يعد طرفا في التنفيذ الشخص الذي يطلب اتخاذ إجراءات التنفيذ وينتفع منها وهو الدائن ويسمى طالب التنفيذ، أو تتخذ ضده إجراءات التنفيذ ويتحمل عبئا من ورائه وهو المدين ويسمى المنفذ ضده، غير أن طالب التنفيذ قد يتخذ إجراءات التنفيذ ضد شخص آخر غير المدين يسمى الغير. ولكن هذا الغير لا يعد طرفا في التنفيذ لا أصالة ولا نيابة، وإنما هو شخص ثالث له صلة بالمال محل التنفيذ تفرض عليه الاشتراك في التنفيذ دون أن يكون طرفا فيه، مثل المحجوز لديه في حجز ما للمدين لدى الغير والحارس القضائي.
وعلى ذلك فإن طرفا التنفيذ بوصفهما ركنا موضوعيا من أركان التنفيذ هما طالب التنفيذ؛ والمنفذ ضده، ونتناول كل واحد منهما في مبحث على التوالي.
المبحث الأول
طالب التنفيذ
طالب التنفيذ هو الشخص الذي يتقدم إلى دائرة التنفيذ بسند تنفيذي طالبا استيفاء الحق الثابت فيه باعتباره صاحبه. ويجب أن يتوافر في طالب التنفيذ الصفة والمصلحة والأهلية، ونوضح ذلك في المطالب التالية.
المطلب الأول
صفة طالب التنفيذ
نصت المادة (7) من قانون التنفيذ على أنه:
- يقدم طلب التنفيذ من صاحب الحق المحدد في السند التنفيذي أو ممن يقوم مقامه قانونا.
- تتولى النيابة العامة تعقب معاملة التنفيذ التي تعود للدوائر الحكومية.
ونصت المادة (12) منه على أنه:
- من حل قانونا أو اتفاقا محل الدائن في حقه حل محله فيما اتخذ من إجراءات التنفيذ.
- يطبق الحكم المنصوص عليه في البند (1) أعلاه على جميع الحالات التي يطرأ فيها عارض يحول بين الدائن وبين الاستمرار في متابعة الإجراءات كالغيبة وزوال الأهلية وزوال صفة من كان يمثله.
ويفيد نص هاتين المادتين أن الطرف الإيجابي في التنفيذ (طالب التنفيذ) هو من ورد في السند التنفيذي أنه صاحب الحق الموضوعي الثابت في السند، والذي يجري التنفيذ لصالحه على مال معين سواء كان دائنا عاديا أم مرتهنا أم ممتازا، ولا تظهر الأفضلية بين الدائن العادي وكل من الدائن المرتهن أو الممتاز إلا في نهاية التنفيذ عند توزيع حصيلته، حيث يستوفي هذا الدائن حقه قبل غيره من الدائنين العاديين.
ويشترط في طالب التنفيذ توافر الصفة، فيجب أن يكون طالب التنفيذ ذا صفة في إجراء التنفيذ، بأن يكون هو صاحب الحق في التنفيذ باعتباره صاحب الحق الموضوعي، ويتم التأكد من توافر شرط الصفة عن طريق السند التنفيذي، وتثبت الصفة بهذا المعنى لكل دائن، سواء كان دائنا عاديا أم مرتهنا أم ممتازا.
ويجب توافر الصفة كشرط ابتداء للتنفيذ، أي أن تكون الصفة ثابتة لطالب التنفيذ عند البدء بإجراء التنفيذ، وأن تستمر حتى الانتهاء، فلا يجوز بدء التنفيذ بطلب ممن ليس له صفة في طلبه؛ حتى لو أصبح له صفة في طلب التنفيذ في وقت لاحق. بمعنى أنه يجب أن يكون حق الدائن الحاجز ثابتا وقت الحجز، فإذا لم تكن له هذه الصفة كان الحجز باطلا، غير أنه يصعب تصور حدوث هذا الفرض لأن توقيع الحجز يسبقه اتخاذ مقدمات التنفيذ كالتبليغ وغير ذلك، ما لم يتم إلغاء السند التنفيذي الذي يباشر الحجز بموجبه بقرار قضائي، فهنا تزول الصفة ويزول تبعا لها ما تم من إجراءات الحجز.
