الحجز لغة: حجز بينهما حجزا: وصل بينهما، وحجز الشيء: حازه ومنعه من غيره، وحجز فلانا عن الأمر: كفه ومنعه. وحجز القاضي على المال: منع صاحبه من التصرف فيه حتى يؤدي ما عليه.(1)
وفي الاصطلاح يمكن تعريفه بأنه إجراء بمقتضاه يطلب الدائن من الجهة المختصة وضع يدها على كل أو جزء من أموال مدينه عندما يمتنع عن الوفاء بالتزامه لبيعها واستيفاء حقه من ثمنها، سواء كان حقه ثابتا أو محل نزاع.
أما الحجز التنفيذي فهو وضع المال المحجوز سواء كان منقولا أم غير منقول تحت يد القضاء ومنع المنفذ ضده من أن يتصرف فيه، وذلك للمحافظة على حقوق الدائن الحاجز طالب التنفيذ، لاستيفاء دينه من ثمنه عند بيع هذا المال. (2)
ويهدف الحجز إلى:
- تحديد الأموال التي سيجري التنفيذ عليها من بين أموال المدين المحجوز عليه.
- الحفاظ على تلك الأموال، من خلال تقييد سلطات المدين أو غيره عليها، حتى يتمكن الدائن في نهاية المطاف أن يستوفي حقه من ثمنها. (3)
ويشترط في الحجز التنفيذي:
- وجود سند تنفيذي لدى طالب الحجز بغض النظر عن نوعه.(4)
- طلب صاحب الشأن من دائرة التنفيذ الحجز على أموال المدين أو بعضها.(5)
- إصدار أمر بالحجز من قاضي التنفيذ.(6)
- سبق إخطار المدين وتكليفه بالوفاء مع تبليغه صورة عن السند التنفيذي، وإنذاره بأنه سيتم الحجز على أمواله إذا لم يقم بالوفاء خلال مدة الإخطار.(7)
والحجز التنفيذي المقرر في قانون التنفيذ على أربعة أنواع تختلف باختلاف طبيعة المال المراد حجزه؛ وما إذا كان منقولا أم عقارا، وهل هو في يد المدين أم لدى الغير، أو كان يتعلق بأجور ورواتب العاملين والموظفين.
وحفاظا على المدين رتب المشرع بدء التنفيذ على أمواله فنص في المادة (41) على أنه (يبدأ التنفيذ على ما يملكه المدين من نقود سائلة وعلى ما له من حقوق لدى الغير، وفي حالة عدم كفايتها يجري الحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة).
وقبل البدء في إجراءات التنفيذ هناك مقدمات لا بد منها وهي الإجراءات التي يوجب القانون اتخاذها قبل الشروع في التنفيذ الجبري. كما أن هناك آثارا تترتب على إيقاع الحجز التنفيذي. وعلى ذلك ينقسم هذا الفصل إلى المباحث الأربعة الآتية:
المبحث الأول: مقدمات التنفيذ.
المبحث الثاني: حجز مال المدين لدى الغير.
المبحث الثالث: حجز الأموال المنقولة في يد المدين وبيعها.
المبحث الرابع: حجز الأموال غير المنقولة في يد المدين وبيعها.
المبحث الأول
مقدمات التنفيذ
حدد المشرع بعض المقدمات واعتبرها ضرورة لا يجوز لدائرة التنفيذ البدء في إجراءات التنفيذ إلا بها، ما لم يبادر المدين بالتنفيذ الاختياري، ويعرف الفقه مقدمات التنفيذ بأنها الوقائع القانونية التي يتطلب القانون أن تتحقق قبل البدء في التنفيذ القضائي، ولذلك يرى بعض الفقه أنها وقائع سابقة على التنفيذ لا تدخل في تكوينه ولا تعد جزءا منه؛ ومع ذلك تعتبر لازمة قانونا لمباشرته وصحته.(8) بينما يذهب رأي آخر إلى أنها جزء من إجراءات التنفيذ وهو ما تنعقد به خصومة التنفيذ وبدونه تصبح خصومة التنفيذ غير منعقدة كما هو الحال في تبليغ لائحة الدعوى لا تنعقد الخصومة بدونه. (9)
وتهدف هذه المقدمات إلى عدم مباغتة المدين ومفاجأته بالتنفيذ؛ إذ يجب إخطاره بالعزم على التنفيذ؛ ومجابهته بالإجراءات التي تتخذ في مواجهته حتى يكون على بينة من هذه الإجراءات بحيث يتمكن من الرد عليها وإبداء أوجه دفاعه التي يريد التمسك بها.
وكقاعدة يوجب القانون اتخاذ هذه المقدمات قبل الشروع في التنفيذ الجبري؛ بحيث يبطل التنفيذ إذا لم تتخذ هذه المقدمات، ولكن هناك استثناءات سترد لاحقا.
وتنحصر مقدمات التنفيذ في ثلاث هي: طلب الدائن التنفيذ فلا يكون التنفيذ إلا بناء على طلب، ووجوب تبليغ المدين بالسند التنفيذي وتكليفه بالوفاء، وانقضاء المدة المحددة قبل البدء في التنفيذ أي انقضاء ميعاد التنفيذ.
المطلب الأول: طلب التنفيذ.
المطلب الثاني: تبليغ السند التنفيذي والتكليف بالوفاء.
المطلب الثالث: انقضاء المدة المحددة قبل البدء بالتنفيذ.
المطلب الأول
طلب التنفيذ
تنص المادة (2) من قانون التنفيذ على أن التنفيذ يجري بناء على طلب ذي الشأن مرفقا بالسند التنفيذي. وتنص المادة (7/1) منه على أنه يقدم طلب التنفيذ من صاحب الحق المحدد في السند التنفيذي أو ممن يقوم مقامه قانونا، وبناء على ذلك لا يجوز لدائرة التنفيذ القيام بأي إجراء من إجراءات التنفيذ إلا بناء على طلب من صاحب الشأن ونوضح ذلك في الفروع التالية:
الفرع الأول: ماهية الطلب.
الفرع الثاني: سلطة دائرة التنفيذ بخصوص الطلب.
الفرع الثالث: إعداد ملف التنفيذ.
الفرع الأول
ماهية الطلب
لم ينظم قانون التنفيذ شكل طلب التنفيذ ولا بياناته، ولم يحدد طريقة تقديمه، واكتفى ببيان مرفقات هذا الطلب، كما نص في المادة (3/2) على أنه تتبع أمام قاضي التنفيذ الإجراءات المقررة في أصول المحاكمات المدنية والتجارية ما لم يرد في القانون ما يخالف ذلك. وبالرجوع إلى المادة (101) من قانون الأصول نجد أنها نصت على أن تقدم سائر الطلبات (الأخرى) المتعلقة بالدعوى إلى المحكمة المختصة في شكل استدعاءات.
وبناء على ذلك فإننا نرى أن طلب التنفيذ يقدم إلى دائرة التنفيذ في شكل استدعاء يتضمن ما يلي:
- اسم دائرة التنفيذ المقدم إليها الطلب.
- اسم المستدعي طالب التنفيذ وصفته إذا لم يكن هو ذاته الشخص الثابت في السند، واسم ممثله القانوني إن وجد.
- اسم المستدعى ضده المنفذ ضده وصفته ومحل إقامته واسم من يمثله قانونا أو اتفاقا.
- السند التنفيذي الذي يجري التنفيذ بموجبه وملخصا عنه.
- وقائع وأسباب الطلب.
- تاريخ الطلب.
- توقيع المستدعي أو وكيله.
- أن يرفق بالطلب السند التنفيذي مع عدد كاف من الصور عنه بعدد المنفذ ضدهم. وما يثبت تقديم التأمينات التي أمرت بها محكمة الموضوع كتقديم كفالة.
