المطلب الخامس
بعض الصور الخاصة لحجز مال المدين لدى الغير
أورد قانون التنفيذ أحكاما خاصة لحجز بدل إيجار العقار العائد للمدين، وحجز الأسهم والسندات، وحجز الرواتب والأجور والمعاشات وما في حكمها، وهناك صورة أخرى لم يرد النص عليها في القانون وهي الحجز تحت يد النفس.
ونفرد لهذه الصور الخاصة الفروع الأربعة الآتية:
الفرع الأول: حجز بدل إيجار أموال المدين.
الفرع الثاني: حجز الأسهم والسندات.
الفرع الثالث: الحجز على الرواتب والمعاشات والأجور وما في حكمها.
الفرع الرابع: الحجز تحت يد النفس.
الفرع الأول
حجز بدل إيجار أموال المدين
نصت المادة (71) من قانون التنفيذ على أنه:
- يجوز حجز بدل إيجار أموال المدين المنقولة وغير المنقولة كما يجوز حجز أجرته عن الأعمال والخدمات الخصوصية التي يكون مستخدما بها على ألا يحجز أكثر من ربعها.
- لا يسمع ادعاء المستأجر بأنه دفع بدل الإيجار إذا كان الدفع وقع بصورة مخالفة للشروط المدرجة في عقد الإيجار المصدق أو بصورة مخالفة لعرف البلدة وعاداتها إلا إذا ثبت الدفع على حدة.
ويتبين من هذا النص أنه أجاز للدائن الحجز على إيجار أي مال منقول أو غير منقول (عقار) عائد لمدينه تحت يد المستأجر، وفق إجراءات حجز مال المدين لدى الغير. ورغم أن هذه الحالة تندرج تحت أحكام حجز ما للمدين لدى الغير، إلا أن المشرع أفرد لها نص المادة (71) لخصوصيتها، حيث قرر عدم جواز الحجز على الأجرة أكثر من الربع.
كما شمل النص أجرة المدين عن الأعمال والخدمات الخصوصية التي يكون مستخدما بها، ويقصد بهذه الحالة العمل أو الخدمة لمرة واحدة أو لفترة قصيرة غير منتظمة، لأن هذه الحالة لا تدخل ضمن نص المادة (51) من قانون التنفيذ التي تحظر الحجز على الأجور والرواتب بالنسبة للعمل المنتظم والمستمر إلا بمقدار الربع.
الفرع الثاني
حجز الأسهم والسندات
فرق المشرع في طريقة الحجز بين الأسهم والسندات القابلة للتداول، وبين الأسهم والسندات غير القابلة للتداول على النحو التالي:
أولا: السندات القابلة للتداول.
نصت المادة (107) من قانون التنفيذ على أن (الأسهم والسندات والحوالات الموجودة في حوزة المدين يكون حجزها بالأوضاع المقررة لحجز المنقول إذا كانت لحاملها أو قابلة للتداول بطريق التحويل أو التظهير أو ما شابه ذلك من الطرق والوسائل الفنية التي يعتمدها القانون لتداول الأوراق المالية).
ويتبين من هذا النص أن المشرع اعتبر الأسهم والسندات القابلة للتداول بالطرق التجارية أي سواء بالمناولة أو بالتظهير، الموجودة في حيازة المدين من قبيل المنقول المادي لذلك يجري الحجز عليها بطريق الحجز لدى المدين نفسه، وسبب ذلك أن الحق في السند في هذه الحالة يندمج مع الورقة فتصبح كأنها منقول مادي يكون حائزه مالكا له، ما لم تكن موجودة كوديعة لدى شخص آخر؛ فيتم الحجز عليها بطريق الحجز لدى الشخص الثالث.
ثانيا: الأسهم والسندات غير القابلة للتداول.
نصت المادة (108) من قانون التنفيذ على أنه:
- الأسهم والسندات الموجودة في حوزة المدين والمحررة للاسم أو المشروطة لحاملها وكذلك الإيرادات المرتبة وحصص الأرباح المستحقة في ذمة أي من الأشخاص المعنويين وحقوق الموصين في الشركات تحجز بالأوضاع المقررة لحجز الأموال في يد شخص ثالث.
- تلتزم الجهة التي أصدرت الأسهم والسندات المحررة للاسم والجهة المسئولة عن سداد الإيرادات وحصص الأرباح وحقوق الموصين، شركة كانت أو أي شخص معنوي آخر، وبمجرد تبليغها بالحجز بصفتها شخصا ثالثا بأن تضع شرحا على قيد هذه الأوراق يقضي بعدم نقلها لاسم آخر.
- يترتب على حجز الحقوق المشار إليها في البند (1) أعلاه حجز ريعها وما استحق منها إلى يوم البيع.
وهذا النص اعتبر الأسهم والسندات غير القابلة للتداول والتي هي باسم المدين وحصص الأرباح الناتجة عنها حقوقا للمدين لدى الغير وبالتالي يتم الحجز عليها لدى الشركة أو الشخص المعنوي المصدر لها باعتباره شخصا ثالثا. ويجب اتباع الإجراءات وتوافر الشروط اللازمة لسلوك حجز مال المدين لدى الغير السابق شرحها.
ولذلك يتم الحجز على هذه الأشياء بتبليغ بالحجز يوجه إلى الشركة أو الجهة المصدرة بصفتها شخصا ثالثا محجوزا لديه، وعليه بمجرد تبليغه بالحجز أن يؤشر على قيد تلك الأوراق بما يفيد الحجز وعدم انتقالها إلى شخص آخر أو عدم صرف أرباحها أو العائد منها إلى يوم البيع.
ولا يجري بيع الأسهم والسندات أيا كان نوعها وفقا لقانون التنفيذ بواسطة مأمور الحجز، وإنما تباع بواسطة إحدى الجهات المتخصصة قانونا التي يعينها قاضي التنفيذ بناء على طلب يقدمه إليه طالب الحجز، أي بواسطة أحد البنوك أو سوق الأوراق المالية؛ أو سمسار، ويبين قاضي التنفيذ في قراره ما يلزم اتخاذه من إجراءات الإعلان
الفرع الثالث
الحجز على الرواتب والمعاشات والأجور وما في حكمها
نصت المادة (51) من قانون التنفيذ على أنه (لا يجوز الحجز على الأجور والرواتب والمكافآت وملحقاتها من علاوات وبدلات وما يستحق من معاشات ومكافآت أو ما يقوم مقامها (وفقا لقانون التقاعد العام) إلا بمقدار الربع، وفي حالة تزاحم الديون تكون لديون النفقة المقررة أولوية في الاستيفاء).
ويعتبر الحجز المقرر على ربع الراتب أو المعاش أو الأجر أو المكافأة من صور حجز ما للمدين لدى الشخص الثالث (الغير).
ولم يحدد المشرع نوع الدين الذي يجوز توقيع الحجز من أجله في حدود الربع، لذلك يجوز توقيع الحجز لأي نوع من الديون؛ سواء كان دين نفقة أو غيره من الديون. ولكن في حالة تزاحم الديون فإنها تشترك جميعا في الربع، ويكون لدين النفقة أولوية في الاستيفاء، فإن بقي شيء من الربع يكون لباقي الديون الأخرى.
ويسري الحجز على ربع الراتب أو المعاش وما في حكمه بتبليغ ورقة الحجز إلى الجهة المراد الحجز لديها، وقد نصت المادة (52) من قانون التنفيذ على أنه:
- يجب على الموظف المختص بدفع الرواتب والأجور والمكافآت وما في حكمها (بصفته شخصا ثالثا) أن يخطر دائرة التنفيذ خلال أسبوع من تبليغها له بتوقيع الحجز بقيامه بإجراء الحجز، وأن يبين مقدار الراتب المخصص للمدين، ويعلمها بكل تبدل يطرأ على وظيفة المدين وراتبه.
- فإذا لم يقتطع من الراتب ما هو مقرر حجزه قانونا أو اقتطعه ناقصا، تحصل دائرة التنفيذ من راتب ذلك المأمور أو من أمواله الأخرى المبلغ الذي قصّر في قطعه وتوقيفه دون أن تكون مضطرة للحصول على حكم عليه بذلك، وللمأمور الحق في الرجوع على المدين بما حصّل منه.
ويسري هذا الحكم على أجور وحقوق العمال وفق قانون العمل وعلى حقوق الموظفين وفق قواعد قانون التقاعد العام.
الفرع الرابع
الحجز تحت يد النفس
تثور هذه المسألة عندما يكون الشخص دائنا لآخر ومدينا له في ذات الوقت، كما لو كان مدينا بمبلغ من المال؛ أو مستعيرا لمنقول أو مودعا لديه ويجب عليه ردّه، ولم تتوفر في دينه والدين الذي عليه شروط التمسك بالمقاصة القانونية، حيث يثور السؤال هل يجوز له أن يحجز تحت يده على ما في ذمته لدائنه؟
لم يرد في قانون التنفيذ نص يعالج هذه الحالة، كما هو في كل من نص المادة (349) من قانون المرافعات المصري التي نصت على أنه (يجوز للدائن أن يوقع الحجز تحت يد نفسه على ما يكون مدينا به لمدينه، ويكون الحجز بإعلان إلى المدين يشتمل على البيانات الواجب ذكرها في ورقة إبلاغ الحجز.
وفي الأحوال التي يكون فيها الحجز بأمر من قاضي التنفيذ يجب على الحاجز خلال الثمانية أيام التالية لإعلان المدين بالحجز أن يرفع أمام المحكمة المختصة الدعوى بثبوت الحق وصحة الحجز وإلا اعتبر الحجز كأن لم يكن).
كما نص قانون التنفيذ الأردني الجديد رقم 25 لسنة 2007 في المادة (32) على أنه (للدائن نفسه أن يوقع الحجز على ما تحت يده بما يكون مدينا به لمدينه).
ونحن نرى أنه رغم عدم النص على هذه الحالة في قانون التنفيذ الفلسطيني إلا أنه يجوز للشخص إذا كان دائنا ومدينا في ذات الوقت أن يحجز تحت يد نفسه على ما يكون في ذمته لمدينه وفق إجراءات حجز مال المدين لدى الغير، ونقترح أن ينص المشرع على ذلك صراحة وفق ما هو في كل من القانونين المصري والأردني.
المبحث الثالث
حجز الأموال المنقولة في يد المدين وبيعها
دراسة حجز الأموال المنقولة في يد المدين وبيعها تتناول شروط الحجز على منقولات المدين لدى المدين نفسه، وإجراءات حجز الأموال المنقولة في يد المدين، والعقبات التي تواجه هذا الحجز، ثم إجراءات بيع الأموال المنقولة المحجوزة في مطالب أربعة.
المطلب الأول: شروط حجز المنقولات لدى المدين نفسه.
المطلب الثاني: إجراءات حجز الأموال المنقولة في يد المدين.
المطلب الثالث: العقبات التي تواجه الحجز على المنقولات.
المطلب الرابع: إجراءات بيع الأموال المنقولة المحجوزة.
المطلب الأول
شروط حجز الأموال المنقولة لدى المدين
بالإضافة إلى الشروط العامة للحجز، يشترط للحجز على منقولات المدين لدى المدين نفسه ما يلي:
أولا: أن يكون محل الحجز منقولا ماديا: سواء كان منقولا بطبيعته، كالمأكولات والبضائع والأثاث والحيوانات والسيارات والسفن والطائرات وغيرها. أم منقولا بحسب المآل؛ ومن ذلك الأشجار المعدّة للقطع، والمباني المعدّة للهدم، ومن ذلك أيضا الحاصلات الزراعية المعدّة للحصاد والثمار المعدّة للجني أو القطاف. حيث نصت المادة (83) من قانون التنفيذ على أنه (يجوز حجز الثمار والفواكه والخضروات الناضجة وسائر المحاصيل الزراعية بعد إدراكها أو جنيها …).(17) ولكن يجب ألا يقع الحجز على هذه الثمار قبل نضجها؛ لأن الحجز قبل نضجها يؤدي إلى إرهاق المدين بمصاريف الحراسة على الشيء المحجوز؛ كما قد يؤدي إلى إهمال المدين لهذه الثمار أو الحاصلات وعدم العناية بها لعلمه بأن ثمنها سيذهب لدائنيه، كما أنه من الصعب أن يقوم مأمور التنفيذ عند الحجز بتحديد قيمة الثمار قبل أن تنضج.
ولكن إذا وقع الحجز على العقار الذي ينتج هذه الثمار، كأرض زراعية مثلا، فإن الحجز العقاري يشمل هذه الثمار كملحقات لهذا الحجز، فلا يجوز بعد ذلك توقيع حجز المنقول على هذه الثمار.
ثانيا: أن يكون منقولا ماديا: فإذا كان المال محل التنفيذ منقولا معنويا كما لو كان دينا من الديون فإن الحجز عليه يكون بطريق حجز مال المدين لدى الغير حتى ولو كان لدى المدين المحجوز عليه ورقة مكتوبة تثبت حقه كدائن.
ثالثا: أن يكون في حيازة المدين أو حيازة من يمثله: ويقصد بذلك الحيازة القانونية، ويكفي لتوافر هذا الشرط ألا يكون المنقول في حيازة الغير، حتى ولو لم يكن في حيازة المدين أو من يمثله؛ كما لو كان في الطريق العام مثلا. أما إذا كان المنقول في حيازة الغير كالمستعير أو المودع لديه أو الحارس وغيرهم، فإن الحجز في هذه الحالة يكون بطريق حجز مال المدين لدى الغير وليس بطريق حجز المنقول لدى المدين.
المطلب الثاني
إجراءات حجز الأموال المنقولة في يد المدين
يلزم أولا اتخاذ مقدمات التنفيذ وهي:
- تبليغ السند التنفيذي إلى المدين وتكليفه بالوفاء بدينه.
- أن ينقضي قبل الحجز يوم على الأقل يبدأ من وقت التبليغ والتكليف بالوفاء. ولا يوجد في القانون ميعاد معين بعد انقضاء اليوم التالي لتبليغ السند التنفيذي، بل يبقى للدائن الحق في توقيع الحجز في أي وقت يشاء إلى أن يسقط هذا الحق بالتقادم.
وبعد الانتهاء من مقدمات التنفيذ الجبري بانتهاء مدة الإخطار، دون أن يبادر المدين بالوفاء اختيارا، وبناء على طلب الدائن، تبدأ دائرة التنفيذ في إجراءات التنفيذ بإيقاع الحجز على الأموال المنقولة للمدين، حيث وفق المادة (80) من قانون التنفيذ يعين مأمور التنفيذ أحد المعاونين أو الكتبة في دائرة التنفيذ لتنفيذ معاملة الحجز.
وبينت المواد (81 – 109) من قانون التنفيذ إجراءات حجز الأموال المنقولة في يد المدين، وهي تسير وفق ما نعرضه في الفرعين التاليين:
الفرع الأول: كيفية إجراء الحجز.
الفرع الثاني: حكم الملحقات.
الفرع الأول
كيفية إجراء الحجز
يتم الحجز وفق الإجراءات التالية:
أولا: يجب عدم القيام بأي إجراء تنفيذي قبل السابعة صباحا أو بعد السابعة مساء أو في أيام العطل الرسمية إلا في حالات الضرورة وبإذن كتابي من قاضي التنفيذ. (18)
ثانيا: انتقال مأمور الحجز إلى مكان وجود المنقولات:
نصت المادة (81) من قانون التنفيذ على أنه:
- ينتقل مأمور الحجز المعين بموجب المادة (80) وحده أو مع كاتب التنفيذ والقائم بالتنفيذ إلى المكان الذي توجد فيه الأموال المطلوب حجزها، ويوقع الحجز على هذه الأموال طبقا لقرار قاضي التنفيذ بموجب محضر يجري تحريره في مكان توقيعه بحضور شاهدين اثنين.
