينه من استيفاء الدين منها؛ أو عزمه الفرار ليتجنب أداء الدين المستحق عليه.
ولقاضي التنفيذ استجواب الدائن وسماع الشهود إذا رأى ضرورة لسماع شهادتهم؛ مع اليمين أو بدونها لاستجلاء حقيقة وضع المدين وظروفه المادية، سواء حضر المدين أو لم يحضر.
فإذا ثبت له أن المدين قادر على الدفع يقرر إلزامه بذلك، فإذا لم ينصاع جاز بناء على طلب الدائن أن يصدر قرارا بحبسه لمدة تتناسب مع المبلغ المحكوم به.
أما إذا تبين له عدم اقتدار المدين على الوفاء، فيمكن أن يزيد القسط؛ أو يطلب من المدين تقديم تسوية أفضل. فإن لم يكن هناك إمكانية لا يجوز تعديل التسوية المقترحة ولا يجوز للدائن طلب حبس المدين. ولم يحدد القانون نسبة معينة من مقدار الدين كدفعة أولى لقبول عرض التسوية ما ترك المجال للمدين لعرض مبالغ زهيدة في سبيل تقسيط المبلغ المحكوم به لمدة طويلة. في حين تلافى قانون التنفيذ الأردني لسنة 2007 ذلك في المادة 22/1 منه حيث اشترط أن يكون مقدار الدفعة الأولى من العرض لا يقل عن 25% من قيمة المبلغ المحكوم به ضمانا لجدية التسوية، ونرى أن لقاضي التنفيذ وفق سلطته التقديرية أن يأخذ بذلك؛ ونقترح أن ينص المشرع على ذلك صراحة بتعديل نص المادة 155 من قانون التنفيذ.
ولكن السؤال هنا، لو تحسنت أحوال المدين أو تعثرت أوضاعه المالية بعد التسوية وموافقة الدائن عليها والتصديق عليها من القاضي، هل يجوز إجراء تعديل على هذه التسوية؟
لم يعالج قانون التنفيذ هذه الحالة، ولكننا نرى أنه لا يوجد ما يمنع تعديل هذه التسوية لتتناسب مع تبدل المقدرة المالية للمحكوم عليه بحيث تتناسب التسوية الجديدة مع أحوال المدين الجديدة.
ويجدر التنويه هنا إلى أن المادة 220 من قانون التجارة تنص على أنه لا يجوز منح أي ميعاد قضائي أو قانوني للوفاء بقيمة الورقة التجارية، وهو ما يثير السؤال: هل يجوز لقاضي التنفيذ أن يقبل طلب المنفذ ضده للمطالبة بقيمة ورقة تجارية عرض تسوية أو تقسيط المبلغ رغم وجود نص لا يجيز منحه أي ميعاد قضائي؟
وللإجابة على هذا السؤال، نرى أن نص المادة 220 هو نص يتضمن قاعدة خاصة أي حكما خاصا بالأوراق التجارية ويهدف إلى ضمان الثقة بها وحمايتها، في حين أن المادة 155 من قانون التنفيذ التي تجيز للمدين عرض تسوية تتضمن قاعدة عامة أي حكما عاما، والقاعدة القانونية تقضي بأن النص الخاص يقيد النص العام ويعتبر استثناء منه، لذلك نرى عدم جواز قبول تسوية أو تقسيط لقيمة الورقة التجارية ولذلك لا جدوى من البحث في مسألة اقتدار المدين أو عدم اقتداره في حالة كون المبلغ المطالب به هو قيمة ورقة تجارية.
ويؤيد ذلك أن المشرع أوجب عند إصدار الشيك أن يكون مقابل الوفاء موجودا في الحساب لدى البنك المسحوب عليه، ورتب على عدم وجود الرصيد ارتكاب الساحب جريمة جزائية، ولا يرد القول بمعاقبة المدين الساحب جزائيا لعدم وجود قيمة الشيك في البنك؛ وبين جواز تقسيط قيمة الشيك من قبل قاضي التنفيذ.
ثانيا: إذا تبين لقاضي التنفيذ بناء على بينة شفهية أو خطية ونتيجة لما باشره من تحقيقات وفقا للمادة (155):
- أن المدين كان يملك أو أنه وصل ليده منذ صدور الحكم ما يكفي لتمكينه من دفع المبالغ المحكوم بها عليه؛ أو ما تبقى منها بلا دفع أو من دفع قسط من دين مستحق الأداء بمقتضى ما تعهد به في الإجراء، وبأنه رفض أو أهمل الدفع.