الفرع الثاني
سلطة دائرة التنفيذ بخصوص الطلب
أوجبت المادة (2/1) من قانون التنفيذ على المختصين في الدائرة المبادرة إلى التنفيذ فور تقديم الطلب وتسليم السند التنفيذي واستيفاء شروط التنفيذ. وعلى ذلك على الموظف المختص أن يتحقق من توافر شروط ومسوغات التنفيذ؛ فإذا تبين له أن الطلب تنقصه بعض البيانات أو المرفقات التي يجب توافرها، عليه إبلاغ طالب التنفيذ بالنقص لاستكماله.
كما يجب على الموظف المختص أن يتحقق من أن طلب التنفيذ يدخل في اختصاص الدائرة المقدم إليها، ومن تحقق الشروط الموضوعية للحق المراد التنفيذ لأجله، من خلال الفحص الظاهري للسند، ومدى توافر شرط الصفة لطالب التنفيذ والمنفذ ضده. فإن وجد أن الشروط متوافرة ثابر على التنفيذ، وإلا عرض الأمر على قاضي التنفيذ ليقرر المثابرة على التنفيذ أو عدم المثابرة عليه.
وإذا تفحص الموظف المختص طلب التنفيذ ورفض التنفيذ بموجب هذا الطلب؛ فإن لطالب التنفيذ أن يرفع الأمر بطلب إلى قاضي التنفيذ وفق المادة (2/2) من قانون التنفيذ ويكون لقاضي التنفيذ إما التأكيد على قرار الموظف أو إلغاءه والأمر بما يراه مناسبا.
الفرع الثالث
إعداد ملف التنفيذ
تنص المادة(6) من قانون التنفيذ على أنه:
- يعد بالدائرة جدول خاص تقيد فيه طلبات التنفيذ بالتسلسل الذي وردت به، ويشمل القيد البيانات المتعلقة بسند التنفيذ من حيث تاريخه وجهة إصداره ومضمونه، والبيانات المتعلقة بطالب التنفيذ والمنفذ ضده والأموال المطلوب التنفيذ عليها.
- ينشأ لكل طلب ملف تودع فيه جميع الأوراق المتعلقة به، ويعرض الملف على قاضي التنفيذ قبل وعقب كل إجراء ويثبت به ما يصدره من أوامر وقرارات وأحكام.
وبناء على ذلك فإنه بعد تقديم الطلب ودفع الرسوم القانونية يقوم الموظف بتسجيل الطلب وإعطائه رقما متسلسلا حسب تاريخ وروده وتدوين البيانات الضرورية للتنفيذ في السجل. كما يعد ملفا خاصا يودع فيه الطلب والسند التنفيذي وجميع الأوراق المتعلقة بالتنفيذ، وكذلك المحاضر الخاصة بالتنفيذ؛ والقرارات والأوامر والأحكام التي يصدرها قاضي التنفيذ، ويجب عرض الملف بشكل دوري على قاضي التنفيذ قبل اتخاذ أي إجراء من إجراءات التنفيذ وبعد اتخاذه.
وإذا تقدم عدة دائنين بعدة طلبات للتنفيذ على مدين واحد لدى دائرة تنفيذ واحدة، وكانت مرتبطة ببعضها، يعد لكل منهم ملف تنفيذي مستقل، ثم يتم ضمها إلى بعضها.
المطلب الثاني
تبليغ السند التنفيذي والتكليف بأداء ما فيه
نصت المادة (9) من قانون التنفيذ على أنه:
- يجب أن يسبق التنفيذ تبليغ المدين بصورة من السند التنفيذي، وذلك بورقة تبليغ توقع من مأمور التنفيذ وتختم بخاتم دائرة التنفيذ.
- تشتمل ورقة التبليغ بالإضافة إلى صورة السند التنفيذي أسماء الأطراف ومواطنهم ومحال إقامتهم وعلى تكليف المدين بالوفاء بالتزامه خلال سبعة أيام من تاريخ التبليغ إلا أن يكون السند التنفيذي كتسليم الأشياء التي يخشى من تلفها أو ضياعها فيكون الميعاد يوما واحدا.
- لا يجوز لدائرة التنفيذ مباشرة إجراءات التنفيذ الجبري إلا بعد انقضاء المواعيد المذكورة في البند (2) أعلاه ما لم يبادر المدين بالتنفيذ اختيارا، ومع ذلك إذا قامت خشية من تلف أو ضياع أو تهريب أموال المدين أو غير ذلك من العوارض التي تعدم محل التنفيذ أو تنتقص منه، فإنه يجوز لدائرة التنفيذ وبقرار من قاضي التنفيذ الحجز على أموال المدين المنقولة وغير المنقولة قبل انقضاء هذه المواعيد.
ونصت المادة (10) منه على أنه:
- إذا كان المدين في السند التنفيذي مجهول محل الإقامة يأمر قاضي التنفيذ بتبليغه بورقة تبليغ تعلق نسخة منها في موقع بارز في محل إقامته الأخير، ونسخة أخرى في ديوان دائرة التنفيذ، وتنشر النسخة الثالثة في إحدى الصحف المحلية.
- تتضمن ورقة التبليغ بالإضافة إلى البيانات المذكورة في المادة (9) إخطار المدين بالحضور إلى دائرة التنفيذ في غضون أسبوعين، وإذا لم يحضر خلال المدة المذكورة فإن دائرة التنفيذ ستباشر إجراءات التنفيذ.
ويتبين من هذين النصين أن المشرع أوجب على دائرة التنفيذ تبليغ المدين صورة عن السند التنفيذي وتكليفه بالوفاء بالدين، وذلك قبل البدء في إجراءات التنفيذ، أيا كانت طريقة هذا التنفيذ؛ أي سواء كان تنفيذا مباشرا أو بطريق الحجز، وأيا كانت الأموال التي سيتم توقيع الحجز عليها؛ أي سواء كانت منقولات أم عقارات.
ويتم التبليغ بورقة تبليغ توقع من مأمور التنفيذ وتختم بخاتم دائرة التنفيذ. وإذا بدء مأمور التنفيذ إجراءات التنفيذ دون القيام بالتبليغ كان التنفيذ باطلا، غير أن هذا البطلان لا يتعلق بالنظام العام فهو مقرر لمصلحة المدين؛ لذلك يجب عليه التمسك به. وفي حالة تعدد المدينين في سند تنفيذي واحد، وجب تبليغ كل منهم، ويجوز لمن لم يتبلغ من المدينين أن يتمسك ببطلان التبليغ.
وضرورة تبليغ المدين وتكليفه بالوفاء قبل التنفيذ يعد ضمانة للمدين وذلك:
- بإعلام المدين بحق الدائن الذي يطلب التنفيذ لتحصيله، وإتاحة الفرصة له لكي يتجنب إجراءات التنفيذ ضده بالوفاء الاختياري.
- وإتاحة الفرصة له للاطلاع على السند التنفيذي ومراقبة حق الدائن في التنفيذ، والاعتراض والمنازعة في هذا التنفيذ بالوسائل التي قررها القانون إن كان لديه وجه للاعتراض
كما أن تبليغ المدين والتكليف بالوفاء يتضمن أيضا إثبات امتناع المدين عن الوفاء بالالتزام الوارد في السند التنفيذي محل التبليغ مما يبرر الحماية التنفيذية للدائن.
مشتملات الإخطار:
يتبين من نص المادتين (9/2 و10/2) من قانون التنفيذ أنه يجب أن يشتمل الإخطار على البيانات التالية:
- صورة السند التنفيذي.
- أسماء الأطراف ومواطنهم ومحال إقامتهم.
- تكليف المدين بالوفاء بالتزامه الوارد في السند التنفيذي أو إبداء ما لديه من أوجه اعتراض على التنفيذ، خلال سبعة أيام من تاريخ التبليغ، ما لم يكن الشيء يخشى عليه من التلف أو الضياع فيكون الميعاد يوما واحدا.
- بيان المطلوب من المدين، أي بيان نوع ومقدار الشيء المطلوب الوفاء به على وجه دقيق نافيا للجهالة، ويكفي في ذلك الإشارة إلى مضمون السند التنفيذي إذا كان هذا السند يحدد المطلوب تحديدا نافيا للجهالة، وكان المطلوب من المدين مطابقا لما يرد في السند ذاته، أما إذا كان يختلف في مقداره عن الوارد في السند؛ بأن كان المطلوب أقل يجري التنفيذ لاقتضاء ما هو مطلوب في التنفيذ.