- يشتمل المحضر فضلا عن البيانات الواجب ذكرها في أوراق القائمين بالتنفيذ (المحضرين)على ما يأتي:
- ذكر السند التنفيذي الذي يتم الحجز بمقتضاه.
- مكان الحجز وهو المكان الذي توجد فيه المنقولات المراد حجزها، وما قام به مأمور الحجز من إجراءات وما لقيه من عقبات واعتراضات أثناء الحجز وما اتخذه في شأنها.
- بيان الأموال المحجوزة بالتفصيل، مع ذكر نوعها وأوصافها ومقدارها ووزنها أو مقاسها، وبيان قيمتها بالتقريب.
- توقيع مأمور الحجز وتوقيع شاهدين اثنين.
ويتبين من هذا النص أن الحجز يتم وفق الخطوات التالية:
- يذهب مأمور الحجز وحده أو برفقة كاتب التنفيذ، إلى مكان وجود المنقولات المطلوب حجزها، ليقوم بتوقيع الحجز عليها تطبيقا لقرار قاضي التنفيذ.
- يجوز الحجز بحضور المدين أو في غيابه، لأن حضوره ليس ضروريا. ولم يبين المشرع مدى ضرورة حضور الدائن طالب الحجز أثناء عملية التنفيذ؛ ولكن العمل جرى على حضوره لأنه هو الذي يقوم بإحضار واسطة النقل وبإرشاد مأمور الحجز إلى المنقول المراد حجزه.(19)
- إذا وجد المكان مقفلا واقتضى الأمر فض القفل أو كسر الباب، أو منع من الدخول هو ومن معه؛ وتطلب الأمر السيطرة على الممانعين من دخوله إلى مكان المنقولات، يجوز له وفق المادة (2/3) من قانون التنفيذ الاستعانة بالشرطة بعد الحصول على إذن قاضي التنفيذ. وعادة ما يكون القاضي قد أذنه بذلك في قرار الحجز.
ثانيا: مواصلة إيقاع الحجز:
نصت المادة (84) من قانون التنفيذ على أنه:
- إذا لم يتم الحجز في يوم واحد، جاز إتمامه في يوم أو أيام متتالية وعلى مأمور الحجز أن يتخذ ما يلزم للمحافظة على الأموال المحجوزة والمطلوب حجزها إلى أن يتم الحجز، ويجب التوقيع على المحضر كلما توقفت إجراءات الحجز.
- لقاضي التنفيذ إذا اقتضى الحال أن يأذن لمأمور الحجز بالاستمرار في إجراءات الحجز بعد ساعات العمل القانونية أو في أيام العطل الرسمية إلى أن يتم الحجز.
يباشر مأمور الحجز إجراءات الحجز فور وصوله حتى نهاية الدوام الرسمي، فإذا لم يتمكن من انهاء الحجز خلال هذا الوقت، واقتضى ذلك الاستمرار في الإجراءات بعد ساعات العمل الرسمية، يحصل على إذن من قاضي التنفيذ بذلك. (20)
وإذا لم يتم الحجز في ذات اليوم، يقوم مأمور الحجز والشهود بالتوقيع على محضر الحجز ويتخذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على ما تم حجزه وما هو مطلوب حجزه أيضا، ويقوم في اليوم أو الأيام التالية باستكمال إجراءات الحجز. ويجوز له أيضا بإذن من قاضي التنفيذ أن يستمر في العمل في أيام العطل الرسمية.
ثالثا: حجز جميع المطلوب حجزه.
نصت المادة (85) من قانون التنفيذ على أنه:
- يقوم مأمور التنفيذ بحجز أموال المطلوب التنفيذ ضده أينما وجدها متى تحقق أنها له ولو كان المحل المطلوب حجز الأموال فيه ليس بمحل إقامته أو كان آخرون من غير أفراد عائلته يقيمون معه فيه.
- إذا ظهر لمأمور الحجز أن تلك الأموال هي لشخص آخر غير المطلوب التنفيذ ضده، فيجب عليه ألا يتعرض لحجزها وأن ينظم محضرا بواقع الحال يجري عرضه على قاضي التنفيذ، ولقاضي التنفيذ بعد فحص الأمر أن يقرر عدم التنفيذ على هذه الأموال أو التنفيذ عليها إذا كان الظاهر يرجح أنها مملوكة للمدين. ويكون للآخرين الحق في مراجعة القضاء واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لإثبات حقوقهم في الأشياء المحجوزة.
ونصت المادة (86) منه على أن الأموال التي يضع (المطلوب التنفيذ ضده) يده عليها في محل إقامته، تعد – بحسب الأصل – مملوكة له، فيتم حجزها دون الالتفات إلى ما يورده هو أو أي شخص ثالث من اعتراضات لأجل استبعادها كلها أو بعضها من الحجز ما لم يبرز حكما أو قرارا صادرا من محكمة أو وثيقة إشعار بتأخير التنفيذ منظمة قبل تاريخ الحكم بسند التنفيذ).
ويتبين من هذين النصين أن مأمور الحجز يقوم بتوقيع الحجز على المنقولات المطلوب الحجز عليها أينما وجدها، متى تحقق أنها للمدين؛ حتى لو كان المكان الموجودة فيه ليس محل إقامة المدين، أو كان مع المدين في محل إقامته أشخاص آخرون من غير أفراد عائلته. دون أن يلتفت إلى ما يورده أي شخص من المقيمين مع المحجوز عليه أو غيرهم من اعتراضات لأجل استبعاد كل المنقولات أو بعضها من الحجز، ما لم يبرز المعترض إلى مأمور الحجز حكما أو قرارا بتأخير الحجز صادر قبل تاريخ الأمر بالحجز.
رابعا: تحرير محضر الحجز
يقوم مأمور الحجز بتحرير محضر بالحجز في مكان وقوعه بحضور شاهدين من الجوار، ويجب أن يشمل المحضر على البيانات التالية:
- ذكر السند التنفيذي الذي يتم الحجز بمقتضاه من حيث أطرافه؛ وتاريخ صدوره؛ وجهة صدوره؛ والأداء الثابت فيه؛ والمطلوب اقتضاؤه. وذلك لأن هذا الحجز التنفيذي يستلزم وجود سند تنفيذي بيد الدائن، فإذا لم يذكر السند في المحضر يكون باطلا مما يؤدي إلى بطلان الحجز أيضا.
- مكان الحجز، وهو المكان الذي توجد فيه المنقولات المطلوب حجزها، ويجب تحديده بما ينفي الجهالة عنه. وهذا البيان ضروري للتأكد من أن مأمور الحجز قد انتقل بالفعل إلى مكان المنقولات وأجرى الحجز على الطبيعة، ويترتب على إغفال ذكر مكان الحجز البطلان.
- ما قام به مأمور الحجز من إجراءات وما لقيه من عقبات واعتراضات أثناء الحجز وما اتخذه في شأنها. كما لو وجد المكان مغلقا فقام بكسر القفل؛ أو منع من دخوله؛ فاستعان بالشرطة، أو استعان بخبير لتقدير قيمة المال، أو نقل المال من مكانه لوجود خطر عليه، أو أثير أمامه منازعة وما اتخذه بشأنها. كأن يذكر أن المدين أو غيره استشكل أمامه ورفع الإشكال إلى قاضي التنفيذ، أو أنه أخذ نقودا وأودعها خزينة المحكمة. ويعتبر بيان مأمور الحجز للإجراءات التي قام بها الدليل الوحيد على جديّة قيامه بعمله، لذلك إذا لم يذكر هذا البيان يعتبر محضر الحجز باطلا.
- بيان الأموال المحجوزة بالتفصيل، بذكر مفردات المنقولات المحجوزة؛ مع ذكر نوعها وأوصافها ومقدارها ووزنها أو مقاسها. ويجب بيان هذه المنقولات بيانا نافيا للجهالة وتمييزها عن غيرها بحيث لا يمكن تهريب أي شيء منها أو استبدالها بغيرها. ويعتبر المنقول محجوزا بمجرد ذكره في المحضر، أما منقولات المدين التي لم تذكر في المحضر فلا تعتبر محجوزة. وإذا لم يجد مأمور الحجز ما يحجز عليه، حرر بذلك محضرا يسمى محضر عدم الحجز.
- بيان قيمة المنقولات المحجوزة على وجه التقريب، سواء قام بتقديرها بنفسه أو استعان في ذلك بخبير.
- إذا كان الحجز على مصوغات أو سبائك من ذهب أو فضة أو معدن نفيس أو أحجار كريمة أو أي مجوهرات أخرى، فيجب أن توزن وتبين أوصافها بالدقة في محضر الحجز. وتقيّم بمعرفة خبير يعينه قاضي التنفيذ بناء على طلب مأمور الحجز ويرفق تقرير الخبير بمحضر الحجز. كما تقيّم بذات الطريقة الأشياء الفنية الأخرى كاللوحات والتحف والرسومات الفنية والمقتنيات الأثرية بناء على طلب مأمور الحجز أو الحاجز أو المحجوز عليه. (20)
- بيان اليوم والتاريخ والساعة والمكان الذي سيجري فيه بيع المنقولات المحجوزة، تطبيقا لنص المادة (102/1) من قانون التنفيذ التي نصت على أنه (إذا لم يحصل البيع بالمزاد في اليوم المعين في محضر الحجز….) على أن يكون الميعاد خلال شهرين من توقيع الحجز وفقا للمادة (96/1) من ذات القانون التي نصت على أنه (يعتبر الحجز كأن لم يكن إذا لم يتم البيع خلال شهرين من تاريخ توقيعه ….).
- توقيع مأمور الحجز والشاهدين على محضر الحجز، حيث يجب وفق المادة (84/1) من قانون التنفيذ على مأمور الحجز أن يوقع على محضر الحجز عند كل توقف عن إجراءات الحجز. كما يجب عليه وفق المادة (81/1) أن يوقع على محضر الحجز بما يفيد بانتهاء الحجز. بحيث لا يترك مكانا لإضافة أي جديد للمحضر. ويترتب على عدم توقيع مأمور التنفيذ أو الشاهدين بطلان محضر الحجز.
- تعيين حارس على المنقولات وفق المادة (88) من القانون.
ولم يشترط المشرع توقيع المدين على محضر الحجز إن كان موجودا كما هو الحال في المادة (353) من قانون المرافعات المصري، لذلك لا لزوم لتوقيع المدين ولا يترتب على عدم توقيعه أي بطلان. فإذا كان المحجوز عليه حاضرا جاز طلب توقيعه على المحضر؛ ولا يعني قيامه بالتوقيع رضاه بالحجز. فإذا رفض التوقيع يذكر ذلك في المحضر.
خامسا: تبليغ المدين صورة من محضر الحجز.
نصت المادة (87) من قانون التنفيذ على أنه (إذا حصل الحجز بحضور المطلوب التنفيذ ضده تسلم له صورة من محضر الحجز، فإن كان الحجز في غيبته وجب تبليغه بالمحضر خلال ثلاثة أيام على الأكثر). ويتم التبليغ وفق قواعد التبليغ الواردة في المواد من (7-20) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية.
وعدم تبليغ المحجوز عليه صورة محضر الحجز لا يؤثر في صحة الحجز ذاته باعتباره من الإجراءات السابقة على الإجراء المعيب، ولكن يترتب على ذلك بطلان الإجراءات اللاحقة كالبيع لأنه مبني عليه وذلك عملا بالمادة (26/3) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية التي نصت على أنه (إذا كانت الإجراءات السابقة أو اللاحقة غير معتمدة على الإجراء الباطل فلا تبطل). أما مجرد التأخر في التبليغ بعد المدة القانونية فيترتب عليه التأخر في البيع مع تحميل المتسبب في التأخير النفقات الزائدة الناتجة عن التأخير مثل الالتزام بمصاريف الحراسة في فترة التأخير.
الفرع الثاني
حكم الملحقات
نصت المادة (95) من قانون التنفيذ على أن (زوائد الأموال المحجوزة الحاصلة بعد الحجز تعتبر تابعة لها حكما).
ويقصد بزوائد الأموال المحجوزة ما يتولد عنها من ثمار، سواء كانت طبيعية تنتج عن الشيء دون تدخل الإنسان كبيض الدجاج ولبن الماشية فالحجز على الحيوانات الحبلى يدخل فيه ما تلده بعد الحجز، أم كانت مدنية تنتج عن ما للشخص من حقوق أو استغلاله الأشياء سواء ترتبت بالاتفاق أو القضاء أو بنص القانون كالفوائد وأجرة النقل فالحجز على سيارة الأجرة يشمل ما تدره من غلة. كما يقصد بعبارة بعد الحجز صدور قرار به من قاضي التنفيذ، مع أنه لا يقع إلا بموجب محضر تحريره من قبل مأمور الحجز في مكان المنقولات.
ويتبين من هذا النص أن الحجز يمتد إلى ما لم يذكر في محضر الحجز بشرطين:
- أن يكون من زوائد الشيء وملحقاته، أي أن ما لا يتولد عن الشيء المحجوز لا يعتبر محجوزا إذا لم يرد في محضر الحجز.
- أن تحدث الزيادة أو التولد بعد الحجز على أصل الشيء الذي تم حجزه، أما إذا كانت الزيادة قد حدثت قبل إيقاع الحجز فلا يمتد إليها الحجز حتى ولو حدثت الزيادة بعد طلب الحجز وقبل صدور قرار به، حيث يجب في هذه الحالة أن ترد في محضر الحجز وإلا فلا يشملها الحجز.
المطلب الثالث
العقبات التي تواجه الحجز على المنقولات
الغالب أن تسير إجراءات الحجز على المنقول بيسر؛ غير أنه أحيانا قد تعترض عملية الحجز بعض الصعوبات والعقبات، وضع المشرع حلا لها في قانون التنفيذ، ويمكن تقسيم هذه العقبات إلى أربعة فروع على النحو التالي:
الفرع الأول: العقبات المادية.
الفرع الثاني: الاعتراض على الحجز.
الفرع الثالث: تعدد الحجوزات على المنقول.
الفرع الرابع: المحافظة على المنقولات المحجوزة.
الفرع الأول
العقبات المادية
عند وصول مأمور الحجز إلى مكان وجود المنقولات المطلوب حجزها، قد يواجه بعض العقبات ذات الطابع المادي، كأن يجد الباب مغلقا أو عليه أقفال؛ أو حواجز في الطريق المؤدي للمكان أو بغيرها، كما قد يمانع المدين أو غيره في الحجز ويعتدي على الموظفين.
ولمواجهة هذه الحالة نصت المادة (2/3) من قانون التنفيذ على أن (للقائم بالتنفيذ أن يتخذ الوسائل التحفظية وله أن يطلب بعد مراجعة قاضي التنفيذ معونة الشرطة) كما نصت المادة (2/4) على أنه (يعاقب بالعقوبة المقررة في القوانين الجزائية من يقوم بممانعة القائم بالتنفيذ بالمقاومة والتعدي وكذلك رجال الشرطة الذين لا يقومون بواجبهم إذا طلب منهم). (21)
الفرع الثاني
الاعتراض على الحجز
يعتبر الاعتراض على الحجز سواء كان من المدين المحجوز عليه أو من غيره، من إشكالات التنفيذ التي سيرد دراستها لاحقا، (22) لذلك نقتصر هنا على ما جاء في المادتين (85و86) من قانون التنفيذ بخصوص ادعاء الغير ملكية المنقولات المطلوب الحجز عليها عندما يكون المدين المطلوب الحجز عليه مقيما مع غيره في مكان غير محل إقامته، أو يكون آخرون من غير أفراد أسرة المدين يقيمون معه.
