يتضح مما تقدم أن للفظ الشركة في نظر القانون معنيان ، الأول عقد الشركة ، والثاني شخصية الشركة . وأن عقد الشركة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بشخصيتها ، لأن العقد هو الذي ينشئ شخصية الشركة، فلا يتصور وجود شخصية الشركة بدون وجود عقد الشركة .
وعلى ذلك فإننا سوف نبحث أولاً في عقد الشركة ، ثم نتبع ذلك بدارسة الشركة كشخص اعتباري في مبحثين على التوالي .
المبحث الأول : | عقد الشركة . |
المبحث الثاني : | الشركة كشخص حكمي . |
المبحث الأول
عقد الشركة
عقد الشركة – كسائر العقود – يلزم لانعقاده أن تتوفر فيه الأركان الموضوعية العامة في العقود وهي : الرضاء ، والأهلية ، والمحل ، والسبب .
وبالإضافة لهذه الأركان العامة ، يوجب المشرع أن تتوفر في عقد الشركة أركان خاصة تتفق وطبيعته ، لا نظير لها في غيره من العقود وتتمثل في : تعدد الشركاء ، ووجوب تقديم الحصص أو المساهمة في رأس المال ، ونية المشاركة واقتسام الأرباح والخسائر .
ونحيل بالنسبة للأركان الموضوعية العامة لنظرية العقد ، ونقتصر هنا على بيان الأركان الموضوعية الخاصة ، ثم نتكلم عن الشروط الشكلية في عقد الشركة في مطلبين.
المطلب الأول
الأركان الموضوعية الخاصة
يلزم لإبرام عقد الشركة توفر أركان موضوعية خاصة مستمدة من جوهر عقد الشركة ذاته وهي : تعدد الشركاء ، وتقديم الحصص أو المساهمة في رأس المال ، ونية المشاركة واقتسام الأرباح والخسائر .
الفرع الأول
تعدد الشركاء
عقد الشركة كسائر العقود يفترض وجود شخصين على الأقل حتى يمكن التقاء الإيجاب بالقبول . فوجود شخصين هو أمر جوهري في جميع العقود ولا ينفرد به عقد الشركة .
ومع أن القاعدة أن تكون الشركة بين شخصين على الأقل ، نجد أن قانون الشركات لسنة 1964 اشترط أن لا يقل المؤسسون لشركة مساهمة عامة عن سبعة أشخاص . كما لا يجوز أن يزيد عدد الشركاء في الشركات العادية عن عشرين شخصاً ، وفي الشركات المساهمة الخصوصية عن خمسين شخصاً ، فإذا زاد العدد عن ذلك وجب أن تكون الشركة في شكل شركة مساهمة عامة .
ولا يهم أن يكون الشريك شخصاً طبيعياً أو شخصاً حكمياً ، ولكن لا يجوز أن يكون الشخص الحكمي شريكاً متضامناً ، بل يجب تحديد مسؤوليته بمقدار مساهمته في رأسمال الشركة . وعلى ذلك لا يجوز أن يكون شخص حكمي شريكاً متضامناً في شركة عادية عامة أو محدودة .
ويلاحظ أن القانون الفلسطيني لا يتضمن أية قيود بشأن العلاقة بين الشركاء، فيجوز تأسيس الشركات بين الأقارب والأزواج . ولكن يجب أن تكون مساهمتهم حقيقية لا وهمية.
الفرع الثاني
تقديم الحصص أو المساهمة في رأس المال
يلتزم كل شريك بأن يساهم بنصيب في رأسمال الشركة يطلق عليه الحصة في الشركات العادية والسهم في شركات المساهمة .
ويحدد رأسمال الشركة في عقد تأسيسها ، ويشترط القانون أن لا يقل رأس المال عن حد معين كشرط لتأسيس بعض الشركات . ويجب من ناحية أخرى أن يكون كافيا لتحقيق غرض الشركة .
ويقوم الشركاء بتحديد حصة كل منهم سواء كان وطنياً أم أجنبياً ، غير أن القانون يشترط أن لا تتجاوز مجموع قيمة مساهمة الأجنبي عن 49% من رأس المال ، باستثناء الشركات الصناعية والسياحية والخدمات المتعلقة بالأعمال بالسياحة .
ويلتزم الشريك بتقديم حصته في الوقت المتفق عليه في العقد ، فإن تخلف عن ذلك كان للشركة حق التنفيذ الجبري ، بالإضافة لطلب التعويض عما لحقها من ضرر.
والحصص التي يقدمها الشركاء على ثلاثة أنواع :
- الحصة النقدية : وهي الغالب ، ويحدد عقد تأسيس الشركة أو نظامها الداخلي الوقت الذي يجب أن يتم فيه دفع هذا المبلغ ، سواء بدفعه مرة واحدة عند توقيع العقد ، أم بدفع جزء منه عند تأسيس الشركة والباقي في أوقات لاحقة.
وقد أوجب قانون الشركات أن لا يقل القسط الواجب تسديده عند الاكتتاب في أسهم شركة مساهمة عن ربع قيمة السهم الاسمية ، وتسديد كامل قيمته خلال أربع سنوات من تاريخ تسجيل الشركة .
- الحصة العينية : كأن تكون عقاراً مثل قطعة أرض لإنشاء مصنع عليها ، أو بناء أو منقولات مادية مثل الآلات ، والسيارات ، والمهمات ، والبضائع . أو منقولات معنوية مثل علامة تجارية، أو براءة اختراع … الخ .
ويوجب القانون تقدير قيمة الحصة العينية بالنقود وقت تقديمها منعا للمنازعات في المستقبل ، ولتحديد حصة ذلك الشريك في رأسمال الشركة .