- إخطار المدين بالحضور إلى دائرة التنفيذ في غضون أسبوعين وأنه إذا لم يحضر خلال المدة المذكورة فإن دائرة التنفيذ ستباشر إجراءات التنفيذ.
- تاريخ اليوم والشهر والسنة والساعة التي حصل فيها التبليغ.
كيفية التبليغ:
نصت المادة (3/2) من قانون التنفيذ على أن تتبع أمام قاضي التنفيذ الإجراءات المقررة في أصول المحاكمات المدنية والتجارية ما لم يرد في القانون ما يخالف ذلك.
وعلى ذلك يتم تبليغ الإخطار للمنفذ ضده وفق المادتين (7 و8) من قانون الأصول بواسطة مأمور التبليغ في دائرة التنفيذ أو بالبريد المسجل مع علم الوصول. كما يجب أن يتم التبليغ في أيام العمل، ما بين الساعة السابعة صباحا والسابعة مساء إلا في حالات الضرورة وبإذن كتابي من قاضي التنفيذ. (10)
وإذا كان المدين في السند مجهول محل الإقامة فإنه وفق المادة (10/1) من قانون التنفيذ يأمر قاضي التنفيذ بتبليغه بورقة تبليغ تعلق نسخة منها في موقع بارز في محل إقامته الأخير، ونسخة أخرى في ديوان دائرة التنفيذ، وتنشر النسخة الثالثة في إحدى الصحف المحلية.
الأثر المترتب على عدم القيام بالتبليغ أو تعيبه:
لم تبين نصوص قانون التنفيذ أثر مخالفة إجراءات أو بيانات التنفيذ، لذلك وفقا للقواعد العامة في التبليغ الواردة في المادة (22) قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، يكون التبليغ باطلا إذا شابه ما يبطل أوراق المحضرين، كأن يتم التبليغ مثلا في يوم عطلة رسمية أو بعد الساعة السابعة. أما بالنسبة للبيانات الثلاثة المنصوص عليها في المادة (9) السابق ذكرها، فإنه ينطبق بشأنها القاعدة العامة الواردة في المادة (23) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية؛ فلا يبطل التبليغ إلا إذا شابه عيب جوهري لا تتحقق بسببه الغاية من التبليغ.
المطلب الثالث
انقضاء المدة المحددة قبل البدء بالتنفيذ
لا يجوز لدائرة التنفيذ وفق المادة (9/3) من قانون التنفيذ مباشرة إجراءات التنفيذ الجبري إلا بعد انقضاء سبعة أيام من تاريخ التبليغ.
وهذا الميعاد هو ميعاد كامل يجب أن ينقضي كله قبل البدء في اتخاذ إجراءات التنفيذ، ويمتد هذا الميعاد بسبب العطلة الرسمية. فإذا بدأت إجراءات التنفيذ خلال هذا الميعاد كانت باطلة، وهذا البطلان مقرر لمصلحة المدين. أما بعد انقضاء هذا الميعاد كاملا فإنه يصح التنفيذ في أي وقت بعد ذلك، ويبقى هذا الحق في التنفيذ قائما ما لم يسقط الحق فيه بالتقادم، لأن المشرع لم ينص على ميعاد يسقط التبليغ إذا لم يبدأ التنفيذ خلاله.
والحكمة من هذا الميعاد هي عدم مباغتة المدين بالتبليغ والتنفيذ فورا، إذ منحه المشرع هذه المهلة لإتاحة الفرصة له حتى يبادر إلى الوفاء بالدين ويتجنب إجراءات الحجز، أو ينازع في هذه الإجراءات إن كان لديه وجه للمنازعة.
غير أن المشرع خرج على قاعدة التبليغ، واستثنى بعض الحالات من بعض ما يتطلبه شرط التبليغ كمقدمة من مقدمات التنفيذ، كما أنه خرج على عدم جواز مباشرة إجراءات التنفيذ خلال مدة الإخطار. ونوضح ذلك في الفرعين التاليين:
الفرع الأول: الاستثناء من قاعدة التبليغ.
الفرع الثاني: قبول الوفاء أثناء مدة الإخطار.
الفرع الأول
الاستثناء من قاعدة الإخطار
أوردت المادتان (9/3 و17) من قانون التنفيذ استثناءين على شرط التبليغ هما:
أولا: جواز البدء في التنفيذ خلال مدة التبليغ:
أجازت المادة (9/3) من قانون التنفيذ البدء بالتنفيذ قبل انقضاء الميعاد في حالتين، الأولى إذا بادر المدين بالتنفيذ اختياريا؛ أي إذا تنازل المنفذ ضده عن مهلة التبليغ صراحة أو ضمنا.
والثانية: إذا قامت خشية من تلف أو ضياع أو تهريب أموال المدين أو غير ذلك من العوارض التي تعدم محل التنفيذ أو تنتقص منه. فإنه يجوز لدائرة التنفيذ وبقرار من قاضي التنفيذ الحجز على أموال المدين المنقولة وغير المنقولة قبل انقضاء الميعاد.
ثانيا: جواز التنفيذ دون تبليغ المنفذ ضده بصورة عن السند:
وقد نصت على هذه الحالة المادة (17) من قانون التنفيذ حين أجازت التنفيذ بموجب مسودة الحكم بغير تبليغه، ويتم التنفيذ بتسليم الكاتب المسودة لدائرة التنفيذ التي تلتزم بإعادتها فور الانتهاء من التنفيذ.
الفرع الثاني
قبول الوفاء خلال مدة الإخطار
نصت المادة (11) من قانون التنفيذ على أنه:
- على دائرة التنفيذ إذا عرض عليها سداد الدين عند مباشرتها لإجراءات التنفيذ، أن تقبضه مع إعطاء مخالصة وذلك دون الحاجة إلى تفويض خاص.(11)
- تطبق أحكام البند (1) أعلاه في حالة الوفاء الجزئي، على أن تمضي الدائرة في مباشرة إجراءات التنفيذ استيفاء لباقي الدين.
- لا يقبل الوفاء بشيكات أو صكوك أو أوراق بنكية إلا إذا كانت مقبولة الدفع.
فهذا النص أجاز للمدين الذي تبلغ السند التنفيذي أن يعرض الوفاء بالدين، لأن الغرض من تبليغ السند التنفيذي للمدين وتكليفه بالوفاء هو منحه فرصة للوفاء الاختياري تفاديا لإجراءات التنفيذ. وتحقيقا لهذه الغاية أوجب المشرع على دائرة التنفيذ إذا عرض عليها المدين سداد الدين عند مباشرتها لإجراءات التنفيذ، أن تقبضه مع إعطاء مخالصة بما تم قبضه. وهذا الوفاء يقع على دائرة التنفيذ سواء كان الوفاء كليا أو جزئيا، على أنه في حالة الوفاء الجزئي فإن على دائرة التنفيذ أن تستمر في التنفيذ وفاء للباقي.
ويجب أن يكون الوفاء نقدا، ولا يقبل الوفاء بشيكات أو صكوك أو أوراق بنكية إلا إذا كانت مقبولة الدفع، ويقصد بذلك أن تكون مصدقة أو معتمدة من البنك المسحوب عليه بما يفيد وجود قيمتها لديه، وذلك منعا للتحايل بإعطاء مأمور التنفيذ أوراقا تجارية ليس لها مقابل وفاء.
المبحث الثاني
حجز مال المدين لدى الغير
نظم المشرع حجز ما للمدين لدى الغير في المواد (70 حتى 79) من قانون التنفيذ مراعيا في ذلك المحافظة على حقوق الغير من أن تمسها إجراءات التنفيذ؛ ومصلحة الحاجز في أن يبدأ الحجز بإجراء يوجه مباشرة إلى الغير قبل علم المدين بذلك؛ حتى لا يترك له فرصة لاسترداد ماله أو تهريبه. (12)
ونتناول دراسة حجز مال المدين لدى الغير في خمسة مطالب:
المطلب الأول: ماهية حجز مال المدين لدى الغير وطبيعته القانونية.