- أن المدين وهب أو نقل أو سلم للغير شيئا من أمواله أو سمح لغيره بإجراء ذلك أو وضع شيئا من أمواله تأمينا لدين أو أخفاه مما أدى إلى منع الدائن من استيفاء ما حكم له به كليا أو جزئيا. فالأولى بالمدين أن يقوم بسداد دينه لذلك فإن تصرفه هذا بتقليل قدرته المالية على السداد يعد ضربا من ضروب تهريب الأموال بقصد الإضرار بالدائن وحرمانه من استيفاء حقه، لذلك يستحق الحبس. ومن حق الدائن إثبات تصرفات المدين هذه واقتداره بكافة طرق الإثبات.
- أن المدين ينوي الفرار في حين أنه لم يكشف عن أموال له واقعة ضمن اختصاص محاكم البلاد تكفي لوفاء الدين المحكوم به أو لم يعط كفالة على دفعه. فمغادرة البلاد تضر بالدائن وتحرمه من استيفاء دينه، لذلك فإن تركه يسافر فيه تفريط في حق الدائن. ومن حق المحكوم له إثبات نية المحكوم عليه مغادرة البلاد بكافة طرق الإثبات كصورة تأشيرة سفر أو تذكرة سفر.
ويشترط في هذه الحالة أن يثبت اقتدار المدين على الدفع حتى يجوز طلب حبسه، فالمدين غير المقتدر على الوفاء لا جدوى من حبسه. غير أنه وفق المادة 162 من قانون التنفيذ، لا يكلف الدائن بالتحري عن أموال المدين الكافية لدينه ليحق له طلب حبسه، ولكن للمدين أن يطلب سحب قرار الحبس بكشف وإظهار أمواله التي تكفي لوفاء دينه.
الغصن الثاني
حالات حبس المدين دون الحاجة لإثبات الاقتدار
نصت المادة (161) من قانون التنفيذ على أنه لا حاجة لطلب إثبات اقتدار الأشخاص المذكورين فيها عند طلب حبسهم وذلك بسبب وضوح الحالة المادية للشخص أو بسبب طبيعة الدين وكونه لا يحتمل أي مبررات لإثباته، وهم:
أولا: الذين صدق كاتب العدل على اقتدارهم والذين كفلوا المدين في دائرة التنفيذ. فكاتب العدل كجهة رسمية لا يصادق على كفالة إذا لم يكن الكفيل قادرا على الوفاء بها والتثبت من ذلك، لذلك فإن هذه المصادقة كافية بحد ذاتها للتنفيذ بالحبس دون نقاش ولا حاجة لإثبات الاقتدار مرة أخرى. وكذلك الحال بالنسبة للكفالة المصادق عليها من الغرفة التجارية، والقول بغير ذلك يجعل الكفالة عديمة الجدوى.
ثانيا: المحكوم عليه بالحقوق الشخصية الناشئة عن جرم دون حاجة لإثبات اقتداره. لأن نوع هذه الديون المحكوم بها يبرر أن يتم الحبس في حالة عدم الدفع دون الالتفات للاقتدار.
ولا يشترط أن يكون الجرم مما يقع تحت طائلة قانون العقوبات فقط، بل كل جرم يمكن أن يقع تحت طائلة أي قانون جزائي آخر كقانون السير ما دام الفعل الذي سبب الضرر يعتبر جرما جزائيا في نظر القانون.
كما لا يشترط أن تكون هذه الحقوق الشخصية قد حكمت بها المحكمة الجزائية تبعا لدعوى الحق العام عملا بالمادتين 194 و195 من قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001، بل يمكن أن تفصل فيها المحكمة المدنية حسب اختصاصها الأصلي.
ويدخل في مفهوم التعويض عن الضرر الناتج عن الجريمة إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الجرم الجزائي عملا بالمادة (43/1) عقوبات، كإعادة المال المسروق أو الذي جرت إساءة الائتمان عليه إلى صاحبه، وهدم المباني التي تم تشييدها خلافا للقانون والأنظمة.
ثالثا: المحكوم عليه بنفقة للزوجة أو الأصول أو الفروع أو الأقارب إذا امتنع عن دفعها دون حاجة لإثبات اقتداره. فطبيعة هذه المبالغ وكونها تؤثر في الاستقرار الاجتماعي المتعلق بحقوق الأسرة في المقام الأول والتي يحميها القانون ويتشدد في تطبيق النصوص المتعلقة بها. وقد أصبحت هذه الدعاوى من اختصاص دائرة التنفيذ الشرعية بعد إنشاء هذه الدائرة بموجب القرار بقانون رقم 17 لسنة 2016 بشأن التنفيذ الشرعي. (3)
رابعا: المدين بدين ناشئ عما له مقابل ما في حوزة المدين كثمن البيع أو التأمين أو العربون فلا حاجة لإثبات اقتداره لأن الدين ثابت الوجود لا خلاف حول تحقق حيازة المدين له. فوجود مقابل لذلك الدين في ذمة المدين قرينة قوية على قدرته على الوفاء بالدين. لذلك يشترط أن لا يكون المقابل قد هلك لأنه بهلاك المقابل تنتفي القرينة والقدرة على الوفاء.