وقد ينوب عن الدائن في مباشرة إجراءات التنفيذ من يقوم مقامه؛ كالولي أو الوصي أو القيم، أو وكيل التفليسة، أو النائب الاتفاقي كالمحامي والوكيل العادي سواء كانت الوكالة عامة أم خاصة. فلم يوجب قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية أو قانون ممارسة مهنة المحاماة في الوكيل الذي يباشر إجراءات التنفيذ أن يكون محاميا؛ إلا إذا نشأ عن التنفيذ إقامة دعوى لدى القضاء، ففي هذه الحالة تتبع القواعد العامة في وجوب أو عدم وجوب تمثيل الخصوم بواسطة المحامين طبقا لما نصت عليه المادة (61) من قانون أصول المحاكمات المدنية. وعلى من يطلب التنفيذ نيابة عن الدائن أن يثبت صفته من خلال إثبات ما يدل على صلته النيابية عن الدائن.
كما يجب توافر شرط الصفة في خلف الدائن طالب التنفيذ أيضا، سواء كان خلفا عاما أم خاصا؛ فإذا انتقل الحق من الدائن إلى غيره سواء بالبيع أو الهبة أو الحوالة أو الميراث أو الوصية أو غير ذلك من التصرفات، أصبح من انتقل إليه الحق هو صاحب الصفة. وعلى من يدعي أنه خلف للدائن أن يثبت ذلك قبل البدء بالتنفيذ.
أما إذا بدء السلف في التنفيذ ثم توفي الدائن أو تنازل عن حقه للغير، وانتقل الحق إلى الخلف؛ فإن الخلف يحل محله فيما اتخذه من إجراءات ويتابع الإجراءات من النقطة التي وصلت إليها لأن الحق في التنفيذ الذي يمثله السند التنفيذي ينتقل إلى الخلف كأثر لانتقال الحق الموضوعي، بما له من وسائل حماية، والغاية من ذلك هي تفادي طول الإجراءات وتكرارها دون مبرر وتفادي النفقات التي يتحملها المدين في نهاية الأمر.
فالقاعدة هي أن الحلول القانوني أو الاتفاقي يترتب عليه أن يستعمل المحال له ما بدأه الدائن من إجراءات؛ سواء أكانت إجراءات خصومة أم إجراءات تنفيذ، بشرط أن يبلغ المدين بتغيير الصفة والسند الذي يمنحه الحق في متابعة الإجراءات حتى لا يفاجأ المدين بزوال صفة من كان يباشر الإجراءات، كما لو بلغ القاصر سن الرشد فانقضت صفة الولي أو الوصي.
وإذا تعدد الحاجزون في حجز واحد يجب أن يتوافر شرط الصفة في كل حاجز منهم، لأن الحجز لا يترتب عليه إخراج المال عن ملك المدين؛ بل يظل في ذمته ضمانا عاما لكافة الدائنين، ولذلك يجوز توقيع حجوز أخرى على الأموال التي سبق حجزها، وتتوحد الإجراءات ويجري البيع في يوم واحد لجميع الدائنين الحاجزين.
كما أن للنيابة العامة صفة في طلب تنفيذ الحقوق التي تعود للدوائر الحكومية، سواء أكانت مستحقات تعاقدية أم مستحقات قانونية كالضرائب والرسوم المثبتة في سند تنفيذي. ولا تحتاج النيابة الهامة لإثبات صفتها، فهذه الصفة مفترضة بنص القانون. وتتخذ النيابة العامة الإجراءات في التنفيذ وفق ما يقرره قانون التنفيذ، باعتبار ما يجري تنفيذا جبريا وليس إداريا.
المطلب الثاني
المصلحة في التنفيذ
المصلحة في التنفيذ هي المنفعة التي تعود على طالب التنفيذ من طلبه التنفيذ الجبري، وشرط المصلحة مفترض حكما ومنطقا وضرورة؛ لأنه لا يتصور أن يباشر طالب التنفيذ إجراءات التنفيذ دون أن تكون له مصلحة في ذلك. فوجود السند يفترض ثبوت الحق المدون فيه؛ والقانون يعترف لكل صاحب سند تنفيذي بالحق في التنفيذ.
ويشترط أن تكون المصلحة قانونية ومباشرة وهي تكون كذلك إذا كانت الفائدة التي تعود من التنفيذ تعود على صاحب الحق في التنفيذ. كما يشترط أن تكون هذه المصلحة قائمة وحالة؛ وهي تكون كذلك إذا كان الحق الثابت في السند مستحق الأداء بأن كان غير معلق على شرط واقف أو مضاف إلى أجل؛ وغير متنازع فيه نزاعا جديا.