المطلب الثاني: شروط حجز مال المدين لدى الغير.
المطلب الثالث: إجراءات حجز مال المدين لدى الغير.
المطلب الرابع: الواجبات التي يرتبها الحجز على الغير.
المطلب الخامس: بعض الصور الخاصة لحجز مال المدين لدى الغير.
المطلب الأول
ماهية حجز مال المدين لدى الغير وطبيعته القانونية
نصت المادة (70) من قانون التنفيذ على أنه:
- يجوز لكل دائن بيده سند تنفيذي أن يطلب من دائرة التنفيذ حجز ما يكون لمدينه من نقود وأموال وديون لدى الشخص الثالث.
- يتناول الحجز كل دين ينشأ للمدين في ذمة المحجوز لديه إلى وقت التقرير بما في ذمته ما لم يكن موقعا على دين بذاته.
ويتبين من هذا النص أن حجز ما للمدين لدى الغير هو الحجز الذي يطلب الدائن إيقاعه تحت يد غير المدين على ما يكون لمدينه من نقود وديون في ذمته أو منقولات مملوكة للمدين في حيازته.
والهدف منه منع هذا الغير من الوفاء للمدين بما في ذمته أو تسليمه المنقولات التي في حيازته، تمهيدا لحصول الحاجز على حقه من المال المحجوز أو من ثمنه بعد بيعه.
وحجز مال المدين لدى الغير يفترض وجود ثلاثة أطراف: الأول هو الدائن الحاجز أي الذي يتخذ إجراءات الحجز. والثاني هو المحجوز عليه وهو المدين المباشر للحاجز. والثالث هو المحجوز لديه وهو الغير أي مدين المدين الذي يتم الحجز تحت يده على الأموال والحقوق التي يدين بها للمدين المحجوز عليه.
مثال ذلك: حجز الإيجار الذي للمؤجر لدى المستأجر، وحجز مال المدين المودع في أحد البنوك، وحجز منقول للمدين تحت يد المستعير لهذا المنقول.
ويبدأ حجز ما للمدين لدى الغير حجزا تحفظيا، ثم يتحول إلى حجز تنفيذي بعد ذلك عندما يتخذ الدائن الإجراءات اللازمة لاستيفاء حقه، لذلك فإن هذا الحجز له خصائص وصفات كل من الحجز التحفظي والحجز التنفيذي.
طبيعته القانونية:
اختلف الفقه في تحديد الطبيعة القانونية لحجز مال المدين لدى الغير، فذهب رأي إلى أنه صورة من صور الدعوى غير المباشرة. إلا أن هذا الرأي انتقد لأن غرض الدائن من هذه الدعوى هو الحفاظ على أموال مدينه وإدخالها في ذمة مدينه كضمان عام لجميع الدائنين. أما حجز مال المدين لدى الغير فهو حق خاص للدائن يهدف إلى منع المدين من التصرف فيما له في ذمة الغير ليستوفي حقه مباشرة من ثمن محل الحجز.
والرأي الراجح هو أن حق الدائن في الحجز على أموال المدين الموجودة لدى الغير، هو حق مستقل قائم بذاته متفرع عن حق الضمان العام على أموال المدين بوصفها ضامنة للوفاء بديونه، سواء أكانت في يده أم في يد غيره.
المطلب الثاني
شروط حجز مال المدين لدى الغير
يشترط لحجز مال المدين لدى الغير ما يأتي:
- أن تكون الحقوق والأموال المراد حجزها عائدة للمدين المحجوز عليه.(13)
- أن تكون هذه الأموال من الأموال التي يجوز حجزها قانونا.
- أن يكون المحجوز لديه من الغير، أي أن حيازته مستقلة عن حيازة المدين كالمودع لديه؛ والوكيل؛ والبنك بالنسبة للخزانة الحديدية المؤجرة للمدين وحساباته البنكية. أما إذا كان الشخص خاضعا للمدين فإن حيازته على المنقول لا تكون مستقلة، لذلك لا يعتبر من الغير كالخادم؛ والعامل؛ والبواب؛ أو صراف خزينة المدين.
- أن تكون الأموال المراد حجزها مبالغ من النقود أو ديون أو أموال منقولة. ولا يشترط أن يكون الدين معين المقدار أو حال الأداء، فيجوز الحجز على الإيجار الذي يستحق للمؤجر تحت يد المستأجر؛ أو على أجر العامل أو راتب الموظف، ولو قبل حلول ميعاد استحقاقه. ولكن يجب أن لا يكون الدين قد انقضى قبل الحجز بالوفاء أو بالمقاصة أو بغير ذلك، لأن الحجز في هذه الحالة لا يصادف محلا.
- وجود سند تنفيذي، وهو مفترض ضروري لأي حجز تنفيذي وشرط لجميع أنواع التنفيذ كما سبق بيانه.
المطلب الثالث
إجراءات حجز مال المدين لدى الغير
نصت المادة (72) من قانون التنفيذ على أنه:
- عندما تكون الأموال المطلوب حجزها في يد شخص ثالث يجري الحجز بإخطاره ورقة حجز تبلغ إليه بذاته موقعة من مأمور التنفيذ وتشتمل على البيانات الآتية:
- صورة من السند التنفيذي الذي يوقع الحجز بمقتضاه.
- بيان أصل المبلغ المحجوز من أجله وفوائده والمصاريف.
- منع الشخص الثالث المحجوز لديه عن الوفاء بما في يده إلى المدين المحجوز عليه أو تسليمه إياه مع تعيين المحجوز عليه تعيينا نافيا للجهالة.
- تكليف المحجوز لديه بالتقرير بما في ذمته خلال عشرة أيام.
- لا يجوز لدائرة التنفيذ تبليغ ورقة الحجز إلا إذا أودع طالب الحجز خزانة الدائرة مبلغا كافيا لأداء رسم محضر التقرير بما في الذمة ويؤشر بالإيداع على أصل التبليغ وصورته.
ويتبين من هذا النص أنه بعد أن يقدم الدائن طالب الحجز على مال المدين لدى الغير طلبا بالحجز على ذلك المال، ويودع في خزانة دائرة التنفيذ مبلغا يكفي لأداء الرسم الذي يتطلبه إعداد الشخص الثالث تقريرا بما في ذمته، يصدر قاضي التنفيذ أمرا بالحجز، ولتنفيذ هذا الأمر يجب اتخاذ الإجراءات التالية:
أولا: إخطار المحجوز لديه:
يقوم مأمور التنفيذ بإخطار الشخص الثالث بالحجز بموجب ورقة تبليغ تتضمن البيانات التي نص عليها القانون، ومؤشرا على أصلها وصورتها بوقوع إيداع الرسم المقرر. والغاية من التأشير هي إعلام الشخص الثالث بأن نفقات إعداد التقرير مدفوعة حتى لا يقصر ظنا منه أنه ملزم بدفع تلك النفقات، وليكون على علم أنه لا يتحمل أية نفقات يحتاجها التنفيذ.
ويجب أن يتم التبليغ لذات المحجوز لديه، لأن الحجز يرتب التزامات على الشخص الثالث قد تؤدي إلى استيفاء الدين منه رغم أنه ليس طرفا في علاقة المديونية وغير مسئول عن الدين؛ لذلك اشترط المشرع تبليغه بالذات حماية له حتى لا يقع الحجز على ما لديه دون علمه؛ وحتى لا يعتبر مسئولا عند عدم القيام بتلك الالتزامات إلا إذا تحقق علمه اليقيني بوقوع الحجز لديه.
ويجب أن تشتمل ورقة التبليغ بالإضافة إلى البيانات العامة في أوراق دائرة التنفيذ على ما يلي:
- أن يرفق بورقة التبليغ صورة السند التنفيذي الذي يوقع الحجز بمقتضاه، وذلك لبيان وجود حق للدائن في الحجز التنفيذي.