خامسا: حبس المدين لعدم تسليم الشيء المعين واجب التسليم عملا بالمادة 64 من قانون التنفيذ، فإذا صدر حكم قضائي بإلزام المحكوم عليه بتسليم شيء وامتنع عن تسليمه برضاه، ولم يكن ذلك الشيء ظاهرا للعيان، لقاضي التنفيذ بناء على طلب المحكوم له أن يقرر حبس المحكوم عليه إذا اقتنع أن بمقدوره التسليم. أما إذا كان عدم التسليم ناشئا عن سبب لا يد للمدين فيه بأن كانت هناك أسباب خارجة عن إرادته تحول دون التسليم كهلاك الشيء أو ضياعه فلا يسوغ حبسه. غير أن مدة الحبس غير محددة في المادة 64 فقد تطول وتستمر حتى يرضخ المحكوم عليه ويقوم بتسليم ذلك الشيء، فلا يسري عليها الحد الأعلى للحبس وهو 91 يوما.
سادسا: إذا لم يراجع دائرة التنفيذ ويعرض تسوية لوفاء دينه خلال المدة المحددة لذلك في ورقة الإخبار فإن ذلك يعبر عن استهتار بالدائن وعدم مبالاة بما ورد في الإخطار من ضرورة الدفع ويكون جديرا بالحبس دون حاجة لإثبات يساره، لأنه فوت على نفسه فرصة إثبات عدم اقتداره على دفع المبلغ دفعة واحدة، ولا يقبل منه تقديم طلب للتقسيط بعد ذلك خارج المدة المحددة في الإخطار.
الفرع الثاني
الأشخاص الذين يجوز حبسهم
الأصل أن الحبس جائز بحق الأشخاص المحكوم عليهم في إحدى الحالات التي سبق بيانها، دون تمييز بين المواطن والأجنبي؛ ولا بين الرجل والمرأة، أو الموظف وغير الموظف؛ سواء كان من الموظفين المدنيين أو العسكريين.
غير أن المشرع استثنى بعض الأشخاص من قرار الحبس؛ إما بصورة مطلقة أو لموانع مؤقتة.
الغصن الأول
الاستثناءات المطلقة
نص المشرع في المادة 163 من قانون التنفيذ، على استثناء بعض الأشخاص من قرار الحبس على سبيل الحصر، لاعتبارات إنسانية تتعلق بشخص المدين فنص على أنه، لا يصدر قرار بالحبس بمقتضى هذا القانون على:
أولا: من لا يكون مسئولا بشخصه عن الدين كالوارث غير واضع اليد على التركة لأنه لا تركة إلا بعد سداد الديون، ولكن يجوز حبس الوارث الذي يضع يده على التركة ويتصرف فيها لأنه بوضع يده عليها يصبح مسئولا شخصيا وبالتالي يجوز حبسه عن الديون المتعلقة بها.(4)
كذلك لا يجوز حبس الولي والوصي. فالحبس التنفيذي لا يطبق إلا على شخص المدين المسئول أصلا عن الدين، ولا يطبق على المسئول عنه بصورة تبعية، لأن الحبس التنفيذي يتسم بالصفة الشخصية فهو وسيلة للضغط على شخص المدين؛ لإكراهه على تنفيذ التزامه.
المدين الذي لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره (5) والمعتوه والمجنون. والعبرة للسن حين التنفيذ وليس حين نشوء الالتزام، فإذا كان سن المدين عند نشوء الالتزام أقل من 18 سنة؛ كما لو كان عمره 17 سنة واستدان وحرر كمبيالة تاريخ استحقاقها بعد أن أتم 18 سنة وقدمها الدائن لدائرة التنفيذ بعد تاريخ استحقاقها يجوز حبسه. أما المعتوه والمجنون فلا يجوز حبسهما لعدم الجدوى من هذا الحبس وانتفاء الغاية التي توخاها المشرع منه؛ لعدم وعيهما كنه الحبس وهي إكراه المدين على الوفاء، فإذا شفيا من حالة العته أو الجنون جاز حبسهما. ولم ينص المشرع على استثناء السفيه وذي الغفلة لأنهما يدركان الغاية من الحبس لذلك يجوز حبسهما.