ولما كانت المصلحة مناط التنفيذ، فإن الصفة والمصلحة في التنفيذ تثبت لكل من الدائنين المتضامنين؛ فلأي منهم أن يقوم بإجراءات التنفيذ نيابة عن الباقين؛ كون التنفيذ لمصلحة الدائنين وفيه نفع لهم؛ باعتبار النيابة التبادلية تكون فيما ينفع لا فيما يضر، كما أنه إذا تعدد الدائنون طالبي التنفيذ وقصر الدائن المباشر للإجراءات؛ فإن لأي من الدائنين الآخرين الحلول مكانه والقيام بالإجراءات باعتباره صاحب صفة ومصلحة.
فإذا لم يكن لطالب التنفيذ مصلحة في التنفيذ لا يقبل طلبه، ومثال ذلك أن يكون طالب التنفيذ دائنا عاديا أو دائنا صاحب حق عيني تبعي متأخر في المرتبة؛ فلا يجوز لهذا الدائن أن يطلب التنفيذ على المال المحمل بالحقوق العينية المتقدمة في المرتبة إذا كانت تستغرق قيمة المال كله، لأنه في هذه الحالة لا توجد له مصلحة لأنه لن يستوفي حقه من مدينه، ولذلك لا يقبل طلبه وفق المادة (3/1) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية التي نصت على أنه ( لا تقبل دعوى أو طلب أو دفع أو طعن لا يكون لصاحبه مصلحة قائمة فيه يقرها القانون).
المطلب الثالث
أهلية طالب التنفيذ
يجب لصحة التنفيذ أن يكون طالب التنفيذ أهلا لإجراء التنفيذ الجبري، ولما كان من المسلم به أن طلب التنفيذ يعتبر من الأعمال النافعة نفعا محضا لأنه يهدف إلى قبض الدين، وهو من أعمال الإدارة؛ لذلك يكفي أن تتوافر في طالب التنفيذ أهلية الإدارة ولا يشترط فيه أهلية الأداء. لذلك يجوز للصبي المأذون بإدارة أمواله أن يطلب التنفيذ أيا كان نوعه، مباشرا أم غير مباشر، وأيا كان محله عقارا أم منقولا أم نقودا.
أما إذا كان الدائن عديم الأهلية أو ناقص الأهلية غير مأذون بالإدارة، فيجب أن يباشر اجراءات التنفيذ الممثل القانوني له، سواء كان وليا أو وصيا؛ وإلا وقع التنفيذ باطلا، ويجوز للولي أو الوصي مباشرة التنفيذ دون حاجة إلى إذن المحكمة.
كما أنه إذا كان الدائن شخصا اعتباريا تولى التنفيذ عنه من يمثله قانونا أو اتفاقا كرئيس مجلس الإدارة أو مديرها العام. وإذا تطلب الأمر من طالب التنفيذ اللجوء إلى المحكمة، وكانت الدعوى من اختصاص محكمة البداية أو تم استئناف قرار قاضي التنفيذ، فيشترط أن يباشر الإجراءات محام مزاول عملا بالمادة (61) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية.
وإذا زالت صفة طالب التنفيذ بالوفاة أو أصابه عارض من عوارض الأهلية أو زالت صفة من ينوب عنه قانونا أثناء التنفيذ يترتب على ذلك وقف إجراءات التنفيذ إلى أن يحل محله صاحب الصفة الجديد الذي سيتابع الإجراءات.(41)
المبحث الثاني
المنفذ ضده
نصت المادة (13) من قانون التنفيذ على أنه:
- يباشر التنفيذ ضد المدين، بالأداء الذي يحدده السند التنفيذي وتتخذ إجراءات التنفيذ في مواجهة هذا المدين وفقا للقانون، فإن لم تكن للمدين الأهلية القانونية فإن إجراءات التنفيذ تتخذ في مواجهة من يقوم مقامه قانونا.
- إذا كان المدين شخصا معنويا، فإن إجراءات التنفيذ تباشر في مواجهة من يقوم مقامه قانونا.
كما نصت المادة (14) منه على أنه:
- إذا فقد المدين أهليته أو توفي، يباشر التنفيذ ضد من يقوم مقامه قانونا أو ورثته بعد عشرة أيام من تبليغهم بالأوراق المتعلقة بالتنفيذ.
- يجوز تبليغ ورثة المدين جملة في آخر موطن كان لمورثهم بغير بيان أسمائهم الشخصية وصفاتهم.
- يكون التنفيذ بقدر الأموال التي تركها المورث.
ويتبين من هذين النصين أن المنفذ ضده هو الشخص الذي يلزمه القانون بإداء الحق الثابت في السند التنفيذي، وتتخذ إجراءات التنفيذ الجبري ضده لإجباره على الوفاء بهذا الحق للدائن. وهو يمثل الطرف السلبي في التنفيذ، ويطلق عليه المدين أو المحجوز عليه، ويشترط أن يكون ذا صفة في اتخاذ الإجراءات ضده، وأن يكون أهلا لتوجيه إجراءات التنفيذ بحقه.