- بيان بأصل المبلغ أو الدين المحجوز من أجله؛ وفوائده المستحقة حتى الحجز؛ ومصاريف الحجز التي تم إنفاقها. ولا يغني عن هذا البيان ورود المبلغ أو الدين في صورة السند التنفيذي لأن الحجز قد يكون لمبلغ أقل من قيمة السند؛ أو أكبر منه بعد إضافة الفوائد على مبلغ الدين الثابت في السند التي لم تكن مستحقة عند صدور هذا السند. والغاية من هذا البيان تعريف المحجوز لديه بما يجب تخصيصه للوفاء بدين الحاجز وإيداعه خزانة المحكمة إذا أراد فك الحجز، وما يجب دفعه إذا أخل بالتزاماته الناشئة عن الحجز.
- منع المحجوز لديه عن الوفاء بما في يده إلى المدين المحجوز عليه أو تسليمه إياه مع تعيين المحجوز عليه تعيينا نافيا للجهالة. ولم يشترط النص أن يكون التعيين تفصيليا، لأن ذلك في الغالب يتعذر على طالب التنفيذ لعدم معرفته بما لدى الشخص الثالث، لذلك يكفي أن يكون الحجز عاما كأن يذكر عبارة (المبالغ التي لديكم والمنقولات التي في حيازتكم والحقوق الثابتة في ذمتكم).
- تكليف المحجوز لديه بالتقرير بما في ذمته خلال عشرة أيام من تاريخ تبلغه نسخة من ورقة الحجز.
ثانيا: تبليغ المحجوز عليه:
نصت المادة (74) من قانون التنفيذ على أنه:
- يكون إبلاغ الحجز إلى المدين بورقة تبليغ تبلغ إليه بحسب الأصول وتشتمل على صورة من ورقة الحجز المبلغة إلى الشخص الثالث المحجوز لديه.
- على دائرة التنفيذ تبليغ الحجز إلى المدين خلال السبعة أيام التالية لتبليغه إلى الشخص الثالث وتشتمل ورقة التبليغ على صورة من ورقة الحجز المبلغة إلى الشخص الثالث المحجوز لديه.
ويتبين من هذا النص أن المشرع أوجب على دائرة التنفيذ أن تقوم بإبلاغ المدين المحجوز عليه بأنه تم إيقاع الحجز على أمواله تحت يد المحجوز لديه، وذلك بورقة تبليغ تشمل صورة من ورقة الحجز المبلغة إلى الشخص الثالث المحجوز لديه. ويتم تبليغ المدين وفق القواعد العامة للتبليغ في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية. ولا يشترط تبليغ المدين بالذات كما هو الحال بالنسبة للمحجوز لديه لأن المدين قد يلجأ إلى التحايل كي لا يتم تبليغه لشخصه بما يعطل إجراءات التبليغ.
ويجب أن يتم تبليغ المحجوز عليه بالحجز خلال السبعة أيام التالية لتبليغ الحجز إلى المحجوز لديه. وهذا الميعاد هو ميعاد ناقص يتوجب على دائرة التنفيذ اتخاذ الإجراء خلاله. وهو يبدأ من اليوم التالي لليوم الذي تم فيه التبليغ للمحجوز لديه. فإذا أوقع الحاجز عدة حجوز وتعدد المحجوز لديهم، فإن كل تبليغ يكون حجزا مستقلا، ويكون على دائرة التنفيذ أن تقوم بتبليغ المحجوز عليه خلال السبعة أيام التالية لتوقيع كل حجز على حدة، حتى لو تم الحجز بمقتضى سند واحد، وينقضي الميعاد بانقضاء اليوم الأخير منه.
ولم يبين المشرع الجزاء على عدم إتمام التبليغ إلى المحجوز عليه خلال السبعة أيام من تاريخ تبليغ المحجوز لديه، لذلك وفق المادة (22) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية يكون التبليغ باطلا إذا شابه عيب لم تتحقق بسببه الغاية من الإجراء. (14) وهذا الجزاء مقرر لمصلحة المحجوز عليه فيجوز له التمسك به أو النزول عنه صراحة أو ضمنا، ولا يحق لمن نزل عنه أن يعود ويتمسك به. غير أن بطلان تبليغ المحجوز عليه لا يؤدي إلى بطلان الحجز الذي سبقه، بل يبقى الحجز صحيحا في ذاته ولكن لا ينتج آثاره القانونية إلا بعد إعادة تبليغ المحجوز عليه تبليغا صحيحا.
والغاية من تبليغ المدين هي تمكينه أو من يقوم مقامه من الاعتراض على الحجز إن كان له وجه، وذلك من خلال دعوى لرفع الحجز وفق المادة (75) من قانون التنفيذ.
دعوى رفع الحجز:
نصت المادة (75) من قانون التنفيذ على أنه:
- يجوز للمدين المحجوز على أمواله أن يرفع الدعوى بطلب رفع الحجز أمام قاضي التنفيذ الذي يتبعه ولا يحتج على الشخص الثالث برفع هذه الدعوى إلا إذا أبلغت إليه.
- يترتب على إبلاغ الشخص الثالث بالدعوى منعه من الوفاء للحاجز إلا بعد فصل الدعوى.
ويتبين من هذا النص أن دعوى رفع الحجز هي دعوى موضوعية يرفعها المحجوز عليه الذي حجز على ماله لدى الغير؛ على الحاجز معترضا على الحجز، طالبا رفع الحجز، وذلك إذا شاب الحجز سبب من الأسباب المبطلة له، سواء كان السبب للحجز متعلقا بموضوع الحجز أم بشكله. ومثال ذلك أن يكون توقيع الحجز على مال المدين لدى الغير لدين احتمالي؛ أو لم يستحق بعد، أو دون استصدار إذن من قاضي التنفيذ على الرغم من وجوب استصدار هذا الإذن. وهي تهدف إلى التخلص من الحجز وزوال قيده على الأموال المحجوزة مما يمكن المحجوز عليه من تسلم ماله من المحجوز لديه.
وترفع هذه الدعوى من المدين المحجوز عليه على الدائن الحاجز فقط؛ ولا يختصم فيها الغير المحجوز لديه؛ إذ لا مصلحة له في بقاء الحجز أو رفعه؛ ويستوي لديه أن يفي للمحجوز عليه إذا رفع الحجز؛ أو للحاجز إذا لم تقبل الدعوى.
وتقام الدعوى بالإجراءات المعتادة لإقامة الدعوى؛ أي بلائحة وفق قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، لدى قاضي التنفيذ المختص أي الذي يقع ضمن دائرته موطن المحجوز عليه، حتى لو كانت دائرة التنفيذ التي أوقعت الحجز وهي دائرة موطن المحجوز لديه مختلفة عنها، لأن المحجوز لديه ليس خصما في الدعوى.
ويستفاد من نص المادة 75 المذكورة أنه لا يترتب على إقامة الدعوى أي أثر على التنفيذ، ما لم يقم المدين المحجوز عليه بتبليغ الطرف الثالث المحجوز لديه بلائحة الدعوى، وعندها يمتنع عليه الوفاء للحاجز إلى حين الفصل في الدعوى، ببطلان الحجز، أو برفض الدعوى.
فإذا قام المحجوز لديه بالوفاء للحاجز على الرغم من تبليغه بدعوى رفع الحجز؛ وصدر حكم في الدعوى ببطلان الحجز، فإنه يكون ملزما بما أوفاه في مواجهة المحجوز عليه. أما إذا أقيمت الدعوى ولم يتم تبليغ المحجوز لديه بلائحتها، وقام بالوفاء للحاجز، فإن هذا الوفاء يكون مبرئا لذمته في مواجهة المحجوز عليه بقدر ما أوفى للحاجز. (15)
وقد نقل واضعو القانون هذا النص عن المادة 335 من قانون المرافعات المصري التي تنص على أنه (يجوز للمحجوز عليه أن يرفع الدعوى بطلب رفع الحجز أمام قاضي التنفيذ الذي يتبعه ولا يحتج على المحجوز لديه برفع هذه الدعوى إلا إذا بلغت إليه.
