إصدار الحكم
تنص المادة 168 على أنه ” تصدر الأحكام بإجماع الآراء أو بالأغلبية فإذا لم تتوافر الأغلبية وتشعبت الآراء لأكثر من رأيين وجب أن ينضم الفريق الأقل عددا أو الذي يضم أحدث القضاة لأحد الرأيين الصادرين من الفريق الأكثر عددا وذلك بعد أخذ الآراء مرة ثانية ” .
تنتهي المداولة بأخذ الرأي بين القضاة ، وتبين هذه المادة أن الحكم يصدر بإجماع الآراء أو برأي الأغلبية ، فإذا لم يسفر أخذ الرأي في أول مرة عن أغلبية مطلقة، كما لو تشعبت الآراء إلى أكثر من رأيين ولم ينل أحدها الأغلبية ، أعيد أخذ الرأي فإن لم تسفر الإعادة عن أغلبية وجب على الفريق الأقل عددا أو الفريق الذي يضم أحدث الأعضاء أن ينضم إلى أحد الآراء ليصل به إلى الأغلبية.
فإذا كانت هيئة المحكمة مشكلة من ثلاثة قضاة ، وكان لكل قاض منهم رأيا مختلفا عن رأي القاضيين الآخرين ، وجب بعد إعادة أخذ الآراء إن لم تسفر الإعادة عن تعديل في الآراء ، أن ينضم العضو الأحدث – وهو عضو اليسار – إلى أي من العضوين الآخرين وهما رئيس الهيئة وعضو اليمين لترجيحه.
وإذا كانت الهيئة مشكلة من خمسة قضاة – كمحكمة النقض – وانقسمت الآراء فكان لعضوين رأي ولعضوين آخرين رأي ثان وللعضو الخامس رأي ثالث، وجب إعادة أخذ الآراء ، فإذا لم تسفر الإعادة عن أغلبية ، وجب على العضو المنفرد ولو كان رئيس الهيئة ، أن ينضم إلى أحد الرأيين الآخرين لترجيحه. وإذا لم يوجد فريق أقل عددا ، بأن استقل كل قاض برأي وتشعبت الآراء إلى خمسة وصمم كل واحد على رأيه بعد أخذ الآراء مرة ثانية ، وجب على العضو الأحدث أن ينضم إلى أي رأي من الآراء الأخرى ، وفي هذه الحالة لا توجد أغلبية بل يوجد فريق أكثر عددا ، فينضم إليه أحدث الثلاثة الباقين وبذلك تتوافر الأغلبية المطلوبة . ويسري ذلك أيضا إذا تشعبت الآراء إلى أربعة بأن اتفق قاضيان على رأي بينما انفرد كل من الثلاثة الباقين برأي مستقل، وفي هذه الحالة وبعد أخذ الرأي مرة أخرى وعدم توفر الأغلبية يجب أن ينضم العضو الأحدث من الثلاثة الباقين إلى الفريق الذي يضم عضوين وبذلك تتوافر الأغلبية.
وقد كانت المادة 185/2 من قانون أصول المحاكمات الحقوقية رقم 42 لسنة 1952 تنص على أن على القاضي المخالف أن يبين أسباب مخالفته في ذيل القرار ويوقعها ، غير أن المادة 167 محل البحث لا تتضمن نصا مماثلا ، لذلك يثور السؤال: هل نأخذ بما قضت به محكمة النقض المصرية من أن الحكم ينسب إلى هيئة المحكمة بكاملها سواء صدر بالأغلبية أم بالإجماع فلا يذكر فيه أنه صدر بالأغلبية ، ولا يكتب الرأي المخالف في ذيل الحكم .(1) باعتبار أن نص المادة 167 مأخوذ عن المادة 169 من قانون المرافعات المصري . أم أن الحكم وفق المادة 167 لم يختلف عما كان في ظل المادة 185/2 سالفة الذكر ؟
بالرجوع إلى أحكام محكمة النقض نجد أنها أخذت بالاتجاه الثاني فقررت أنه ( حيث إن الحكم المطعون فيه خلا من تدوين القاضي المخالف لمخالفته والأسباب التي يستند إليها فيكون القرار المطعون فيه باطلا ) .(2) بينما أصدر رئيس مجلس القضاء الأعلى رئيس المحكمة العليا تعليمات لقضاة المحاكم النظامية جاء فيها ( إن ما يسمى قرار المخالفة – أو الرأي المخالف – هو واجب الحفظ في ملفات الدعوى، لكنه لا يعتبر جزءا من الحكم القضائي، ولا تتم تلاوته أو طباعته أو إلحاقه بالحكم الصادر في الدعوى، وفي حال عدم الإجماع على الحكم القضائي يبين في الحكم الصادر عن هيئة المحكمة أنه حكم صادر بالأغلبية ) .(3)
ونحن لا نتفق مع أي من الاتجاهين على إطلاقه ، ونرى أنه يجب أن نفرق بين مسألتين :
المسألة الأولى صدور الحكم بالأغلبية ، وفي هذه الحالة يجب أن يذكر في الحكم أنه صدر بالأغلبية ، لأن عدم ذكر ذلك في الحكم يتعارض مع نص المادة 167 ، فلو أراد المشرع أن ينسب الحكم لكامل هيئة المحكمة سواء وجد رأي مخالف أم لا لنص على ذلك صراحة ، ولما أجاز وجود رأي مخالف أصلا ، فوجود الرأي المخالف هو ضمان الجدية لدى القضاة في المداولة ، وضمان احترام رأي القاضي ولو كان مخالفا للأغلبية ، كما أنه يفيد الخصوم عند الطعن في الحكم، فربما تأخذ به محكمة الطعن إذا وجدت أن أسانيده قوية ، وتوافرت مبررات إلغاء الحكم المطعون فيه.