وقد يكون تقديم قيمة الحصة العينية على وجه التمليك ، وفي هذه الحالة يلزم استيفاء إجراءات نقل الملكية إلى الشركة . وقد يكون ذلك على سبيل الانتفاع كحق إيجار عقار أو علامة تجارية . ويكون الشريك في هذه الحالة في مركز المؤجر ، والشركة في مركز المستأجر رغم أن هذه العلاقة ليست إيجاراً بالمعنى القانوني .
- الحصة بالعمل : يجوز أن تكون حصة الشريك في الشركة عملاً يقدمه .
والعمل الذي يصح اعتباره حصة في الشركة هو العمل الذي يعود على الشركة بنفع جدي ويسهم في نجاح المشروع ، أي عملا يعتمد على الخبرة الفنية مثل إدارة المصنع أو الإشراف الهندسي على الإنتاج .
وعلى الشريك بالعمل أن يكرس للشركة نشاطه ويقوم بالعمل الذي تعهد به، ولا يجوز له أن يقوم بنفس العمل لحسابه الخاص أو لحساب شخص آخر طوال الفترة المتفق عليها .
ويحدد عقد الشركة – في الغالب – نصيب الشريك بالعمل في الأرباح والخسائر .
والحصة بالعمل لا تكون إلا من شريك متضامن في شركة عادية عامة أو عادية محدودة فقط .
والحصة بالعمل لا تدخل في تكوين رأسمال الشركة . لذلك لا يجوز أن تقتصر حصص جميع الشركاء على العمل الذي يقوم به كل منهم ، بل يجب أن تكون إحدى الحصص على الأقل نقدية أو عينية لتتكون ذمة مالية للشركة يمكن التنفيذ عليها واعتبارها ضمانا عاما لدائني الشركة .
الفرع الثالث
نية المشاركة واقتسام الأرباح والخسائر
أولا : نية المشاركة
يقصد بنية المشاركة أو الاشتراك انصراف إرادة الشركاء إلى التعاون الإيجابي وعلى قدم المساواة فيما بينهم من أجل تحقيق أهداف الشركة .
ويبدو التعاون الإيجابي بين الشركاء في تقديم الحصص ، وتنظيم إدارة الشركة والإشراف عليها والرقابة على أعمالها ، وقبول المخاطر التي قد تنجم عن المشروع الذي تقوم عليه وتحمل نتائجه غنماً وغرما .
ويكون هذا التعاون على قدم المساواة . ولا يقصد بالمساواة هنا المساواة الحسابية في الربح والخسارة ، بل تساوي مراكز الشركاء القانونية في الإشراف والتوجيه والرقابة على إدارة الشركة بحيث لا يكون بينهم تابع ولا متبوع، بل يعمل الجميع من أجل الشركة.
ثانياً : اقتسام الأرباح والخسائر
يهدف الشركاء من الشركة تحقيق الربح واقتسامه بينهم . وبدل أن تحقق الشركة ربحاً قد تمنى بخسارة .
وسواء حققت ربحاً أم منيت بخسارة فإن الشركاء يقتسمونها جميعاً فيما بينهم . ويتفق الشركاء على توزيع الأرباح والخسائر بالكيفية التي يرونها مناسبة لهم ، ولا يشترط أن يكون نصيب الشريك في الأرباح مساوياً لنصيبه في الخسائر ، بل يجوز أن يكون نصيب الشريك في الأرباح مختلفا عن نسبة حصته في الخسائر .
ولا يحد من حرية الشركاء في كيفية توزيع الربح والخسارة سوى الشرط الذي يقضي بحرمان أحد الشركاء من الربح مع تحمله في الخسارة ، أو يقضي بإعفاء شريك من الخسارة مع حصوله على الربح . ويسمى هذا الاتفاق شرط الأسد ، لأن الشريك الذي يفرضه لصالحه يكون في موقف قوي .
وهذا الشرط يعد باطلاً لأنه يتعارض مع جوهر الشركة . كما يكون عقد الشركة باطلا أيضا ، وتتم تصفية الشركة ويوزع الربح أو الخسارة الناتجة عن نشاطها بنسبة حصة كل شريك في رأس المال وفق القواعد العامة في القانون .
ويسري نفس الحكم إذا كانت نسبة الاشتراك في الربح أو الخسارة ضئيلة بحيث تصل إلى درجة التفاهة لأنها تساوي تماما شرط الأسد وتخفي احتيالا على القانون .
والأرباح التي توزع هي الأرباح الصافية بعد خصم جميع المبالغ التي ينص عليها عقد الشركة والتي يقررها القانون أو العرف، كالمصاريف العامة والاستهلاكات، والاحتياطي القانوني والاتفاقي .
وإذا لم تحقق الشركة ربحا في سنة يجوز لها أن توزع نسبة من الاحتياطي ، إن وجد ، فإذا لم يكن هناك احتياطي لا يجوز للشركة أن تقتطع جزءا من رأس المال وتوزعه كأرباح صورية . فإذا قامت الشركة بتوزيع أرباح صورية يجوز لدائنيها مطالبة الشركاء بإرجاع هذه المبالغ إلى الشركة حتى يعود رأس المال إلى مبلغه الأصلي تطبيقا لمبدأ ثبات رأس المال باعتباره الضمان العام للدائنين .
وإذا منيت الشركة بخسارة تقوم الشركة بتغطيتها من الاحتياطي إن وجد ، أو من الأرباح التي تتحقق في السنوات التالية . ولا يجوز توزيع أرباح على الشركاء إلا بعد إعادة رأسمال الشركة إلى قدره الحقيقي ، أو نقص رأس المال إلى القدر الموجود بعد الخسارة وشهر ذلك وفق القانون .