الدعوى في اللغة – ومثلها الادعاء – هي الزعم بوقوع واقعة أو بوجود حق أو نحو ذلك . أما في القانون فللدعوى معنيان :
معنى موضوعي ، ينظر إلى ماهية الدعوى أو طبيعتها القانونية من حيث كونها وسيلة قانونية لحماية الحق تنطوي على سلطة أو مكنة مخولة لصاحب الحق يستطيع بمقتضاها أن يلجأ إلى القضاء لحماية حقه أو المطالبة به . وتعد الدعوى بهذا المعنى عنصرا من عناصر الحق في القانون المدني ، إذ يتكلم هذا القانون عن الدعوى باعتبارها وسيلة لحماية الحق لا باعتبارها قضايا مطروحة فعلا أمام القضاء .
ومعنى إجرائي ، يستعمل في قانون أصول المحاكمات ، إذ تطلق كلمة الدعوى على الطلب الذي يقدم إلى القضاء ، وهذا هو المعنى الدارج والمألوف للكلمة ، فيقال إن فلانا رفع دعوى ، وإن الدعوى قد قيدت أو نظرت ، أو قبلت ، أو رفضت ، أو شطبت . وهذا المعنى الإجرائي تختلط فيه الدعوى بالمطالبة القضائية ، إذ يتخذ قانون أصول المحاكمات في كلامه عن الدعوى وجهة عملية فيفترض أن الأمر قد طرح على القضاء ، وأن المطالبة القضائية قد حصلت فعلا .
ولا يتضمن قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد تعريفا للدعوى، لأن التعريفات بصفة عامة أدخل في عمل الفقه منها في عمل المشرع ، بينما نجد أن مجلة الأحكام العدلية قد عرفت الدعوى في المادة 1613 بقولها ” الدعوى هي طلب واحد حقه من آخر في حضور الحاكم ويقال للطالب المدعي ، وللمطلوب منه المدعى عليه “.
فالدعوى هي وسيلة قانونية يتوجه بها الشخص صاحب الحق إلى المحكمة للحصول على تقرير حقه أو حمايته . وهي الوسيلة الحديثة التي استعيض بها عن عدم لجوء الشخص لاقتضاء حقه لنفسه بيده بعد أن أصبح ذلك غير جائز . واستعمال الدعوى أمر اختياري فهي رخصة لصاحب الحق الذي له مطلق الحرية في الالتجاء أو عدم الالتجاء إلى القضاء للمطالبة بحقه أو حمايته، فقد يفضل تجنب الالتجاء إلى القضاء بالتوصل إلى صلح مع المعتدي، أو يلجأ إلى محكم لما يقدمه نظام التحكيم من سهولة ويسر في الإجراءات، وقد يحجم عن استعمال حقه في الدعوى لأي سبب آخر.
مقومات الدعوى
بينت المجلة في الباب الأول من الكتاب الرابع عشر منها شروط الدعوى أو مقوماتها وهي :
- الأهلية، فقد نصت المادة 1616 من المجلة على أنه يشترط أن يكون المدعي والمدعى عليه عاقلين، فدعوى المجنون والصبي غير المميز ليست بصحيحة . ولكن يصح أن يكون أولياؤهم وأوصياؤهم مدعين عنهما أو مدعى عليهم بالولاية والوصاية . كما نصت المادة (79) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه “يجب أن يكون كل من طرفي الخصومة متمتعا بالأهلية القانونية التي تتعلق بها الدعوى وإلا وجب أن ينوب عنه من يمثله قانونا، فإن لم يكن له ممثل قانوني تعين المحكمة المختصة من يمثله “.
فهذين النصين يبينان أنه يجب أن يكون رافع الدعوى أهلا لمباشرتها وإلا كانت الدعوى غير صحيحة. فالأهلية شرط لصحة الدعوى وليست شرطا لصحة الإجراءات فيها، وعلى ذلك إذا باشر الدعوى من ليس أهلا لمباشرتها كانت دعواه غير مقبولة لتقديمها من غير ذي صفة فالقاصر وفاقد الأهلية لا صفة له في الذود عن حقه، ووسيلة التمسك بعدم توافر الأهلية هي الدفع بعدم قبول الدعوى وليس الدفع ببطلان الإجراءات.(1)
- أن يكون المدعى عليه معلوما، فإذا قال المدعي لي على واحد لا على التعيين من أهل القرية الفلانية أو بعضهم مقدار كذا، لا تصح دعواه ويلزمه تعيين المدعى عليه(2).
- حضور الخصوم حين الدعوى ، فإذا امتنع المدعى عليه عن المجيء إلى المحكمة وعن إرسال وكيل عنه ، فيعامل وفقا لما سيذكر في تتابع القضاء.(3)
- أن يكون المدعى به معلوما ، ولا تصح الدعوى إذا كان مجهولا(4).
- أن يكون المدعى به محتمل الثبوت ، فالدعوى بما وجدوه محالا عقلا أو عادة لا تصح ، ومن ثم إذا ادعى واحد على من كان أكبر منه سنا أو من نسب معروف بأنه ابنه لا تصح دعواه(5).
- أن تكون الدعوى على تقدير ثبوتها ملزمة للمدعى عليه بشيء ومستوجبة الحكم عليه به(1).