المطلب الأول
صفة المنفذ ضده
يلزم أن تتوافر في المنفذ ضده صفة المديونية، وهي تثبت لمن كان مدينا أصليا أو تابعا كالكفيل الذي يلتزم بالدين معه، أو خلفا للمدين سواء كان خلفا عاما أو خلفا خاصا، أو مسئولا عن الدين. ويجب أن تثبت صفة المنفذ ضده في ذات السند التنفيذي وذلك بأن يكون طرفا فيه ملزما بأداء معين. ولذلك تثبت الصفة لكل من:
أولا: المدين، وهو الشخص الملزم قانونا بأداء الدين الثابت في السند التنفيذي باعتباره الطرف الأصيل في العلاقة التي أنشأت الالتزام.
ورغم ثبوت الصفة للمدين، فإنه لا يجوز أن ينفذ ضد بعض المدينين ولا تثبت لهم صفة المنفذ ضده من ذلك ما نصت عليه المادة (11) من قانون دعاوى الحكومة رقم (25) لسنة 1958 بأنه (عند اكتساب الحكم الصادر ضد الحكومة الدرجة القطعية ترفع صورة مصدقة عن الحكم النهائي إلى رئيس الوزراء الذي عليه أن يأمر بتنفيذه…. وليس لدوائر الإجراء أن تقوم بأية معاملة إجرائية من أجل تنفيذ تلك الأحكام).
ونصت المادة (44/1) من قانون التنفيذ على أنه (لا يجوز الحجز ولا اتخاذ إجراءات تنفيذ أخرى على الأموال العامة المنقولة وغير المنقولة التي للدولة أو للأشخاص الاعتباريين العامة أو الهيئات المحلية أو أموال الأوقاف المخصصة لأداء أعمالها). (42)
وكذلك الهيئات الدولية والدبلوماسية بما لها من حصانة دولية بما يجعل إجبارهم على التنفيذ يتعارض مع ما لها من حصانة دبلوماسية وقضائية وفق القواعد المقررة في القانون الدولي العام. أما الأموال الخاصة بالممثل الدبلوماسي فيجوز التنفيذ عليها ما دامت توجد خارج دار السفارة أو القنصلية استيفاء لدينه الشخصي كما لو باشر أعمالا تجارية أسفرت عن مديونيته، أو ارتكب حادثا وحكم عليه بالتعويض؛ أو اشترى شيئا ولم يدفع ثمنه؛ أو اقترض مبلغا ولم يسدده وغير ذلك. (43)
وإذا تعدد المدينون ولم يكونوا متضامنين، يجب أن توجه إجراءات التنفيذ إلى كل واحد منهم على حدة بمقدار نصيبه في الدين. أما إذا كانوا متضامنين في السند التنفيذي؛ جاز التنفيذ على واحد منهم أو بعضهم بكل الدين؛ دون حاجة لتوجيه الإجراءات ضدهم جميعا، كما جاز التنفيذ عليهم جميعا.
ويجب أن تستبين صفة المنفذ ضده من ذات السند التنفيذي؛ بأن يكون السند ملزما له بأداء معين، لذلك لا يجوز استخدام محضر جلسة مثبت للصلح للتنفيذ في مواجهة من ليس طرفا فيه. كما أنه إذا صدر حكم ضد أحد المدينين المتضامنين لا يجوز تنفيذ هذا الحكم ضد مدين آخر لم يكن طرفا في الدعوى، لأنه لم يتضمن أي التزام في مواجهته. كما أن الحكم على شخص لا يجيز التنفيذ ضد ضامنه حتى يصدر حكم ضده. وكذلك لا يجوز لدائن الشريك أن يحجز في مواجهة الشركة على أموالها ولو كانت شركة تضامن، ولكن إذا كان السند التنفيذي ضد الشركة فإنه يصلح للتنفيذ بمقتضاه ضد الشريك المتضامن وليس للشريك إلا أن يدفع في مواجهة دائن الشركة بالتنفيذ على مال الشركة أولا (الدفع بالتجريد)(44)
ثانيا: الخلف العام، أي من يخلف المدين في تركته أو في جزء غير معين منها؛ وهم الورثة أو الموصى لهم بحصة شائعة في التركة.
وفق قاعدة (لا تركة إلا بعد سداد الديون) فإن أموال المورث لا تنتقل إلى الورثة إلا بعد الوفاء بديونه، ولذلك فإن السند التنفيذي الصادر في مواجهة المورث؛ ينفذ به في مواجهة الورثة، سواء كانت الوفاة قد تمت قبل بدء التنفيذ أو أثناءه.
