التحويل المصرفي هو عملية يقوم المصرف بموجبها -بناء على أمر صار إليه من أحد عملائه-بنقل مبلغ معين من النقود من حساب هذا العميل إلى حساب آخر لذات العميل أو لشخص آخر، وذلك بأسلوب القيود الحسابية فقط. (1)
وهي عملية تتسم بالتلقائية والسرعة في الإنجاز، بعيدا عن المشاكل التي تثيرها الحوالة العادية للحق، أو التي يثيرها إصدار الشيكات والتعامل بها. لذلك يعد التحويل المصرفي أبسط العمليات المصرفية وأقلها كلفة، إذ تحقق هذه العملية انتقال مبلغ من النقود من شخص لآخر بواسطة قيود يجريها المصرف في حسابات العملاء لديه، بناء على رغبة ذوي الشأن.
ولا يهم نوع العملة التي يتم بها هذا التحويل، وطنية كانت أم أجنبية. كما لا يهم أن يكون التحويل بين حسابين عاديين لنفس الشخص في ذات المصرف، أو بين حسابين لشخصين مختلفين، في ذات المصرف أو في مصرفين مختلفين، من ذات الجنسية أو الموطن، أو من جنسيتين أو موطنين مختلفين، في ذات البلد أو كل منهما في بلد مختلف. من أشخاص القانون الخاص، أو من أشخاص القانون العام. سواء كان التحويل لعمل مدني؛ بعوض أو على وجه التبرع، أو عمل تجاري. على المستويين الداخلي والدولي.
ورغم أهمية التحويل المصرفي وانتشاره في العمل، إلا أن قانون التجارة رقم 12 لسنة 1966 لم ينظم أحكامه ضمن القواعد التي تنظم بعض العمليات المصرفية، ولكن تمت الإشارة إليه عرضا في المادتين 258 و259 اللتين تنظمان الشيك المعد للقيد في الحساب.
بينما نص في المادة 122 منه على أن العمليات المصرفية غير المذكورة في هذا الباب تخضع لأحكام القانون المدني المختصة بالعقود المختلفة (الناجمة عن العمليات المذكورة أو العقود التي تتصف بها هذه العمليات).
في حين نظم مشروع قانون التجارة الفلسطيني التحويل المصرفي في الفصل الخامس من الباب الثالث الخاص بعمليات المصارف، في المواد (354-368) منه.(2)
لذلك نبحث أحكام التحويل المصرفي من الناحية القانونية وفق أحكام المشروع، في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: التعريف بالتحويل المصرفي، وأهميته، وخصائصه، وصوره.
المبحث الثاني: عناصر عملية التحويل المصرفي.
المبحث الثالث: آثار التحويل المصرفي.
المبحث الأول
التعريف بالتحويل المصرفي، وأهميته، وخصائصه، وصوره
التعريف بالتحويل المصرفي:
نصت المادة 359 من المشروع على أن: التحويل المصرفي عملية يقيد المصرف بمقتضاها مبلغا معينا في الجانب المدين من حساب الآمر بالتحويل –بناء على أمر كتابي منه-وفي الجانب الدائن من حساب آخر، ويجوز بهذه العملية إجراء ما يأتي:
- تحويل مبلغ معين من شخص إلى آخر، لكل منهما حساب لدى المصرف ذاته، أو لدى مصرفين مختلفين.
- تحويل مبلغ معين من حساب إلى آخر كلاهما مفتوح باسم الآمر بالتحويل لدى المصرف ذاته، أو لدى مصرفين مختلفين.
ويتبين من هذا التعريف أن التحويل المصرفي يفترض وجود حسابين مصرفيين مستقلين، أيا كان نوعهما، سواء كانا باسم العميل الآمر بالتحويل نفسه، أو باسم العميل الآمر بالتحويل وعميل آخر، وسواء كان الحسابان في المصرف ذاته؛ أو في مصرفين مختلفين. حيث يتم نقل مبلغ من حساب الآمر بالتحويل إلى حساب آخر، بواسطة قيد المبلغ في الجانب المدين من حساب الآمر بالتحويل، وقيده ثانية في الجانب الدائن من حساب المستفيد، وبإجراء هذا القيد يتحقق نقل الحقوق المالية دون نقل النقود، ويتم وفاء الآمر بالتحويل المصرفي بالتزامه نحو المستفيد من الأمر؛ وتبرأ ذمته تجاه دائنه دون الحاجة إلى سحب النقود من حسابه في المصرف وحملها إلى دائنه، لذلك أطلق على عملية القيد المزدوج (النقود القيدية). (3)
أهمية التحويل المصرفي:
يعد التحويل المصرفي أداة لنقل النقود، وأداة للوفاء بالالتزامات بطريق القيود الحسابية دون استعمال النقود، ولذلك فإن له أهمية اقتصادية، وأهمية قانونية.
