المطلب الثالث
الأطراف أمام محكمة النقض
القاعدة العامة في الطعن في الأحكام هي اشتراط الصفة فيمن يكون خصما في الطعن، بمعنى أن يكون الطاعن طرفا في الخصومة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه، وأن يطعن بذات الصفة، وأن تكون له مصلحة في الطعن، وأن لا يكون قد قبل هذا الحكم.
كما لا يجوز توجيه الطعن إلا لمن كان طرفا في الخصومة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه، فلا يقبل الطعن ممن لم يكن خصما أمام محكمة الدرجة الثانية ولو كان خصما أمام محكمة الدرجة الأولى. وأن يختصم بذات الصفة التي كانت له فيها فإذا كان خصما بصفته وليا أو وصيا أو نائبا لا يجوز اختصامه بصفته الشخصية. وأن يكون قد استفاد من الوضع القانوني المقرر في هذا الحكم ولم يتنازل عن هذه الفائدة، فإذا كان قد تنازل عنها لم يعد مصلحة في مخاصمته.
التدخل والإدخال أمام محكمة النقض
لا يجوز تدخل أو إدخال غير الخصوم أمام محكمة الاستئناف لأول مرة أمام محكمة النقض لانطوائهما على خصومة جديدة.
فالتدخل سواء كان لمصلحة الطاعن أي تدخلا انضماميا، أم كان لمصلحة المطعون ضده أي تدخلا مضادا أو هجوميا، لا يجوز إلا بالنسبة لمن له الحق في الطعن بالنقض، وفي المواعيد المقررة للطاعن، وبذات الإجراءات. أي يتعين على المتدخل أن يكون خصما في الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه.
والإدخال كذلك غير جائز لما في ذلك من إقحام خصومة موضوعية جديدة لا تدخل في وظائف محكمة النقض. أما إدخال من سبق إدخاله أمام محكمة الموضوع، وهو يعد خصما وطرفا في الدعوى، فهو جائز لما فيه من تحقيق المصلحة التي قام عليها الإدخال في الخصومة الأولى، ولكن يجب أن يكون بتقديم طعن تراعى فيه الشروط والمواعيد المقررة للطعن بالنقض.
وإذا كان الحكم المطعون فيه صادرا في موضوع غير قابل للتجزئة أو في التزام بالتضامن أو في دعوى يوجب القانون فيها اختصام أشخاص معينين، فإنه عملا بالمادة 200 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية ، يجوز لمن فوت ميعاد الطعن من المحكوم عليهم أو قبل الحكم ، أن يطعن فيه أثناء نظر الطعن المقدم في الميعاد من أحد زملائه منضما إليه في طلباته، فإن لم يفعل أمرت المحكمة الطاعن باختصامه في الطعن. وإذا قدم الطعن ضد أحد المحكوم لهم في الميعاد وجب اختصام الباقين ولو بعد فواته بالنسبة إليهم ، وهذا مجرد تجميع لأطراف الخصومة التي انتهت بالحكم المطعون فيه وليس دخولا أو إدخالا لأشخاص من الغير.(1)
المطلب الرابع
الأسباب التي يجوز إبداءها في الطعن بالنقض
تنص المادة 232 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية على أنه:
- لا يجوز إبداء دفوع أو تقديم أدلة جديدة أمام محكمة النقض إلا إذا تعلق ذلك بالنظام العام. (1)
- يجوز التمسك بأدلة جديدة إذا تعلقت بعيوب الحكم الإجرائية على أن تقتصر على الأدلة الكتابية.
وعلى ذلك لا يجوز أن يبدى أما محكمة النقض أسباب لم تكن معروضة على قاضي الموضوع، لأنه لا يمكن أن يعاب على تلك المحكمة أنها لم تبحث سببا لم يطرح عليها. فرقابة محكمة النقض مقيدة مبدئيا بحدين:
الأول: أن يكون الطاعن بالنقض قد أدلى بالسبب أمامها حتى تتمكن من ممارسة رقابتها والتحقق من وجود المخالفة القانونية المنسوبة للقرار المطعون فيه فعلا على ضوء العناصر الواقعية للنزاع كما أثبتها قاضي الموضوع في ذلك القرار.