وقد بينت المادة (14) من قانون التنفيذ أنه يترتب على وفاة المدين وقف إجراءات التنفيذ إذا كانت قد بدأت، وأنه لمواصلة الإجراءات يجب تبليغ الورثة بالأوراق المتعلقة بالتنفيذ، ولا يباشر بالتنفيذ مرة أخرى إلا بعد عشرة أيام من تاريخ التبليغ الصحيح. وهذا يعني أنه يجب تبليغ السند التنفيذي إلى الورثة حتى لو سبق تبليغه إلى المورث، كما يجب أن تنقضي عشرة أيام كاملة قبل اتخاذ إجراءات التنفيذ ضدهم. وذلك لإتاحة الفرصة لهم إما للوفاء اختيارا إن أرادوا تفادي إجراءات التنفيذ ضدهم، أو الاستعداد لمواجهة هذه الإجراءات سواء حدثت الوفاة قبل بدء التنفيذ أو بعد بدئه أو أثناءه.
ويجوز تبليغ الورثة إما بصورة فردية باسم وصفة وفي موطن كل واحد منهم، أو تبليغهم جملة دون بيان أسمائهم الشخصية وصفاتهم باعتبارهم ورثة المتوفي في آخر موطن كان لمورثهم. وهذا النص مقرر لمصلحة طالب التنفيذ حتى لا يضطر إلى أن يبلغ الأوراق بمجرد وفاة المدين إلى كل وارث باسمه وفي موطنه الخاص، وقد يؤدي بحثه عن هذه البيانات إلى سقوط حق له. ولكن إذا كان طالب التنفيذ يعلم أسماء الورثة وصفاتهم واختار تبليغهم بأسمائهم في مواطنهم الخاصة فإنه لا يترتب على ذلك أي بطلان لأنه لا يجوز أن يضار من قاعدة مقررة لمصلحته.
كما أن التنفيذ يكون في حدود الأموال التي تركها المورث فقط دون الأموال الخاصة بالخلف العام. فإذا أنكر الورثة أثناء التنفيذ وضع يدهم على التركة أو جزء منها ولم يكن ممكنا إثبات ذلك بسندات رسمية ولم يكن للمتوفى أموال ظاهرة، وجب وفق المادة (15) من قانون التنفيذ على الدائن أن يثبت في المحكمة المختصة وضع يد الورثة على التركة ويحصل على قرار قضائي بذلك. ويتوقف مصير التنفيذ في هذه الحالة على نتيجة الحكم الصادر في الدعوى، فإن ثبت وجود التركة ووضع يد الورثة عليها يترتب على ذلك مواصلة التنفيذ في مواجهة الورثة، وإن حكم بعدم وجود تركة أو بعدم وضع يد الخلف العام عليها يترتب على ذلك إلغاء ما تم من إجراءات التنفيذ في مواجهتهم.
ويثور التساؤل: هل يجوز اتخاذ إجراءات التنفيذ ضد بعض الورثة أو ضد واحد منهم فقط دون اختصام الباقين على أساس أن الوارث ينتصب خصما على التركة وفقا للقاعدة الفقهية في الفقه الإسلامي بأن الوارث ينتصب خصما عن باقي الورثة أمام القضاء، وبالتالي لا يلزم اختصام جميع الورثة في إجراءات التنفيذ؟
وللإجابة على هذا التساؤل، وبالرجوع إلى مجلة الأحكام العدلية نجد أن تمثيل الوارث لباقي الورثة إنما يصح بالنسبة لما ينفع لا بالنسبة لما يضر، لأن اختصام أحد الورثة قد يكون ذريعة للتواطؤ، ولذلك يجوز لأحد الورثة أن ينفذ بحق التركة على الغير، ولكن لا يجوز أن يكون الحكم الصادر ضد أحد الورثة أو بعضهم حجة على الباقين، كما لا يجوز أن يجري التنفيذ ضد أحد الورثة أو ضد بعضهم لأن ذلك أمر ضار. لذلك لا بد من اختصام جميع الورثة وهو ما يدل عليه نص المادة (14) بتبليغ الورثة جملة؛ فلا يكفي تبليغ بعضهم دون بعضهم الآخر بأوراق التنفيذ.
