المبحث الرابع
أثر الطعن بالنقض
الطعن بالنقض طريق غير عادي، والحكم الذي يطعن فيه بالنقض حكم نهائي استنفذ طرق الطعن العادية، لذلك فإنه – بحسب الأصل – لا يوقف تنفيذ الحكم، فيجوز مبدئيا تنفيذ الحكم المطعون فيه. غير أن المشرع أجاز لمحكمة النقض أن تأمر بوقف التنفيذ مؤقتا إذا طلب الطاعن ذلك، وكان يخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه. وللمحكمة أن تأمر الطاعن عند إقرارها وقف التنفيذ بتقديم كفالة تضمن لخصمه أضرار وقف التنفيذ فيما إذا قضي برفض الطعن. وقد نصت على ذلك المادة (240) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية بقولها “الطعن بطريق النقض لا يوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه ما لم تقرر المحكمة خلاف ذلك بكفالة أو بدونها بناء على طلب الطاعن”.
لذلك فإن الأصل هو عدم وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه بالنقض ، والاستثناء هو وقف تنفيذه. والقاعدة في تفسير النقض تقتضي عدم التوسع في تفسير الاستثناء،(1) وتقدير ذلك يعود للمحكمة فإذا كان الطعن في ظاهره يقوم على أسباب جدية وكانت طبيعة وماهية الحكم المطعون فيه المراد تنفيذه يخشى معه وقوع ضرر يصعب تداركه فيما إذا تم قبول الطعن موضوعا تقرر المحكمة وقف تنفيذه ، من ذلك الحكم بإخلاء المأجور (2) وكذلك الحكم المطعون فيه الذي تضمن إلغاء القرار المستعجل بوقف أعمال التجريف والبناء في الأرض موضوع الدعوى الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان إعادة الحال إلى ما كان عليه فيما لو تبين أن الطاعن محق في طعنه بما يبرر وقف التنفيذ.(1) أما إذا كان الحكم يتضمن دفع مبلغ من المال فإن لم يكن هناك صعوبة أو استحالة أو ضرر في استرداده فإن المحكمة ترفض وقف التنفيذ، (2) أما إذا كان المبلغ المحكوم به وحال المحكوم له يصعب معهما استرداد المبلغ تقرر المحكمة وقف التنفيذ.
ومن ناحية أخرى، فإن محكمة النقض لا تعد درجة من درجات التقاضي، ولا تعد الخصومة أمامها امتدادا للخصومة أمام محكمة الموضوع، فالقضية أمام محكمة النقض ليست هي القضية التي عرضت على محكمة أول درجة أو على محكمة ثاني درجة، بل هي قضية جديدة ينحصر نطاقها في البحث في مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون. لذلك ليس للطعن بالنقض أثر ناقل، فلا ينتقل النزاع إلى محكمة النقض كما كان أمام محكمة أول درجة أو ثاني درجة لتفصل فيه من جديد من حيث الواقع والقانون، بل يقتصر أثر الطعن بالنقض على اتصال محكمة النقض بالمسألة القانونية المتنازع عليها في حدود الأسباب القانونية التي ذكرت في لائحة الطعن، ولا يجوز للمحكمة النظر في غيرها من الأسباب.
المبحث الخامس
نظر الطعن بالنقض
تنص المادة 233 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية على أنه:
- تنظر محكمة النقض في الطعن تدقيقا.
- إذا رأت المحكمة أن الطعن جدير بالنظر فيه حددت جلسة ويبلغ بها الخصوم، ويجوز لها في هذه الحالة أن تستبعد من الطعن ما لم تقبله من الأسباب، وأن تقصر نظره على الباقي منها مع بيان سبب ذلك”.
ويتبين من هذا النص أن محكمة النقض تنظر في الطعن على مرحلتين:
المرحلة الأولى: تدقق المحكمة في هذه المرحلة في الطعن من حيث الشكل لتتأكد من أنه مقدم خلال مدة الطعن، وأنه قد تم مراعاة القانون من حيث صحة لائحة الطعن ومرفقاتها ودفع الرسوم والتبليغات. ومن حيث الموضوع ما إذا كان الطعن جديرا بالنظر لتوفر سبب من أسباب الطعن.
فإذا قررت المحكمة عدم قبول الطعن، لرفعه بعد الميعاد، أو لأن الطاعن ليس له صفة أو مصلحة في رفعه، أو كانت الإجراءات باطلة، أو لأن الطعن أقيم على غير الأسباب المنصوص عليها في القانون، تقضي المحكمة برد الطعن وتصديق الحكم المطعون فيه، وتحكم بالرسوم والمصاريف على الطاعن.