والثاني: أن يكون قد سبق وأثير سبب الطعن أمام محكمة الموضوع.(2) فلا يجوز التمسك بدفوع أو أوجه دفاع جديدة تثير مسألة واقعية لم تكن مطروحة على محكمة الموضوع ، فلا يجوز التمسك ببطلان لائحة الدعوى لخلوها من البيانات التي يتطلبها القانون طالما أن الطاعن لم يتمسك بذلك البطلان أمام محكمة الموضوع ، كما لا يجوز التمسك لأول مرة ببطلان الإجراءات التي بني عليها الحكم الابتدائي، أو بطلان شاب الحكم الابتدائي طالما لم يقدم الطاعن ما يدل على تمسكه به أمام المحكمة الاستئنافية . وعلى ذلك إذا لم يورد الطاعن في لائحة الاستئناف أي ادعاء بشأن التبليغات التي تمت في دعواه، فإن إثارة المسألة المتعلقة بعدم صحة التبليغات لأول مرة أمام محكمة النقض أمر ممنوع قانونا ولا يجوز التمسك به في هذه المرحلة .(1)
ولكن يقبل بعض الأسباب الجديدة خروجا على هذا الأصل ، حين تكون هذه الأسباب مبنية على عيوب الحكم المطعون فيه ذاته، ولم يكن من الممكن الوقوف عليها قانونا إلا بعد صدور الحكم المطعون فيه، أي أنها أسباب أظهرها الحكم المطعون فيه نفسه، مثال ذلك إغفال أسماء القضاة الذين أصدروا الحكم، وأن تسمع المحكمة أثناء المداولة أحد الخصوم أو وكيله دون حضور الخصم الآخر ، أو قبولها أوراقا أو مذكرات من أحد الخصوم دون إطلاع الخصم الآخر عليها. (2)
ولا يجوز كذلك التمسك بالطلبات الموضوعية الجديدة أمام محكمة النقض ، سواء من الطاعن أو المطعون ضده أو من الغير ، فنطاق القضية أمام محكمة النقض يقتصر على الطلبات الموضوعية التي فصل فيها الحكم المطعون فيه، ولا يجوز الطعن على أساس أن المحكمة الاستئنافية قد أغفلت الفصل في طلب موضوعي ، وإنما علاج هذا الإغفال هو تقديم طلب أمام تلك المحكمة للفصل فيه عملا بالمادة 185 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية.
غير أن المشرع خرج على هذا الأصل العام، ونص على استثناءين وسع بمقتضاهما من سلطة محكمة النقض في المراقبة القانونية وهما:
الاستثناء الأول: الأسباب المتعلقة بالنظام العام، فهذه الأسباب يجوز إثارتها أمام محكمة النقض لأول مرة ولو لم يثرها الخصوم أمام محكمة الموضوع، كما يحق لمحكمة النقض إثارتها من تلقاء نفسها ولو لم يتمسك بها الخصوم لأنها تعد من الأسباب القانونية الصرف، مثال ذلك الدفع المتعلق بعدم اختصاص المحكمة قيميا أو نوعيا، والدفع المتعلق ببطلان عقد لمخالفته الآداب العامة، ومخالفة مواعيد الطعن في الأحكام، ومخالفة قواعد تفسير عبارة العقد الواضحة، ومخالفة قاعدة قبول الطلبات الجديدة في الاستئناف.
والاستثناء الثاني: ما يتعذر إثارته أمام محكمة الموضوع، كالأسباب التي تبطل الحكم وتعاصر إصداره متى كان الحكم قد صدر من محكمة الدرجة الثانية، وقد قصر المشرع ذلك على الأدلة الكتابية التي تتعلق بعيوب الحكم الإجرائية، ولا يبدو واضحا لنا ما قصده المشرع بهذا القيد الذي نرى أنه لا لزوم له.
ويقتصر الطعن بالنقض على الأسباب القانونية أو الحجج القانونية الصرفة، ويشترط في هذه الأسباب ألا يخالطها واقع، وأن تكون متعلقة بالشق الخاص بالطعن. فالسبب القانوني الذي يخالطه واقع ويحتاج لتحقيق وإثبات لا يجوز طرحه أمام محكمة النقض لأول مرة ، مثال ذلك تمسك شركة التأمين بأن المصاب ليس من الركاب الذين تغطيهم وثيقة التأمين ، وتمسك الطاعن بأن من حقه الانتفاع بالامتداد القانوني لعقد إيجار شقة موضوع النزاع لأنه من أفراد عائلة المستأجر ويقيم فيها مع شقيقه الذي ترك له الشقة، والتمسك بتقادم الدعوى، أو بوجود عرف أو بانعدام صفة الخصم في الدعوى، أو بأن بعض الأسئلة التي وجهتها محكمة الموضوع للشاهد تلقينية ، فكل هذه الادعاءات تثير وقائع جديدة تقتضي تحقيقا أو إثباتا يخرج عن اختصاص محكمة النقض.
ويجب ذكر الأسباب في لائحة الطعن فلا يكفي تقديم مستند موضح لها، أو الإحالة إلى لائحة طعن آخر، كما لا يجوز إبداءها لأول مرة أمام المحكمة، أو تغييرها باستبدال غيرها بها، وهو ما يعرف بقاعدة تثبيت الأسباب(1).