المسألة الثانية تدوين أسباب المخالفة في ذيل الحكم ، ونرى بالنسبة لهذه المسألة أن ما ذهبت إليه محكمة النقض في حكمها المشار إليه ينسجم مع نص المادة 185/2 الملغاة ، ولكن نص المادة 167 الجديد لم يوجب على القاضي ذلك وسكت عن تنظيم هذه المسألة ، لذلك فإن عدم قيام القاضي المخالف ببيان أسباب مخالفته في ذيل الحكم لا يبطل الحكم ولا يعد سببا للطعن فيه . ذلك أن المشرع اكتفى بأن يذكر في الحكم أنه صدر بالأغلبية ، وترك للقاضي المخالف تقدير ما إذا كان من المناسب أن يدون أسباب رأيه كتابة في ذيل الحكم ، أم يكتفي بإبداء هذا الرأي في المداولة . بمعنى أن الحكم يكون صحيحا في الحالتين ، وسواء اكتفى القاضي المخالف بصدور الحكم بالأغلبية دون بيان رأيه في ذيل الحكم ، أم أنه كتب أسباب رأيه المخالف وألحقها بالحكم .
ويجدر الإشارة هنا إلى أنه إذا اشتمل النزاع على نقاط عدة يؤخذ الرأي بصدد كل نقطة على حدة ، إلا إذا بنيت على أساس قانوني واحد ، فيؤخذ الرأي بشأن تحديد هذا الأساس .
ويجب أن يحتفظ القاضي بصفته حتى صدور الحكم ؛ ولكل قاض الحق قانونا في أن يصر على رأيه أو يعدل عنه إلى وقت النطق بالحكم ، لذلك لا يعد الحكم قد صدر بانتهاء المداولة ، ولا يصير حقا للخصم الذي حرر لصالحه ، فيجوز لكل قاض إلى ما قبل النطق بالحكم أن يعدل عن رأيه ويطلب إعادة المداولة . كما أنه إذا توفي أحد القضاة أو زالت عنه صفته بعد إتمام المداولة وقبل النطق بالحكم ؛ وحل آخر محله ، وجب فتح باب المرافعة من جديد عملا بالمادة 170 من القانون .
وقد هدف المشرع من هذه الأحكام تحقيق سير العدالة ضمانا لمصلحة الخصوم، لذلك فإن مخالفة أي منها تعرض الحكم للبطلان وفقا للقاعدة العامة التي تفيد أن الإجراء يكون باطلا إذا نص القانون صراحة على بطلانه أو إذا شابه عيب لم تتحقق بسببه الغاية من الإجراء ( م/123/1) ، فيكون الحكم باطلا في الحالات التالية :
- إفشاء سر المداولة .
- اشتراك غير القضاة الذين أصدروا الحكم في المداولة، سواء كان المشترك قاضيا في ذات المحكمة ، أم شخصا من الغير ولو كان من رجال القانون ، بل ولو لم يعتد برأيه أو لم يحتسب عند أخذ الأصوات .
- إذا اشترك في المداولة بعض القضاة دون بعضهم الآخر .
- إذا توفي أحد القضاة أو فقد صفته لأي سبب من الأسباب قبل المداولة أو بعدها وقبل النطق بالحكم ، ولم يتم فتح باب المرافعة من جديد .
- إذا طلب أحد القضاة إعادة المداولة قبل النطق بالحكم ومع ذلك لم يجبه رئيس الهيئة إلى طلبه ، ولو كان رأي الطالب لا يؤثر في توافر الأغلبية المطلوبة قانونا لإصدار الحكم . وكذلك إذا عدل أحد القضاة عن رأيه بعد المداولة وقبل النطق بالحكم ، وكان رأيه مؤثرا في توافر الأغلبية المطلوبة قانونا لإصداره ، ومع ذلك نطق بالحكم بناء على المداولة دون إعادتها بناء على طلب القاضي .
(1) د. أحمد المليجي ج 3 ص 752-753.
(2) نقض مدني 154/2005 تاريخ 12/4/2006 ج 2 ص 254.
(3) منشور في العدد التاسع من عين على العدالة الصادرة عن مساواة في حزيران 2009 ص 61.