ثالثا: الخلف الخاص، يمكن أن يكون الخلف الخاص للمدين منفذا ضده في الحالات التالية:
- حوالة الدين: يجوز للدائن أن ينفذ بمقتضى سنده التنفيذي الصادر في مواجهة المدين ضد المحال له، حيث لا يشترط قبول المدين المحال عليه للحوالة، بل يحل الدائن المحال له محل المدين المحيل في حقه لدى المحال عليه مدين المدين، ويكون للدائن أن ينفذ بذات السند الذي صدر في مواجهة مدين مدينه المحال عليه كون حوالة الدين تتضمن خضوع المحال عليه للتنفيذ كأثر لها.
- الموصى له بمبلغ من النقود أو بعين معينة من التركة، فللدائن أن ينفذ بسنده التنفيذي على الموصى به، لأن سداد الدين مقدم على تنفيذ الوصية حيث لا تركة إلا بعد سداد الديون، على أن يثبت طالب التنفيذ صفة الموصى له بعد اتخاذ الإجراءات التي تتخذ في مواجهة الورثة.
- نقل المدين حيازة أو ملكية المال الملزم بتسليمه بموجب سند تنفيذي. فإذا كان المال منقولا؛ نفرق بين حالة ما إذا كان الحائز حسن النية فإن مجرد الحيازة تحول دون التنفيذ عليه لأن قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية تحميه سواء نقل له المال قبل أو بعد بدء التنفيذ. أما إذا كان سيء النية ونقلت إليه المنقولات بعد بدء التنفيذ فيجوز التنفيذ في مواجهته.
- حائز العقار المرهون، لأنه بعلمه برهن العقار يكون قد رضي بنقل العقار إليه محملا بالرهن، فيجوز للدائن المرتهن التنفيذ على محل الرهن في أي يد تكون.
رابعا: المسئول عن الوفاء بالدين، كمن قدم تأمينا عينيا كرهن رسمي أو حيازي ضمانا لدين غيره، أو من كفل غيره في دينه كفالة شخصية، يجوز التنفيذ في مواجهته في حدود الرهن أو الكفالة، وكذلك الموقعين على الورقة التجارية باعتبارهم ضامنين للوفاء بها إذا لم يوف بها المسحوب عليه، فيجوز التنفيذ في مواجهة هؤلاء بشرط بيان وإثبات صفة كل منهم.
خامسا: الغير، ويقصد به هنا كل من ليس مدينا أو مسئولا عن الدين، ولكن توجد لديه حقوق المدين أو أمواله. أي أنه ليس طرفا في الحق الموضوعي الثابت في السند التنفيذي؛ ولكنه ملزم قانونا بالاشتراك في إجراءات التنفيذ.
فيشترط حتى يعتبر الشخص من الغير
- أن لا يكون ماثلا في الخصومة التي نتج عنها التنفيذ ابتداء؛ ولا ممثلا فيها؛ وليس خلفا لأحد أطرافها>
- أن لا يكون له مصلحة شخصية في موضوع الحق المراد اقتضاءه، ولا يعود عليه نفع أو ضرر جراء التنفيذ؛ ويتساوى عنده أن يتم التنفيذ لمصلحة أي من الخصمين.
- أن يكون من واجبه الاشتراك في تنفيذ السند التنفيذي بسبب صفته أو وظيفته أو علاقته بالخصوم، مثل الحارس القضائي على المنقول الذي يلتزم بتسليمه إلى من تثبت له ملكية المنقول، وموظف المحكمة المختص بالحفاظ على الأموال المحجوزة، والمصرف الذي لديه حساب للمدين تم الحجز على الرصيد فيه.
حيث أجازت المادة (70) من قانون التنفيذ للدائن الذي بيده سند تنفيذي أن يطلب من دائرة التنفيذ حجز ما يكون لمدينه من نقود وأموال وديون لدى شخص ثالث.
وقد نصت المادة (16) من القانون على أنه (لا يجوز للغير أن يؤدي المطلوب بموجب السند التنفيذي ولا أن يجبر على أدائه إلا بعد إخطار المدين بالعزم على التنفيذ قبل وقوعه بسبعة أيام على الأقل). وهذا النص مأخوذ عن نص المادة 285 من قانون المرافعات المصري إلا أن المادة المذكورة اشترطت إعلان المدين بالعزم على هذا التنفيذ قبل وقوعه بثمانية أيام على الأقل.
والمقصود بأداء المطلوب بموجب السند التنفيذي وفق المادة 285 مرافعات مصري، هو تسليم المال المحجوز للدائن الحاجز أو الوفاء له بدينه من هذا المال، طوعا. حيث اشترطت المادة عدم قيام الغير بذلك قبل تبليغ المدين بالعزم على هذا التنفيذ قبل وقوعه بثمانية أيام. حتى لا يتم التنفيذ دون علمه، وبحيث تكون لديه فرصة كافية لتفادي التنفيذ ضده في مواجهة الغير، سواء بالمنازعة في هذا التنفيذ أو بالوفاء الاختياري.