ثانيا: المدين المحكوم بدينه بين الزوج وزوجته أو لأجل دين محكوم به للفروع على الأصول. وقد راعى المشرع في هذه الحالة حفظ وصيانة روابط العائلة من الحقد والضغينة، ويقصد بالفروع أولاد الدائن وأولادهم وإن نزلوا، أما الأصول فهم الأب والجد وإن علا؛ والأم والجدة وإن علت، ولم يشمل المنع الأخ لذلك لا مجال لاستثنائه من الحبس لعدم جواز قياسه.
ثالثا: عدم تقديم الدائن طلبا بحبس المدين، وهذا المنع نصت عليه المادة 156 من قانون التنفيذ، إذ لا يجوز حبس المدين إلا بناء على طلب من الدائن.
رابعا: عدم جواز حبس المدين خلال مهلة الإخطار، عملا بالمادة 9/3 من قانون التنفيذ، لأنه لا يجوز لدائرة التنفيذ مباشرة إجراءات التنفيذ الجبري؛ ومنها إصدار أمر بالحبس، إلا بعد انقضاء مدة الإخطار؛ وعدم مبادرة المدين بالتنفيذ اختيارا خلال هذه المدة.
خامسا: ويلاحظ أن القانون لم يستثن موظفي الحكومة من الحبس كما كان الحال في المادة 130/3 من قانون الإجراء الملغى، علما بأن حبس الموظف يؤدي إلى انقطاعه عن العمل وقد يؤدي إلى فقدان وظيفته، وأنه يمكن الحجز على جزء من راتبه وفق النسب المقررة. ومع ذلك لا يجوز حبس الموظف والشخص الذي يتقاضى معاشا تقاعديا؛ عملا بمفهوم بالمادة 51 من قانون التنفيذ التي لا تجيز الحجز على الرواتب والمعاشات إلا بمقدار الربع، لأن هذا الجزء من الراتب ظاهر للكافة ويجوز للدائن الحجز عليه اقتضاء لدينه، وأما الباقي من الراتب فلا يجوز التنفيذ عليه وبالتالي لا يجوز الحبس ابتداء لمن كانت أمواله ظاهرة كالموظف ومتقاضي المعاش.
الغصن الثاني
الاستثناءات المؤقتة
بالإضافة إلى الاستثناءات المطلقة من قاعدة جواز حبس المدين، هناك استثناءات مؤقتة يترتب على وجودها منع تطبيق الحبس بحق من توافرت فيه ما دامت قائمة؛ وهذه الاستثناءات هي:
أولا: ما نصت عليه المادة 159 من قانون التنفيذ بأنه: لقاضي التنفيذ أن يقرر تأجيل حبس المدين إلى أجل آخر إذا ثبت لديه تقرير طبي عن لجنة طبية رسمية مختصة أن المدين الذي تقرر حبسه لعدم الوفاء بالدين المحكوم عليه لا يتحمل معه السجن بسبب مرضه. فإذا شفي من مرضه وأصبح في وضع صحي يتحمل معه الحبس لا مانع من حبسه.
ثانيا: ما نصت عليه المادة 157/1 بعدم جواز حبس المدين مدة تزيد عن واحد وتسعين يوما في السنة الواحدة مهما بلغ الدين أو تعددت الديون.
ثالثا: ما نصت عليه المادة 158 بعدم جواز حبس المدين ثانية من أجل نفس الدين بعد الإفراج عنه بموافقة المحكوم له، فإذا وافق الدائن على الإفراج عن المدين المحبوس لا يجوز له بعدها طلب حبسه ثانية من أجل ذات الدين.
رابعا: ما نصت عليه المادة 158 بعدم جواز حبس المدين ثانية من أجل نفس الدين بعد الإفراج عنه لانتهاء مدة الحبس المحكوم بها عليه.
ويلاحظ أن قانون التنفيذ لم يعالج حالة حبس المرأة الحامل كسبب لتأجيل الحبس إلى ما بعد ولادتها، كما هو الحال في المادة 402 من قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001 التي أجازت تأجيل تنفيذ العقوبة حتى تضع حملها وتمضي مدة ثلاثة أشهر على الوضع.
وكذلك حالة حبس الزوجين معا خاصة عندما يكون لهما أطفال صغار يعتمدون عليهما في الإعالة والرعاية. كما هو الحال في المادة 405 من قانون الإجراءات الجزائية التي أجازت تأجيل تنفيذ العقوبة على أحدهما حتى يفرج عن الآخر وكان لهما محل إقامة معروف في فلسطين.
ولكن نظرا للتشابه بين الحبس التنفيذي كوسيلة إكراه والحبس الجزائي كعقوبة من حيث تأثير الحبس على جسد المرأة الحامل صحيا؛ واتحاد العلة في الحالتين، وما دام الحبس التنفيذي أمرا جوازيا لقاضي التنفيذ، يقرره عندما يرى أن هناك أسبابا وجيهة تبرر تطبيقه بحق المدين لحمله على أداء الدين المحكوم به عليه، فإن له أن يراعي الأسباب الإنسانية التي تحقق العدالة للدائن والمدين معا، بحيث لا ينشأ عن الحبس ظلم اجتماعي قد يتعذر إصلاحه.