فقد أوجبت المادة (85) على مأمور التنفيذ أن يقوم بالحجز على أموال المطلوب التنفيذ ضده أينما وجدها متى تحقق أنها له ولو كان المحل المطلوب حجز الأموال فيه ليس بمحل إقامته أو كان آخرون من غير أفراد عائلته يقيمون معه فيه. لذلك قد يعترض المدين أو الغير الذي يقيم المدين لديه أو يقيم هو مع المدين؛ أو الذي هرّب المدين أمواله عنده بأن تلك المنقولات ليست ملكا للمدين بل لذلك الغير. وفي هذه الحالة على مأمور الحجز أن يتحقق من صحة هذا الادعاء؛ عبر الوسائل الظاهرية الممكنة، فإذا تبين له أن هذه الأموال لشخص آخر غير المدين وجب عليه ألا يتعرض لحجزها؛ وأن ينظم محضرا بواقع الحال ويعرضه على قاضي التنفيذ على وجه السرعة، ولقاضي التنفيذ بوصفه قاضيا للأمور المستعجلة بعد فحص ظاهر الحال أن يرجح ما إذا كان ظاهر الحال أنها مملوكة للمدين أم غير مملوكة له، فإن رجح أنها مملوكة للمدين قرر التنفيذ عليها ويكون للآخرين الحق في مراجعة القضاء لإثبات حقوقهم في الأشياء المحجوزة بإقامة دعوى تسمى دعوى الاسترداد، وفق المادة ( 85/3) على النحو التالي:
- ترفع الدعوى من الغير الذي يدعي ملكية المنقول المحجوز ويطلب إخراجه من الحجز وعدم بيعه.
- ترفع الدعوى على الحاجز (أو جميع الحاجزين إذا تعددوا) والمحجوز عليه.
- تشمل لائحة الدعوى على بيان واف لأدلة الملكية، ويرفق بها المستندات المؤيدة لها.
ولا يؤثر رفع الدعوى على إجراءات الحجز فيبقى قائما رغم الاعتراض وتستمر الإجراءات إلى أن تصل إلى مرحلة البيع، وذلك عملا بالمادة (86) حماية للحاجزين من الادعاءات الكيدية التي تهدف إلى تعطيل إجراءات التنفيذ.
أما بالنسبة لمرحلة البيع فقد نصت الفقرة الرابعة من المادة (85) على أنه يترتب على رفع دعوى الاسترداد الأولى وقف البيع، وبذلك يقف البيع بقوة القانون ويبقى موقوفا إلى أن يتم الفصل في الدعوى أو انقضاؤها بأي سبب من أسباب الانقضاء. فإذا لم يكن المدعي محقا أو انقضت الدعوى لأي سبب تثابر دائرة التنفيذ بناء على طلب الدائن الحاجز على البيع من حيث توقف.
وقد قصر المشرع أثر الوقف على دعوى الاسترداد الأولى فقط؛ بما يعني أن دعوى الاسترداد الثانية لا توقف البيع بقوة القانون بل يتوجب لوقفه صدور قرار بذلك من قاضي التنفيذ للأسباب التي يراها موجبة للوقف.
الفرع الثالث
تعدد الحجوزات على المنقول(23)
يعني الضمان العام لدائني المدين الوارد في المادة (40/2) من قانون التنفيذ التي تقضي بأن جميع أموال المدين ضامنة للوفاء بديونه، وأن جميع الدائنين متساوون في هذا الضمان، أن مجرد الحجز على مال من أموال المدين لا يخرجه عن ملكه فلا يمنع غير الحاجز من دائنيه من التنفيذ على هذا المال والاشتراك مع الحاجز الأول في قسمة ثمن الأشياء المحجوزة بعد بيعها.
فالحجز الأول لا يمنح الحاجز امتيازا يتقدم به على غيره من الدائنين في استيفاء حقه من ثمن الأشياء المحجوزة، بل يجوز لكل دائن أن يتدخل في إجراءات التنفيذ، ولكن لا يستفيد من الحجز سوى الدائن الذي يوقعه والدائنون الذين يتدخلون في إجراءاته. أما غير هؤلاء من الدائنين فلا يبحث عنهم ولا يوزع عليهم شيء من ثمن الأشياء المحجوزة.
وبذلك يمكن تصور تعدد الحجوزات على مال المدين. ويمكن أن يحدث هذا التعدد في الحجز في فرضين:
الفرض الأول: تعدد الحجوزات بإجراء واحد.
في هذا الفرض يتعدد الحاجزون ولكن يتم الحجز بإجراءات واحدة، وهذه الحالات لا تثير صعوبة ولا يهتم المشرع بتنظيمها ومنها:
- أن يتقدم دائنان (أو أكثر) بيد كل واحد منهما سند تنفيذي خاص به، بطلب للحجز على منقولات للمدين لدائرة التنفيذ المختصة بتوقيع الحجز ذاتها، وفي هذه الحالة ينتقل مأمور الحجز إلى مكان المنقول المطلوب حجزه بناء على أمر قاضي التنفيذ، ويقوم بإجراء حجز واحد لمصلحة جميع الدائنين. وهذه الحالة متصور وقوعها ولكنها لا تثير أية صعوبة.
- أن يطلب دائن من دائرة تنفيذ توقيع حجز المنقول لدى مدينه، ويطلب دائن آخر من دائرة تنفيذ أخرى توقيع حجز على ذات المنقولات المراد حجزها، وعندما ينتقل مأمور الحجز إلى مكان المنقولات المطلوب حجزها يجد مأمور الحجز الأول في مكان الحجز. وفي هذه الحالة يجب على مأمور الحجز الثاني أن يطلب من مأمور الحجز الأول توقيع حجز واحد لصالح جميع الدائنين.
الفرض الثاني: تعدد الحجوزات بإجراءات مستقلة.
بينت المادة (92) من قانون التنفيذ حكم هذا الفرض بالنص على أنه:
- إذا وجد مأمور الحجز أن الأموال المطلوب حجزها قد سبق الحجز عليها وجب عليه أن يجرد هذه الأموال ويثبتها في محضر ويحجز على ما لم يسبق حجزه ويجعل حارس الحجز الأول حارسا عليها إن كانت في نفس المحل.
- يجري تبليغ المحاضر المحررة في اليوم التالي على الأكثر إلى الحاجز الأول والمدين والحارس إذا لم يكن حاضرا ودائرة التنفيذ التي أوقعت الحجز الأول.
- يترتب على الإبلاغ أن تكون الأموال السابق حجزها محجوزة لأجل الدينين معا ويبقى الحجز قائما لمصلحة الحاجز الثاني ولو نزل عنه الحاجز الأول.
يتبين من هذا النص أن المشرع قد نظم حالة تتابع الحجوزات وهي حالة أن يذهب مأمور الحجز لتوقيع الحجز على المنقولات، فيكتشف أنه قد سبق وجرى حجز قبل ذلك على ذات المنقولات، وذلك بهدف توحيد إجراءات التنفيذ عند تعدد الحجوز، بحيث لا يبدأ الحاجز الثاني إجراءات الحجز من جديد؛ بل يتدخل في إجراءات الحجز القائم، بما يؤدي إلى توفير الوقت والجهد والنفقات، ويمنع اضطراب الإجراءات. (23)
فالحجز الأول لا يمنع من توقيع حجز ثان على ذات المال الذي تم حجزه، ولكن هذا الحجز الثاني يتم بطريقة مختلفة عن الحجز الأول، وهي تتمثل في التدخل في إجراءات الحجز الأول وتوحيد إجراءات التنفيذ على المال، على النحو التالي
- ينتقل مأمور الحجز إلى مكان وجود المنقولات المطلوب حجزها.
- إذا وجد مأمور الحجز أن هناك شخصا عين لحراسة المنقولات؛ وأنه قد سبق حجزها، وأبرز له الحارس صورة محضر الحجز الأول، يقوم مأمور الحجز بجرد هذه الأموال التي سبق حجزها ويثبتها في محضر.
- يجب أن يشتمل هذا المحضر على البيانات التي سبق ذكرها في محضر الحجز الأول بعد التأكد من صحتها، وأن يعين حارس الحجز الأول حارسا عليها إن كانت في ذات المحل.
- إذا وجد مأمور الحجز أثناء قيامه بتحرير محضر الجرد أموالا لدى المدين لا يشملها محضر الجرد الأول كما هو مبين في الصورة التي أبرزها له الحارس، يقوم بالحجز على هذه الأموال بذكرها في محضر الجرد ذاته، ويجعل حارس الحجز الأول حارسا عليها.
- إذا تم الحجز في محضر الجرد يجري تبليغ هذا المحضر في اليوم التالي على الأكثر إلى:
- الحاجز الأول والغرض من هذا التبليغ أن يستمر هذا الحاجز في الإجراءات حتى تمام البيع لمصلحته ومصلحة الحاجز الثاني المتدخل معا.
- المدين المحجوز عليه إذا تم في غيبته، أما إذا كان موجودا لحظة الجرد هو أو نائبه فيكفي تسليمه صورة من محضر الجرد.
- الحارس إذا لم يكن حاضرا؛ أما إذا كان حاضرا فإنه يوقع على محضر الجرد، ويعطى صورة عنه، ويعتبر تسليمه صورة من محضر الجرد أو تبليغه بمثابة اعتباره حارسا أيضا لمصلحة الحاجز الثاني.
- دائرة التنفيذ التي أوقعت الحجز الأول وذلك حتى تراعي عند بيع المنقولات المحجوزة مصلحة الحاجز الثاني أيضا، فلا تكف عن البيع إلا إذا تحصل ما يكفي الحاجزين الأول والثاني معا، ولا تفي للحاجز الأول بكامل حقه إذا كان الثمن لا يكفي حقوق الاثنين، بل يقسم بينهما قسمة غرماء.
- لا ينتج محضر الجرد أثره في مواجهة هؤلاء الأشخاص إلا بتبليغه لهم تبليغا صحيحا؛ فإذا لم يتم تبليغه إليهم أصلا أو وقع التبليغ باطلا فإنه لا ينتج أثره في مواجهتهم، أي أن التدخل في الحجز بتحرير محضر الجرد يعتبر كأن لم يكن. فالتدخل بطريق الجرد هو عمل مركب لا يتم بمجرد ذكر المنقولات في محضر الجرد فقط بل يشترط كذلك تبليغ هذا المحضر تبليغا صحيحا، وبتمام ذلك بصورة صحيحة يكون التدخل صحيحا أيضا.
- يترتب على التبليغ أن تكون الأموال التي سبق حجزها محجوزة لأجل الدينين معا. أما المنقولات التي لم يسبق الحجز عليها في الحجز الأول؛ فيكون الحجز عليها لمصلحة الحاجز الثاني فقط، ومع ذلك لا يوجد ما يمنع من أن يطلب الحاجز الأول الحجز على هذه الأموال حجزا ثانيا متبعا الإجراءات التي نصت عليها المادة (92) أي أن يطلب تحرير محضر جرد يؤدي إلى تدخله في حجز هذه الأموال.
عدم معرفة مأمور الحجز بسبق الحجز على المنقولات:
إذا ذهب مأمور الحجز لتوقيع الحجز على المنقولات ولم يجد الحارس هناك؛ ولم يجد أحدا ليخبره بأنه قد سبق الحجز عليها، وأوقع حجزا أول عليها وعيّن حارسا، فإن إجراءاته في ذلك تكون صحيحة، ويتم توحيد الإجراءات؛ وتحديد موعد واحد للبيع بناء على الحجزين معا.
أثر نزول الحاجز الأول عن حجزه:
نصت المادة (94) من قانون التنفيذ على أن (أموال المدين المحجوزة من قبل دائنين متعددين لا يفك حجزها إلا برضاء جميع الحاجزين وموافقتهم، وإذا أهمل الحاجز الأول تعقب معاملات التنفيذ وإيصالها وانتهائها في مدتها القانونية جاز لأي حاجز آخر أن يطلب المثابرة عليها).
القاعدة أنه على الرغم من تدخل دائنين في الحجزـ فإن الحاجز الأول – دون غيره منهم – يبقى ملزما بموالاة السير في إجراءات التنفيذ إلى أن يتم بيع المنقولات المحجوزة.
ويعتبر تبليغ محضر الحجز الثاني للحاجز الأول بمثابة معارضة في رفع الحجز الأول، أي مطالبة الحاجز الأول بإبقاء الحجز قائما وعدم النزول عنه، وتكليفه السير في إجراءات البيع حتى يتم هذا البيع في اليوم المعين له. (24)
غير أنه إذا لم يباشر الحاجز الأول الإجراءات المؤدية إلى البيع بسبب حصوله على حقه أو إهماله أو تواطؤه مع المدين للإضرار بالدائن المتدخل، فإن نزوله عن الحجز الأول لا يؤثر في الحجز الثاني الذي يبقى قائما، فيجوز للحاجز الثاني المتدخل الحلول محله في إجراءات البيع. وذلك لأن كل حجز من هذه الحجوز مستقل عن غيره رغم ورودها على ذات المال المحجوز، حيث يتم كل حجز لمصلحة دائن مختلف وبموجب سند تنفيذي مختلف، وحتى لو اتحد السند التنفيذي للحاجز الثاني في نوع السند التنفيذي الخاص بالحاجز الأول فهما يختلفان في المضمون وفي طريقة الحجز.
أثر بطلان أحد الحجوزات على الحجوزات الأخرى:
نصت المادة (93) من قانون التنفيذ على أنه (إذا وقع الحجز على المنقولات باطلا فلا يؤثر ذلك على الحجوزات اللاحقة على نفس المنقولات إذا وقعت صحيحة في ذاتها).
ويتبين من هذا النص أنه في حال تعدد الحجوز يعتبر كل حجز على ذات المنقول حجزا مستقلا عن الحجوز الأخرى؛ لذلك فإن بطلان الحجز الأول لا يؤثر على الحجز الثاني ما دام هذا الحجز الثاني يعتبر صحيحا في ذاته من كافة الوجوه، فلا يرتبط مصير الحجوز التالية بمصير الحجز الأول، لذلك إذا أبطل الحجز الأول تستمر الإجراءات وتباع الأموال المحجوزة لمصلحة الحاجزين اللاحقين، لأن كل حجز يعتبر عملا إجرائيا مستقلا تتوافر فيه عناصر العمل الإجرائي ولا يعتمد في صحته على الحجز السابق.
الفرع الرابع
المحافظة على المنقولات المحجوزة
تختلف المنقولات من حيث قيمتها وطبيعتها؛ واحتفاظها بذاتيتها؛ وعدم تلفها، فضلا عن ضرورة حمايتها من العبث بها أو استعمالها واستغلالها بما يضر بها، أو التصرف فيها تصرفا قانونيا أو ماديا، ما يتطلب مواجهة عقبة الحفاظ على المنقولات المحجوزة. ونبين ذلك فيما يأتي:
أولا: سرعة تلف المنقولات وقلة قيمتها.
نصت المادة (83) من قانون التنفيذ بخصوص الحجز على الثمار على أنه (…. إذا كانت الأشياء المحجوزة مما يخشى تلفها أو كانت قيمتها لا تتحمل نفقات المحافظة عليها فلقاضي التنفيذ أن يقرر بيعها في الحال صيانة لمصلحة الطرفين).
كما نصت المادة (96/3) بخصوص ميعاد البيع بعد الحجز ( …. وله أيضا إذا كانت الأموال المحجوزة مما يخشى تلفها أو كانت قيمتها لا تتحمل نفقات المحافظة عليها أن يأمر ببيعها في الحال لمصلحة الطرفين دون التقيد بالميعاد المنصوص عليه في البند (1) أعلاه وبالميعاد المقرر في المادة التالية).
