تمهيد
أسباب اندماج الشركات وأهميته:
أدى تطور النشاط الاقتصادي واحتكار الشركات الأمريكية للتكنولوجيا الحديثة، وحاجتها لموارد مالية واسعة، إلى موجة من الاندماجات بين الشركات الأمريكية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وقد أسفرت هذه الاندماجات عن ظهور سوق احتكار القلّة في الولايات المتحدة، وكان هذا يمثل سياسة عامة ارتبطت بالرغبة في تحطيم عدد كبير من الشركات المتوسطة والصغيرة وشهر إفلاسها. (1)
ومن جهة أخرى عملت الولايات المتحدة على فرض سيطرتها الاقتصادية على دول أوروبا الغربية وغيرها من الدول، فشجعت الاستثمارات الأمريكية في هذه الدول وخاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا، وقد استطاعت الشركات الأمريكية أن تفرض سيطرتها على الشركات الأوروبية وامتلاك عدد متزايد من الشركات الصناعية الأوروبية؛ مما عرّض الشركات الأوروبية لمنافسة شديدة حتى غدت مهددة بالانهيار.
ولمواجهة السيطرة التي حققتها الشركات الأمريكية، لجأت الشركات الأوروبية للاندماج كوسيلة لتدعيم قدرتها على المنافسة والدفاع عن وجودها واستمرارها في حلبة المنافسة، والمحافظة على استقلالها.
ولم تقتصر الاندماجات الأوروبية المضادة على المستوى الوطني لكل دولة أوروبية، بل اتجهت السوق الأوروبية المشتركة إلى تشجيع سياسة الاندماج بين الشركات التابعة لدولتين أو أكثر من الدول الأعضاء في السوق، وبذلت محاولات جديّة لتفادي الصعوبات التي تعترض الاندماج على مستوى السوق. (2)
يتبين من ذلك أن اندماج الشركات هو وسيلة من وسائل التركيز الاقتصادي التي يتميز بها الاقتصاد المعاصر، (3) وتحول المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى مشروعات ضخمة، وذلك إما لرغبة الشركات المندمجة في التعاون لتحقيق التكامل بينها عن طريق تجميع أدوات الإنتاج لدعم القدرة على المنافسة وزيادة الإنتاجية وطرح منتجات جديدة وتحسين جودة السلع؛ وتخفيض تكلفة الإنتاج وخفض الأسعار، مما يسهم في رفع مستوى المعيشة وازدهار الاقتصاد القومي؛ وزيادة الربحية التي يحصل عليها المساهمون، وهو أمر محمود ومطلوب، ويكون مرغوبا فيه من قبل المساهمين والمستهلكين والسلطة العامة.
وإما رغبة في السيطرة والاحتكار، بما ينعكس سلبا على جودة السلع وأسعارها ووفرتها، ويعرقل ظهور واستمرار المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ويسمح بسيطرة الشركات الكبيرة، ويكون في هذه الحالة مذموما وغير مرغوب فيه. (4) وإما كرد فعل لمواجهة السيطرة والاحتكار لدعم قدرتها على المنافسة والمحافظة على بقائها.
فالاندماج لا يعد مزية أو عيبا على طول الخط، ولكنه ظاهرة اقتصادية يختلف الحكم عليها بحسب ظروف كل حالة، والغاية التي يسعى إلى تحقيقها، فالعبرة بالنتيجة التي ينتهي إليها الاستغلال من حيث الفوائد التي تعود على الشركات المندمجة أو المساهمين فيها؛ والاقتصاد الوطني ، أو المضار التي يمكن أن تلحق بهم بسبب وقوعه. (5)
فقد يقوم الاندماج على الرغبة في التعاون بين الشركات المندمجة لتحقيق التكامل بينها، خاصة إذا كانت هذه الشركات على ذات القدر من الأهمية الاقتصادية، ويكون مرغوبا فيه من قبل المساهمين والمستهلكين والسلطة العامة إذا أسهم في رفع مستوى الحياة؛ وازدهار الاقتصاد القومي؛ وزيادة الربحية التي يحصل عليها المساهمون عن طريق تجميع أدوات الإنتاج وتخفيض تكاليفه؛ وزيادة الإنتاجية؛ وتدفق السلع؛ وخفض الأسعار.
كما قد يكون الاندماج للرغبة في السيطرة، وهو ما يحدث عادة عندما تفوق الشركة الدامجة الشركات المندمجة في الأهمية، ولذلك لا يعد محمودا إذا أدى إلى خلق احتكار أو شبه احتكار في أحد المجالات الاقتصادية؛ ما يؤدي إلى نتائج عكسية بالنسبة لجودة السلع وأسعارها؛ وتدفقها، ويعرقل ظهور واستمرار المشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ ويسمح بسيطرة الشركات الكبيرة، كما قد يخولها نفوذا سياسيا فضلا عن نفوذها الاقتصادي، وهو ما يفزع السلطة العامة ويضطرها إلى التصدي للاندماج باعتباره غير مرغوب فيه. (6)
(1)(1) محمد السيد السعيد، الشركات متعددة الجنسية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1978، صفحة 184. حسني المصري، اندماج الشركات وانقسامها، الطبعة الأولى، 1986، صفحة 14.
(2)(2) محمد السيد السعيد، المرجع السابق، صفحة 194، حسني المصري؛ المرجع السابق؛ صفحة 15.
(3)(3) من وسائل التركيز الاقتصادي الأخرى كل من الكارتل (cartel) وينشأ باتفاق عدة شركات تنتمي لنوع معين من فروع الإنتاج،إما بقصد احتكار السوق، أو لتنظيم المنافسة بينها في حدود الاتفاق، وتبقى كل شركة داخلة في الاتفاق محتفظة بشخصيتها الاعتبارية. عبد الحكيم الرفاعي ، الاقتصاد السياسي ، الجزء الأول ، طبعة أولى، 1936، صفحة 293. ومن هذه الوسائل أيضا الترست (Trust) وهو انضمام عدة شركات تحت إدارة واحدة ، وذلك بأن يودع المساهمون قدرا كافيا من الأسهم لدى مجلس أمناء (Board of trustees) ، ويقوم هذا المجلس بإدارة الشركات بالنيابة بحيث يحتكرون الأسواق. وقد نشأ هذا النوع في أمريكا بلد الاحتكار العالمي. حسام الدين عبد الغني الصغير، النظام القانوني لاندماج الشركات، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، الطبعة الثانية، 2004 ، صفحة 11. وتجمع الشركات حيث تخضع مجموعة شركات تمارس نشاطا اقتصاديا متماثلا أو متكاملا لإدارة اقتصادية موحدة ورقابة على ذممها المالية عن طريق إحدى الشركات التي تأتي على رأس التجمع وتسمى “الشركة الأم “، تسيطر على ملكية الأسهم في هذه الشركات ، وغالبا ما تتحول الشركة الأم إلى شركة قابضة . حسام الدين الصغير، صفحة 10.
(4)(4) كما قد يمنح الاندماج الشركة الكبيرة نفوذا سياسيا واقتصاديا يزعج السلطة العامة في الدولة. حسني المصري ، المرجع السابق، صفحة 9 و 10.
(5)(5) علي حسن يونس ، الشركات التجارية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1963، صفحة 148. يعقوب يوسف صرخوه، الإطار القانوني للاندماج بين البنوك الكويتية، مجلة الحقوق، العدد الرابع، 1993، صفحة 17.
(6)(6) حسني المصري، المرجع السابق، صفحة 9 و 10.