فمن الناحية الاقتصادية، يقلل من استخدام العملة المتداولة؛ ومن الحاجة إلى الاحتفاظ بكميات كبيرة منها، وهو ما يسهل من توجيه النقود للعمل على زيادة الإنتاج، ويخفف من آثار التضخم كظاهرة ناشئة عن زيادة السيولة النقدية التقليدية في التعامل.
ومن الناحية القانونية، يمكن الوفاء بالالتزامات بطريق القيود الحسابية دون استعمال النقود أو الحاجة إلى تسليم محل الالتزام نقدا.
ويقترب التحويل المصرفي من حيث الوظيفة، واشتراط أن يكون مكتوبا، وأنه لا يتم بموجبه دفع المبلغ أو الوفاء بالدين إلا عن طريق مصرف، من الشيك كورقة تجارية، غير أن هناك اختلافا بينهما من عدة وجوه، لأن لكل منهما شروطا ونتائج مختلفة أهمها:
- يستلزم الأمر في التحويل المصرفي وجود حسابين مصرفيين لنفس الشخص أو لشخصين مختلفين، بينما في الشيك يكون للساحب حساب في المصرف المسحوب عليه.
- التحويل المصرفي يستبعد الوفاء النقدي بقيمة الأمر كليا، حيث لا يمكن تنفيذه إلا عن طريق قيد حسابي من حساب الآمر إلى حساب المستفيد. بينما الأسلوب المعتاد أن يتم الوفاء بقيمة الشيك نقدا، ما لم يطلب الحامل الشرعي له قيد قيمته في حسابه المفتوح لدى المصرف، أو أن يشترط الساحب هذا القيد، بكتابة عبارة (للقيد في الحساب) على الشيك.
- في التحويل المصرفي لا يوجد بيانات محددة لفظا من قبل المشرع يلزم مراعاتها عند إصدار الأمر بالتحويل من قبل العميل، بينما نص القانون على وجوب توافر بيانات معينة في الشيك على الساحب عدم إغفالها وإلا فقد الشيك صفته كورقة تجارية.
- لا يجوز إصدار التحويل المصرفي لحامله حيث منع القانون ذلك، بينما يجوز إصدار الشيك لحامله ويتم تداوله بطريق التسليم.
- لا يتملك المستفيد من الأمر بالتحويل المصرفي مقابل وفائه بمجرد إصداره، كما هو الحال في الشيك حيث تنتقل ملكية الوفاء من الساحب إلى المستفيد بمجرد إصدار الشيك.
- التحويل المصرفي عملية محصورة بين شخصين هما الآمر والمستفيد، بينما يجوز للمستفيد في الشيك عموما تظهيره إلى شخص آخر لينقل حقه فيه إلى المظهر إليه.
- يعد الوفاء بطريق التحويل المصرفي نهائيا بمجرد القيد في حساب المستفيد، بينما لا يبرأ ساحب الشيك والموقعين عليه إلا بالوفاء الفعلي لحامله، لأن الشيك كأداة وفاء معلق على شرط التحصيل.
- لا يلزم المستفيد من الأمر بالتحويل بتقديمه إلى المصرف خلال مدة معينة من تاريخ تحريره، في حين يلزم حامل الشيك بذلك.
- إصدار الأمر بالتحويل المصرفي دون وجود رصيد لا يشكل جريمة جزائية، ولا يعرض الآمر للعقوبة، بينما إذا كان الشيك دون رصيد كاف في المصرف المسحوب عليه، يعاقب الساحب في مختلف القوانين الجزائية لارتكابه جريمة إصدار شيك دون رصيد.
خصائص التحويل المصرفي:
- يعد التحويل المصرفي بالنسبة للمصرف عملا تجاريا بحكم ماهيته الذاتية باعتباره من أعمال المصارف وفق الفقرة الأولى من المادة 6 من قانون التجارة. أما بالنسبة للآمر بالتحويل المصرفي فإنه يعتبر عملا تجاريا بالتبعية إذا قام به لغايات تجارته.
- تشترط غالبية التشريعات – ومنها المشروع الفلسطيني-أن يكون أمر التحويل المصرفي كتابيا، لذلك فإن التحويل المصرفي يعد تصرفا قانونيا شكليا.