ويتبين من هذين النصين أنه في حالة ما إذا كانت الأموال محل الحجز يخشى عليها من التلف كالفواكه والخضروات أو الأغذية قصيرة الأجل، أو كانت قيمتها قليلة بحيث لا تتناسب مع ما يحتاجه حفظها من نفقات، فإنه يجوز لقاضي التنفيذ أن يأمر مأمور الحجز ببيعها فور الحجز عليها. حيث يستفيد المدين من ثمنها الناتج عن البيع، كما أن في ذلك مصلحة للدائن ببقاء ضمانه العام وسرعة استيفاء دينه، إذا كانت هي وحدها محل الحجز. كما أن في بيعها أيضا مصلحة الطرفين في الإنفاق من ثمنها على إجراءات التنفيذ وفق المادتين (55 و65،2) من قانون التنفيذ.
ثانيا: وجود خطر من بقاء المنقولات المحجوزة في مكانها:
فوجود هذه المنقولات في مكانها قد يعرضها إلى التلف أو إنقاص قيمتها أو سرقتها أو التصرف فيها، فالخضروات والفواكه تحتاج لحفظها إلى نقلها من مكان قطافها إلى ثلاجات خاصة، والأموال ذات القيمة العالية كالمجوهرات والمعادن الثمينة والقطع الفنية، أو ما يسهل التصرف فيه دون تمييزه عن غيره كالنقود، يشكل بقاؤها في مكانها خطرا عليها.
لذلك أجازت المادتان (83 و89) من قانون التنفيذ لمأمور الحجز نقلها من مكانها إلى المكان الذي يناسب حفظها سواء مكان تخزين وحفظ أو نقلها إلى خزينة دائرة التنفيذ كوديعة فيها مع إثبات ذلك في المحضر.
ثالثا: حماية الأموال المحجوزة بشكل عام: الحارس القضائي.
نصت المادة (88) من قانون التنفيذ على أنه:
- في الأحوال التي تقتضي تعيين حارس على الأموال المحجوزة وفقا لما هو محدد في المادة (89)، يعين مأمور الحجز الحارس المذكور ويقوم باختياره إذا لم يأت الحاجز أو المحجوز ضده بشخص مقتدر، ويجب تعيين المحجوز عليه إذا طلب ذلك إلا إذا خيف التبديد وكان لذلك أسباب معقولة تذكر في المحضر.
- لا يجوز أن يكون الحارس ممن يعملون في خدمة الحاجز أو مأمور الحجز ولا أن يكون زوجا أو قريبا أو صهرا لأيهما إلى الدرجة الرابعة.
ويتبين من هذا النص أن تعيين حارس على المنقولات المحجوزة ليس شرطا لتمام الحجز، بل تصبح هذه المنقولات محجوزة بمجرد ذكرها في محضر الحجز، ولو لم يتم تعيين حارس عليها حتى لا يكون التأخير في تعيين الحارس سببا في تأخير الحجز، فتعيين الحارس هو إجراء إضافي لمجرد حماية الأشياء المحجوزة من التبديد، ومع ذلك إذا كانت المنقولات المحجوزة بحاجة للإدارة والاستغلال فإنه يجب تعيين حارس عليها لإدارتها واستغلالها.
ويتم تعيين شخص الحارس وفقا للترتيب التالي:
- إذا طلب المحجوز عليه تعيينه حارسا على أمواله، يجب على مأمور الحجز إسناد الحراسة إليه دون غيره، إلا إذا خشي تبديده لأمواله بناء على أسباب معقولة تذكر في المحضر.
- وإذا اختار المحجوز عليه أو الحاجز شخصا آخر ليكون حارسا وجب على مأمور الحجز تعيينه إذا توافر فيه ثلاثة شروط:
- أن يكون مقتدرا، ولا فرق بين أن يكون ذكرا أو انثى طالما توافرت فيه الشروط. وتحديد الاقتدار مسألة موضوعية يتعين إثباتها من خلال كون هذا الشخص مليء أو من ذوي الأملاك أو شهادة بنكية تبين وجود أرصدة لديه أو شهادة من الغرفة التجارية وغير ذلك مما يقنع به قاضي التنفيذ. وعلة اشتراط اقتدار الحارس هي أنه يكون مسئولا عما قد يصيب المنقولات المحجوزة
- ألا يكون ممن يعملون في خدمة الحاجز أو مأمور الحجز.
- وألا يكون زوجا أو قريبا أو صهرا لأيهما إلى الدرجة الرابعة.
- إذا لم يطلب المدين تعيينه حارسا، ولم يأت هو أو الحاجز بشخص مقتدر. فقد نصت المادة (89) من قانون التنفيذ على أنه (إذا لم يجد مأمور الحجز في مكان الحجز من يقبل الحراسة يختاره الحاجز ومأمور الحجز وكان المدين حاضرا كلفه بالحراسة ولا يعتد برفضه إياها. أما إذا لم يكن حاضرا وجب عليه أن يختم على الأموال المحجوزة في محلها إن كان ذلك ملائما أو ينقلها أو يودعها عند شخص عدل يقبل الحراسة يختاره الحاجز أو مأمور الحجز. وإن تعذر ذلك وجب عليه أن يرفع الأمر إلى قاضي التنفيذ لاتخاذ الإجراء المناسب). وهذا النص فرق بين حالتين:
- إذا كان المدين حاضرا، وفي هذه الحالة يكلفه مأمور الحجز بالحراسة ولا يعتد برفضه. ومن مزايا وجوب تعيين المدين حارسا ولو بغير رضاه إذا لم يجد مأمور الحجز أحدا سواه يقبل الحراسة، أنه لا يعطل إجراءات الحجز ولا يوجب على مأمور الحجز أن يتخذ تدابير أخرى للمحافظة على المحجوزات، كما لا يعطي المدين الذي رفض الحراسة فرصة لتهريب المنقولات المحجوزة. فضلا عن أنه في بعض الحالات لا يتصور تعيين حارس غير المدين على المنقولات المحجوزة كما لو كانت في مسكن يستقل به أو في متجر ينفرد بالعمل فيه.
- إذا لم يكن المدين حاضرا: وجب على مأمور الحجز أن يتخذ جميع التدابير الممكنة للمحافظة على الأشياء المحجوزة، ومنها.
- أن يختم عليها في محلها إن كان ذلك ملائما.
- أن ينقلها أو يودعها عند شخص عدل يقبل الحراسة يختاره الحاجز أو مأمور الحجز.
- إن تعذر ذلك يرفع الأمر لقاضي التنفيذ لاتخاذ الإجراء المناسب.
- بعد تعيينه يقوم الحارس وفق المادة (90) من قانون التنفيذ بالتوقيع على محضر الحجز وتسلم له صورة منه، فإن امتنع عن التوقيع أو رفض استلام الصورة وجب على مأمور الحجز أن يرفع الأمر في اليوم ذاته إلى قاضي التنفيذ ليأمر بتبليغه بالمحضر بإجراءات التبليغ القانونية خلال أربع وعشرين ساعة، وعلى مأمور الحجز إثبات كل ذلك في المحضر. وهذا النص لا يطبق إلا إذا كان من عين حارسا هو المدين حيث لا يعتد برفضه وفق المادة (89) من قانون التنفيذ. أما غير المدين إذا رفض الحراسة فإنه لا يجبر عليها، لأن الحراسة عقد يلزم توافر أركانه ومنها قبول الحراسة، ورفضه التوقيع على محضر الحجز واستلامه يعد بمثابة رفض لقبول الحراسة.
- إذا وقعت على المنقولات المحجوزة حجوزات أخرى يجب على مأمور الحجز وفق المادة (92) من قانون التنفيذ أن يجعل حارس الحجز الأول حارسا على الحجوزات الأخرى طالما كانت موجودة في ذات المكان مع تسليمه نسخة من محضري الجرد والحجز إذا كان حاضرا، وتبليغه بهما في اليوم التالي على الأكثر من تاريخ الحجز إذا لم يكن حاضرا.
وإذا قام مأمور الحجز بتعيين حارس ثم تبين أنه غير مقتدر أو غير أمين، وكان مأمور الحجز سيء النية أي يعلم بهذه الصفات وقت تعيينه، فإنه يكون مسئولا قِبَل الخصوم بتعويضهم عن الأضرار التي تنتج عن هذا التعيين، وكذلك إذا قام بتعيين من منع المشرع تعيينهم مخالفا بذلك المادة (88) من قانون التنفيذ. فضلا عن بطلان الحراسة في ذاتها، ولكن هذا البطلان لا يؤثر في صحة الحجز لأن الحراسة – كما قلنا – لا تعد إجراء من إجراءات الحجز.
المركز القانوني للحارس وواجباته:
يعتبر الحارس من أعوان القضاء، فهو ليس وكيلا عن الحاجز أو المحجوز عليه (بفرض أنه ليس حارسا)، وهو يؤدي خدمة عامة ويأخذ بذلك حكم الحارس القضائي.
وإذا كان المحجوز عليه هو الحارس، فإنه في هذه الحالة يحوز المنقولات بصفة جديدة، أي باعتباره من أعوان القضاء، ولذلك يلتزم بالواجبات التي يفرضها القانون على الحارس بصرف النظر عن كونه محجوزا عليه.
والواجب الرئيسي للحارس هو المحافظة على المنقولات المحجوزة إلى أن ينتهي الحجز بالبيع، أو بأي سبب آخر، وأن يبذل في ذلك عناية الشخص العادي. كما يجب عليه أن يقدم هذه المنقولات كلما طلب منه ذلك، وأن يقدمها يوم البيع.
ولا يجوز للحارس أن يستعمل المنقولات المحجوزة أو أن يستغلها أو يعيرها، وإلا حرم من أجر الحراسة مع إلزامه بالتعويض. وإذا بدّد الحارس المنقولات المحجوزة عوقب بعقوبة إساءة الائتمان وفق المادتين (422 و423) من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 ولو كان هو المالك. ويتطلب القانون في هذه الجريمة قصدا جنائيا خاصا هو نية عرقلة التنفيذ، لأن الغرض من حماية قانون العقوبات للمال المحجوز ليس حماية الملكية؛ وإنما المحافظة على المال المحجوز لأغراض التنفيذ.
أجر الحارس:
نصت المادة (91) من قانون التنفيذ على أنه:
- يستحق الحارس غير المدين أجرا عن حراسته ويكون لهذا الأجر امتياز على الأموال المحجوزة.
- يقدر أجر الحارس بأمر يصدره قاضي التنفيذ بناء على عريضة تقدم إليه.
أما إذا كان الحارس هو المدين فإنه لا يستحق أجرا لأن أجر الحراسة يلزم به الحاجز أو الحاجزون ويدخلونه ضمن المصاريف التي يرجعون بها على المدين فكأنه سيقتضي الأجر من نفسه في النهاية، لذلك من العبث تقدير أجر له على حراسته.
انتهاء الحراسة:
تبقى مهمة الحراسة منوطة بالحارس إلى أن يحدث أمر من الأمور التالية:
- انتهاء الحجز ببيع المنقولات المحجوزة، أو صدور حكم ببطلان الحجز لأي سبب من الأسباب، أو سقوط الحجز لعدم القيام بالبيع في الميعاد الذي نص عليه القانون، أو التنازل عن الحجز.
- وفاة الحارس، فالورثة لا يحلون محل مورثهم في الحراسة، ولكن يلتزم الورثة بإبلاغ الوفاة للحاجز أو القضاء فورا، واتخاذ التدابير التي تقتضيها الظروف، فإذا لم يخطروا الحاجز فورا بوفاة الحارس، فإنهم يلتزمون بالتعويض.
- عزل الحارس أو استبداله بآخر، أو إعفاؤه بناء على طلبه لأسباب توجب ذلك. وإذا أعفي الحارس فإن قاضي التنفيذ يعين حارسا بدلا منه، وفي هذه الحالة يجب جرد المنقولات المحجوزة بواسطة مأمور الحجز، وإثبات الجرد في محضر يوقع عليه الحارس الجديد وتسلم له صورة منه، ويسمى هذا المحضر بمحضر الجرد.
المطلب الرابع
إجراءات بيع الأموال المنقولة المحجوزة
الغاية من حجز الأموال المنقولة، هي بيع هذه الأموال وتحويلها إلى مبالغ نقدية لاستيفاء حقوق الدائنين منها. ويمر بيع هذه المنقولات بعدة إجراءات تبدأ بتحديد ميعاد البيع والإعلان عنه، ثم إجراء المزايدة عليه، وغالبا ما تمر الإجراءات بشكل طبيعي؛ غير أنه قد يعترض البيع بعض العوارض سواء خلال إجرائه أو عند انتهائه. لذلك نتناول هذا الموضوع في فروع أربعة على النحو التالي:
الفرع الأول: ميعاد البيع والإعلان عنه.
الفرع الثاني: إجراء المزايدة.
الفرع الثالث: بيع بعض المنقولات بإجراءات خاصة.
الفرع الرابع: العقبات التي تواجه بيع المنقولات.
الفرع الأول
ميعاد البيع والإعلان عنه
نصت المادة (96) من قانون التنفيذ على أنه:
- يعتبر الحجز كأن لم يكن إذا لم يتم البيع خلال شهرين من تاريخ توقيعه إلا إذا كان البيع قد أوقف بمقتضى القانون أو بحكم المحكمة أو باتفاق الخصوم.
- لا يجوز الاتفاق على تأجيل البيع لمدة تزيد على شهرين من تاريخ الاتفاق.
- لقاضي التنفيذ عند الاقتضاء أن يأمر بمد الميعاد لمدة تزيد على شهرين وله أيضا إذا كانت الأموال المحجوزة مما يخشى تلفها أو كانت قيمتها لا تتحمل نفقات المحافظة عليها أن يأمر ببيعها في الحال لمصلحة الطرفين دون التقيد بالميعاد المنصوص عليه في البند (1) أعلاه وبالميعاد المقرر في المادة التالية.
ونصت المادة (97) على أنه (لا يجوز البيع إلا بعد مضي سبعة أيام على الأقل من تاريخ تسليم صورة محضر الحجز للمدين أو تبليغه به ولا يجوز إجراؤه إلا بعد مضي يوم على الأقل من تاريخ إتمام إجراءات الإعلان والنشر عن البيع المنصوص عليها في هذا القانون.
ويهدف نص المادة (96) إلى عدم إبقاء الدائن على الحجز إلى ما لا نهاية سيفا مسلطا على رقبة المحجوز عليه دون أن يعقبه بيع، فلا تتأبد الحجوز ولا يتخذها الدائنون وسيلة تهديد مستمر للمدينين، وفي ذلك رعاية للمدينين وحماية لهم من دائنيهم.
ونبين أولا ميعاد البيع ثم أمر البيع والإعلان عنه.
أولا: ميعاد البيع
يتبين من نص المادتين (96 و97) أنهما حددتا ميعاد التنفيذ ووضعتا عدة ضوابط لذلك وهي:
الضابط الأول: يجب أن يتم البيع خلال شهرين من تاريخ توقيع الحجز وإلا سقط الحجز واعتبر كأن لم يكن، وزوال آثاره بأثر رجعي، فلا يجوز إجراء البيع بعد سقوط الحجز وإلا اعتبر باطلا لأنه يفترض لصحة البيع وجود حجز قائم على المنقول المحجوز. كما أن تصرفات المدين كافة تصبح نافذة في مواجهة الدائنين الحاجزين. غير أن سقوط الحجز لا يعني سقوط تبليغ السند التنفيذي والتكليف بالوفاء، لذلك يمكن القيام بحجز جديد دون حاجة لاتخاذ مقدمات تنفيذ جديدة.