المرحلة الثانية: تنتقل المحكمة إلى هذه المرحلة إذا وجدت أن الطعن مقبول شكلا، وأنه يتضمن سببا أو أكثر جديرا بالنظر فيه، وقد أجاز المشرع للمحكمة أن تحدد الأسباب المقبولة والأسباب غير المقبولة، فتحصر نظرها في الأولى وتستبعد الثانية مع بيان الأسباب التي دعتها لذلك. فتكرار الأسباب في لائحة الطعن لا يعني تعددها ، والمحكمة ملزمة بالرد على كل دفع أو دفاع جوهري لا أن تحاكي الطاعن في طعنه وما أبداه من أسباب مكررة صيغت بقالب مغاير لكنها تحمل ذات المعنى ولا تعدو أن تكون رقما إضافيا في سلسلة الأسباب .(1)
وتحدد المحكمة جلسة لنظر الطعن يبلغ بها الخصوم،(2) وفي هذه الجلسة تكون المحكمة أمام أحد احتمالين:
الاحتمال الأول: أن تكون اللوائح وملف الدعوى والمذكرات المقدمة من الخصوم كافية لإصدار حكمها في الطعن، وفي هذه الحالة تتلو المحكمة حكمها بحضور الخصوم أو من يحضر منهم مع محاميهم.
وقد أجازت المادة 235 لمحكمة النقض استثناء أن تأذن لمحامي الخصوم بإيداع مذكرات تكميلية في الميعاد الذي تحدده. ويكون ذلك بناء على طلب يتقدم به الخصوم إلى المحكمة يتضمن الأسباب التي تبرر تقديم هذه المذكرات التكميلية. فإذا وجدت المحكمة أن هذه الأسباب مقنعة، وأن المذكرات المطلوب إيداعها لازمة لتكوين قناعتها، لها أن تأذن بذلك. وإلا فإنها ترفض الطلب دون إبداء الأسباب.
والاحتمال الثاني: أن ترى المحكمة ضرورة المرافعة الشفوية قبل إصدار حكمها، وفي هذه الحالة لها سماع محامي الخصوم، ثم تدقق القضية وتصدر حكمها. وفي هذه الحالة لا يجوز إبداء أسباب في الجلسة غير الأسباب التي سبق للخصوم بيانها في لائحة الطعن واللائحة الجوابية (م 234)، وإنما تقتصر المرافعات الشفوية على توضيح ما طلبت المحكمة استيضاحه من الخصوم حول الأسباب الواردة في تلك اللوائح.
(1) نقض مدني – طلب 1/2008 تاريخ 8/5/2008 ج 4 ص 831.
(2) نقض مدني – طلب 1/2004 تاريخ 5/4/2004 ج 2 ص 854، نقض مدني – طلب25/2007 تاريخ 9/12/2007 ج 3 ص 537، نقض مدني- طلب 22/2008 تاريخ = = 8/5/2008 ج 4 ص 837، نقض مدني – طلب 23/2008 تاريخ 8/5/2008 ج 4 ص 840، نقض مدني 33/2008 تاريخ 2/7/2008 ج 4 ص 844.
(1) نقض مدني – طلب 24/2008 تاريخ 8/5/2008 ج 4 ص 842.
(2) نقض مدني – طلب 20/2008 تاريخ 8/5/2008 ج 4 ص 833.
(1) نقض مدني 99/2006 تاريخ 23/10/20076 ج 3 ص 465.
(2) جرت محكمة النقض المنعقدة في رام الله على إصدار حكمها دون عقد جلسة وتبليغ الخصوم للحضور، بينما جرت محكمة النقض المنعقدة في غزة على عقد جلسة علنية لتلاوة الحكم بحضور الخصوم أو وكلائهم . ونرى أن موقف هيئة المحكمة في غزة هو الصحيح وفق نص المادة 233/2 ، ذلك أن نظر الطعن تدقيقا يعني نظره دون مرافعات إلا إذا رأت ضرورة المرافعة الشفوية عملا بالمادة 234 ، كما نص عليه المشرع المصري في المادة 265 من قانون المرافعات ( تحكم المحكمة في الطعن بغير مرافعة) ، أما النطق بالحكم فيجب أن يكون في جلسة علنية في جميع الأحوال عملا بالمادة 105 من القانون الأساسي المعدل والمادة 3 من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 5 لسنة2001 ، فهذا النص مطلق ويجري على إطلاقه لدى كافة المحاكم النظامية بما فيها محكمة النقض.