المطلب السادس
صحة التراضي
لكي يكون التراضي صحيحاً يجب أن يصدر عن ذي أهلية ، عن وعي حر ، وأن يكون خالياً من أي عيب من العيوب . وقد تناولنا أحكام الأهلية في نظرية الحق لذلك نحيل إليها .
أما عيوب الإرادة التي تفسد الرضا فهي كما وردت في القانون المدني : الإكراه، التغرير والغبن، والغلط .
الفرع الأول
الإكراه
تعريف الإكراه :
عرفت المادة 948 من مجلة الأحكام العدلية الإكراه بأنه ” إجبار أحد على أن يعمل عملا بغير حق من دون رضاه بالإخافة “.
وعرفته المادة (135) من القانون المدني بأنه ” إجبار الشخص بغير حق على أن يعمل عملا دون رضاه ” .
فالإكراه إذن هو ضغط على إرادة المتعاقد يفسد رضاه فيضطره إلى التعاقد ، رغم عدم رغبته في تحمل الآثار التي تترتب على العقد .
فالمكره إرادته موجودة ولكن خير بين ضررين هما إبرام العقد أو يقع به المكروه الذي هدد به ، فاختار أهونهما ، إلا أن الإرادة التي صدرت منه ليست حرّة مختارة .
والإكراه نوعان :
إكراه مادي ، إذا بدء المكرِه في إلحاق الضرر بالمكرَه بالفعل كأن يقوم بضربه ضرباً مبرحاً أو تعذيبه فيضطر إلى قبول العقد تخلصاً من استمرار الألم . وهو نادر في الوقت الحاضر
وإكراه معنوي ، فيكون بالتهديد بإلحاق ضرر معين بالشخص لحمله على توقيع العقد فيقوم بتوقيعه خوفاً من وقوع الضرر المهدد به تفادياً للألم المستقبل . وهذا النوع هو الأكثر وقوعاً لذلك ينصرف إليه الكلام في الغالب .
ويعد الإكراه عيبا من عيوب الرضا يؤثر في التصرفات القانونية سواء كان تهديدا بخطر جسيم محدق يلحق بالجسم أو المال (ويسمى الإكراه الملجأ)، كالتهديد بالقتل ، أو بحرق المزروعات ، أو بإذاعة أسرار تمس الشرف والاعتبار .
أم كان موجباً للغم والألم فقط (ويسمى إكراها غير ملجأ) ، كالضرب غير المبرح ، والحبس غير المديد .
شروط الطعن بالإكراه :
يشترط في الإكراه حتى يعد عيباً من عيوب الرضا شرطان هما :
- عدم مشروعية التهديد : أي أن يكون دون حق ، وذلك بأن يكون الغرض من التهديد غير مشروع ، سواء كانت وسيلة التهديد مشروعة أم غير مشروعة(1) .
- أن يبعث التهديد رهبة في نفس المتعاقد تحمله على التعاقد ، ويكون ذلك :
- إذا كان المكره بالوسيلة التي اختارها للإكراه قادراً على تحقيق ما هدد به.
- أن يغلب على ظن المكره وقوع ما هدد به إن لم يفعل ما أكره عليه . بمعنى أن الرهبة من الخطر قد أحاطت فورا بالمتعاقد ، فلم يجد لدفع الخطر غير قبول التعاقد . سواء كان وقوع الخطر ذاته حالا أم مستقبلا .
وجسامة الخطر والتناسب بين وسيلة الإكراه والعمل الذي يراد الإكراه على إتيانه ، أمر يقدره قاضي الموضوع وفق الحالة النفسية للشخص الذي وقع عليه التهديد ، فهو يختلف باختلاف الأشخاص وسنهم ، وحالتهم الصحية والاجتماعية . مع مراعاة ظروف الزمان والمكان ، فالليل غير النهار ، والمنطقة النائية غير المنطقة الآهلة القريبة من رجال الأمن .
والخطر إما أن يتهدد المتعاقد نفسه في جسمه أو ماله أو شرفه ، وإما أن يهدد شخصا تربطه بالمتعاقد رابطة القرابة أو النسب أو الصداقة الحميمة . ويقدر القاضي علاقة المتعاقد بمن يتهدده الخطر في كل حالة وفق ظروفها الخاصة .
ممن يصدر الإكراه :
يصدر الإكراه
- من أحد المتعاقدين .
- من الغير .
- كما قد يتهيأ مصادفة . كما لو أشرف طفل على الغرق فاستغل شخص هذا الظرف ليحصل من والده على تعهد بدفع مبلغ كبير من المال إذا قام بإنقاذه . أو كان مريض في حالة خطر فاستغل الطبيب ذلك للحصول على تعهد بدفع أجر باهظ نظير إسعافه أو إجراء عملية جراحية له … الخ.
حكم الإكراه :
يكون العقد موقوفا على إجازة المكره أو ورثته بعد زوال الإكراه عنه .
(1)(1) وسيلة تهديد مشروعة ، مثل تهديد تاجر بإعلان إفلاسه ، أو تهديد شخص بالإبلاغ
عن جريمة ارتكبها إذا لم يوقع على عقد معين أو يدفع مبلغا معينا .
وغير مشروعة كالتهديد بالقتل أو التشهير بالشخص لوجود علاقة له بامرأة معينة .