ويبدأ ميعاد الشهرين من لحظة ذكر المنقولات المحجوزة في محضر الحجز، لأن المنقولات تعتبر محجوزة بمجرد ذكرها في محضر الحجز. ويذهب رأي إلى أنه إذا وقع الحجز في أكثر من يوم فإن بدء سريان ميعاد الشهرين يختلف، فيبدأ في أول يوم بالنسبة للمنقولات التي حجزت في هذا اليوم، ويبدأ من اليوم الثاني بالنسبة للمنقولات التي حجزت في هذا اليوم الثاني، وهكذا إذا استمر الحجز لأكثر من يوم. (25) غير أننا نرى أن هذا الرأي يؤدي إلى تعدد المواعيد بتعدد أيام الحجز وتعدد المنقولات المحجوزة، بحيث قد يؤدي إلى سقوط الحجز بالنسبة لبعض المحجوزات وبقائه بالنسبة لبعضها الآخر رغم أن الحجز في محضر واحد، وأنه يجب إجراء حجز جديد على المنقولات التي انقضى الميعاد بالنسبة لها، وهو أمر لا يتفق مع غاية المشرع. ونرى أن يبدأ الميعاد من تاريخ إتمام الحجز أي من اليوم الأخير الذي يستغرقه الحجز باعتباره إجراء واحدا ولو تم في أيام متعددة.
ولا يكفي لاحترام ميعاد الشهرين أن يحدد في خلاله يوم البيع، بل يجب أن يتم البيع في خلاله فعلا. ولكن إذا لم يتقدم أحد للشراء في اليوم المحدد للبيع؛ وتم تأجيل البيع إلى يوم آخر بعد الميعاد؛ فلا تبطل الإجراءات لحصول قوة قاهرة جعلت البيع مستحيلا في اليوم المحدد خلال الميعاد، وهي تتمثل في عدم تقدم أحد للشراء، ولذلك فإن الميعاد يمتد في هذه الحالة إلى اليوم التالي.
ولا يسقط الحجز أيضا رغم أن البيع لم يتم خلال الشهرين إذا كان البيع قد أوقف بمقتضى القانون، أو بحكم المحكمة، أو باتفاق الخصوم.
- الوقف القانوني:
ومثاله ما نصت عليه المادة 85/4 من أن رفع دعوى استرداد الأشياء المحجوزة يوقف البيع، ففي هذه الحالة يبقى الحجز قائما منتجا لآثاره مهما طالت مدة الوقف؛ ولا يستأنف ميعاد الشهرين إلا من يوم زوال أثر الوقف، سواء تم هذا الزوال بحكم قضائي، كما إذا حكم برد الدعوى، أم تم زوال أثر الوقف بقوة القانون ودون حاجة للحصول على حكم قضائي، كما هو الحال في الحالات التي نصت عليها المادة (106) وهي الحكم بشطب دعوى الاسترداد أو بوقفها؛ أو إذا اعتبرت كأن لم تكن.
ففي مثل هذه الحالات بعد انتهاء مدة الوقف يستكمل ميعاد الشهرين. فإذا كان هذا الميعاد قد بدأ ثم حدث وقف قانوني له، ثم بعد مدة معينة زال هذا الوقف القانوني، يجب حساب الميعاد باستكمال المدة السابقة بمدة تالية، ويجب أن يتم البيع قبل نهاية اليوم الأخير في الشهرين، وإلا سقط الحجز واعتبر كأن لم يكن.
- الوقف بحكم المحكمة:
ومثاله اعتراض المحجوز عليه على الحجز وطلب وقف التنفيذ، فإذا أقر القاضي بالوقف، يقف حساب ميعاد الشهرين حتى يصدر الحكم القابل للتنفيذ في الاعتراض. ومثاله أيضا حالة الحكم في دعوى الاسترداد الثانية بوقف التنفيذ، ففي هذه الحالة لا تحسب مدة الوقف وتضاف المدة الجديدة التي تبدأ من تاريخ زوال الوقف إلى المدة السابقة ويتكون من المدتين ميعاد واحد.
- الوقف باتفاق الخصوم:
فقد يتفق الحاجز المحجوز عليه على تأجيل البيع، وهذا الاتفاق صحيح بشرط ألا تزيد مدة الوقف على شهرين من تاريخ الاتفاق، حيث منع المشرع الخصوم من الاتفاق على مدة وقف تزيد على شهرين من تاريخ الاتفاق لأنه لا يؤمن معه التعسف.
ولكن إذا اتفق على مدة تزيد على شهرين، وباشر الدائن إجراءات البيع بعد ذلك ولم يعترض المدين في الوقت المناسب، عد متنازلا عن التمسك بالبطلان، لأن البطلان في هذه الحالة وإن كان يقع بقوة القانون؛ إلا أنه لا يتعلق بالنظام العام ولا يجوز للمحكمة الاعتداد بالبطلان من تلقاء نفسها، بل هو مقرر لمصلحة المدين ويجوز له التنازل عنه صراحة أو ضمنا كما لو رد المحجوز عليه على الإجراءات بما يدل على أنه اعتبرها صحيحة.
وإذا توقف البيع باتفاق الخصوم ثم زال الوقف بانتهاء مدته، فتبدأ مدة جديدة بعد انتهاء مدة الوقف.
- أجاز المشرع لقاضي التنفيذ عند الاقتضاء أن يأمر بمد الميعاد لمدة تزيد على شهرين، دون أن يقيده بمدة محددة للتمديد، خلافا لما نص عليه المشرع المصري حيث ليس لقاضي التنفيذ وفق المادة 375 مرافعات أن يمد الميعاد لأكثر من ثلاثة أشهر.
الجزاء على انقضاء ميعاد البيع:
بانقضاء الميعاد المحدد في المادة (96/1) من قانون التنفيذ يعتبر الحجز كأن لم يكن بقوة القانون دون حاجة لاستصدار حكم يقرر ذلك، غير أن هذا الميعاد يمتد بسبب العطلة الرسمية.
ويترتب على اعتبار الحجز كأن لم يكن زواله بأثر رجعي؛ ويكون للمدين الحق في التصرف في المحجوزات كما لو أن الحجز لم يقع أصلا؛ وذلك على مسئوليته. فإذا حدد يوم آخر للبيع بعد الشهرين فإن على المدين أن يستشكل في التنفيذ أو يرفع دعوى باعتبار الحجز كأن لم يكن، وإلا كان مسئولا جزائيا عن التبديد. (26)
كما أنه إذا بيعت المحجوزات بعد مضي الشهرين ولم تكن هناك فرصة للمدين للاعتراض على البيع؛ كما لو تم البيع في غيابه، فإن البيع يقع باطلا ويجوز للمدين طلب الحكم بذلك. بينما لا يؤثر اعتبار الحجز كأن لم يكن على ما سبقه من إجراءات كتبليغ السند التنفيذي والتكليف بالوفاء.
الضابط الثاني: ألا يتم البدء بإجراءات البيع إلا بعد مضي سبعة أيام على الأقل من تاريخ تسلم المحجوز عليه أو تبليغه صورة من محضر الحجز. ويهدف نص المادة (97) إلى إعطاء المدين مهلة جديدة لتفادي بيع أمواله؛ وليتمكن هو وغيره من الاعتراض على التنفيذ ورفع الأمر إلى القضاء إذا كان لديه سبب لذلك، وليسري الإعلان عن البيع حتى يكثر الراغبون في الشراء فيرتفع الثمن عند البيع بالمزاد ويستفيد من ذلك المدين والدائنون الحاجزون.
وإذا لم تراع هذه المدة، فإن للمدين المحجوز عليه أن يتمسك بالبطلان، تأسيسا على أن الإجراءات يشوبها عيب جوهري لم تتحقق بسببه الغاية منها. كما أن له أن يطالب الحاجز بالتعويض إذا أصابه ضرر من إجراء البيع دون احترام ميعاد السبعة أيام بأن كان على استعداد لأداء ديونه وتفادي البيع لو احترم ذلك الميعاد.
ومع ذلك إذا كانت الأموال المحجوزة مما يخشى تلفها أو كانت قيمتها لا تحتمل نفقات المحافظة عليها فلقاضي التنفيذ أن يأمر ببيعها في الحال لمصلحة الطرفين دون التقيد بالميعاد المنصوص عليه في المادتين (96 و97). ونقترح نقل ما جاء في الفقرة (3) من المادة (96) ليكون فقرة ثانية في المادة (97) لأن مكانها هو في هذه المادة وليس في المادة (96).
الضابط الثالث: يجب ألا تنعقد المزايدة في مدة تقل عن أسبوعين ويوم من تاريخ البدء في إجراءات البيع طبقا للمادتين (97 و98/1) من قانون التنفيذ. ولذلك على مأمور الحجز إذا تم تحديد ميعاد جلسة المزايدة عند إعداد محضر الحجز؛ أن يأخذ في اعتباره ألا يقل الموعد عن ثلاثة أسابيع ويوم من تاريخ تسلم أو تبلغ المحجوز عليه محضر الحجز أو صورة ورقة الحجز.
ثانيا: أمر البيع والإعلان عنه
نصت المادة (98) من قانون التنفيذ على أنه:
- عند مباشرة بيع أموال المطلوب التنفيذ ضده المحجوزة ينشر أمر البيع في صحيفة يومية أو أكثر وفي ديوان دائرة التنفيذ خلال أسبوعين إلا إذا كانت قيمة الأموال لا تتحمل نفقات النشر أو لم يكن في محل البيع صحف فيكفي عندئذ تعليق إعلان البيع في ديوان دائرة التنفيذ وفي محل وجود المال.
- يدرج في الإعلان جنس ونوع الأموال التي ستباع ووصفها بالإجمال ومكان المزايدة ووقتها.
- يحفظ في ملف التنفيذ نسخة من الصحيفة ومن ورقة الإعلان والمحاضر المحررة بشأنه.
- يؤخذ من كل من يشترك في المزايدة تأمينا بمعدل عشرة بالمائة.
تبدأ إجراءات البيع بصدور أمر البيع من قبل قاضي التنفيذ عملا بالمادة (3/1) من قانون التنفيذ التي نصت على أن قاضي التنفيذ يختص ببيع الأموال المحجوزة.
فإذا صدر أمر البيع يجب الإعلان عن البيع حتى يكثر الراغبون في الشراء ويرتفع ثمن المبيع، ومن ثم يستفيد المدين والحاجز من ذلك.
ويجب أن يتضمن الإعلان بالإضافة إلى أمر البيع، جنس ونوع المال المراد بيعه، ووصفه بالإجمال، وقيمته المقدرة، وزمان البيع باليوم والتاريخ والساعة، ومكان البيع، وأنه يتعين على كل راغب في الاشتراك بالمزايدة أن يدفع مبلغا من النقود مقداره (10%) من قيمة المال المقدرة.
وتختلف وسيلة الإعلان عن البيع حسب قيمة المال المحجوز أو طبيعته فهو يتم بإحدى الوسائل الآتية:
- نشر أمر البيع وبيانات ورقة الإعلان في صحيفة يومية أو أكثر وفي ديوان دائرة التنفيذ خلال أسبوعين من تاريخ تبليغ المحجوز عليه بمحضر أو ورقة الحجز. وتحفظ نسخة من الصحيفة والإعلان والمحاضر التي حررت بهذا الخصوص في ملف التنفيذ. والغرض من ذلك تمكين صاحب المصلحة من متابعة صحة إجراءات الإعلان.
- إذا كانت قيمة الأموال لا تتحمل نفقات النشر أو لم يكن في محل البيع صحف فيكفي عندئذ تعليق إعلان البيع في ديوان دائرة التنفيذ وفي محل وجود المال.
فإذا تم البيع في اليوم المحدد في الإعلان كان بها، وإلا يتعين إعادة الإعلان عن الموعد الجديد وفق المادة (102) من قانون التنفيذ.
الفرع الثاني
إجراء المزايدة
المزايدة تتطلب تحديد مكان البيع، وكيفية إجراء المزايدة، والحكم في حالة عدم دفع المشتري الثمن، وحالة إرجاء البيع بالمزايدة، والكف عن البيع، وآثار البيع.
ونبين ذلك فيما يأتي.
أولا: مكان البيع.
نصت المادة (99) من قانون التنفيذ على أنه (تجري المزايدة في الأموال المحجوزة في أقرب سوق للمحل الذي حجزت فيه ولدائرة التنفيذ أن تختار محلا آخر للبيع تقتضيه ماهية تلك الأموال.
ويتبين من هذا النص أن لمأمور الحجز أن يختار المكان الذي يجري فيه البيع؛ وفقا لماهية المنقولات المحجوزة، فله أن يبيعها في المكان الذي توجد فيه؛ أو نقلها إلى أقرب سوق للمحل الذي حجزت فيه، وله مطلق الحرية في تقدير الأمر دون حاجة إلى إذن القاضي بنقلها.
ثانيا: كيفية إجراء المزايدة.
نصت المادة (100) من قانون التنفيذ على أنه:
- في الوقت المعين بالإعلان للبيع بالمزايدة العلنية لا يبدأ مأمور الحجز الإجراءات إلا بعد أن يجرد الأموال المحجوزة ويحرر محضرا بذلك ويبين فيه ما يكون قد نقص منها.
- عدم حضور الحاجز والمحجوز عليه لا يمنع من المزايدة ولا يتسبب في تأخيرها.
- يجري البيع بالمزايدة بأن يضع مأمور الحجز الأموال المحجوزة ويعلن عنها بواسطة المنادي ثم يبيعها ويسلمها إلى طالبها في البدل المقرر ويحرر محضرا بذلك يوقعه والحاضرون ذوو العلاقة ويذكر فيه جميع إجراءات البيع وما لقيه أثناءها من اعتراضات وعقبات وما اتخذه في شأنها وحضور الحاجز والمحجوز عليه وغيابهم والثمن الذي تم به البيع واسم المشتري وتوقيعه.
حتى يقوم مأمور الحجز بإجراء البيع لا بد أن يقدم له الدائن الحاجز طلبا بذلك، وحكمة ذلك أنه إذا لم يطلب الدائن الحاجز إجراء البيع فقد يكون قد استوفى حقه؛ أو اتفق مع المدين المحجوز عليه على تأجيل البيع.
ويجب على مأمور الحجز قبل البدء في البيع أن يجرد الأشياء المحجوزة ويحرر محضرا بذلك يبين فيه ما يكون قد نقص منها، ويترتب على هذا الجرد إعفاء الحارس من المسئولية إذا كانت جميع المنقولات المحجوزة كما هي دون تغيير أو نقص. ومع ذلك إذا حدث ولم يقم مأمور الحجز بإجراء الجرد فإن ذلك لا يترتب عليه بطلان البيع، وإنما يكون لذوي الشأن الرجوع على مأمور الحجز بالتعويض إن كان له مبرر.
ويجري البيع بالمزايدة العلنية بأن يضع مأمور الحجز الأموال المحجوزة ويعلن عنها بواسطة المنادي، ولا يبدأ مأمور الحجز بالمناداة على ثمن أساسي بل يترك الأمر لراغبي الشراء، وعلى ذلك يبدأ أول شخص بأي بثمن؛ ثم يليه المزايدون. ولا يشترط أن يكون الثمن الذي تبدأ به المزايدة مساويا للثمن المحدد في محضر الحجز. ولكن إذا كانت المنقولات وضعت تأمينا لدين وطلب صاحب الدين العادي بيعه فيشترط وفق المادة (104/2/أ) ألا تفتح المزايدة عليها بمبلغ أقل من الدين المؤمن.