كما لم يعالج حالة المدين المفلس أثناء معاملات الإفلاس أو المدين طالب الصلح الواقي، كما هو في المادة 23/4 من قانون التنفيذ الأردني. رغم أنه وفق المادة 327 من قانون التجارة؛ يترتب على القرار الصادر بشهر إفلاس التاجر تخلي المفلس عن إدارة أمواله لوكيل التفليسة ويمتنع على أي دائن وفق المادة 329 مخاصمة المفلس ومقاضاته وملاحقته شخصيا منذ صدور القرار المذكور، ويزول المنع في حالتي اتحاد جميع الدائنين وفق المادة 421/4، ورد الاعتبار وفق المادة 466 من قانون التجارة. غير أنه لما كانت غاية المشرع من الحبس التنفيذي هي إجبار المدين على الوفاء؛ وكان المفلس قد تخلى عن إدارة أمواله ولم يعد قادرا على التصرف فيها، فإن ذلك يمنع من حبسه تنفيذيا لذلك نقترح على المشرع أن ينص على هذه الحالة صراحة أسوة بالمشرع الأردني.
وكذلك الحال في الصلح الواقي حيث وفق المادة 294/6 من قانون التجارة ابتداء من تاريخ طلب الصلح حتى تاريخ اكتساب الحكم المتضمن تصديق الصلح قوة القضية المقضية، لا يجوز لأي دائن بيده سند تنفيذي سابق بالتاريخ على تاريخ الحكم بتصديق الصلح أن يباشر أو يتعقب أي معاملة تنفيذية بحق المدين بين التاريخين السابقين، تحقيقا للمساواة بين الدائنين حتى لا يتسابقوا في مقاضاة المدين والتنفيذ على أمواله فيكون ذلك سببا لتمييز بعضهم عن بعض في استيفاء ديونهم دون سبب قانوني.
المطلب الثالث
مدة الحبس
السلطة المختصة بحبس المدين هي قاضي التنفيذ بناء على طلب الدائن المحكوم له.
وتختلف مدة الحبس وفق المادة 157 من قانون التنفيذ تبعا لقيمة الدين، حيث نصت على أنه:
- لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس تنفيذا لأي قرار يصدره قاضي التنفيذ عن (91) يوما، وأن لا يتجاوز مجموع مدد الحبس عن (91) يوما في السنة الواحدة مهما بلغ الدين أو تعددت الديون.
- لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس عن (21) يوما إذا كان المبلغ المحكوم به لا يتجاوز خمسمائة دينار، وإذا تقرر تقسيط الدين المحكوم به فلا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس (21) يوما عن كل قسط يتخلف المدين عن دفعه.
ويتبين من هذا النص أنه حدد الحد الأقصى لمدة حبس المدين، في حالتين؛ الحالة الأولى (21) يوما إذا كان المبلغ المحكوم به لا يتجاوز (500) دينار، والحالة الثانية هي (91) يوما إذا كان المبلغ المحكوم به يزيد على (500) دينار.
وفي كلتا الحالتين يقدر قاضي التنفيذ مدة الحبس بما يتناسب مع مقدار المحكوم به؛ فهذه المدة هي المدة القصوى للحبس بحيث لا يجوز تجاوزها؛ ولكن يمكن للقاضي الحكم بمدة أقل منها في حالة كون الدين مبلغا صغيرا، كالحكم بالحبس لمدة أسبوع أو عدة أيام إذا كان المبلغ مائة دينار، أو الحكم بالحبس لمدة (30) يوما إذا كان المبلغ (900) دينار مثلا.
وإذا كان مبلغ الدين المحكوم به كبيرا، وقررت المحكمة أو قاضي التنفيذ تقسيطه، فإن كل قسط من هذه الأقساط يعد وفق المادة (158/2) دينا مستقلا، ولكن في هذه الحالة لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس (21) يوما عن كل قسط يتخلف المدين عن دفعه.
ويلاحظ على نص المادة 157/1 أنها نصت على عدم جواز أن تتجاوز مدة حبس المدين (91) يوما مهما بلغ الدين وتعددت الديون. في حين كانت المادة (121) من قانون الإجراء الملغى تنص على أن لا يزيد مجموع مدة حبس المدين عن واحد وتسعين يوما في السنة الواحدة مهما تعدد الدين أو الدائنون.