- لا يجوز أن يصدر الأمر بالتحويل المصرفي لحامله.
صور التحويل المصرفي:
للتحويل المصرفي صورتان رئيستان:
الصورة الأولى: تتم في مصرف واحد، وذلك في حالتين:
- أن يكون الحسابان موضوع التحويل لذات العميل الذي أصدر الأمر بالتحويل، بأن يصدر العميل الآمر إلى المصرف الذي يتعامل معه أمرا بنقل مبلغ معين من أحد حساباته إلى حساب آخر للعميل نفسه في ذات المصرف. وفي هذه الحالة لا يحدث تغيير في مجموع حسابات العميل لدى المصرف؛ إذ يقيد المصرف المبلغ المنقول في الجانب المدين من حساب العميل الأول إلى الجانب الدائن في حسابه الآخر.
- أن يكون التحويل من حساب عميل إلى حساب عميل آخر في المصرف ذاته، وذلك بقيد المبلغ في الجانب المدين من حساب العميل الآمر بالتحويل، ثم قيده مرة أخرى في الجانب الدائن من حساب العميل المستفيد من أمر التحويل. وبذلك ينقص جانب أصول حساب العميل الآمر ليزيد بذات القدر حساب العميل المستفيد، ولا يحدث تغيير في هذه الحالة في مجموع أرصدة المصرف.
الصورة الثانية: أن يتم التحويل المصرفي في مصرفين مختلفين، وذلك في حالتين:
- أن يكون لشخص واحد حسابين في مصرفين مختلفين، ويصدر أمره بتحويل مبلغ معين من حسابه في أحد المصرفين إلى حسابه في المصرف الآخر، حيث تتم تسوية هذه العملية بين المصرفين بطريق المقاصة.
- أن يكون شخص مدين لآخر؛ ويريد سداد دينه عن طريق التحويل المصرفي، ويكون حسابه في مصرف؛ وحساب دائنه المستفيد من أمر التحويل في مصرف آخر، فيطلب من مصرفه أن يحول مبلغا بمقدار الدين إلى حساب الدائن لدى المصرف الآخر. وفي هذا الفرض يتطلب تنفيذ تحويل النقود من مصرف العميل الآمر إلى مصرف المستفيد من الأمر تعاون المصرف الأخير. وفي الغالب تتم تسوية العمليات بين المصرفين عن طريق غرفة المقاصة لدى سلطة النقد التي مهمتها الرئيسة تصفية العلاقات التي تنشأ بين المصارف عن عمليات التحويل المصرفي وتبادل الشيكات.
المبحث الثاني
عناصر عملية التحويل المصرفي
يتبين من تعريف التحويل المصرفي أنه يتكون من عنصرين: الأول، أمر بالتحويل صادر من عميل المصرف. والثاني، تنفيذ هذا الأمر من قبل المصرف. ونبين مفهوم هذين العنصرين في مطلبين على التوالي.
المطلب الأول
إصدار الأمر بالتحويل المصرفي
تستند عملية التحويل المصرفي إلى أمر بالتحويل صادر من عميل المصرف، يتم بموجبه الطلب إلى المصرف تحويل الأموال المودعة لديه من حساب إلى آخر.
وهذا الأمر بالتحويل هو تصرف قانوني ينشأ بإرادة منفردة هي إرادة العميل الذي أصدر الأمر للمصرف، لذلك فإنه يخضع إلى مستلزمات القواعد العامة باعتباره تصرفا قانونيا، فضلا عن أنه تصرف إرادي شكلي. لذلك يلزم لصحة هذا الأمر تحقق نوعين من الأركان؛ الموضوعية والشكلية على التفصيل التالي.
الفرع الأول
الأركان الموضوعية
يشترط لحصة وجود التحويل المصرفي باعتباره تصرفا إراديا انفراديا، توافر الأركان اللازمة لصحة التصرفات القانونية وهي الرضا الصادر عن ذي أهلية، والمحل والسبب.
بالنسبة للرضا، يشترط أن يكون الأمر بالتحويل المصرفي صادرا من شخص يتمتع بالأهلية، وهي أهلية التصرف، وخاليا من العيوب التي تفسد الرضا وفقا للقواعد العامة كالغلط والإكراه والتغرير المقترن بغبن فاحش. ويستفاد رضا الآمر بالتحويل من صدور الأمر منه إلى المصرف.