ويتم البيع إلى من يتقدم بأكبر عطاء فيقرر مأمور الحجز رسو المزاد عليه ويبيعها له ويسلمه إياها بشرط دفع الثمن فورا. ولم يحدد القانون الفترة الزمنية التي يبقى فيها العطاء لكي يقرر مأمور الحجز رسوه بل يرجع ذلك إلى تقدير مأمور الحجز. كما أن القانون لم يقيد مأمور الحجز بحد معين يجب أن يبلغه ثمن الأشياء المعروضة للبيع، بل يرسي المزاد على أكبر عطاء أيا كان.
وحكمة المزاد العلني أنه يخشى أن ينتهز المشتري فرصة بيع المال جبرا عن صاحبه فيقدم ثمنا بخسا، فالمزاد العلني يكفل زيادة عدد المتقدمين للشراء والمنافسة بينهم الأمر الذي يؤدي إلى رفع الثمن إلى أقصى حد ممكن، وفي ذلك مصلحة للمدين والدائن الحاجز. كما أن علانية إجراء البيع تتيح الرقابة على هذه الإجراءات وتحول دون التلاعب أو محاباة بعض الأشخاص في الشراء. (27)
ويجب أن يثبت مأمور الحجز إجراء البيع في محضر يسمى محضر البيع يشتمل على جميع إجراءات البيع وما لقيه المأمور أثناءها من عقبات واعتراضات وما اتخذه في شأنها، وحضور الحاجز والمحجوز عليه وغيابهم، والثمن الذي تم فيه البيع واسم المشتري وتوقيعه، ويوقعه هو والحاضرون ذوي العلاقة.
ويلزم أن يشتمل محضر البيع بالإضافة إلى البيانات الواردة في المادة (100/3) من قانون التنفيذ، على كافة البيانات التي يلزم توافرها في أوراق المحضرين. ويبطل إذا شابه عيب جوهري ترتب عليه ضرر للخصم؛ كما لو لم يشتمل على الثمن الذي رسا به المزاد، أو لم يشتمل على الإجراءات التي اتخذها مأمور الحجز وهو يجري المزاد. ولكن لا يبطل محضر البيع إذا لم يشتمل على توقيع من رسا عليه المزاد بشرط أن يذكر سبب الامتناع عن التوقيع.
وحضور المدين وقت البيع لا يحرمه من التمسك ببطلان محضره ولو لم يتمسك أمام مأمور الحجز بما يعتبره سببا لهذا البطلان، وتعتبر دعوى بطلان البيع إشكالا في التنفيذ تراعى فيها القواعد العامة سواء من حيث إجراءاتها أو من حيث الاختصاص بنظرها. (28)
ثالثا: عدم دفع المشتري الثمن.
نصت المادة (101) من قانون التنفيذ على أنه (إذا لم يدفع المشتري الثمن فورا تطرح الأموال المحجوزة مجددا للبيع على عهدته، وتجري المزايدة في الحال إذا كان الأمر مستطاعا، ولا يستفيد المشتري الناكل من الزيادة في الثمن ولكنه يتحمل الفرق بين الثمن الذي عرضه والثمن المدفوع أخيرا مع النفقات الإضافية التي تسبب فيها ويعتبر محضر البيع سندا تنفيذيا بالنسبة إليه بفرق الثمن وبالنفقات المذكورة).
يبين هذا النص أنه إذا لم يدفع المشتري الذي رسا عليه العطاء الثمن فورا، يقوم مأمور الحجز بطرح المنقولات المحجوزة للمزاد مجددا على عهدة المشتري، وتجري المزايدة في الحال إذا كان ذلك مستطاعا. وإذا كان الثمن الجديد أقل من الثمن الأول ألزم الراسي عليه المزاد أولا الذي نكل عن دفع الثمن فورا بالفرق كاملا واعتبر محضر البيع سندا تنفيذيا بفرق الثمن وبالنفقات الإضافية التي تسبب فيها. أما إذا كان الثمن الجديد يزيد عن الثمن الأول فإن الزيادة تكون للمدين المحجوز عليه.
رابعا: إرجاء البيع بالمزايدة.
نصت المادة (102) من قانون التنفيذ على أنه:
- – إذا لم يحصل البيع بالمزايدة في اليوم المعين في محضر الحجز وفي الإعلان يرجأ ليوم آخر وتعاد إجراءات الإعلان على الوجه المبين في المواد السابقة، ويبلغ المحجوز عليه بالشهادة المثبتة للإعلان قبل البيع بيوم واحد على الأقل.
- إذا كان إرجاء البيع بالمزايدة راجعا إلى عدم تقدم أحد للشراء تباع الأموال المحجوزة في المزايدة الجديدة لمن يتقدم لشرائها ولو بثمن أقل مما قدرت به في أوراق الحجز.
وهذا النص واضح ولا يحتاج لشرح أو تفسير.
خامسا: الكف عن البيع:
نصت المادة (103) من قانون التنفيذ على أنه (إذا كانت الأموال المراد بيعها متعددة وبيع منها ما يكفي لسداد الدين وفائدته والنفقات يجب توقيف المزايدة ورد الأشياء الباقية لصاحبها).
قد يتم الحجز على منقولات تفوق قيمتها قيمة الدين المحجوز من أجله، لأن القانون لا يشترط وجود تناسب بين القيمتين، ولكن يجب ألا يتجاوز التنفيذ مقدار الحق المطالب بتنفيذه. لذلك أوجب المشرع على مأمور الحجز أن يتوقف عن البيع عندما يتم بيع ما يكفي لسداد الدين وفائدته والنفقات ورد الأشياء الباقية لصاحبها.
وتوقيف المزايدة يحقق مصلحة المدين فلا يضار من بيع ما يزيد من أمواله عن حاجة الحاجزين، ومصلحة الدائنين الحاجزين فلن يزاحمهم غيرهم من الدائنين بالحجز على الثمن بعد البيع، إذ يخصص لهم ما يفي بحقوقهم.
وبالكف عن البيع ورد المنقولات التي لم يتم بيعها لصاحبها؛ يزول عنها الحجز فورا حتى ولو ثبت فيما بعد أن مأمور الحجز كان مخطئا في تقديره فلم تكف المبالغ المحصلة للوفاء بحقوق الدائنين الحاجزين وبنفقات التنفيذ، ولذلك تنفذ تصرفات المدين فيها؛ سواء كانت سابقة أو لاحقة على الحجز، ويترتب على هذا الخطأ مسئولية مأمور الحجز في مواجهة الحاجزين.
كما يترتب على الكف عن البيع أن تخصص المبالغ المتحصلة من هذا البيع لوفاء الديون المحجوز من أجلها سواء كان الدائنون قد حجزوا على المنقولات أم حجزوا على الثمن تحت يد مأمور الحجز من أصل وفوائد والمصاريف. ويدفع مأمور الحجز لكل من حضر دينه بعد تقديم سنده أو بعد موافقة المدين، ثم يسلم الباقي للمدين.
ويختص الحاجزون بحصيلة التنفيذ حتى ولو لم تكن كافية لأداء جميع ديونهم، ولكن في هذه الحالة لا يملك مأمور الحجز أن يدفع لهم هذه الديون وإنما يودع الحصيلة في خزينة المحكمة لتوزع على الدائنين قسمة غرماء.
سادسا: آثار البيع
يترتب على تمام البيع انقضاء الحجز على المال المحجوز لأنه استنفذ غايته، سواء بالنسبة للأموال التي بيعت حيث تنتقل بالمزاد إلى المشتري خالصة من وصف الحجز، أم التي لم تبع بسبب كفاية حصيلة التنفيذ للوفاء بحقوق الدائنين الحاجزين وتوقيف البيع.
وللبيع آثار تتعلق بكل طرف من أطراف التنفيذ وهو ما سنوضحه فيما يأتي:
- آثار البيع بالنسبة للمدين:
يترتب على البيع بالمزاد خروج المنقولات المباعة من ملك المدين وحلول ثمنها في ذمته محلها، ولذلك لا يجوز لدائنيه الآخرين الحجز على هذه المنقولات، وإنما يجوز لهم الحجز على ما زاد عن حقوق الحاجزين من الثمن المتحصل من بيعها باعتباره مال مدينهم تحت يد مأمور الحجز أو تحت يد دائرة التنفيذ إذا كان الثمن قد أودع في خزينة المحكمة.
وإذا لم يحصل حجز على باقي الثمن من جانب دائنين آخرين، كان للمدين أن يحصل على الباقي منه بعد سداد حقوق الدائنين الحاجزين باعتباره من حقه. كما أنه إذا أوفى للدائنين الحاجزين بطريق آخر أو حصل على تنازل منهم، فإن من حقه الحصول على المبالغ المتحصلة من البيع الموجودة تحت يد مأمور الحجز أو في خزينة المحكمة باعتباره أصيلا وليس باعتبار أن هذه المبالغ آلت إليه من الدائنين بطريق الحوالة أو التنازل وحل محلهم في استحقاقها.
كما يترتب على البيع – كما سبق القول – زوال الحجز وانقضاء آثاره؛ ولذلك فإن المنقولات التي لم يتناولها البيع تطهر من آثار الحجز فيجوز للمدين أن يتصرف فيها، وتنفذ تصرفاته فيها سواء كانت قبل الحجز أم بعده، كما يجوز له أن يستعملها وينتفع بها.
- آثار البيع بالنسبة للدائن الحاجز:
يترتب على بيع المنقولات المحجوزة أن يصبح الثمن مخصصا للوفاء بحقوق من كان من الدائنين طرفا في التنفيذ وقت البيع؛ سواء كان حاجزا أم تم إدخاله قبل البيع. وسواء كان الثمن كافيا للوفاء بجميع حقوقهم أو لم يكن كافيا للوفاء بها جميعا.
ولا يحول هذا التخصيص دون توقيع حجوز جديدة على الثمن تحت يد مأمور الحجز أو خزانة المحكمة بعد إجراء البيع، ولكن لا يستوفي الحاجز بعد البيع حقه إلا مما يتبقى من حصيلة التنفيذ بعد استيفاء الحاجزين قبل البيع حقوقهم، وذلك حتى لو كان له حق التقدم وفقا للقانون الموضوعي.
وأساس هذه القاعدة أن التنفيذ القضائي نظام فردي وليس نظاما جماعيا، وأن للإجراءات القضائية أثر نسبي؛ فلا تفيد ولا تضر إلا من كان طرفا فيها، لذلك فإن الطرف الإيجابي في التنفيذ يختص وحده بحصيلة التنفيذ، ولا يضار من تدخل دائن آخر في المرحلة الأخيرة من الإجراءات أي عند التوزيع.
أما إذا كانت الأموال المحجوزة لأجل دين ممتاز ولأجل دين عادي، ففي هذه الحالة نصت المادة (104) من قانون التنفيذ على أنه:
- يجوز بيع الأموال المحجوزة لأجل دين عادي ولو كانت محجوزة لأجل دين ممتاز؛ وفي هذه الحالة يستوفي أولا أصحاب الديون الممتازة حقوقهم ثم يدفع الباقي لأصحاب الديون العادية.
- يجوز بيع الأموال الموضوعة تأمينا لدين إذا تبين أن قيمتها تزيد على الدين المؤمن، وطلب صاحب الدين العادي بيعها ويشترط في ذلك:
- ألا تفتح المزايدة عليها بمبلغ أقل من الدين المؤمن.
- أن يدفع عند تمام البيع إلى أصحاب الديون الممتازة حقوقهم ثم يدفع الباقي إلى صاحب الدين العادي.
- آثار البيع بالنسبة للمشتري بالمزاد:
إذا كانت إجراءات التنفيذ صحيحة والمنقولات المباعة مملوكة للمدين، فإن المشتري يدفع الثمن ويصبح مالكا للمنقولات المباعة.
أما إذا كانت المنقولات المباعة ملكا للغير، فإن بيع ملك الغير لا ينقل الملكية سواء كان البيع إراديا أو جبريا، ولكن إذا كان المشتري قد تسلم هذه المنقولات فعلا، وكان حسن النية، فإنه تطبيقا لقاعدة أن الحيازة في المنقول سند الملكية، يعتبر البيع بالمزاد سندا صحيحا للمشتري يؤدي إلى امتلاكه للمنقولات التي كانت محجوزة حتى لو كانت غير مملوكة للمدين؛ أو كان حجزها باطلا. وفي هذه الحالة فإن لمالك المنقول أن يرجع على الثمن إذا كان لم يوزع بعد، لأن الثمن يحل محل الشيء المباع وبذلك يدخل في ذمة المالك الحقيقي، أما إذا كان الثمن قد تم توزيعه فليس للمالك استرداده من الدائنين، ولكن له في جميع الأحوال أن يرجع بالتعويض على الدائن مباشر الإجراءات إذا كان سيء النية. فإذا كان الدائن الحاجز حسن النية لا يبقى أمام مالك المنقول سوى الرجوع على المدين المحجوز عليه بدعوى الإثراء أو الكسب بلا سبب.
أما إذا كان المشتري سيء النية فيجوز استرداد هذه المنقولات منه لأن السبب الصحيح وحده وهو البيع بالمزاد لا يكفي في اعتبار الحيازة سببا أو سندا للملك، بل يجب أن يقترن ذلك بحسن النية.
رابعا –آثار البيع بالنسبة لمأمور الحجز:
يترتب على البيع التزام مأمور الحجز باستيفاء الثمن فورا من المشتري، أو المبادرة بإعادة البيع على ذمة المشتري الناكل عن دفع كامل الثمن. فإذا لم يستوف الثمن فورا أو لم يبادر إلى إعادة البيع يعتبر مسئولا ويكون مأمور الحجز ملزما بالثمن أو بالفارق، ويعتبر محضر البيع سندا تنفيذيا بالثمن على مأمور الحجز.
الفرع الثالث
بيع بعض المنقولات بإجراءات خاصة
نص قانون التنفيذ على إجراءات خاصة لبيع بعض المنقولات إما لطبيعتها أو لقلة قيمتها، وهذه المنقولات هي التالية:
أولا: بيع الأسهم والسندات وما في حكمها.
نصت المادة (109) من قانون التنفيذ على أنه (تباع الأسهم والسندات وغيرها مما نص عليه في المادتين السابقتين بواسطة إحدى الجهات المتخصصة قانونا التي يعينها قاضي التنفيذ بناء على طلب يقدمه إليه طالب الحجز ويبين قاضي التنفيذ في قراره ما يلزم اتخاذه من إجراءات الإعلان).
وهذا النص يبين أن التنفيذ على الأسهم والسندات وما في حكمها (أي الحوالات) يتم بيعها بطريقة تختلف عن بيع المنقولات الأخرى، حيث يتم بيعها بناء على طلب يقدمه طالب الحجز لقاضي التنفيذ، ليصدر أمرا ببيعها؛ ويعهد بذلك إلى إحدى الجهات المختصة سواء من السماسرة أو الصيارفة أو البنوك أو غيرهم، مع بيان ما يلزم اتخاذه من إجراءات للإعلان عن البيع، بينما يترك تحديد إجراءات البيع لتلك الجهة لتقوم به وفق العرف السائد لديها.
ثانيا: بيع المنقولات التي يخشى تلفها أو التي لا تتناسب قيمتها مع نفقات حفظها.
سبق وذكرنا أن المشرع في المادتين (83 و96/3) قد أجاز لقاضي التنفيذ بالنسبة إلى الثمار والفواكه والخضروات الناضجة … التي يخشى تلفها أو كانت قيمتها لا تتحمل نفقات المحافظة عليها، بأن يقرر بيعها في الحال، ولكن المشرع لم يبين ما إذا كان البيع يتم بالمزايدة أم بدونه، وحيث إن إجراءات المزايدة تحتاج إلى إعلان وهذا لا يتناسب مع طبيعة تلك الأشياء، فإننا نرى أن يتم بيعها بطريق بيع السوق وبحسب سعر السوق.