لذلك يفهم من إغفال المشرع النص على تعدد الدائنين في المادة 157 المذكورة، أن المقصود بتعدد الديون حالة تعددها للدائن الواحد في حالة تقسيط المبلغ المحكوم به وفق المادة 158/2، لذلك يجوز حبس المدين لدين لشخص آخر ولو كان قد حبس مدة 91 يوما في السنة. فكل دائن مستقل بدينه وله حق طلب حبس مدينه المحكوم عليه دون التفات لمدة حبسه عن دين غيره من الدائنين.
على أنه وفق نص المادة 158/1 لا يجوز حبس المدين ثانية من أجل نفس الدين بعد الإفراج عنه سواء بموافقة المحكوم له أو لانتهاء مدة الحبس المحكوم بها عليه، لأن الحبس لإجبار المدين على الوفاء بالتزامه، وطالما تم تنفيذ الحبس كاملا؛ ولم يبادر للوفاء بالتزامه فإن ذلك قرينة على عجزه عن الوفاء ولا مبرر لحبسه ثانية عن ذات الدين.
وقد ثار خلاف حول مسألة جواز تكرار حبس المدين كل سنة طالما لم يتم تسديد الدين من قبله، فذهب رأي إلى أنه إذا أكمل المدين مدة الحبس فلا يجوز حبسه ثانية من أجل ذات الدين الذي سبق أن حبس من أجله، حتى بعد انقضاء السنة التي حبس خلالها، لأن النص جاء مطلقا.
بينما ذهب رأي آخر إلى أن عدم جواز الحبس مرة ثانية يقتصر على السنة التي حبس فيها فقط، أي أن المقصود هو أن مدة الحبس القصوى في السنة الواحدة هي 91 يوما، فهذه المدة ليست مدة محكومية جزائية حتى تنقضي، بل هي مدة حبس تنفيذي تتكرر سنويا طالما لم يتم تسديد المبلغ المحكوم به. (6)
ونحن نرى أن تفسير نص الفقرة الأولى من المادة 158 يرتبط بما جاء في الفقرة الأولى من المادة 157 السابقة عليها، التي نصت صراحة على عدم جواز أن تتجاوز مدة الحبس 91 يوما في السنة الواحدة، بمعنى أنه لا يجوز حبس المدين ثانية من أجل ذات الدين في السنة الواحدة، بعد الإفراج عنه سواء بموافقة المحكوم له أو لانتهاء مدة الحبس المحكوم بها عليه، ولو كانت المدة الأولى أقل من 91 يوما، وهو ما حسمه المشرع الأردني في المادة (22/ج) من قانون التنفيذ رقم 25 لسنة 2007 بالنص صراحة على أنه ( لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس تسعين يوما في السنة الواحدة عن دين واحد ولا يحول ذلك دون طلب الحبس مرة أخرى بعد انقضاء السنة). ونقترح أن يحسم المشرع الفلسطيني هذه المسألة صراحة بتعديل المادة 158 من قانون التنفيذ.
تنفيذ الحبس وإجراءاته:
يحق لكل دائن بأحد الالتزامات التي يجوز فيها الحبس أن يطلب حبس المدين، كما يحق ذلك أيضا لورثته ولكل من انتقل الحق إليه بحوالة أو هبة أو وصية؛ لأنهم يتلقون الحق مع وسائل ضمان تنفيذه، مع مراعاة الموانع التي نصت عليها المادة 163 من قانون التنفيذ.
ويجوز أيضا للمدين المتضامن الذي وفى الدين للمحكوم له أن يعود على كل مدين متضامن آخر في حدود حصته من الدين لأن الدين ينقسم بينهم، فإن رفض الوفاء يجوز أن يطلب حبسه عملا بنظرية الحلول القانوني.
ويقدم طلب الحبس إلى قاضي التنفيذ، ولا يجوز لقاضي التنفيذ أن يقرر حبس المدين إلا بعد انقضاء المدة المحددة في ورقة الإخبار التنفيذي المتضمنة تكليفه بالوفاء في تلك المدة.
ويحق للمدين أن يعترض على الحبس بطلب يقدم لقاضي التنفيذ يوضح فيه الأسباب التي يستند إليها في استرداد قرار الحبس والإفراج عنه، وهذا الاعتراض جائز سواء بدء تنفيذ الحبس أم لا. كما يحق للمدين أن يطعن في قرار قاضي التنفيذ المتضمن حبسه لدى محكمة الاستئناف.
المطلب الرابع
انقضاء الحبس
ينقضي الحبس بما يلي:
- الوفاء بالدين، أو دفع القسط المستحق، سواء قام المدين بالدفع؛ أو أي شخص آخر؛ ولو لم تكن له مصلحة في الوفاء، وسواء كان دون علم المدين أو رغم إرادته. على أنه يجوز للدائن أن يرفض الوفاء من الغير إذا اعترض المدين على ذلك وأبلغ الدائن اعتراضه. (المادة 164).