ويجب أن تذكر أسباب الطعن واحدا واحدا بطريقة توضح العيوب التي ينسبها الطاعن للحكم وموضوعها وأثرها في قضائه وبيان وجه الصواب في نظره، فيلزم تبيان هذه الأسباب بطريقة تبعد عنها الغرر والجهالة، وتمكن المدعى عليه من فهمها بطريقة تساعده في تحضير دفاعه، ويبطل الطعن إذا اقتصر على ذكر الأسباب مبهمة لا تمكن المحكمة من استظهار دلائل محددة لما يدعيه الطاعن، كالقول بأن الحكم مخالف للقانون أو باطل أو غامض، أو متناقض لأن هذا يعد كلاما عاما مجردا .(2) فعدم اشتمال لائحة الطعن على موطن القصور وتحديد العيب بما ينفي عنه الغموض والجهالة وبيان وجه الصواب يعد مخالفة لأحكام المادة 228/4 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية.(3)
نطاق قضية الطعن بالنقض
يقتصر نطاق قضية الطعن بالنقض على الحكم المطعون فيه دون غيره من الأحكام الصادرة في الخصومة، فإذا صدر في الخصومة حكمان قابلان للطعن بالنقض وطعن الطاعن في حكم منهما فإن الطعن لا يشمل الحكم الآخر حتى لو كان الحكم غير المطعون فيه صادرا قبل الفصل في الموضوع.
فإذا لم يضمن الطاعن لائحة الطعن القرارات السابقة غير المنهية للخصومة ، لا يجوز لمحكمة النقض أن تنظر مدى مخالفتها للقانون. فالطعن بالنقض يقتصر على الجزء المطعون فيه من الحكم دون غيره . فإذا تضمن الحكم الفصل في طلبين واقتصر الطعن على ما فصل فيه في أحد الطلبين لا تبحث المحكمة سواه ، ولو تضمن الجزء الآخر من الحكم عيوبا متعلقة بالنظام العام، وذلك لأن مفترض إثارة هذه العيوب من تلقاء المحكمة أن تكون بشأن طعن قائم أمامها. فإذا اقتصر الطعن على قضاء الحكم المطعون فيه في موضوع الاستئناف دون شكله ، فالجزء من الحكم الذي لم يطعن فيه يصبح باتا ولا يجوز المساس به .(1)
(1) نصت المادة 259 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري على أنه ( يجوز للمدعى عليهم في الطعن قبل انقضاء الميعاد المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة السابقة – أي ميعاد تقديم اللائحة الجوابية- أن يدخلوا في الطعن أي خصم في القضية التي صدر فيها الحكم المطعون فيه لم يوجه إليه الطعن ، ويكون إدخاله بإعلان بالطعن ..) كما نصت المادة 260 منه على أنه ( يجوز لكل خصم في القضية التي صدر فيها الحكم المطعون فيه لم يعلنه رافع الطعن بطعنه أن يتدخل في قضية الطعن ليطلب الحكم برفض الطعن ، ويكون تدخله بإيداع مذكرة بدفاعه قلم الكتاب قبل انقضاء الميعاد المحدد في الفقرة الأولى من المادة 258 – أي مدة تقديم اللائحة الجوابية – مشفوعة بالمستندات التي تؤيده). ولا يوجد نص مماثل في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الفلسطيني .
(1) نقض مدني 33/2003 تاريخ 16/11/2003 ج 2 ص 563، نقض مدني 7/2008 تاريخ 6/3/2008 ج 4 ص 552.
(2) نقض مدني 84/2007 تاريخ 2/9/2008 ج 4 ص 654، نقض مدني 299/2008 تاريخ 16/10/2008 ج 4 ص 489.
(1) نقض مدني 83/2007 تاريخ 16/10/2008 ج 4 ص 326.
(2) د. أحمد هندي، 2002 ص 1076.
(1) د. عبد العزيز بديوي المرجع السابق، ص 46.
(2) نقض مدني 46/2004 تاريخ 5/5/2004 ج 2 ص 633، نقض مدني 73/2005 تاريخ 14/1/2006 ج 2 ص 748، نقض مدني 83/2005 تاريخ 5/2/2006 ج 2 ص 758، نقض مدني 89/2006 تاريخ 14/2/2007 ج 3 ص 382، نقض مدني 196/2006 تاريخ 27/5/2008 ج 4 ص 678، نقض مدني 205/2006 تاريخ 10/7/2008 ج 4 ص 744.
(3) نقض مدني 199م2005 تاريخ 3/5/2006 ج 2 ص776، نقض مدني 185/2005 تاريخ 30/9/2006 ج 2 ص 784، نقض مدني 64/2006 تاريخ 20/6/2007 ج 3 ص 427
(1) د. أحمد هندي 2002، ص 1073 – 1074 .