كما أن الأمر بالتحويل يتطلب رضا المستفيد والمصرف، لأن تنفيذ هذا الأمر يتطلب وجود علاقتين قانونيتين سابقتين على إصداره، الأولى بين المصرف والعميل كأثر لعقد الحساب المصرفي الذي تم بينهما، والثانية بين العميل الذي أصدر أمر التحويل والمستفيد من الأمر.
ويستفاد رضا المستفيد من تلقيه إخطارا من المصرف بتنفيذ التحويل وعدم اعتراضه، إذ يعد ذلك قبولا منه للعملية. كما يمكن أن يستفاد من تسلمه الأمر بالتحويل من الآمر وقبوله أن يتولى تسليم أمر التحويل إلى المصرف.
أما رضا المصرف فيستفاد منذ أن قبل فتح حساب للعميل لديه، إذ أنه يلتزم بمقتضى هذا الحساب بإجراء القيود التي يصدر بها أمر من العميل.
وبالنسبة للمحل، فإن محل التصرف القانوني الصادر عن الآمر بالتحويل هو المبلغ الذي يطلب تحويله من حسابه إلى حساب آخر، على أن يكون المبلغ معينا، وهو دائما مشروع وممكن كونه من النقود.
أما السبب، بالنسبة للآمر بالتحويل المصرفي، بمعنى الغرض المباشر المقصود من التصرف، فقد يكون وفاء لدين في ذمته لمصلحة المستفيد كقرض أو ثمن بضاعة، أو رغبة في التبرع للمستفيد أو تقديم قرض له … إلى غير ذلك من الأمور التي يجب أن تكون مشروعة وغير مخالفة للنظام العام. ولكن لا يشترط ذكر السبب في الأمر بالتحويل المصرفي، لأن القانون يفترض أن لكل تصرف سبب موجود ومشروع، ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك.
الفرع الثاني
الركن الشكلي
التحويل المصرفي تصرف شكلي في قانون التجارة المصري ومشروع قانون التجارة الفلسطيني، حيث اشترطا شكلية معينة يتعين مراعاتها وهذه الشكلية تتمثل في الكتابة.
فالأمر بالتحويل المصرفي –كما جاء في المادة 359/1 من المشروع -هو أمر كتابي. ويشترط أن يكون الأمر بالتحويل مكتوبا بأسلوب ثابت وواضح. ولم يحدد القانون البيانات الضرورية التي يجب أن يتضمنها الأمر بالتحويل، غير أنه ما دام أن التحويل المصرفي هو أمر بنقل مبلغ من النقود من حساب الآمر إلى حساب المستفيد، فإن ذلك يتطلب أن يتضمن البيانات التي تمكن المصرف من تنفيذ الأمر، ومنها:
- اسم الشخص المستفيد المطلوب تحويل المبلغ لحسابه وعنوانه ورقم حسابه المطلوب نقل المبلغ إليه، ولو كان للآمر نفسه، والمصرف الذي فيه الحساب إن كان مصرفا آخر.
- الأمر بتحويل مبلغ معين.
- رقم الحساب المطلوب تحويل المبلغ منه.
- اسم وتوقيع الآمر بالتحويل.
وقد جرى العرف المصرفي المعاصر على أن يكون الأمر بالتحويل المصرفي في صورة نموذج مطبوع بشكل معين توزعه المصارف على عملائها، لأنه يوفر للمصرف سهولة في التدقيق والتنفيذ.
ولم يشترط المشرع طريقة معينة لتبليغ الأمر بالتحويل المصرفي للمصرف، لذلك يمكن أن يقدم العميل الآمر؛ أمر التحويل إلى المصرف باليد، أو أن يرسله بالبريد؛ أو بأي وسيلة من وسائل الاتصال الحديثة كالفاكس أو البريد الإلكتروني، كما يمكن أن يسلمه للمستفيد ليقوم بدوره بتسليمه للمصرف.
(1)(1) يسمى أيضا النقل المصرفي. ويرجع في ذلك إلى عوني حسني بدر، التحويل المصرفي، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق؛ جامعة عين شمس، 1979.
(2)(2) نقل المشروع نصوص هذه المواد عن المواد (329-337) من قانون التجارة المصري رقم 17 لسنة 1999، غير أن القانون المذكور استخدم تعبير (النقل المصرفي) بدل التحويل المصرفي، وهو تعبير أكثر دقة، في حين أن التعبير الأخير هو الشائع في الاستعمال لدى المصارف وفي مؤلفات المحاسبة.
(3)(3) محمد حسني عباس، عمليات البنوك، القاهرة، 1968، صفحة 33.