إعداد أ .د. عثمان التكروري قاضي المحكمة العليا سابقا |
إدارة الدعوى المدنية في التشريع الفلسطيني
مقدمة البحث:
للمحكمة الحق في رسم السياسة العامة التي تتبعها في إدارتها للدعوى، فهي من يملك الحق في تسيير الدعوى بشكل يضمن لها أفضل السبل في تحقيق الهدف منها، فهي لا تلزم بإتباع إجراءات صارمة وثابتة بشكل ثابت ودائم، وإنما تتولى إتباع سبل مختلفة بهدف تحقيق الغاية من الدعوى؛ فتطبق من الإجراءات ما تراه مناسبا؛ أي طبقا لاجتهادها بعد أن تقوم بدراسة القضية وموضوعها وأطرافها وأهميتها، فدور المحكمة في ذلك أقرب إلى دور المهندس الذي يضع نموذجا لكل بناء على حدة وفقا لطبيعته. والمعيار الأساسي الذي ترتكز عليه إدارة الدعوى يقوم على عامل الوقت واختصار أمد المنازعة، وعليه يمكن تعريف إدارة الدعوى بالاعتماد على هذا العامل بأنها: نظام شامل لإدارة الوقت والأحداث والإجراءات التي تتم في قضية ما منذ بداية تسجيلها في قلم المحكمة حتى نهايتها وإغلاق ملفها.
وسوف نتناول في هذا البحث مفهوم الدعوى المدنية ونشأتها، والأسباب والأهداف للأخذ بنظام إدارة الدعوى المدنية. كما نتناول بالبحث نظام إدارة الدعوى المدنية في فلسطين ومراحل إدارة الدعوى المدنية، وذلك وفقا للخطة البحثية التالية:
أولا– مشكلة البحث:
يمكن صياغة مشكلة البحث في السؤال الرئيسي التالي:
ما هي الأهمية العلمية والعملية للأخذ بنظام إدارة الدعوى المدنية في التشريع الفلسطيني.
ونستطيع أن نستنبط من السؤال الرئيسي التساؤلات الفرعية التالية:
- ماهية مفهوم وأسباب وأهداف إدارة الدعوى المدنية.
- هل يهدف المشرع من وراء هذا النظام تحديد المدة التي يحق لقاضي إدارة الدعوى الفصل فيها، دون منحه الصلاحية لتحديد تلك المدة؟
- هل أخذ قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الفلسطيني نظام إدارة الدعوى؟
- هل سيساهم أي تعديل تشريعي لقانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية تجاه إقرار نظام إدارة الدعوى المدنية في حل مشكلة تكدس القضايا أمام القضاء الفلسطيني؟
- هل تتوافر الإمكانيات البشرية والمالية للأخذ بنظام إدارة الدعوى المدنية حال إقراراها والبدء بتطبيقها؟
ثانيا– إشكاليات البحث:
- عدم كفاية الدراسات في إدارة الدعوى المدنية.
- ندرة اهتمام الفقه القانوني بالبحث والدراسات في إدارة الدعوى المدنية.
- تعدد التشريعات المنظمة لإجراءات التقاضي أمام المحاكم الفلسطينية.
ثالثا– أهمية البحث:
من المستقر عليه أن القضاء يلعب دورا مهما فيما يتعلق بإدارة الدعوى المدنية، ويعد الأخذ بنظام إدارة الدعوى المدنية أحد أهم محددات فاعلية قانون المرافعات ( أصول المحاكمات المدنية والتجارية) والسير في إجراءات الدعوى القضائية في أي دولة من الدول، وسوف يساهم هذا البحث على رفع مستوى العلم بنظام إدارة الدعوى المدنية من حيث الأسس والمرتكزات التي يقوم عليها هذا النظام. كما يساعد كل من يهمه مجال استقلال القضاء والعدالة الناجزة لمعرفة نهج مشرعنا الفلسطيني في إدارة الدعوى المدنية.
رابعا– أهداف البحث:
- بيان السلطات التي منحها المشرع للقاضي لتسهيل السير في إجراءات الدعوى.
- بيان الأسباب الموجبة للأخذ بنظام الدعوى المدنية.
- بيان الأهداف الرئيسية لإدارة الدعوى المدنية.
- تحديد مرتكزات وأسس بناء نظام في إدارة الدعوى.
- الوقوف على أية تعديلات تشريعية تساهم في تحقيق العدالة الناجزة في فلسطين.
خامسا– منهجية البحث:
تتبع هذه الدراسة المنهج التحليلي. تقوم الدراسة بتحليل النصوص القانونية ذات الصلة بموضوع البحث في القوانين الفلسطينية سارية المفعول. تأخذ الدراسة قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم (2) لسنة 2001م كأساس ونستعين أيضا بالأحكام الخاصة بالسلطة التقديرية للقاضي كما جاءت في قانون البينات في المواد المدنية والتجارية رقم (4 ) لسنة 2001م وقانون رسوم المحاكم النظامية رقم (1) لسنة 2003م، مما سيمكننا من معرفة أين يقف المشرع الفلسطيني فيما يتعلق بموضوع الدراسة. ويهدف التحليل إلى الكشف عن الجوانب التي يكتنفها الغموض في التشريعات الفلسطينية، وتقديم الحلول والضمانات الكافية لإزالة هذا الغموض والاستفادة منه في التسريع في سير إجراءات الدعوى. تستعين الدراسة بآراء الفقه المختلفة حول الموضوع محل البحث وما دار حولها من جدل واختلاف في الرأي لاستخلاص المبادئ التي يستند إليها نظام إدارة الدعوى المدنية.
سادسا– أداة البحث:
اعتمد الباحث على المراجع والكتب والدوريات العربية والأجنبية والزيارات الميدانية لمجلس القضاء ونقابة المحامين وغيرها من المؤسسات الحقوقية
سابعا– الإطار النظري للبحث:
يقوم مبدأ إدارة الدعوى المدنية على السيطرة المبكرة على الدعاوى القضائية من خلال وصفها منذ تقديمها تحت إشراف قاض مختص يسمى قاضي إدارة الدعوى المدنية ويتولى هذا القاضي مراقبة جميع إجراءات الدعوى بما فيها عملية التسجيل لدى قلم المحكمة وتبادل اللوائح والتبليغ واستكمال البيانات والاجتماع مع الخصوم وحصر نقاط الخلاف والاتفاق وتحديد جوهر النزاع وتقديم تقرير بذلك مع محضر الجلسة إلى قاضي الموضوع الذي بدوره سيتولى النظر في القضية.
وتهدف إدارة الدعوى المدنية إلى اختصار الإجراءات الإدارية والقضائية التي تؤخر فصل الدعاوى وتضطر قاضي الموضوع إلى التأجيل مرة بعد مرة لإتمام هذه الإجراءات.
ثامنا– خطة البحث:
تم تقسيم هذا البحث إلى ثلاثة مباحث. يناقش المبحث الأول مفهوم ونشأة نظام إدارة الدعوى المدنية. المبحث الثاني يدرس أسباب وأهداف إدارة الدعوى المدنية. المبحث الثالث يتناول إجراءات إدارة الدعوى المدنية في التشريع الفلسطيني. ونختم هذا البحث بعدد من النتائج والتوصيات.