ويترتب على إبلاغ المحجوز لديه بالدعوى منعه من الوفاء للحاجز إلا بعد الفصل فيها).
غير أن واضعي القانون وشارحيه لم يلتفتوا إلى فارق جوهري بين نصوص قانون المرافعات المصري وقانون التنفيذ الفلسطيني. فبينما توجب المادة 78/1 من قانون التنفيذ على الشخص الثالث المحجوز لديه بعد سبعة أيام من إقراره بما في ذمته أن يسلم إلى دائرة التنفيذ الأموال والديون التي أقر بها أو ما يفي منها بحق الحاجز.
نجد أن المادة 344 من قانون المرافعات المصري تنص على أنه (يجب على المحجوز لديه خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تقريره أن يدفع إلى الحاجز المبلغ الذي أقر به أو ما يفي منه بحق الحاجز وذلك متى كان حقه وقت الدفع ثابتا بسند تنفيذي وكانت الإجراءات المنصوص عليها في المادة 285 قد روعيت). وبالرجوع إلى المادة 285 نجد أنها تنص على أنه (لا يجوز للغير أن يؤدي المطلوب بموجب السند التنفيذي ولا أن يجبر على أدائه إلا بعد إعلان المدين بالعزم على هذا التنفيذ قبل وقوعه بثمانية أيام على الأقل).
بمعنى أن هناك فارقا جوهريا بين إلزام الغير المحجوز لديه بتسليم المال أو الدين الذي أقر به إلى دائرة التنفيذ وفق النص الفلسطيني، وبين إلزامه بدفعه للحاجز وفق النص المصري. وعلى ذلك فإن ما جاء في الفقرة الثانية من المادة 75 بخصوص أنه يترتب على إبلاغ الشخص الثالث بالدعوى منعه من الوفاء للحاجز إلا بعد فصل الدعوى، هو نص في غير محله ويجب حذفه لعدم إمكان تطبيقه قانونا.
المطلب الرابع
الواجبات التي يرتبها الحجز على الغير
يترتب على تبليغ الشخص الثالث بورقة الحجز وفق المادة (72) من قانون التنفيذ، وتبليغه لائحة دعوى رفع الحجز، مجموعة من الواجبات التي عليه أن يقوم بها وإلا كان مسئولا. وهذه الواجبات هي: عدم تسليم محل الحجز أو الوفاء للمحجوز عليه، والتقرير بما في ذمته أو تحت يده، وتسليم الأموال والديون لدائرة التنفيذ. ونبين هذه الواجبات في الفروع الثلاثة التالية.
الفرع الأول
عدم تسليم محل الحجز أو الوفاء به للمحجوز عليه
نصت المادة (73) من قانون التنفيذ على أنه:
- يمتنع على الشخص الثالث بمجرد تبليغه بالحجز أن يسلم للمدين ما تحت يده له من أموال أو أن يفي له بما في ذمته من ديون، فإذا أخل بذلك قام التزامه في مواجهة الحاجز بأن يؤدي إليه ما أداه من أموال للمدين أو ما يعادل قيمتها، وتقوم دائرة التنفيذ بتنفيذ هذا الالتزام جبرا بالطرق والإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون.
- مع ذلك فإنه يجب على الشخص الثالث رغم الحجز أن يفي للمدين المحجوز عليه، وأن يسلمه الأموال التي يمنع القانون الحجز عليها أو ما يزيد من الأموال التي في ذمته عن الحقوق المحجوز من أجلها بغير حاجة إلى حكم بذلك.
يتبين من هذا النص أنه بمجرد تبليغ الغير المحجوز لديه ورقة حجز ما لديه من مال أو شيء للمدين المحجوز عليه، فإن عليه أن يمتنع عن تسليم أو الوفاء بما وقع الحجز عليه من أموال في ذمته أو حيازته للمدين المحجوز عليه. فإذا خالف ذلك وقام بتسليم محل الحجز أو الوفاء به كله أو بعضه، فإن هذا الوفاء لا ينفذ في حق الدائن الحاجز ويكون بذلك المحجوز لديه ملتزما في مواجهة الحاجز بأن يؤدي إليه ما سلم من مال وما أوفى به مما في ذمته من ديون أو ما يعادل قيمتها. وتقوم دائرة التنفيذ بتنفيذ هذا الأداء جبرا عن الشخص الثالث وذلك بالحجز على أمواله الخاصة وبيعها وفاء لحق الحاجز.
ومع ذلك أوجب النص على المحجوز لديه رغم الحجز أن يفي للمدين المحجوز عليه بغير حاجة إلى حكم في حالتين:
- الأموال التي يمنع القانون الحجز عليها، حيث إن هذه الأموال لا يجوز الحجز عليها حتى لو كانت في حيازة المدين نفسه وإذا وقع الحجز عليها فإنه يكون باطلا.
- ما يزيد من الأموال التي في ذمته عن الحقوق المحجوز من أجلها، وهو أمر منطقي لأن الغاية من الحجز تمكين الدائن من الحصول على حقه فقط.
الفرع الثاني
الإقرار بما في الحيازة أو الذمة
نصت المادة (76) من قانون التنفيذ على أنه:
- يجب على الشخص الثالث أن يقر بما في حيازته من أموال المدين وبما في ذمته له من ديون بمقتضى محضر يجري تحريره في دائرة التنفيذ خلال العشرة أيام التالية لتبليغه بالحجز. ويذكر بالمحضر بيانا مفصلا بالأموال التي تحت يده وبالديون التي في ذمته موضحا مقدارها وسندها وأسباب انقضائها إن كانت قد انقضت (كما يبين) جميع الحجوزات الموقعة تحت يده، ويودع الأوراق المؤيدة لتقريره أو صورا منها مصدقا عليها.(15)
- لا يعفي الشخص الثالث من واجب إقراره أن يكون غير مدين للمدين المحجوز عليه.
تبين لنا مما سبق أن المشرع أجاز للدائن أن يوقع الحجز على ما لمدينه من ديون أو حقوق لدى الغير. ولكن نظرا لعدم وجود علاقة مباشرة بين الدائن وهذا الغير المحجوز لديه فإنه يصعب على الدائن الحاجز إثبات مديونية الغير لمدينه المحجوز عليه، لذلك أوجب المشرع نظام الإقرار بما في الذمة لإلزام الغير بالكشف عن مدى مديونيته للمحجوز عليه، أي للكشف عن حقيقة العلاقة بينه وبين المدين المحجوز عليه، ويؤكد أو ينفي وجود المديونية بينهما.
ويلتزم المحجوز لديه بأن يقر بما في ذمته أو حيازته من ديون أو أموال للمدين في جميع الأحوال حتى لو كان معتقدا براءة ذمته؛ أو كان هناك نزاع حول الدين بينه وبين المحجوز عليه، بل أيضا حتى ولو لم يكن مدينا للمحجوز عليه أصلا؛ أو لانقضاء هذه المديونية لأي سبب من الأسباب كالوفاء أو الحوالة أو المقاصة أو التقادم، وعليه تقديم المستندات التي تدل على ذلك.
ويلتزم المحجوز لديه بأن يقر بما في ذمته في كل مرة يبلغ فيها بحجز جديد مع تكليفه بهذا التقرير. غير أنه إذا تعددت الحجوز قبل قيامه بتحرير المحضر بتقريره؛ فإنه يمكنه أن يحرر محضرا واحدا بالنسبة لجميع هذه الحجوزات. كما أنه إذا تم إيقاع حجز جديد على ذات المال الذي سبق توقيع الحجز عليه؛ وكان قد حرر محضرا بخصوصه، ولم يطرأ أي تغيير على العلاقة بينه وبين المحجوز عليه، فإنه يستطيع الإحالة للمحضر السابق تحريره.
إجراءات التقرير بما في الذمة:
يتم التقرير بما في الذمة بموجب محضر يجري تحريره في دائرة التنفيذ، ويجب أن يذكر في المحضر بيانا مفصلا بالديون التي في ذمته وبالأموال التي تحت يده، وأن يبين مقدار الدين المحجوز إذا كان واردا على دين معين بالذات.