الدعوى والخصومة والقضية
ذكرنا سابقا أن للدعوى معنى موضوعي باعتبارها وسيلة قانونية لحماية الحق ، ومعنى إجرائي هو الطلب الذي يقدم إلى القضاء أو ما يعرف في الفقه بالمطالبة القضائية والتي تتم بإيداع لائحة الدعوى قلم كتاب المحكمة ، لذلك نصت المادة 55/1 على أنه ” تعتبر الدعوى مقامة من تاريخ قيدها بعد دفع الرسوم أو من تاريخ طلب تأجيل دفع الرسوم “.
أما الخصومة فإنها وفق المادة 55/2 تعتبر منعقدة من تاريخ تبليغ لائحة الدعوى للمدعى عليه، أي أنها تنشأ عندما يستوفي الشخص الذي تقدم بالمطالبة القضائية الإجراءات التي تطلبها القانون في تقديم لائحة الدعوى وقيدها وتبليغها، بحيث تصبح المحكمة ملزمة بنظرها .
والخصومة القضائية هي مجموع الإجراءات المتتابعة التي يقوم بها الخصوم أو وكلاؤهم والقاضي، والتي تبدأ من وقت تبليغ لائحة الدعوى بما في ذلك إبداء الدفاع بشأنها وتحقيقها، إلى وقت انتهائها بصدور الحكم الفاصل في موضوعها، أو انقضائها لأي سبب آخر .
وتختلف الدعوى عن الخصومة القضائية من نواح عدة منها :
- قد تنشأ الخصومة عن طريق اتباع الإجراءات التي تطلبها القانون ، ومع ذلك تكون الدعوى غير مقبولة لعدم توافر شروطها .
- انقضاء الخصومة لأي سبب من الأسباب دون الفصل في موضوعها لا يؤثر على حق الخصم إلا إذا سقط ذلك الحق بالتقادم أو التنازل عنه نهائيا . وفي هذه
الحالة يجوز أن تبدأ خصومة جديدة أمام القضاء موضوعها الدعوى السابقة . أما انقضاء الدعوى فإنه يؤدي حتما إلى زوال أصل الحق المدعى به .
- وسيلة التمسك بتخلف شرط من شروط صحة الدعوى هو الدفع بعدم القبول ، أما التمسك بتخلف شرط من شروط صحة الخصومة فهو الدفع ببطلان الإجراءات وهو دفع شكلي. ويميز قانون الأصول – كما سنرى – بين قواعد الدفوع الشكلية والدفع بعدم القبول ، كما يميز بين الحكم بعدم قبول الدعوى والحكم ببطلان الإجراءات .
أما القضية فإن الفقه لا يتفق على معنى محدد لهذا الاصطلاح رغم شيوعه في الحياة القضائية العملية ، ويمكن القول بأنه يستخدم عملا بمعنى شامل يتضمن الدعوى والخصومة معا ، فالدعوى هي موضوع القضية ، والخصومة هي إجراءاتها (1).
الدعوى وحق الالتجاء إلى القضاء
لكل شخص الحق في الالتجاء إلى القضاء ليعرض عليه مزاعمه ، إذ لا يتصور قصر حق التقاضي على من توافرت لديهم شروط قبول الدعوى لأنه لا يمكن التحقق من توافر هذه الشروط إلا بعد عرض الدعوى على القضاء ، فإذا توافرت شروط قبول الدعوى حكم له بما طلبه ، أما إذا لم تتوافر هذه الشروط ، كأن لم يكن المدعي صاحب الحق بالمدعى به ، أو ثبت عدم توافر شرط المصلحة أو سقوط حقه بالتقادم مثلا ، خسر دعواه .
ولا يعد إخفاق الشخص في دعواه دليلا على خطئه موجبا مسؤوليته ، بل يلزم للحكم على من خسر دعواه بالتعويض أن يكون سيئ النية ، أي أن يكون قد أساء استعمال حقه في الالتجاء إلى القضاء ، وهدف من رفع الدعوى مجرد الإضرار بالمدعى عليه .
وحق الالتجاء إلى القضاء أو حق التقاضي هو من الحقوق العامة التي كفلها القانون الأساسي للناس كافة عملا بالمادة 30/1 منه وهو لا ينقضي بالتقادم ، ولا يجوز التنازل عنه ولا يعتد بهذا التنازل لأنه مخالف للنظام العام . إنما يجوز تقييد هذا الحق، كأن يشترط المتعاقدان عرض ما قد ينشأ من نزاع في تنفيذ عقد معين على محكمين ، أو يوجب المشرع عرض نزاع معين على محكمين فنكون بصدد تحكيم إجباري .
(1) يرى جانب من الفقه أن الأهلية شرط لصحة إجراءات الدعوى، وإذا باشر الدعوى من ليس أهلا لمباشرتها كانت دعواه مقبولة ولكن تكون إجراءات الخصومة باطلة، ووسيلة التمسك بعدم توافر الأهلية هي الدفع ببطلان الإجراء وليس الدفع بعدم قبول الدعوى. ويقول د. أحمد المليجي أن محكمة النقض المصرية قد أيدت هذا الرأي أي أن الدعوى شرط لصحة الخصومة. جزء أول، صفحة 181. وهذا الرأي لا يتفق مع نص المجلة المطبق في فلسطين.
(2) المادة 1617 من المجلة.
(3) المادة 1618 من المجلة.
(4) المادة 1618 من المجلة.
(5) المادة 1629 من المجلة .
(1) المادة 1630 من المجلة.
(1) د. وجدي راغب، الموجز في مبادئ القضاء المدني ( قانون المرافعات) طبعة 1977 ص 97 .