الفرع الرابع
العقبات التي تواجه بيع المنقولات
قد يواجه بيع المنقولات بعض العقبات التي تؤدي إلى وقف البيع أو تأجيله؛ أثناء إجراءاته، وهذه العقبات تتمثل في الآتي: العقار يغل ثمارا تكفي للوفاء بدين الحاجز خلال سنة، وطلب المدين التأخير بادعاء أن لديه أموالا يمكن توفيرها إذا أمهل، ووجود سبب يتطلب تأجيل البيع، وجود حالة من حالات وقف البيع، وعدم تعقب إجراءات البيع، والادعاء بالتصرف في العقار، ورفع دعوى الاسترداد. وقد تم بيان الحالات السابقة في موضع كل منها سوى الحالة الأخيرة، لذلك نقتصر هنا عليها.
رفع دعوى استرداد المنقولات المحجوزة.
نصت المادة (85) من قانون التنفيذ على أنه (3- يجب أن ترفع دعوى الاسترداد على الحاجز أو جميع الحاجزين (إذا تعددوا) والمحجوز عليه، وأن تشمل لائحة الدعوى على بيان واف لأدلة الملكية، ويرفق بها المستندات المؤيدة لها. 4- يترتب على رفع دعوى الاسترداد الأولى وقف البيع).
ونصت المادة (106) منه على أنه (إذا رفعت دعوى استرداد ثانية من مسترد آخر أو كان قد سبق رفعها من المسترد نفسه واعتبرت كأن لم تكن أو حكم بإسقاطها أو بعدم قبولها أو بعدم اختصاص المحكمة أو ببطلان لائحتها أو بسقوط الخصومة فيها أو بقبول تركها فلا يوقف البيع إلا إذا قرر قاضي التنفيذ وقفه لأسباب هامة).
عني المشرع عناية خاصة بدعوى استرداد المنقولات المحجوزة لدى المدين ووضع لها قواعد خاصة لأنها تعتبر أهم اعتراض يثور في هذا النوع من الحجوز.
ونبين تعريف دعوى الاسترداد، وشروطها، وإجراءاتها، والآثار المترتبة على إقامتها، ومدى حق استرداد المنقولات المحجوزة بعد بيعها، والحكم في دعوى الاسترداد.
تعريف دعوى الاسترداد:
دعوى استرداد المنقولات المحجوزة هي دعوى يقيمها شخص من الغير مدعيا ملكيته المنقولات المحجوزة، أو أي حق يتعلق بها، طالبا فيها تقرير ملكيته على هذه المنقولات، أو تقرير أي حق يتعلق بها، وإلغاء الحجز الموقع عليها.
فقد تكون المنقولات المطلوب الحجز عليها أو التي وقع الحجز عليها بالفعل، مملوكة للغير؛ ويكون المدين مجرد حائز لها لكونه مستأجرا أو مستعيرا أو منتفعا أو مودعا عنده. كما قد لا تكون تلك المنقولات مملوكة للغير ولكنها محملة بحق خاص للغير؛ كأن يكون للغير حق انتفاع عليها أو مالكا للرقبة فقط، فدعوى الاسترداد قد تنصب على ملكية المنقولات التي وقع الحجز عليها، كما قد تنصب على حق يتعلق بتلك المنقولات؛ كحق الانتفاع مثلا، فيكون الهدف من الدعوى التمكن من حيازة هذه المنقولات لممارسة حق الانتفاع أو أي حق آخر عليها.
لذلك أتاح المشرع للغير الاعتراض على إجراءات الحجز التي تقع على منقول له حق عليه حتى يتمكن من استرداده وممارسة حقه عليه بإقامة دعوى الاسترداد. وعليه حتى تعتبر الدعوى دعوى استرداد يتعين أن يكون هناك حجز يؤدي إلى بيع، ولو كان هذا الحجز تحفظيا، وأن تقام الدعوى بعد توقيع الحجز وقبل إجراء البيع. كما أن حق مدعي الملكية في إقامة دعوى الاسترداد لا ينفي حقه في الاستشكال في التنفيذ.
شروط دعوى الاسترداد:
يشترط في دعوى الاسترداد ما يأتي:
- أن ترفع الدعوى من شخص من الغير له حق على المال المحجوز غير حائز له. ويقصد بالغير من لم يكن طرفا في التنفيذ ويستند على حق يتعلق بالمنقول محل التنفيذ؛ سواء ادعى حق الملكية أو أي حق آخر. وتفترض دعوى الاسترداد أن المنقول ليس في حيازة الغير الذي أقام الدعوى، لأن حجز المنقولات التي في حيازة الغير يكون باطلا ولا تكون الدعوى في هذه الحالة دعوى استرداد.
- أن يطلب المدعي الحكم له بملكية المنقولات المحجوزة؛ أو بثبوت أي حق آخر عليها يتعارض معه الحجز، وكذلك بطلان إجراءات الحجز وإلغاءها. فدعوى الاسترداد تهدف إلى أمرين: الأول تقرير ملكية المسترد للمنقولات المحجوزة أو أي حق آخر عليها. والثاني بطلان الحجز الموقع على هذه المنقولات. لذلك يجب أن يطلب المدعي الطلبين معا. وبذلك تكون دعوى الاسترداد منازعة موضوعية في التنفيذ. (30)
- فإذا طلب تقرير الملكية دون أن يطلب بطلان الحجز تكون الدعوى دعوى ملكية عادية تنظرها المحكمة المختصة طبقا للقواعد العامة، ويتوجب على قاضي التنفيذ الذي أقيمت الدعوى لديه أن يحكم بعدم الاختصاص والإحالة وفقا للمادة (93) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية.
- وكذلك إذا طلب المدعي بطلان الحجز دون أن يطلب الحكم له بالملكية لا تكون الدعوى دعوى استرداد.
- أن تقام الدعوى بعد توقيع الحجز وقبل إجراء البيع، لأن هذه الدعوى تهدف إلى تخليص المنقولات المحجوزة من الحجز الواقع عليها، فإذا أقيمت قبل الحجز أو بعد البيع لا تعد دعوى استرداد أيا كانت طلبات المدعي فيها.
- أن ترفع الدعوى على كل من الدائن الحاجز والمدين المحجوز عليه، والحاجزين المتدخلين في الحجز. ويقصد بالحاجز؛ الحاجز الأول على المنقول، ويقصد بالدائنين الحاجزين المتدخلين؛ الدائنون المتدخلون في الحجز بطريق جرد الأشياء المحجوزة، فلا يدخل فيهم الدائن الحاجز على الثمن تحت يد مأمور الحجز لأن حقه يتعلق بحصيلة التنفيذ وليس بالمال محل التنفيذ لذلك لا يجب اختصامه في دعوى الاسترداد.
غير أنه لا يترتب البطلان أو عدم القبول على عدم اختصام أي ممن سبق ذكرهم وإنما تكون الدعوى صحيحة ومقبولة، غير أن الحكم الذي يصدر فيها لا يكون له أثر في مواجهة من لم يختصم في الدعوى ولا يكون حجة عليهم؛ ويجوز لهم طلب الحكم بالاستمرار في التنفيذ، فإذا تحققت المحكمة من المخالفة وجب عليها إجابة الطلب. ومع ذلك يجوز لرافع الدعوى تصحيح شكلها باختصام من يوجب القانون اختصامهم. (31)
- أن تشتمل لائحة الدعوى على بيان واف لأدلة الملكية، أي أن يكون بيان الدعوى واضحا ومحددا وغير وارد في عبارات مبهمة؛ كأن يقول إنه يملك المنقول المحجوز بالشراء دون أن يذكر اسم البائع وتاريخ البيع وشهوده، وتقدير ذلك للمحكمة المرفوع لديها دعوى الاسترداد. وحكمة ذلك هي تمكين المدعى عليهم من معرفة الأدلة التي يستند إليها المدعي فيستعدون للرد عليه في أول جلسة دون حاجة لطلب التأجيل للاستعداد، ولتمكين القاضي من التحقق من جديّة الدعوى، وتضييق الفرصة على المشاكس سيء النية الذي يقيم دعوى كيدية للوصول إلى وقف التنفيذ.
- أن يرفق المدعي بلائحة الدعوى جميع المستندات المؤيدة لهذه البيانات، كعقد البيع وإيصالات دفع الثمن وغيرهما من المستندات، وجزاء عدم إرفاق هذه المستندات هو أن تحكم المحكمة بناء على طلب الحاجز بالاستمرار في التنفيذ، وهذا الحكم لا يقبل الطعن.
إجراءات دعوى الاسترداد والاختصاص بها وإثباتها:
تقام دعوى الاسترداد – كأي دعوى- وفقا للإجراءات المعتادة في إقامة الدعوى، أي بلائحة دعوى تودع قلم الكتاب وتقيد ثم تبلغ للمدعى عليهم مع تكليفهم بالحضور أمام قاضي التنفيذ.
وتعتبر هذه الدعوى إشكالا موضوعيا في التنفيذ، ولذلك يختص بها نوعيا قاضي التنفيذ، ويكون الاختصاص المحلي بها للمحكمة التي يقع المنقول محل الحجز في دائرتها.
ويقع عبء الإثبات في دعوى الاسترداد على المدعي الذي رفعها حيث إن المنقولات في حيازة المدين المحجوز عليه، لذلك لا يعتبر المدعي حائزا في جميع الحالات حتى ولو كان يشارك المحجوز عليه في حيازة هذه المنقولات، كحالة الزوج والزوجة؛ والأب والابن، والأخوة الذين يعيشون معا، فإذا حجز دائن الزوج مثلا على منقولات الزوجة الموجودة في مسكنهما وأقامت الزوجة دعوى استرداد؛ فإن عبء إثبات ملكيتها لهذه المنقولات يقع عليها.
ولكن قد يحدث أن يتواطأ المدين مع الغير إضرارا بالحاجز، فإذا أقام الغير دعوى استرداد مدعيا ملكية المنقولات المحجوزة؛ وأقر المدين له بملكية هذه المنقولات، فإنه في هذه الحالة نفرق بين أثر الإقرار في العلاقة بين الحاجز والمدين، وأثره في العلاقة بين المدين والغير.
ففي العلاقة بين الحاجز والمدين لا يكون للإقرار أية حجية لأن الإقرار يعتبر عملا قانونيا صادرا عن المدين المحجوز عليه بعد الحجز، لذلك لا ينفذ في مواجهة الدائن الحاجز، مثله في ذلك مثل سائر تصرفات المدين بعد الحجز، لذلك لا يحتاج الدائن الحاجز أن يثبت عدم صحة الإقرار لصوريته؛ أو أن يثبت تواطؤ المدين مع الغير غشا به.
بينما في العلاقة بين المدين والغير يكون للإقرار حجية كاملة، فيلتزم به المدين ويتحمل نتيجته، ولا يملك التحلل منه ومن آثاره إلا إذا أثبت صوريته وفقا للقواعد العامة في القانون المدني. لذلك إذا صدر الحكم برفض دعوى الاسترداد رغم وجود الإقرار الصادر من المدين، فإن هذا الحكم لا يمنع من إنتاج الإقرار أثره في العلاقة بين المدين والغير، لأن هذا الحكم لا تكون له حجية بالنسبة لنفي الملكية عن الغير وتأكيدها للمدين إلا في نطاق خصومة التنفيذ، أما خارج نطاق هذه الخصومة فإنه لا حجية له في العلاقة بين المدين والغير.
الآثار المترتبة على إقامة دعوى الاسترداد:
فرق القانون بالنسبة للآثار المترتبة على إقامة دعوى الاسترداد بين دعوى الاسترداد الأولى ودعوى الاسترداد الثانية. فرتب على إقامة دعوى الاسترداد الأولى وقف البيع (التنفيذ) بقوة القانون (المادة 85/4)، بينما لم يرتب هذا الأثر على دعوى الاسترداد الثانية إلا بناء على حكم من قاضي التنفيذ (المادة 106).
الآثار المترتبة على إقامة دعوى الاسترداد الأولى:
وفق المادة (85/4) من قانون التنفيذ يترتب على مجرد إقامة دعوى الاسترداد الأولى أثر قانوني هام وهو وقف التنفيذ تلقائيا أي بقوة القانون، وقد خرج المشرع بهذا النص عن القاعدة العامة في إشكالات التنفيذ الموضوعية التي تقضي بأن مجرد تقديم الإشكال الموضوعي لا يؤدي إلى وقف التنفيذ؛ بل يكون الوقف نتيجة للحكم في الإشكال. وسبب هذا الخروج هو حماية مالك الشيء المحجوز أو صاحب الحق عليه من أن يباع ملكه قبل الفصل في الدعوى، فقد لا يجديه استرداده بعد ذلك إذا كان المشتري حسن النية لأنه مال منقول.
ويترتب الأثر الواقف لدعوى الاسترداد دون حاجة لصدور حكم به؛ لأنه يتم بقوة القانون لمجرد إقامة الدعوى، أي اعتبارا من تاريخ إيداع لائحة الدعوى قلم دائرة التنفيذ المختصة بعد دفع الرسم كاملا، ولو لم يتم اختصام الحاجز أو أحد الحاجزين المتدخلين في الحجز، أو لم يراع المسترد الإجراءات الواجبة عند إقامة الدعوى السابق بيانها. ويستمر الوقف قائما إلى أن يتم الفصل في دعوى الاسترداد بحكم جائز التنفيذ، سواء كان ذلك وفقا للقواعد العامة أو كان الحكم مشمولا بالنفاذ المعجل.
غير أن هذا الأثر الواقف لدعوى الاسترداد قد يزول برغم بقاء الدعوى، كما أنه يزول بزوالها ذاتها أو بحدوث أمر يعرقل سيرها.
أولا: زوال أثر وقف التنفيذ رغم بقاء دعوى الاسترداد.
يتحقق هذا الزوال في صورتين:
- لقاضي التنفيذ بناء على طلب أحد الحاجزين أن يحكم بصفة مستعجلة بالاستمرار في التنفيذ إذا كان الظاهر يرجح أن المنقولات المحجوزة مملوكة للمدين. ويقدم هذا الطلب إلى نفس القاضي الذي أقيمت أمامه دعوى الاسترداد، الذي له سلطة تقديرية في الحكم أو عدم الحكم بالاستمرار في التنفيذ، بعد أن يوازن بين مصالح رافع دعوى الاسترداد ومصالح طالب الاستمرار في التنفيذ، وبين الضرر الذي يصيب كلا منهما، وذلك بفحص أدلة الاسترداد فحصا سطحيا، فله أن يأمر بالاستمرار في التنفيذ إذا وجد أن الظاهر يرجح أن المنقولات المحجوزة مملوكة للمدين، وأن الدعوى نتيجة تواطؤ بين المدين ورافع الدعوى، أو أن الضرر الذي يصيب الحاجزين من وقف التنفيذ جسيم ولا يتناسب مع الضرر الذي يصيب رافع الدعوى من الاستمرار في التنفيذ.
وقد يقرر قاضي التنفيذ الاستمرار في التنفيذ ويأمر بإيداع الثمن المتحصل من البيع في خزانة المحكمة إلى حين الفصل في الدعوى وذلك إذا قدر ضرورة حماية رافع دعوى الاسترداد.
والحكم الصادر بالاستمرار في التنفيذ يجوز الطعن فيه بالاستئناف باعتباره حكما صادرا في مسألة مستعجلة، ولكنه يكون قابلا للتنفيذ فورا باعتباره مشمولا بالنفاذ المعجل بقوة القانون.