وإذا كان الحجز عاما؛ فيجب بيان جميع الديون التي عنده للمحجوز عليه. أما إذا كان الدين غير معين المقدار؛ كما لو كان تعويضا لم يحدد مقداره بعد، فيجب بيان ذلك وسببه.
وإذا كان الحجز واردا على منقولات للمدين في حيازته، وجب عليه أن يرفق بيانا مفصلا عنه، كما يجب أن يشتمل التقرير على بيان سبب الدين؛ أي مصدره، وسبب وجود المنقول لديه.
وإذا كان الدين قد نشأ عن سند باطل أو قابل للفسخ أو كان معلقا على شرط أو مضافا إلى أجل، وجب بيان ذلك أيضا. كما يجب ذكر سبب انقضاء الدين إذا كان قد انقضى. وكذلك بيان الحجوز السابق توقيعها على المال المحجوز تحت يد المحجوز لديه، وكذلك الحوالات التي وردت على المال المحجوز سواء كانت سابقة على الحجز أو لاحقة له.
ويوجب القانون أن يجري تحرير المحضر بالتقرير بما في الذمة خلال العشرة أيام التالية لتبليغ المحجوز لديه بالحجز، وأن يودع المحجوز لديه الأوراق المؤيدة لتقريره أو صورا منها مصدقا عليها. ولا يعفى من واجب الإقرار أن يكون غير مدين للمدين المحجوز عليه.
أما إذا كان الحجز على راتب أو أجر فإنه وفق المادة (52/1) يجب على الموظف المختص بدفع الرواتب والأجور بصفته شخصا ثالثا أن يخطر دائرة التنفيذ خلال أسبوع من تبليغها له بتوقيع الحجز بقيامه بإجراء الحجز، وأن يبين مقدار الراتب المخصص للمدين، ويعلمها بكل تبدل يطرأ على وظيفة المدين وراتبه.
ويلاحظ أنه إذا توفي المحجوز لديه أو فقد أهليته أو زالت صفته أو صفة من يمثله، فإن للحاجز أن يطلب تبليغ ورثة المحجوز لديه أو من يقوم مقامه بصورة من ورقة الحجز ويكلفهم بالتقرير بما في الذمة خلال عشرة أيام أيضا.
طبيعة التقرير بما في الذمة:
وفقا للرأي الراجح في الفقه، فإن التقرير بما في الذمة يعتبر إقرارا رسميا غير قضائي ملزم للمحجوز لديه. فهو رسمي لأنه يتم في محضر رسمي لدى سلطة عامة مختصة هي دائرة التنفيذ؛ لذلك لا يجوز إثبات عكس ما جاء فيه إلا بالادعاء بالتزوير. وهو إقرار غير قضائي لأنه لا يتم في خصومة لدى القضاء لذلك ليس له قوة الإقرار القضائي. وقوته الملزمة تقتصر على المحجوز لديه المقر فقط ولا تمتد إلى المحجوز عليه.
حالات الإعفاء من التقرير بما في الذمة:
رغم أن المحجوز لديه يلتزم بالتقرير بما في ذمته للمحجوز عليه في جميع الأحوال ما دام قد تبلغ بالحجز-كما سبق ذكره – فإن المحجوز لديه يعفى من التقرير بما في ذمته إذا تم إيداع مبلغ من النقود في خزانة المحكمة مساو للديون المحجوز من أجلها والمصاريف وخصص هذا المبلغ للوفاء بدين الحاجز عملا بالمادة (42/1) من قانون التنفيذ، حيث يترتب على هذا الإيداع والتخصيص زوال أثر الحجز بالنسبة للمحجوز لديه وانتقال الحجز إلى المبلغ المودع، وبالتالي لا يكون للحاجز مصلحة في أن يقرر المحجوز لديه بما في ذمته.
جزاء الإخلال بواجب التقرير بما في الذمة:
نصت المادة (77) من قانون التنفيذ على أنه:
- إذا لم يقر الشخص الثالث بما في ذمته على الوجه وفي الميعاد المبينين في المادة (76) أو أقر غير الحقيقة أو أخفى الأوراق الواجب عليه إيداعها لتأييد الإقرار، جاز الحكم عليه للدائن الحاجز بالمبلغ المحجوز من أجله، وذلك بدعوى ترفع في مواجهته وبالأوضاع المعتادة للتقاضي أمام قاضي التنفيذ الذي يتبعه.
- يجب في جميع الأحوال إلزام الشخص الثالث بمصاريف الدعوى وبما يطلب ويستحق من التعويضات المترتبة على تقصيره أو تأخيره.
لم يترك المشرع جزاء الإخلال بواجب التقرير بما في الذمة للقواعد العامة في تعويض الضرر الناشئ عن الإهمال أو التقصير أو الغش، بل أفرد له حكما خاصا في المادة (77) من قانون التنفيذ. ويتبين من هذا النص أنه يشترط لتطبيق هذا الجزاء الخاص ما يلي:
- أن يكون بيد الدائن الحاجز سند تنفيذي؛ لأنه لا يجوز له اقتضاء حقه من المحجوز لديه إذا كان لا يستطيع اقتضاءه جبرا عن المحجوز عليه.
- ألا يكون الحاجز قد اقتضى حقه من مدينه المحجوز عليه أو من أي طريق آخر كما لو استوفاه من محجوز لديه آخر مثلا، لأنه بحصوله على حقه ينتفي الضرر الذي افترضه المشرع فلا يطبق الجزاء.
- أن يطلب الحاجز من المحكمة توقيع هذا الجزاء، لأنه ليس للمحكمة أن تقضي بما لم يطلبه الخصوم.
- أن تتوافر إحدى الحالات الثلاثة التي نصت عليها المادة (77) على سبيل الحصر وهي:
- أن لا يقر المحجوز لديه بما في ذمته على الوجه وفي الميعاد المبينين في المادة (76)، أي أن لا يقوم بالتقرير مطلقا، أو لا يقوم به في دائرة التنفيذ الواجب التقرير أمامها، أو لا يقوم به في الميعاد المحدد، أو يقوم به في الميعاد في دائرة التنفيذ ولكن لا يتضمن البيانات التي يجب أن يتضمنها.
- أن يقرر المحجوز لديه غير الحقيقة، كأن يقرر أنه غير مدين مع كونه مدينا، أو أنه مدين بأقل مما في ذمته مع كونه مدينا بأكثر مما قرر به، ثم تثبت هذه العلاقة أو يثبت تناقض في ذات التقرير بين أجزائه. ولم يشترط النص غش المحجوز لديه في التقرير، غير أن الفقه يتجه إلى أن تعبير تغيير الحقيقة يقتضي بذاته وجوب توافر سوء النية مع تعمد مجانبة الحقيقة أي العلم والعمد.(16)
- أن يخفي المحجوز لديه الأوراق التي يجب عليه إيداعها لتأييد التقرير، ويشترط لتوافر هذه الحالة أن يثبت وجود هذه الأوراق لدى المحجوز لديه؛ وأنه امتنع عمدا عن إيداعها مع علمه بوجودها والتزامه بهذا الإيداع.
وإذا توافرت إحدى هذه الحالات، يكون للدائن الحاجز أن يقيم دعوى بالإجراءات المعتادة لدى قاضي التنفيذ التابع له موطن المحجوز لديه، لمطالبة المحجوز لديه بالدين المحجوز من أجله والتعويض عن الضرر المترتب على تخلفه عن التزامه بالإضافة إلى المصاريف. وله إثبات دعواه بكافة طرق الإثبات باعتباره من الغير بالنسبة للمحجوز لديه.
ولقاضي التنفيذ سلطة تقديرية عند الفصل في الدعوى، فيجوز له الحكم على المحجوز لديه بكل الدين المحجوز لأجله أو بعضه، كما قد يحكم برد الدعوى رغم ثبوت المخالفة على أن يبين في قراره سبب ذلك. ولكن على القاضي في جميع الأحوال، أي حتى لو رفض الحكم للحاجز، أن يحكم على المحجوز لديه بمصاريف الدعوى والتعويضات التي يستحقها الحاجز عن تقصير المحجوز لديه أو تأخيره تقديم التقرير بما في ذمته.