وهذه المادة مرتبطة بالمادة 344 من قانون المرافعات المصري التي تنص على أنه (يجب على المحجوز لديه بعد خمسة عشر يوما من تاريخ تقريره أن يدفع إلى الحاجز المبلغ الذي أقر به أو ما يفي منه بحق الحاجز وذلك متى كان حقه وقت الدفع ثابتا بسند تنفيذي وكانت الإجراءات المنصوص عليها في المادة 285 قد روعيت).
ولم يلتفت واضعو قانون التنفيذ الفلسطيني إلى عدم وجود نص مماثل لنص المادة 344 المذكورة في هذا القانون، وأن الفقرة الأولى من المادة 78 أوجبت على الشخص الثالث (لغير) بعد سبعة أيام من تاريخ إقراره أن يسلم إلى دائرة التنفيذ الأموال والديون التي أقر بها أو ما يفي منها بحق الحاجز. ولذلك فإن نص المادة 16 من قانون التنفيذ لا معنى لها وواجبة الإلغاء.
المطلب الثاني
أهلية المنفذ ضده
يلزم أن يكون المنفذ ضده أهلا للتقاضي واتخاذ الإجراءات التنفيذية ضده، ولما كان التنفيذ على المدين يخرج المال محل التنفيذ من ملكه فإنه يعد ضارا ضررا محضا، لذلك فإنه يلزم أن تتوافر فيه أهلية الأداء.
وعلى ذلك إذا كان المنفذ ضده شخصا طبيعيا كامل الأهلية؛ فإن الدائن يستطيع مباشرة الإجراءات في مواجهته. أما إذا كان المدين ناقص أو عديم الأهلية، ففي هذه الحالة يجب التنفيذ في مواجهة من يقوم مقامه قانونا سواء كان وليا أم وصيا أم قيما وفق المادة (13/1) من قانون التنفيذ، وإلا كانت إجراءات التنفيذ باطلة. والغاية من ذلك هي حماية مصالح الأشخاص عديمي الأهلية أو ناقصيها لآنه ليس في وسعهم الدفاع عن مصالحهم.
وإذا فقد المنفذ ضده أهليته أو زالت صفته بعد بدء التنفيذ، فإنه يجب في حالة فقد الأهلية توجيه الإجراءات إلى ممثله القانوني، أما في حالة زوال الصفة فتوجه الإجراءات إلى صاحب الصفة الجديد. وتوقف الإجراءات التنفيذية لحين تبليغهم بالأوراق المتعلقة بالتنفيذ وفق المادة (14/1) من قانون التنفيذ.
وإذا لم يكن للمدين ناقص أو عديم الأهلية من يمثله، كما لوكان قاصرا ولم يعين له وصي أو كان مجنونا لم يحجر عليه رغم شيوع أمره؛ ولم يعيّن له قيّم، فإن من حق طالب التنفيذ أن يطلب من المحكمة المختصة تنصيب من يمثل هذا المدين حتى يتسنى له توجيه إجراءات التنفيذ في مواجهته.
وإذا كان الوصي أو القيّم نفسه هو الذي يرغب في التنفيذ ضد القاصر أو المحجور عليه، فإنه يجب عليه إما أن يعتزل الوصاية أو القوامة ويطلب من المحكمة تعيين وصيّ أو قيّم بديل، أو على الأقل أن يطلب من المحكمة تعيين وصيّ أو قيّم خصومة ليتخذ إجراءات التنفيذ ضده وذلك لأن مصلحة ممثل ناقص أو عديم الأهلية قد تتعارض مع مصلحة من يمثله، كما أنه لا يجوز للشخص أن يتقاضى مع نفسه.
ولا ينحصر دور ممثل فاقد الأهلية في مجرد تمثيله في الإجراءات بصورة سلبية، بل يجب عليه أن يتصرف في كل ما يتعلق بالتنفيذ كما لو كان واقعا على أمواله؛ أو بالطريقة التي يتصور أن فاقد الأهلية كان يتصرف بها لو كان كامل الأهلية، وأن يدافع عن مصالح وحقوق من يمثله ويفحص أوراق التنفيذ؛ ويتمسك بما قد يكون في الإجراءات من عيوب لإبطاله، ويجب عليه أن يعرض على المحكمة المختصة بغير تأخير ما يتخذ ضد فاقد الأهلية من إجراءات التنفيذ وأن يتبع في شأنها ما تأمر به المحكمة. (45)
أما بالنسبة للشخص الاعتباري، فإن له أهلية أداء في حدود الغرض الذي أنشئ من أجله، فإذا كان الالتزام المراد تنفيذه جبرا لا يدخل ضمن غرض الشخص المعنوي؛ فإنه لا يكون أهلا للقيام بالوفاء بهذا الالتزام؛ وإنما يلزم بهذا الأداء الشخص الطبيعي الذي رتب الالتزام على الشخص المعنوي وفق قواعد القانون المدني.
