من أسباب تعثر المفاوضات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل رفض الأخيرة بحث مسألة الحدود بين الدولتين. ومن الغريب أن تسود مقولة أن إسرائيل دولة بلا حدود، وأن تغرق المفاوضات بين الجانبين في جدل عقيم حول رسم وتحديد الحدود، وأن تكون هذه المسألة محل تفاوض، بدل أن يكون جوهر البحث والتفاوض حول آلية وجدول زمني لانسحاب إسرائيل من أراضي الدولة الفلسطينية التي احتلتها سواء عام 1967 أم قبل ذلك.
فإسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تكونت بقرار من المجتمع الدولي؛ حيث كان قرار عصبة الأمم بتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين وتكليف دولة الانتداب تنفيذ ذلك؛ هو الوسيلة لتوفير عنصر السكان اللازم لإقامة الدولة، كما كان قرار التقسيم الصادر في 29 تشرين ثاني –نوفمبر عام 1947 هو الوسيلة الوحيدة لتحديد عنصر الإقليم فيها، ولولا هذين القرارين مجتمعين لما أمكن إقامة هذه الدولة.
وبصرف النظر عن مدى انسجام قرار التقسيم مع صلاحيات الجمعية العامة للأمم المتحدة وفقا لنظام الوصاية؛ أو مع فكرة العدالة من حيث توزيع الأراضي بين الدولتين المقترحتين، فإن العبرة هي بآثار هذا القرار على فكرة السيادة؛ ومن هم السكان الذين تكمن فيهم، سواء في الدولة اليهودية أو الدولة العربية اللتين تقرر إقامتهما.
فقد أعلن المجلس الوطني اليهودي بتاريخ 14 أيار- مايو 1948 وجود دولة إسرائيل في ذات التاريخ الذي أعلنت فيه بريطانيا إنهاء انتدابها على فلسطين وانسحابها منها، كما أعلنت حكومة هذه الدولة الجديدة قبولها لقرار التقسيم؛ وقرار الجمعية العامة رقم 191 الصادر في 11 كانون أول – ديسمبر1948 القاضي بعودة اللاجئين وتعويضهم وتعهدت بتنفيذهما؛ ومن ثم تم قبولها في الأمم المتحدة بناء على هذا القبول والتعهد.
وإعلان أول حكومة إسرائيلية قبول قرار التقسيم يعني بكل وضوح اعترافها بأن حدودها الدولية هي الحدود التي رسمها قرار التقسيم. والتزامها بميثاق الأمم المتحدة بعد قبولها عضوا فيها يعني التزامها بعدم الاستيلاء على أراض خارج حدودها الدولية المقررة بموجب قرار التقسيم، إلا أن هذه الدولة الجديدة تجاوزت هذه الحدود واستولت على أراض أخرى مخصصة للدولة العربية، وهذا الاستيلاء بالقوة يعتبر احتلالا لإقليم أجنبي. ومع استمرار وجود حالة الحرب؛ فإنه لا يترتب أي حق لإسرائيل على هذا الجزء؛ بل يجب إعادته لأصحابه بعد انتهاء حالة الحرب بين الطرفين.
كما أن قبول إسرائيل بقرار الجمعية العامة القاضي بعودة اللاجئين وتعويضهم؛ يعني اعترافها بأن هؤلاء اللاجئين هم مواطنون لهم الحق في ممتلكاتهم التي تقع ضمن حدودها، كما لهم الحق في المساواة مع غيرهم من المواطنين، وكان التعبير العملي عن الإقرار بهذه الحقوق هو تشكيل مكتب المسئول عن أموال الغائبين؛ وعدم إجراء تغييرات جوهرية في هذه الأملاك إلى ما بعد حرب حزيران عام 1967، حيث احتلت ما بقي من فلسطين، وصدر على أثرها قرار مجلس الأمن رقم 242 بتاريخ 22 تشرين الثاني – نوفمبر 1967 الذي تضمن المبادئ التالية:
1- أكد على ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة من مبادئ وهي
أ- عدم جواز الاستيلاء على أراض بالقوة بواسطة الحرب.
ب- حق جميع الدول في العيش بأمن وفي احترام واعتراف بسيادة ووحدة أراضي كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد أو أعمال القوة، التزاما بالمبادئ الواردة في المادة 2 من الميثاق.
2- دعا الأطراف المتنازعة إلى فض منازعاتهم بالوسائل السلمية وفقا للمادتين 2 و33 من الميثاق.
3- دعا – كتدابير مؤقتة وفق المادة 39 من الميثاق – إلى سحب القوات المسلحة الإسرائيلية من أراض احتلتها في النزاع الأخير ( النص الفرنسي يقول من الأراضي المحتلة ).
4- تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
5- ضمان المناعة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة عن طريق إجراءات من بينها إقامة مناطق مجردة من السلاح.
ويتبين مما تقدم أن قرار مجلس الأمن رقم 242 لم يتضمن أية قواعد موضوعية تتناول جوهر المشكلة؛ أو مطالب وادعاءات أطراف النزاع، بل رسم إطارا شكليا أو إجرائيا ليتم تسوية النزاع من خلاله. وبالتالي فإن هذا القرار لم يتعرض لمسألة السيادة على المناطق المحتلة بشكل عام أو التي احتلت عام 1967 بشكل خاص، بل تبقى هذه المسألة خاضعة لقرار التقسيم الذي نشأت دولة إسرائيل وفقا له؛ باعتباره القرار الذي رسم حدود الدولتين رسما دقيقا موثقا بخرائط.
ولما كانت المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة قد بينت وسائل حل المنازعات سلما فنصت على أنه (1- يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يتلمسوا حله بادئ ذي بدء بطرق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجئوا إلى الوكالات والمنظمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها. 2- ويدعو مجلس الأمن أطراف النزاع إلى أن يسووا ما بينهم من النزاع بتلك الطرق إذا رأى ضرورة لذلك).
ولما كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد سلكت طريق المفاوضات مع إسرائيل لسنوات من أجل انسحابها إلى حدود عام 1967 تنفيذا لقرار مجلس الأمن رقم 242 دون جدوى، فإن عليها والحالة هذه أن تعود للأمم المتحدة مطالبة بتنفيذ القسم الثاني من قرار التقسيم الخاص بالدولة العربية، أسوة بالقسم الأول، وإلزام إسرائيل بما تعهدت به كشرط لقبولها في الأمم المتحدة. ذلك أن قرار الجمعية العامة بتقسيم فلسطين إلى دولتين يستوجب تنفيذ هذا القرار بشقيه، أي إقامة الدولة اليهودية والدولة العربية معا، وبالتالي فإن الاقتصار على تنفيذ شق واحد منه يكون موقوفا على تنفيذ الشق الآخر، ولذا فإن عدم إقامة الدولة العربية يعني عدم شرعية أو قانونية إقامة الدولة اليهودية، لأن القيمة القانونية للقرار واحدة لا تتجزأ.
أما بخصوص المستوطنات غير الشرعية التي أقيمت في الأراضي المحتلة عام 1967، فإن الوضع المحلي والعربي وما يعانيه اللاجئون في كل من سوريا ولبنان، يؤدي إلى التفكير جديا في تبني فكرة نقل سكان المخيمات في هذين البلدين إلى هذه المستوطنات كمرحلة أولية مؤقتة للتخفيف من معاناتهم، إلى أن يتم حل مشكلتهم حلا عادلا، كبديل لما تطالب به إسرائيل بخصوص تعديل الحدود وضم هذه المستوطنات إليها.