وإذا قرر قاضي التنفيذ الحكم على المحجوز لديه بدين الحاجز، فإن هذا الحكم يعد سندا تنفيذيا بحق الدائن يجوز التنفيذ بمقتضاه على أموال المحجوز لديه الشخصية. فإذا اقتضى الدائن الحاجز دينه من المحجوز لديه بناء على هذا الحكم، فإن ذلك يعد بمثابة وفاء بدين الحاجز في مواجهة المحجوز عليه، ويحل المحجوز لديه محل الحاجز في حقوقه بالنسبة لما يزيد عما يكون المحجوز لديه مدينا به للمحجوز عليه؛ لأنه لا يجوز أن تكون نتيجة الحكم في هذه الدعوى أن يثري المحجوز عليه بلا سبب.
أما إذا كان الحجز واقعا على راتب أو أجر، ولم يقم الموظف المختص باقتطاع النسبة المقررة من الراتب أو اقتطع مبلغا أقل مما يجب، فإنه وفق المادة (52/2) من قانون التنفيذ تحصل دائرة التنفيذ من راتب ذلك الموظف أو من أمواله الأخرى المبلغ الذي قصّر في قطعه وتوقيفه دون أن تكون مضطرة للحصول على حكم عليه بذلك. ويكون لذلك الموظف الحق بالرجوع على المدين بما حصل منه.
الفرع الثالث
تسليم الأموال والديون لدائرة التنفيذ
نصت المادة (78) من قانون التنفيذ على ما يلي:
- يجب على الشخص الثالث بعد سبعة أيام من تاريخ إقراره أن يسلم إلى دائرة التنفيذ الأموال والديون التي أقر بها أو ما يفي منها بحق الحاجز.
- يحق للشخص الثالث خصم المصاريف التي أنفقها من الدين المترتب في ذمته بعد إقرارها من قاضي التنفيذ.
- إن كان المال مما يخشى تلفه أو هلاكه، فيتم تسليمه لدائرة التنفيذ خلال يوم واحد وتقوم دائرة التنفيذ خلال ثلاثة أيام بحد أقصى ببيعه بمزاد علني ويودع الثمن لدى دائرة التنفيذ.
يتبين من هذا النص أنه أوجب أن تمضي سبعة أيام من تاريخ إقرار الشخص الثالث المحجوز لديه، وبعدها يجب على المحجوز لديه أن يسلم إلى دائرة التنفيذ الأموال والديون التي أقر بها، أو ما يفي منها بحق الحاجز، ولا يجوز إجبار المحجوز لديه قبل انقضاء هذه المدة على التسليم؛ وذلك لضمان إخطار المحجوز عليه بالحجز خلال السبعة أيام التالية لتبليغ الشخص الثالث، حتى يتمكن من الاعتراض على الحجز إن كان له سبب وتجنب الوفاء للحاجز بما لدى الشخص الثالث.
أما إذا كان المال المحجوز مما يخشى تلفه أو هلاكه، فإن على الشخص الثالث المحجوز لديه أن يسلم هذا المال إلى دائرة التنفيذ خلال يوم واحد من تاريخ إقراره، ويتوجب على دائرة التنفيذ خلال ثلاثة أيام كحد أقصى أن تقوم ببيعه بمزاد علني وإيداع الثمن في خزانة الدائرة لديها.
ويجوز للشخص الثالث المحجوز لديه أن يخصم المصروفات التي أنفقها من الدين المترتب في ذمته بعد إقرارها من قاضي التنفيذ، فإذا لم يقرها لا يجوز خصمها.
وإذا أخل الشخص الثالث المحجوز لديه بهذا الواجب ولم يسلم الأموال والديون التي أقر بها إلى دائرة التنفيذ، فإنه يكون على دائرة التنفيذ وفق المادة (79) من قانون التنفيذ أن تحجز هذه الأموال أو ما يعادل قيمتها من أموال الشخص الثالث وتباشر بيعها بالطرق والإجراءات المنصوص عليها في القانون لاقتضاء حقوق الدائن الحاجز.
(1)(1) المعجم الوسيط جزء أول، طبعة 3، مجمع اللغة العربية، القاهرة، صفحة 164.
(2)(2) عباس العبودي، صفحة 100. ويختلف الحجز التنفيذي عن الحجز الاحتياطي الذي هو إجراء وقائي مؤقت يتم بموجبه وضع أموال المدين تحت تصرف القضاء لمنعه من التصرف فيه تصرفا ضارا بحق الدائن بدين لا زال محل نزاع. وهو يرد على الأموال المنقولة وغير المنقولة ويهدف إلى ضبط الأموال المحجوزة مؤقتا وليس إلى بيع تلك الأموال، ولا يشترط أن يكون حق الدائن معين المقدار بل يكفي أن يكون محقق الوجود وحال الأداء. وهو يخضع لقانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية ووردت حالاته على سبيل المثال فيحق للدائن توقيع الحجز الاحتياطي في أية حالة يرى فيها أن ضمانه العام قد يتعرض للضياع أو الفقدان.
(3)(3) عبد الله الفرا، صفحة 213.
(4)(4) المواد 8/1 و70 و110/1و2 من قانون التنفيذ.
(5)(5) المادتان 2/1و 11/1 من قانون التنفيذ.
(6)(6) المادتان 3/1 و4/1 من قانون التنفيذ.
(7)(7) المادتان 9 و16 من قانون التنفيذ.
(8)(8) وجدي راغب، النظرية العامة للتنفيذ القضائي، صفحة 32. فتحي والي صفحة 239.
(9)(9) عبد الله الفرا، صفحة 162 و163.
(10)(10) لمزيد من التفاصيل يرجع لكتابنا الكافي في شرح قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم (2) بسنة 2001، المكتبة الأكاديمية 2019 صفحة 195 وما بعدها.
(11)(11) نقل المشرع هذه المادة عن المادة (282) من قانون المرافعات المصري، لذلك فإن عبارة (وذلك دون الحاجة إلى تفويض خاص) لا لزوم لها لأن المادة المذكورة تتكلم عن المحضر الذي قام بالتبليغ حيث نصت (على المحضر عند إعلان السند التنفيذي أو عند قيامه بالتنفيذ قبض الدين عند عرضه عليه مع إعطاء المخالصة وذلك دون حاجة إلى تفويض خاص). فالمقصود هنا هو تفويض المحضر وليس دائرة التنفيذ المكلفة بالتنفيذ بحكم القانون
(12)(12) أحمد أنو الوفا، إجراءات التنفيذ، صفحة 480.
(13)(13) المادة (40/1) من قانون التنفيذ
(14)(14) بينما نصت المادة (332) من قانون المرافعات المصري على أن الحجز في هذه الحالة يعتبر كأن لم يكن، وهذا الجزاء يترتب بقوة القانون فتزول الآثار التي ترتبت على قيامه دون حاجة إلى صدور حكم باعتبار الحجز كأن لم يكن منذ توقيعه بأثر رجعي أي منذ تبليغ المحجوز لديه بورقة الحجز.
(15)(15) وهو ما ذهب إليه شارحو هذه المادة، يرجع إلى رائد عبد الحميد؛ صفحة 235و236، أسامة الكيلاني صفحة 217، عبد الله الفرا، صفحة 261.
(15)(15) ورود عبارة (وأسباب انقضائها إذا كانت قد انقضت) في الفقرة الأولى من هذه المادة في غير موضعه لأن الدين الذي انقضى لم يعد في ذمة المحجوز لديه، ولذلك نقترح نقل هذه العبارة إلى الفقرة الثانية لتصبح (لا يعفى الشخص الثالث من واجب إقراره أن يكون غير مدين للمدين المحجوز عليه، بل يجب عليه ذاك ولو سبق انقضاء مديونيته وبيان أسباب انقضائها).
(16)(16) أحمد المليجي، الجزء السادس، صفحة 338.