- كشف المدين عن أموال له تكفي لوفاء الدين المحكوم به عليه أو المقدار الباقي منه بلا دفع. (المادة 164).
- اكتمال مدة الحبس الواردة في المادة 157، حيث لا يجوز حبسه ثانية من أجل ذات الدين. (المادة 158).
- موافقة المحكوم له بالإفراج عن المدين بأية صورة كانت حيث لا يجوز طلب إعادة حبسه مرة أخرى من أجل ذات الدين حتى لو اشترط عند إخلاء سبيل المدين شروطا لم يقم المدين بتنفيذها، حيث لا يجوز تعليق الإفراج على شرط لتعلق ذلك بالحرية الشخصية.
- يجوز الإفراج المؤقت عن المدين الذي تقرر حبسه إذا استأنف قرار الحبس عملا بالمادة (5/5) من قانون التنفيذ على أن يقدم كفيلا يوافق عليه قاضي التنفيذ.
غير أن حبس المحكوم عليه والإفراج عنه لا يؤثر في حق المحكوم له في استيفاء دينه من أموال المحكوم عليه والاستمرار في طرق التنفيذ الأخرى؛ وهو ما نصت عليه (المادة 160) من قانون التنفيذ.
المبحث الثاني
المنع من السفر
يعد منع المدين من السفر من الطلبات المستعجلة؛ وهو إجراء تحفظي يقصد به الدائن المحافظة على حقوقه المهددة بالضياع خشية مغادرة المدين بعد التصرف في أمواله أو تهريبها للخارج؛ بهدف الحيلولة دون التنفيذ عليها.
ولم ينظم المشرع في قانون التنفيذ مسألة منع المدين المطلوب التنفيذ ضده من السفر؛ كوسيلة لإكراهه على التنفيذ، لذلك تطبق أحكام المادتين 111و227 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 اللتان حددتا حالات المنع من السفر.
ونبين إجراءات إصدار أمر المنع من السفر، وحالاته في مطلبين.
المطلب الأول
إجراءات إصدار أمر المنع من السفر
يعتبر طلب منع المدين المنفذ ضده من السفر من الطلبات المستعجلة، لذلك فإنه وفق المادة 103 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، يجب على الدائن الذي بيده سند تنفيذي، ويرغب في منع مدينه من السفر، أن يقدم طلبا إلى قاضي التنفيذ الذي يقع موطن المدين في دائرته؛ بصفته قاضيا للأمور المستعجلة يطلب فيه منع مدينه من السفر. ويقدم الطلب إلى قلم دائرة التنفيذ مرفقا بالسند التنفيذي الذي يدل على وجود حق لطالب المنع.
ولم تبين المادتان 111 و277 البيانات التي يجب أن يتضمنها طلب المنع من السفر، لذلك يمكن تطبيق حكم المادة 52 من ذات القانون على بيانات الطلب؛ وبما يتناسب مع طلب المنع من السفر، بحيث يتضمن الطلب اسم دائرة التنفيذ المقدم لها، واسم الدائن المستدعي طالب المنع وموطنه، واسم المدين المستدعى ضده المطلوب منعه من السفر وموطنه وعمله، وموضوع الطلب وهو منع المستدعى ضده من السفر، مع بيان الوقائع المبررة للمنع من السفر، والسند التنفيذي الذي يستند إليه في الطلب، وتوقيع المستدعي وتاريخ تقديم الطلب.
ويخضع إصدار أمر المنع من السفر لسلطة قاضي التنفيذ التقديرية، والذي له؛ وفق المادة 111 من قانون الأصول، إذا اقتنع بطلب المستدعي أن يكلفه بتقديم كفالة مالية لضمان ما قد يصيب المستدعى ضده من عطل أو ضرر إذا تبين أنه غير محق في دعواه.
المطلب الثاني
حالات المنع من السفر
تنص المادة 277 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية على أنه (إذا اقتنعت المحكمة بناء على ما قدم إليها من بينات بأن المدعى عليه …… قد تصرف بجميع أمواله أو هربها إلى خارج فلسطين وأنه على وشك أن يغادرها وذلك بقصد عرقلة تنفيذ أي قرار قد يصدر في حقه جاز لها أن تصدر مذكرة تأمره بالمثول أمامها وأن تكلفه بتقديم كفالة مالية تضمن ما قد يحكم به عليه، فإذا امتنع عن تقديم الكفالة تقرر منعه من مغادرة البلاد لحين الفصل في الدعوى).
ويتبين من هذا النص أنه يشترط لصدور أمر المنع من السفر شرطان:
- أن يكون المدين قد تصرف بجميع أمواله أو هربها إلى خارج فلسطين.