أما إذا كان الالتزام المراد تنفيذه يدخل في حدود أهلية أداء الشخص المعنوي، فإن التنفيذ يكون صحيحا على أن تتخذ الإجراءات في مواجهة من يمثله قانونا كرئيس مجلس الإدارة أو المدير العام أو غيرهم من ممثليه القانونيين.
التنفيذ ضد المدين المفلس:
القاعدة أنه لا يجوز اتخاذ إجراءات التنفيذ الفردي ضد المدين بعد الحكم بشهر إفلاسه، فالإفلاس يؤدي إلى وقف الإجراءات الفردية قلا يجوز للدائن بعد شهر الإفلاس توقيع أي حجز على أموال المدين سواء كان هذا الحجز تحفظيا أم تنفيذيا، وسواء كان الحجز على منقول أم على عقار أم على ما للمدين لدى الغير. وإذا صدر حكم شهر الإفلاس بعد الحجز توقفت إجراءات التنفيذ الفردي واندمجت في التفليسة.
ويفرق الفقه بين الدائن المرتهن ومن في حكمه وبين الدائنين العاديين، فالدائن المرتهن ومن في حكمه قد تحصن ضد الإفلاس بتأمين خاص، لذلك لا فائدة من منعه من التنفيذ لأن له أولوية على الثمن، لذلك يحق له اتخاذ إجراءات التنفيذ على المال المرهون سواء شرع في الإجراءات قبل شهر الإفلاس أم بعده، ولكن يجب عليه أن يوجه الإجراءات ضد وكيل التفليسة لأن المفلس قد زالت ولايته عن أمواله وأصبح وكيل التفليسة هو صاحب الصفة في تمثيله قانونا.
أما الدائنون العاديون فإنهم لا يملكون بدء إجراءات التنفيذ بعد حكم شهر الإفلاس، وإن كانوا قد بدأوها قبل حكم شهر الإفلاس فإن هذه الإجراءات تقف وتعتبر كأن لم تكن ويندمج حق الدائن في التفليسة وعليه مزاحمة سواه من الدائنين على قدم المساواة. (46)
(41)(41) مصطفى عياد، صفحة 176.
(42)(42) والحكمة من منع اتخاذ إجراءات التنفيذ في هذه الحالات هي وجوب الثقة بيسار الحكومة والهيئات العامة الأخرى، واستعدادها للوفاء بديونها ولو كانت من أموالها الخاصة. أما إذا امتنعت الدولة عن الوفاء بالدين فإنها تكون قد أخلت بالثقة المفروضة فيها، ووجب أن تتحمل التنفيذ، وجاز الحجز على الأموال المملوكة لها ملكية خاصة عملا بالقاعدة القانونية التي تقرر أن جميع أموال المدين ضامنة للوفاء بديونه ومصلحة الدولة تقضي التنفيذ على أموالها الخاصة حتى يقبل الأفراد على التعامل معها. فتحي والي طبعة 1975 بند 99 صفحة 165 -167 وجدي راغب صفحة 268-269 أحمد المليجي جزء 5 صفحة 894.
(43)(43) أحمد أبو الوفا، إجراءات التنفيذ صفحة 264. عبد الباسط جميعي نظام التنفيذ صفحة 13 و14. أحمد المليجي صفحة 893.
(44)(44) يرجع إلى كتابنا الوجيز في شرح القانون التجاري، الجزء الثاني، الشركات التجارية، المكتبة الأكاديميةـ الطبعة الخامسة 2019 صفحة 90.
(45)(45) أحمد المليجي، الجزء الخامس، صفحة 896.
(46)(46) المرجع السابق صفحة 897. وهو يرى أنه إذا بدأ الدائن العادي التنفيذ على العقار قبل حكم شهر الإفلاس فله أن يتابعها بشرط الحصول على إذن قاضي التفليسة، ولكن توجه الإجراءات عندئذ إلى وكيل التفليسة (السنديك)، كما يتم البيع لحساب جماعة الدائنين ويدخل الثمن في أموال التفليسة وتكون هناك أولوية للدائن الحاجز في استيفاء ما أنفقه على التنفيذ من مصاريف من ثمن العقار.