- أوجب نص المادة (85/2) من قانون التنفيذ على رافع دعوى الاسترداد اختصام كل الأشخاص المذكورين فيها، ومخالفة هذا النص تعطي الحاجز الذي لم يختصم في الدعوى الحق في تقديم طلب الاستمرار في التنفيذ. وفي هذه الحالة على قاضي التنفيذ أن يحكم بناء على طلب الحاجز المذكور بالاستمرار في التنفيذ دون انتظار الفصل في الدعوى. أما إذا لم يطلب أحد الاستمرار في التنفيذ رغم مخالفة نص المادة (85/2) فإن هذه الدعوى المعيبة تسير سيرا عاديا ويصدر فيها حكم قد يكون لصالح رافعها، إذ لا تملك المحكمة أن تحكم بما لم يطلبه الخصوم.
ثانيا: زوال الأثر الواقف لدعوى الاسترداد بزوالها أو بحدوث ما يعرقلها.
نصت المادة (105) من قانون التنفيذ على أنه (يجب على دائرة التنفيذ أن تمضي في البيع بناء على طلب الحاجز إذا قررت المحكمة إسقاط دعوى الاسترداد أو ردها طبقا لقانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية أو إذا اعتبرت كأن لم تكن أو حكم بعدم قبولها أو بطلان لائحتها أو سقوط الخصومة فيها أو قبول تركها أو أي حكم آخر ينهي خصومتها دون الفصل في موضوعها ولو كان الحكم قابلا للاستئناف).
وقد أخذ المشرع بهذا الحكم مقدرا أن وقف التنفيذ لمجرد إقامة الدعوى هو أثر خطير يجب أن لا يبقى إلا لمصلحة المدعي الذي يحضر أمام قاضي التنفيذ ويمتثل لأوامره. فإذا لم يحضر المدعي وترتب على ذلك شطب الدعوى أو اعتبارها كأن لم تكن أو حكم بإسقاطها أو بعدم قبولها أو بعد اختصاص المحكمة أو بسقوط الخصومة فيها أو بقبول تركها، فإن الأثر الواقف لدعوى الاسترداد يزول نتيجة ذلك، ويكون للحاجز أن يستمر في التنفيذ حتى لو كان الحكم بأحد هذه الأمور حكما ابتدائيا قابلا للطعن فيه بالاستئناف. ويعتبر الحكم بالاستمرار في التنفيذ في هذه الحالة مشمولا بالنفاذ المعجل بقوة القانون عملا بصراحة النص، ما لم يقرر قاضي التنفيذ وقفه لأسباب هامة.
الآثار المترتبة على رفع دعوى الاسترداد الثانية.
تعتبر دعوى الاسترداد ثانية في حالتين:
الحالة الأولى: إذا رفع دعوى الاسترداد شخص آخر غير رافع الدعوى الأولى.
الحالة الثانية: إذا جدد رافع دعوى الاسترداد الأولى دعواه التي سبق أن تم شطبها أو عدم قبولها أو حكم باعتبارها كأن لم تكن أو عدم اختصاص المحكمة بها أو بطلان لائحتها أو بسقوط الخصومة فيها أو قبول تركها.
وقد افترض المشرع فيمن أقام هذه الدعوى الثانية سواء مسترد آخر أو المسترد نفسه، سوء نية رافعها ورغبته في عرقلة التنفيذ؛ واعتبرها كيدية، لذلك نص في المادة (106) على أن رفع دعوى الاسترداد الثانية لا يؤدي إلى وقف البيع. ومع ذلك أجاز لذي المصلحة أن يطلب من قاضي التنفيذ المرفوعة إليه دعوى الاسترداد الثانية وقف التنفيذ لأسباب هامة، ومن هذه الأسباب أن يقتنع القاضي بجديّة رافعها وحسن نيته، أو أن تكون طبيعة المنقولات المحجوزة وقيمتها تستوجبان التريث في بيعها حتى لا يصيب رافع هذه الدعوى ضرر جسيم، وتخضع هذه الأسباب الهامة لمطلق سلطة قاضي التنفيذ التقديرية.
ويتبين من نص المادة (106) أن الدعوى تعتبر ثانية إذا رفعت بعد دعوى أخرى؛ ولو قبل زوال الأثر الموقف للبيع المترتب على الدعوى التي رفعت أولا، فنص هذه المادة يدل على أن الفاصل الزمني هو وحده الذي يحدد ما إذا كانت دعوى الاسترداد تعتبر الأولى أم الثانية. فإذا رفعت دعوى استرداد من جانب شخصين على اعتبار تملكهما للمنقولات المحجوزة على الشيوع، أو على اعتبار تملك كل منهما لبعض المنقولات المحددة، فإن أية دعوى استرداد أخرى ترفع من أيهما تعتبر دعوى ثانية ما دامت متصلة بذات المنقولات التي تمسك بملكيتها في أول الأمر. (32)
غير أن المشرع يفترض أن كل دعوى من دعاوى الاسترداد تقتصر على حجز واحد بعناصره. لذلك إذا طالب المسترد في الدعوى الأولى بملكية منقولات معينة، ثم طالب بعد ذلك في دعوى استرداد تالية بملكية منقولات أخرى محجوزة، فإن هذه الدعوى التالية تعد دعوى استرداد أولى وتوقف البيع بالنسبة لهذه المنقولات الأخيرة.
مدى حق استرداد المنقولات المحجوزة بعد بيعها:
يستند المشتري في ملكيته وحيازته للمنقولات التي تم بيعها في المزاد، إلى محضر رسو المزاد الذي اشترى به تلك المنقولات. ويفترض في المشتري حسن النية لذلك في حال طلب الغير استرداد المنقولات المباعة بادعاء ملكيتها، فإن للمشتري الحق في الاحتماء بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية، وتعتبر هذه القرينة قائمة لجانب المشتري ومطروحة على المحكمة حتى ولو لم يتمسك بها المشتري.
أما إذا كان المشتري سيء النية؛ أي يعلم وقت حيازتها أي وقت شرائها أنها ليست مملوكة للمدين، فإن للمالك في هذه الحالة الحق في استردادها. (33)
وإذا لم يكن استرداد المنقولات المحجوزة بعد بيعها مجديا، جاز لمدعي الملكية أن يطالب بثمنها إذا لم يكن قد دفع للحاجز أو قسم بين الحاجزين، أما إذا كان الحاجزون قد استوفوا حقوقهم من الثمن جاز لمدعي الملكية أن يرجع على المدين باعتبار أنه قد أثرى على حسابه بقدر ما سدد من ديونه، وكثيرا ما لا يجدي الرجوع على المدين بسبب إعساره.
كما أن لمدعي الملكية أن يرجع على الدائنين بدعوى رد ما دفع بغير سبب، لأن حقهم في استيفاء ديونهم يجب أن يكون من مال مدينهم، فإذا قبضوا دينهم من ثمن شيء ليس مملوكا للمدين يكونوا قد أثروا بدون سبب مشروع ولو لم ينسب لهم أي خطأ وكانوا حسني النية؛ معتقدين عند موالاة إجراءات الحجز والبيع أنه يقع على أموال يملكها مدينهم. غير أنه يخصم مما يطالب به المسترد مقدار المصاريف التي سببها هو وكان في مقدوره تفاديها برفع دعوى الاسترداد في وقتها، أي قبل البيع وقبل الإعلان عنه، ما لم يكن له عذره؛ أي لم يكن يعلم بالحجز إلا بعد فوات الوقت، وكان هناك ما يبرر ترك منقولاته لدى المدين.(34)
الحكم في دعوى الاسترداد:
ينظر قاضي التنفيذ دعوى الاسترداد ويفصل فيها باعتبارها إشكالا موضوعيا، والحكم الصادر في الدعوى يكون حكما فاصلا في الموضوع ويحسم النزاع على أصل الحق، ويكون هذا الحكم نهائيا أو قابلا للاستئناف بحسب قيمة المنقول المحجوز محل الدعوى، كما يكون الحكم الصادر في الدعوى حجة على من اختصم فيها وفقا للقواعد العامة.
أما إذا خسر طالب الاسترداد الدعوى فإنه يلزم بكافة المصاريف المترتبة على طلب الاسترداد، مثل أجرة الحارس على المحجوزات أثناء وقف البيع نتيجة دعوى الاسترداد لأنه هو الذي تسبب في هذه المصاريف.
(17)(17) أما العقار بالتخصيص أي المنقول بطبيعته الذي خصص لخدمة العقار أو استغلاله، فإنه يخضع للحجز على العقار، فإذا وقع الحجز عليه بطريق حجز المنقول فإنه يكون باطلا.
(18)(18) المادة (8/2) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية. كما نصت المادة (84/2) من قانون التنفيذ على أنه (لقاضي التنفيذ إذا اقتضى الحال أن يأذن لمأمور الحجز بالاستمرار في إجراءات الحجز بعد ساعات العمل القانونية أو في أيام العطل الرسمية إلى أن يتم الحجز).
(19)(19) بينما نصت المادة 355 من قانون المرافعات المصري على أنه (لا يجوز توقيع الحجز في حضور طالب التنفيذ) وذلك محافظة على شعور المدين وتجنبا لما قد يحصل من مشاحنة أو ملاسنة بين الطرفين. ونرى ضرورة النص على ذلك في قانون التنفيذ الفلسطيني.
(20)(20) ويجب على مأمور الحجز في هذه الحالة أن يوقف الحجز حتى يحصل على إذن قاضي التنفيذ، غير أن ذلك قد يؤدي أحيانا إلى تبديد المال قبل الحجز عليه وتعطيل إجراءات التنفيذ بغير موجب، لذلك أجاز قانون المرافعات المصري في المادة 360 منه تجاوز الوقت المسموح به ما دام قد بدأ إجراء الحجز أو التنفيذ في الموعد المقرر دون حاجة إلى استصدار إذن من قاضي التنفيذ المختص. ونقترح أن يأخذ المشرع الفلسطيني بذلك.
(20)(20) المادة (82) من قانون التنفيذ.
(21)(21) نصت المادة (185) من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 على أنه : 1- من هاجم أو قاوم بالعنف موظفا يعمل على تنفيذ القوانين أو الأنظمة المعمول بها…. أو تنفيذ حكم أو أمر قضائي …. يعاقب بالحبس لا أقل من ستة أشهر إذا كان مسلحا وبالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة إذا كان أعزل من السلاح. 2- وتضاعف العقوبة إذا كان الفاعلون ثلاثة فأكثر.
(22)(22) يرجع لما بعده صفحة ….
(23)(23) مع أن تعدد الحجوز يفترض تعدد الدائنين الحاجزين، إلا أن ذلك لا يمنع تعدد الحجوز من نفس الدائن، وذلك إذا قام بالحجز لاستيفاء حق بموجب سند تنفيذي معين؛ ثم حصل بعد ذلك على سند تنفيذي آخر لاحق على الحجز الأول يؤكد حقا آخر له على ذات المدين، أو كان لديه سند موجود عند الحجز الأول يؤكد حقا لم يعين مقداره أو لم يحل أداؤه بعد، وعين مقدار الحق أو حل ميعاد أدائه، فإنه يستطيع عندها أن يوقع حجزا آخر ثانيا على ذات المنقولات بموجب السند التنفيذي الثاني.
(23)(23) وفي ذلك يقول أحمد المليجي: فالمال يتم وضعه تحت يد القضاء بالحجز الأول وليس من المنطقي أن يبدأ الحاجز الثاني من جديد إجراء وضع هذا المال تحت يد القضاء وهو موضوع من قبل، ولو افترضنا أن كل دائن يبدأ الحجز من جديد، فإن ذلك سوف يستتبع حتما تعدد الحراسة وتعدد الحراس وتعدد أجورهم بالتالي، كما أن ذلك سوف يؤدي إلى ترك زمام السير في إجراءات البيع والإعلان عنه في أيد متعددةـ وفي ذلك تعقيد للأمور، مما ينتج عته اضطراب في الإجراءات. جزء 6 صفحة 299.
(24)(24) أحمد المليجي، جزء 6 صفحة 305 و306.
(25)(25) أحمد المليجي، المرجع السابق صفحة 314.
(26)(26) فإذا حدد البيع بعد شهرين واعتبر المدين الحجز كأن لم يكن وتصرف في المحجوزات على مسئوليته وأقام دعوى باعتبار الحجز كأن لم يكن، إلا أن مأمور الحجز حرر له محضر تبديد أبلغ به النيابة التي أقامت الدعوى الجزائية ، وقدم المدين لمحكمة الجنح ما يدل على رفع الدعوى المدنية باعتبار الحجز كأن لم يكن، فإنه يتوجب على القضاء الجزائي في هذه الحالة أن يوقف الدعوى الجزائية إلى أن يفصل في الدعوى المدنية باعتبار الحجز كأن لم يكن، لأن الفصل في الدعوى الجزائية في هذه الحالة يتوقف على الفصل في مسألة مدنية تخرج عن اختصاص القاضي الجزائي. عز الدين الديناصوري وحامد عكاز صفحة 1372. وقد استقرت أحكام النقض الجزائية في مصر على أن هذا الأثر – أي اعتبار الحجز كأن لم يكن – وإن كان منصوصا عليه في القانون، إلا أنه لا يترتب إلا بصدور حكم من قاضي التنفيذ المختص. أحمد المليجي، صفحة 319.
(27)(27) أحمد المليجي الجزء السادس، صفحة 328.
(28)(28) أحمد أبو الوفا، التعليق صفحة 1378 و1379.
(30)(30) ذهب رأي إلى أن المادة (85/2) لم يرد فيها نص المطالبة بإلغاء الحجز، وإنما ترفع الدعوى لإثبات الحقوق التي يدعيها الغير على المنقول وليس غير ذلك. فإذا حكم له بذلك فإن هذا سيؤدي إلى بطلان الحجز لوقوعه على ملك الغير، إلا أن هذا البطلان لا يعطي أثره إلا بعد إبراز صورة الحكم لقاضي التنفيذ طبقا للمادة (86) من قانون التنفيذ وبناء عليه يقرر قاضي التنفيذ رفع الحجز. عبد الله الفرا صفحة 359 و360. غير أن دعوى الملكية وحدها لا تدخل في اختصاص قاضي التنفيذ بل الذي يجعل له اختصاصا بنظر دعوى الاسترداد هو طلب إلغاء الحجز ويكون سبب هذا الطلب هو ملكية رافع الدعوى للمنقول المحجوز. بمعنى أن موضوع دعوى الاسترداد الأصلي هو طلب إلغاء الحجز عن المنقولات المحجوزة لأنها مملوكة لغير المحجوز عليه، وإثبات ذلك بإثبات ملكية المدعي لتلك المنقولات المطلوب استردادها. كما أن القول بأن البطلان لا يعطي أثره إلا بإبراز صورة الحكم لقاضي التنفيذ يعني أن الحكم صادر من قاض آخر غير قاضي التنفيذ، فليس من المنطق أن نقدم لقاضي التنفيذ الحكم الذي أصدره.
(31)(31) بينما يذهب رأي إلى أن المادة (85/3) من قانون التنفيذ أوجبت اختصام جميع الحاجزين والمحجوز عليه، لذلك فإنه يرى أن عدم اختصام أي منهم يترتب عليه عدم قبول الدعوى لعدم شمولها جميع من يوجب القانون اختصامهم. عبد الله الفرا صفحة 358.
(32)(32) أحمد المليجي صفحة 366.
(33)(33) كما يجوز له أيضا وفق المادة 1190 من القانون المدني الأردني استردادها إذا كانت مسروقة أو ضائعة من مالكها خلال ثلاث سنوات بشرط أن يعجل للمشتري الثمن الذي دفعه.
(34)(34) أحمد المليجي صفحة 369 و370، أحمد أبو الوفا، التعليق؛ صفحة 1399.