- أن يكون على وشك مغادرة فلسطين بقصد عرقلة تنفيذ أي قرار قد يصدر في حقه.
ويكون لقاضي التنفيذ في هذه الحالة، بناء على طلب الدائن طالب التنفيذ، إصدار مذكرة تأمر المدين المنفذ ضده بالمثول أمامه، وأن يكلفه بتقديم كفالة مالية تضمن تنفيذ التزامه الثابت في السند التنفيذي، فإذا امتنع عن تقديم الكفالة يقرر منعه من مغادرة البلاد لحين الفصل في الدعوى التنفيذية.
ونرى أن تصرف المدين بجميع أمواله أو تهريبها إلى الخارج يعد قرينة كافية لنيته على مغادرة البلاد، تبرر إصدار أمر منعه من السفر إذا لم يقدم الكفالة المطلوبة. أما إذا لم يتصرف بجميع أمواله أو يهربها خارج فلسطين فلا مبرر لمنعه من السفر، حيث يمكن الحجز على هذه الأموال واستيفاء الحق منها. كما نرى أن تصرف المدين في القسم الأكبر من أمواله أو تهريبها للخارج بحيث لم يعد ما بقي منها كافيا للوفاء بالدين المطلوب يأخذ حكم التصرف فيها جميعها، وذلك لمنع المدين من التحايل على القانون بترك بعض أمواله القليلة دون تصرف أو تهريب لتفادي منعه من السفر بادعاء أنه لم يتصرف أو يهرب جميع أمواله كما اشترط القانون.
وقرار منع السفر يكون مؤقتا لحين انتهاء إجراءات التنفيذ، فإذا تغيرت الظروف التي دعت لإصداره وقدم المدين الكفالة المطلوبة، أو أظهر أموالا تكفي للتنفيذ عليها، فإنه يجوز لقاضي التنفيذ الرجوع عن قراره بمنع سفر المدين.
(1)(1) تتجه التشريعات المعاصرة إلى إلغاء نظام حبس المدين الممتنع عن الوفاء بدينه، لعدة اعتبارات هي:
- الاعتبار القانوني، ويستند إلى أن العلاقة بين الدائن والمدين في التشريعات الحديثة هي علاقة بين ذمتين ماليتين وليس بين شخصين، ولذلك فإن الوفاء بما على الإنسان من ديون يجب أن تضمنه أمواله لا شخصه، فإذا امتنع المدين عن الوفاء الاختياري بدين عليه، فإن الدائن ينفذ على أمواله وليس على شخصه.
- الاعتبار الاقتصادي، ومفاده أن الحبس التنفيذي يعطل نشاط المدين وهذا الأمر ليس في مصلحة الدائن، لأن ترك المدين حرا يمارس نشاطه قد يمكنه من الحصول على عمل وبالتالي على دخل يفي به دينه.
- الاعتبار الأدبي، أو الإنساني، ومفاده أن التنفيذ على شخص المدين يتنافى مع كرامته الإنسانية ويهدر آدميته.
عباس العبودي، شرح أحكام قانون التنفيذ، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2007، صفحة 160.
أما في الفقه الإسلامي فهناك اتفاق على عدم جواز حبس المدين المعسر عملا بالآية الكريمة 280 من سورة البقرة (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة). غير أن الفقهاء اختلفوا في جواز حبس المدين الموسر، فذهب أبو حنيفة إلى جواز حبسه باعتباره ظالما عملا بالحديث الشريف (مطل الغني ظلم)، بينما لم يجز كل من الإمام أحمد والشافعي هذا الحبس. وقد أخذ القانون برأي أبي حنيفة.
(2)(2) أديب استنبولي، تقنين أصول المحاكمات المدنية السوري في المواد المدنية والتجارية، الجزء الخامس، الطبعة الثانية، 1996، صفحة 235.
(3)(3) نشر هذا القرار بقانون في العدد 125 من الوقائع الفلسطينية بتاريخ.29/6/2016.
(4)(4) عبد الرزاق رشيد أبو رمان، حبس المدين في قانون الإجراء الأردني، طبعة أولى، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان، 1999، صفحة 79.
(5)(5) وضع المشرع حدا أدنى لعمر الشخص الذي لا يجوز حبسه وهو أقل من ثمانية عشرة سنة، ولكنه لم يضع حدا أعلى كما في بعض التشريعات ومنها نص الفقرة الثانية من المادة 41 من قانون التنفيذ العراقي على منع حبس من جاوز عمره الستين، وذلك مراعاة لشيخوخته وكبر سنه.
(6)(6) راد عبد الحميد، المرجع السابق، صفحة 354.